الجمعة، 31 أكتوبر 2014

السبت، 25 أكتوبر 2014

كلمات مضيئة

"إنَّ معالم سياستنا الداخلية والخارجية واضحة؛ فنحن مع البناء والتعمير والتنمية الشاملة المُستدامة في الداخل، ومع الصداقة والسلام والعدالة والوئام والتعايش والتفاهم والحُوار الإيجابي البنَّاء في الخارج. هكذا بدأنا، وهكذا نحن الآن، وسوف نظل -بإذن الله- كذلك، راجين للبشرية جمعاء الخير والازدهار، والأمن والاستقرار، والتعاوُن على إقامة ميزان الحق والعدل".
"إنَّ تحديات المُستقبل كثيرة وكبيرة. والفكر المستنير، والثقافة الواعية، والمهارات التقنية الراقية، هي الأدوات الفاعلة التي يمكن بها مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها".
"إنَّ الأمن والاستقرار نعمة من نعم الله -تبارك وتعالى- على الدول والشعُوب؛ ففي ظلهما يُمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مُختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحو توفير أسباب الرفاه والرخاء والتقدم للمُجتمع.
كما أنَّ مواهب الفرد، وقدراته الإبداعية: الفكرية، والعلمية، والأدبية، والفنية، لا تنطلق ولا تنمو ولا تزدهر إلا في ظل شعوره بالأمن، وباستقرار حياته وحياة أسرته وذويه ومواطنيه؛ لذلك كان من أهم واجبات الدولة قديما وحديثا كفالة الأمن وضمان الاستقرار حتى يتفرغ المُجتمع بكل فئاته، وفي طمأنينة وهدوء بال، للعمل والإنتاج والإنشاء والتعمير.

أمَّا إذا اضطرب حبل الأمن، واهتزت أركان الاستقرار، فإن نتيجة ذلك سوف تكُون الفوضى والخراب والدمار للأمة وللفرد، على حدٍّ سواء. وهذا أمرٌ مشاهد، وواقع ملموس، لا يتطلب كثيرا من الشرح والتوضيح".
قابُوس بن سعيد
سلطان عُمان 
 

