يُؤكد الكثيرُ من العُلماء والمُفكرين أن
الاستقرار النفسي والأسري يعد عاملًا مُهما في تحقيق التنمية الإنسانية المُستدامة
في أي دولة، ولا شك أن هذا الاستقرار له إسهامٌ رئيسي في تحقيق المزيد من الإبداع
والتفكير الإيجابي تجاه الوطن من قبل الموارد البشرية، التي تُمثل رأس المال
الفكري في كافة قطاعات الإنتاج.
ولهذا فقد اتجهت الكثير من الدساتير الحديثة إلى
تضمين حق السكن لكل مُواطن ضمن الحُقُوق التي يجب أن يتمتع بها المُواطن، وذلك
إدراكًا بأن السكن هو منبع الاستقرار النفسي لكافة أفراد الأسرة في المُجتمع،
والأسرة تُمثل مُؤسسة اجتماعية مُهمة، ويُعول عليها تشكيل وتكوين النظام الاجتماعي
والقيمي في المُجتمع.
ومع الزيادة السكانية في المُجتمعات العربية، وفي
ظل التحديات التي تُواجهها الكثير من الدول في توفير السكن الملائم لكل مُواطن،
خاصة إذا ما نظرنا إلى شُح الموارد مُقارنة بزيادة الطلب على بناء الوحدات السكنية
المدعُومة من قبل الدولة لأصحاب الدُخُول المحدُودة نجد الكثير من الحُكُومات تُواجه
صُعُوبات بالغة في تلبية جميع طلبات المُواطنين في ظل الانفجار السكاني المُتزايد،
وزيادة الطلبات على السكن.
والمُتمعن في الأعذار التي تُقدمها إدارات الإسكان
عن عدم استطاعتها تلبية الاحتياجات، وإنها تُعاني من محدُودية الموارد، نجد أنها
غير واقعية. بل يجب عليها التفكير الإبداعي تجاه خلق البدائل لحل مثل هذه الإشكالات،
فزيادة السُكان هي نعمة في ظل الحُكُومات المتنورة، التي تعمل ضمن إستراتيجية في
التطوير والاستثمار في مواردها البشرية.
والمُشكلة السكانية في حقيقتها بحاجة إلى إدارة
واعية، لديها مُبادرات حديثة لحل هذه المُشكلة إذا جاز لنا وصفها بالمُشكلة،
وهُناك الكثير من الدول في العالم بادرت في إيجاد حُلُول عملية لهذه المُشكلة،
وسخرت الكثير من مواردها من أجل توفير السكن الصحي والملائم لكل أسرة.
فإن هذا التوجه له مردُود إيجابي على المدى الطويل
على اقتصاديات الدولة؛ فعندما يتم توفير السكن المُلائم لكل أُسرة يُساعد ذلك على
تكوين أفراد يتمتعون بصحة جسدية ونفسية جيدة، وتتوفر لهُم الظرُوف الصحية
والمناسبة على الاستقرار الأُسري، ومن ثم التوجه بهم تجاه الإبداع والإنتاج في شتى
مجالات الحياة، وُصُولا إلى تحقيق الأمن الاجتماعي.
ومن وُجهة نظري لا يجب الاعتماد على الموارد
السنوية للدولة في التخطيط للسياسات السكانية، بل يجب إشراك مُنظمات المُجتمع
المدني والقطاع الخاص في هذا المجال ضمن المسؤُولية الاجتماعية لهذا القطاع.
فالدولة مواردها محدُودة، وعليها التزامات عديدة
تجاه الكثير من القطاعات المُجتمعية (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية)؛
فهي إذن لا يُمكن أن تحل المُشكلة الإسكانية وحدها دُون إشراك كافة الأطراف في
التنمية الإنسانية (حُكُومة، قطاعًا خاصا، مُنظمات المُجتمع المدني).
وفي اعتقادي أن تخفيض نسبة الفوائد على القُرُوض
الإسكانية خاصة من قبل البُنُوك والمصارف الإسلامية يعد عاملًا مُهما في حل هذه
المشكلة، أضف إلى ذلك ضرُورة وضع إستراتيجيات وخطط حديثة غير تقليدية لمُعالجة هذه
المُشكلة. ومن بين الحلول المُقترحة وضع خيارات مُتعددة للوحدات السكنية، والتشجيع
على التوسُع الرأسي في المدن ذات المساحات المحدُودة.
كما أن إيجاد آليات جديدة وبدائل حديثة للتمويل
الإسكاني دُون الاعتماد على الاعتمادات الحُكُومية أصبح مطلبًا مُهما، ومن بين هذه
البدائل الحديثة الاستفادة من تمويل المصارف التجارية وصناديق التقاعد لبرامج
الإسكان الاجتماعي، وذلك من خلال قُرُوض تُقدمها لشركات المُقاولات والعقارية في
الدولة، مُقابل بيعها للأفراد برُسُوم أو فوائد مُدعمة من قبل الحُكُومة.
فمن خلال هذه العملية نكُون قد أسهمنا في زيادة
الوحدات السكنية التي تتماشى مع زيادة طلبات المُواطنين، بالإضافة إلى تنشيط
الدورة الاقتصادية في البلاد، وتحريك الاستثمارات التي تقُوم بها البُنُوك
التجارية وصناديق التقاعد. أضف إلى ذلك ضمان التمويل المُناسب الذي يُسهم في
استدامة التنمية الاجتماعية في البلاد.