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

مناظر من بلادي



من الذكريات

زُرت الهند في تسعينيات القرن الماضي، كانتْ رحلتي الأولى إلى مدينة كوتشي، أو كوتشن، التابعة لولاية كيرالا، قاصدا مدينة إنجمالي لمُقابلة الدكتُور توني، الطبيب المعروف عند أهل قُريات والكثير من العُمانيين. كانت تلك الرحلة أول سفرة لي إلى الهند؛ ولهذا سألت كثيرا، وجمعت معلُومات وفيرة عن المنطقة، وطبيعة التعامل مع سُكانها، مُنذ الوُصُول إلى المطار حتى مُقابلة الدكتُور توني في مستشفى إنجمالي، والذي فيما أعتقد تدعمه الكنيسة المسيحية في تلك الديار.
ولاية كيرالا بالهند لها موقع فريد على المحيط الهندي، وكانت محط أنظار الكثير من العرب، خاصة العُمانيين مُنذ قديم الزمان؛ بهدف تبادل التجارة وصناعة السفن وللسياحة أيضًا؛ حيث تشتهر بمناظرها الخلابة الخضراء، وبأشجار جوز الهند (النارجيل) الباسقة، وكذلك بزراعة الشاي، والكثير من الأشجار والنباتات التي لا تُعد ولا تُحصى.
قبل سفرنا، سمعتُ عن رجلٍ هنديٍّ اسمه ناير، سبق له وأن عمل في السلطنة، وبعد رجوعه إلى بلاده أصبح يخدم كلَّ عُماني يزور كيرالا؛ حيث يتولى الترجمة وتقديم الخدمات اللوجستية للمسافرين العُمانيين، مُقابل ما يُحسنون عليه دُون أي شروط. وصلنا المطار، وأنهينا إجراءات السفر بسهولة ويسر، ومن ثمَّ استقللنا سيارة الأجرة بقصد السكن في أحد الفنادق، وما إنْ دخلنا غرفة الفندق إذا بأحد الأشخاص يطرق علينا الباب! من أنت؟ نسأله. يجيب: أنا ناير، مُصَاحَبة بهزة من رأسه. دخل علينا ناير، وسمع قصة مجيئنا إلى تلك الديار. كما سمعنا منه أيضًا قصة وجوده في عُمان، والأعمال التي اشتغلها، والولايات والقرى التي عمل فيها في عُمان، ودائما يردِّد كلمة: "موه فايدة.. موه فايدة". المهم، اقترح علينا أن نذهب إلى الدكتُور توني في منزله؛ حيث اعتاد أن يقابل بعض المرضى في عيادة فتحها في منزله الخاص؛ لمساعدة أهل بلدته، وبرسوم رمزية.
ذهبنا إلى الدكتُور توني في منزله، وبإجراءات بسيطة قابلناه وعملنا الفحوصات الأولية، وفي الوقت ذاته، قام بتحويلنا إلى المستشفى للترقيد في اليوم التالي لإجراء عملية في العيون لأحد مُرافقينا من الأسرة. الدكتُور توني هذا أحد أشهر أطباء العيون في كيرالا، ووجدنا الكثير من العُمانيين يُعالجون معه، وهو يعمل من الساعة السابعة صباحا وحتى المساء، مُتنقلا من مستشفى إلى آخر لإجراء العمليات، ومن ثمَّ يعاود عمله في عيادة منزله حتى ساعات متأخرة من الليل.
لم أسمع منه يومًا يشتكي من تعب أو ملل؛ فهو مُحب لمهنته، ومُخلص لها. سألته مرة: لماذا لا تُسافر إلى دولة خليجية للعمل هُناك؟ أجابني: ولماذا أسافر وأنا أشعر براحة في بلدي، وبسعادة في خدمة وطني وأهلي، ودخلي هُنا يُضَاعف ما أحصل عليه من هُناك. سمعت اليوم عن الدكتُور توني بأنَّه يملك أحد أكبر المستشفيات لطب العيون في الهند، وورَّث مهنته إلى أحد أبنائه.
المُهم، أخذَنَا ناير في اليوم التالي إلى مستشفى إنجمالي للعيون، وتمَّ تخصيص غرفة لنا، وجدنا الغُرفة مُتواضِعة جدًّا تتكون من سرير خشبي عادي وأثاث بسيط، لا تُوجد تلك الأجهزة التي اعتدنا عليها في الكثير من المستشفيات. وبالمصادفة، وجدنا في المستشفى الكثير من العُمانيين، ومن أهل ولايتنا أيضًا، شعرنا بالارتياح والسكينة في ظل وجودهم.
كما أنَّ ناير كان مُخلِصا في خدمة الجميع، يحضر لنا الأكل والحليب الطازج مع كل وجبة، ولا يُغادِرنا إلا في المساء، وكان يرافق المريض حتى داخل غرفة العمليات، بل وجدته يومًا لابسا ثياب المستشفى من أجل تهدئة مريض شعر ببعض التعب النفسي عند دُخُوله لإجراء العملية.
جميع غُرف المستشفى مُعلَّق فيها الصليب؛ لكون جميع من يعمل فيه من الديانة المسيحية، والمستشفى أيضًا تحت إشراف الكنيسة، ويتلقَّى الدعم منها؛ من أجل مساعدة الضعفاء من سُكان كيرالا ومدينة كوتشن على وجه الخصوص، ودائمًا ما تسمع ترانيم صلوات الممرضات مع الغروب بصوتهن الخافت الجميل.
أخذ يومًا أحد المسلمين من أهل الخليج المرقَّدين في المستشفى الصليب من جدار الغُرفة، ووضعه في الحمام، بحجة أنه مسلم، ويريد أن يصلي في الغُرفة، كُنت أتوقع أن يتم لومه من قبل إدارة المستشفى، إلا أنَّ أمرا من هذا لم يحدث؛ من شدة احترامهم للمسلمين.
سُكان كيرالا يعيشون في سلام مُجتمعي غريب؛ فهم على الرغم من اختلاف اللغات واللهجات والديانات لديهم، إلا أنهم يعيشون في تفاهم وتسامح، لا تجد له مثيلًا في العالم، الكلُّ في شغله وهو حرٌّ في توجهاته ومُعتقداته، لديهم كثافة سُكانية من المسلمين تصل إلى 20% من نسبة السكان، وهم يُؤدُّون عباداتهم بحُرية كاملة في مساجدهم، المنتشرة في أنحاء مُختلفة من كيرالا.
في كيرالا الجميع يجب أن يعمل لكي يُوفر لقمة العيش لأهله وأسرته؛ المرأة عندهم تكد وتكدح في أعمالٍ بعضُها شاقٌّ جدا، حتى في مهنة البناء تجدها موجودة، المهم عندهم العمل. دخلتُ مرة مصنعا في قرية من كيرالا، وجدتهم يزرون الماء باليد بطريقة تقليدية من بئر مفتوحة، ويتم تعبئة زجاجات بالماء، وتضغط على آلة على أنها مياه غازية، المهم عندهم أن يعملوا، وهم أيضًا حريصون جدا على تعليم أولادهم بكل طريقة.
أخذَنَا ناير يوما في نزهة بمدينة كوتشن الجميلة، وكَم من سعادة غمرتني وأنا أشاهد لوحة بنك عُمان الدولي على واجهة أحد المراكز التجارية الكبيرة بمركز المدينة، إنَّه اسم عُمان الغالية، هذا الاسم التجاري للبنك تم تغييره للأسف الشديد بعد اندماج البنك مع بنك HSBC، ليحمل اسمه الجديد، وشعُرت حينها بغصة كبيرة، حتى دفتر وبطاقة حسابي البنكي معهم لا يزال يحمل الاسم القديم، ولم أبدله حتى الآن بالاسم الجديد على الرغم من مطالبتهم بذلك.
على العُموم، صديقنا ناير هذا لا يمُت بصلة إلى الإسلام، إلا أن سلوكه وأمانته جعلت الكثير من العُمانيين يثقون فيه ويحبونه، حتى إنَّ أحدهم سلمه محفظة نقوده، وفيها الآلاف قبل دُخُوله للعملية، وكان حينها وحيدا دُون مرافق، وعندما صحا من العملية وجد ناير على رأسه ساهرًا على خدمته، وحافظا لماله.
يقول ناير إنَّه مُحب لعُمان كثيرا، حتى إنَّه يسجل اسم كل عُماني يزور كوتشن في سجل يحمله في جيبه، مُتفاخرا بأنه يعرف فلان وفلان وفلان من عُمان، وللأسف الشديد علمت مُؤخرا أن ناير قد تُوفِّي؛ وذلك قضاء الله وقدره.
رِحْلَتي الثانية كانتْ إلى مومباي الهندية، لم أشعر بذلك الارتياح عند زيارتي لها كما شعرته في كوتشن الجميلة، مومباي كثيرة الازدحام والتلوث أيضًا، إلا أنها مركز اقتصادي وتجاري مهم في الهند.
كان مقصدُنا لها أيضًا لغرض الاستشفاء، وقد لمسنا مُساعدة طيبة من قِبل قنصلية السلطنة في مومباي، كان حينَها الأخ سعيد السلماني على رأس القنصلية هُناك، وهو بالمناسبة أحد أبناء ولاية قُريات، وكان خدُوما للجميع.
وأثناء هذه الرحلة إلى مومباي، استوقفني رجل كبير في السن من أهل الخليج، جالسا أمام أحد المحلات التجارية، جلستُ بجانبه وتبادلنا الأحاديث والذكريات، فوجدته صاحب حِكمة وخِبرة في الحياة، وسألني عن هدف زيارتي للهند، فأجبته: أنا برفقة والدي من أجل العلاج. حدثني عن سبب زيارته للهند قائلا إنَّ سبب وجوده هنا من أجل متابعة بعض الأوقاف لأهله في الهند، وقال لي أيضا: يا ولدي، لديَّ كلمة لك. قلت: له تفضل الوالد. قال: شباب الخليج مُسرفون وغير مُبالِين بعواقب الدهر والأمور، لم يحسوا بتعب الأيام، همُّهم الرفاهية فقط. وأضاف: الرجل عليه بالأرض، والمرأة عليها بالذهب، في ادخار المال. فهي أفضل استثمار للشباب، وقبل كل شيء تمسُّكهم بالعلم والدين والأخلاق والقيم، مُمتدحا أهل عُمان كثيرا.
كانتْ إقامتنا في مومباي في فندق الخليج، بمنطقة تُسمى كولابا، وأثناء فترة إقامتنا في الفندق تعرَّفت أيضًا على أحد المُقيمين، شاب من أهل الخليج، دائما ما يرتدي ملابس أهل البنجاب الواسعة الفضفاضة، يوما شاهدتُ تجمعا كبيرا خارج الفندق حول هذا الرجل؛ الأمر الذي وصل حدَّ الاعتداء عليه بالضرب، وقد علمتُ لاحقا أنه يقوم ببيع تأشيرات عمل مُقابل مبالغ كبيرة، ومن ثمَّ لا يوفي بوعده.
حينها فكَّرت بناير في كيرالا، ومدى أمانته وخدمته للعُمانيين والخليجيين بصفة عامة، وقارنتُه بهذا الخليجي الذي يُوهِم الفقراء بالعمل، ويمتص أموالهم بوجه غير حق، فوجدتُ بينهما بونا شاسعا.. ودُمتُم سالمين.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

صدور كتاب "الفن الإسلامي في عُمان"


صَدَر، مُؤخرا، عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة التراث والثقافة، كتاب "الفن الإسلامي في عُمان"، وهو ترجمة لكتاب صدر سابقًا باللغة الإنجليزية، من تأليف الدكتُور عبدالرحمن السالمي رئيس تحرير مجلة "التسامح"/"التفاهم" العُمانية، والدكتُور هاينز جوبيه، والدكتُور لورنز كورن، ومن ترجمة الدكتُور هلال بن سعيد الحجري.
يضمُّ الكتاب بين دفتيه 385 صفحة من الحجم الكبير، ويتكون من 13 فصلا، وطُبِع في طبعة أنيقة بالألوان.
الكتاب تضمَّن كلمة لصاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، ومعالي الشيخ عبدالله بن مُحمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وهو مُحاولة جادة للتأمل في الموروث الإسلامي في الفن العُماني.
عرَّف المؤلفون الفن بأنَّه نشاط إنساني يُشكل البيئة على نحو واع وفق معايير جمالية؛ لذلك فإنَّ أي إبداع إنساني من أجل الجمال يمكن أن نسميه فنا.
الكتاب يعدُّ تحفة فنية وعلمية تستحقُّ الاقتناء والقراءة.

خطو رائدة

توجُّه وزارة التعليم العالي بالسلطنة نحو إنشاء المجالس الاستشارية الطلابية بالجامعات الحُكُومية والخاصة، وتطبيق لائحة مُوحَّدة لتنظيم هذه المجالس يعدُّ تقدما حضاريا تجاه غرس قيم ومبادئ الشورى لدى الشباب.
سيكُون لهكذا تنظيم تأثيرٌ إيجابيٌّ تجاه رفد كفاءات شبابية ذات تعليم عال للمجالس المنتخبة في المُستقبل. خُطوَة رائد تُشكَر عليها وزارة التعليم العالي.
ونأمَل من وزارة التربية والتعليم أخذ مثل هذه المبادرة في تشكيل مجالس صفية ومدرسية في المدارس، بطريقةٍ تتناسب مع فكر وقدرات الطلاب في كل مرحلة تعليمية.

السبت، 18 أكتوبر 2014

روعة التصاميم للمباني العُمانية القديمة



أثاث الصفة قديمًا


من مُكونات الأثاث في الصفة (الحجرة أو الغُرفة) في المنزل القديم: الكاتلي (الكرفاية أو السرير)، يُفرَش عليها منام وشادر والغطاء (لحاف) يسمى بُرنوص، وتُرفع على السرير البشانة أو الناموسية؛ للحماية من البعوض والحشرات أثناء النوم.
كَذلك هُناك الحصير أو زولية، ودكي (مساند)، يُوضَع على الدكية وسادة، وعلى الوسادة سمبوسة مثلثة الشكل، كانت تُحْشَى الدكي والوسائد والمنام (الدوشج) بزهور شجرة تُسمى "الرا"، أو بالقطن.
هُناك أيضًا المندوس، أو السحارة، لحفظ مُتعلقات المرأة من: ملابس، وعطور، ودهان، ومكاحل، وصبغة، إضافة إلى المنظرة أو جامة (مرآة). أما ملابس الرجل، فتحفظ في السحارة، أو يتم تعليقها في الوتد.
ويتمُّ تزيين الصفة بسجادات ومرايا فيها رسوم، بعضُها تُسمى البراق أو طاووس، وهي مُستوردة ولها منظر بديع، إضافة إلى المراش والصحون التي يتم صفها بطريقة فنية في الروازن.

الخميس، 16 أكتوبر 2014

نبتة خضراء



وجدتْ لنفسها منفذًا لتعيش وتسعد بالحياة مهما كانت صلابة الصَّخر.

المنجور


هذا هو المنجور: أداة خشبية قديمة تُستخدم في الزاجرة، وهي وسيلة لرفع المياه من الآبار المفتوحة، لها صَوْت شجي أثناء دورانها، وهي صناعة عُمانية واختراع عُماني قديم، قبل اختراع مكاين (مضخات) بو هنشين الهندية، وبوثلاثة اللندنية، التي تشتغل على الديزل.
مِن أدوات الزاجرة: الدلو، والرشا، والمنجور، فيما يتولى الثور صعودا وهبوطا في الخب مُهمة جرِّ الدلو المحمَّل بالماء من الطوي.

ندوة من أجل تطوير التعليم

قَبل أكثر من شهر، كُنتُ في زيارة إلى مكتبة المعرفة -التابعة لديوان البلاط السلطاني- والتي تقعُ بسيح المالح بولاية مطرح، هذه المكتبة تتَّسم بمزايا كثيرة من حيث التنظيم والخدمات التي تقدمها لمرتاديها، وكذلك بتصميمها وموقعها الفريد في وسط المدينة، ولكون هذه المكتبة تُواصِل عملها في الفترة المسائية من الرابعة وحتى التاسعة مساءً، تجدها قبلة للزوار، لا سيما من فئة الشباب وطلاب الجامعات، وأتمنَّى أن يكُون مثلها في جميع ولايات السلطنة.
ومُصَادَفةً، زار المكتبة في ذلك اليوم فريقٌ من التليفزيُون العُماني، الفريق يتكوَّن من الشباب المتحمِّس للعمل وأداء الرسالة، يعملون بروح واحدة من أجل إتمام مهمتهم، تحدَّثوا معي بأنهم يعملون على إجراء بعض المُقابلات لبرنامج سيُبث لاحقا، وبالتزامن مع انعقاد الندوة الوطنية "التعليم في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل". طريقة المُقابلة ليست كحُوار بين مذيع وضيف، وإنما الفريق التليفزيُوني يحمل معه مجمُوعة من الأسئلة مُدوَّنة في هاتف أحد أعضاء الفريق، وما على الضيف إلا الإجابة عن هذه الأسئلة أمام الكاميرا!
المُهم، اطَّلعت على تلك الأسئلة، فهي تحمل مضامين مُهمة جدًّا، تتعلق بتطوير التعليم، وفلسفة التعليم، وجوانب عديدة تحتاج إلى حلقات لمناقشتها، وارتأيتُ حينَها أنْ تُجْرَى هذه المُقابلة مع أحد الشباب، طالما أنها تتعلق بالمُستقبل، واقترحتُ للفريق أن يجروا اللقاء مع أحد الطلاب الجامعيين المرتادين للمكتبة، وهذا ما تم بالفعل.
وجميعُنا تابعَ -خلال اليومين الماضيين- فعاليات الندوة الوطنية "التعليم في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل"، بمُشاركة واسعة من قِبل الجهات المعنية بالتعليم؛ وعلى رأسها: مجلس التعليم، الذي تم إنشاؤه بموجب المرسُوم السلطاني رقم 2012/48، والمعنيُّ بوضع الإستراتيجيات ورسم السياسات العامة للتعليم بمُختلف أنواعه، ومراحله، ومتابعة وتقويم جودته.
لقد سعدتُ جدًّا بدعوة مجمُوعة من الطلاب، وأعضاء اللجنة الوطنية للشباب، ومُنظمات المُجتمع المدني والقطاعين الخاص والأهلي... وغيرهم من أطياف المُجتمع لحضور هذه الندوة؛ بهدف إطلاع المُجتمع على توجُّهات الحُكُومة في تطوير التعليم، والاستماع إلى مداخلاتهم ومُقترحاتهم بتركيز، وسعدتُ أكثر بأنَّ الإعلام كان مُتفاعِلا بكفاءة وفاعلية مع الحدث، خاصة الإذاعة؛ لتبصير الرأي العام بما يحدث في الندوة، والتعريف بتوجهات الدولة بشأن إستراتيجية التعليم.
التعليم مُنذ بداية العام 1970م كان أحد الاهتمامات الرئيسية لقائد البلاد المفدَّى؛ لما له من أهمية في بناء الإنسان، وتكوين شخصيته، وتنمية معارفه واتجاهاته وقيمه، وكذلك يُعد ذلك ركيزة أساسية للتنمية، ولتقدم وتطوُّر الوطن؛ فجلالته -حفظه اللهُ- القائل في العام 1970م: "إن تعليم شعبنا وتدريبه يجب أن يبدأ بأسرع وقت ممكن؛ لكي يصبح في الإمكان، في المدى الأبعد، حُكم البلاد بالعُمانيين للعُمانيين"، وقد شهدتْ السلطنة بالفعل في فترة السبعينيات نقلةً كَمية، وسرعة هائلة، في نشر المدارس؛ بهدف إتاحة فُرصة التعليم للجميع؛ فالمهم هو التعليم.
ومع بداية الخُطة الخمسية الأولى عام 1976م، شَهِد التعليم أيضًا نقلةً كميةً ونوعية، وفُتحتْ مَسَارات فنية وتقنية للتعليم، وتمَّ إنشاء بعض المعاهد كالمعهد الزراعي بنزوى، ومعاهد المعلمين، والمعهد الإسلامي، والمدارس الثانوية التجارية، ومعاهد التدريب المهني، وكانتْ تستقبل مُخرجات الإعدادية العامة، إضافة لوُجُود التعليم العام الثانوي والتعليم الجامعي.
وَقَد تُوِّج التعليم بإنشاء جامعة السلطان قابُوس في العام 1986م، تلاها إنشاء العديد من الكُليات والمعاهد التي تُعنى بالتعليم التقني والمهني، وكذلك إنشاء العديد من الكُليات والجامعات الخاصة.
وعَلَى مدار خطط التنمية في السلطنة، تمَّ وضع التعليم ضمن أحد الأولويات الرئيسية لمسيرة التنمية الإنسانية في عُمان، ولا شك أنَّ هُناك الكثير من التحديات التي يُواجهها التعليم اليوم، وقد نبَّه جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- إلى هذا الأمر في خطابه أمام مجلس عُمان بتاريخ 12 نوفمبر 2012م، ودعا إلى مُراجعة سياسات التعليم، وخططه، وبرامجه، وتطويرها بما يواكب المتغيرات.
ومُوَاجهة تحديات التعليم اليوم هي بحاجة لوقفة جادة ومدروسة وفق أسس علمية ومنهجية، ليس من قبل الحُكُومة فقط، بل هي مسؤُولية مشتركة، يشتركُ فيها كافة شركاء التنمية (الحُكُومة، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي).
مَحَاور الندوة حملتْ الكثيرَ من التطلعات المُجتمعية لتطوير التعليم؛ لمواكبة التطوُّرات المتلاحقة والمُستمرة للتكنُولُوجيا والعلوم واقتصاديات المعرفة، ولعلَّ وُجُود قانُون عصري للتعليم ينظم هذه المنظُومة المُجتمعية سيُعزِّز هذا الجانب، كما أنَّ توحيد جهة الإشراف على قطاع التعليم، وإعادة هيكلته ومساراته وجودته، والأخذ بمبادئ حوكمة التعليم، والتركيز على التعليم؛ بهدف صناعة المعرفة سيكُون له أثر إيجابي في الارتقاء بالتعليم، ومخرجاته، وصناعة المُستقبل.
شُكرًا من القلب لمجلس التعليم، ولوسائل الإعلام المُختلفة، على مثل هذه الجُهُود الوطنية.

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

التخطيط

مِنَ المُهم جدًّا أن يَبدأ التخطيط من قاعدة المُجتمع، ومن ثمَّ تعمل المُؤسسات على صياغته في إستراتيجيات وبرامج وخطط، في ضوء الإمكانات المادية والبشرية المتاحة.

التجديف بالسفية الإنتاجية

خَلْق جوِّ المنافسة -سواءً في مجال الإنتاج، أو تقديم الخدمات، أو تقديم الأفكار التطويرية وإنهاء الاحتكار- هو مَدْعَاة للإبداع والتطوير، وإثارة روح التحدي وخفض التكاليف، وتقديم مُنتجات سلعية وخدمية تُلبي توقعات العُملاء.
لقد حَان الوقت أن تُوْكَل مهمات التجديف بالسفينة الإنتاجية إلى قوى فاعلة في المُجتمع؛ تتُمثل في القطاعين الخاص والأهلي، بجانب الحُكُومة التي تتولَّى زمام القيادة والتوجيه، ورسم السياسات والإستراتيجيات التوجيهية للتنمية.
وهُنَا أودُّ ذِكر مقولة حكيمة لجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- حين قال: "إنَّ نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك بين أطراف ثلاثة: الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين، وعلى كلِّ طرف من هذه الأطراف أن يتحمل واجباته بروح المسؤُولية، التي لا تَرْقَى الأمم في درجات التقدم والتطور إلا إذا تحلت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها".

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

المزارع الفاتنة


حَيثُ تتجلَّى الطبيعة ببهاء جمالها الأخاذ.. المزارع الفاتنة.. حيث الخضرة والماء وحسن الجمال الطبيعي.. حيث الألوان البهية والتربة النقية والجبال الشماء.. حيث النخيل الباسقة والظلال الوارفة والمياه المتدفقة عبر سدِّها المنيع.. حيث المياه التي تعزف دوما سيمفونية الحب الخالد.. حيث رفرفة العصافير وهديل الحمام وهبات النسيم.. حيث سُكون الكون وهدوء الطبيعة.. إنَّها المزارع الفاتنة.

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

خاطرة


البَحر بمِساحته الشاسعة، وأفقه الممتد، وزرقته الواسعة، وجماله الأخَّاذ، وأمواجه المتلاطمة، الناصعة ببياض لونها كأنها بلُّورات من الثلج المتراكمة، تتدحرجُ بسكينة إلى البر لتسكن مع أول ملامسة لها للأرض اليابسة؛ حيث تتعانق الماء بالرمال والصخور عازفة سيمفونية البحر، لتملأ الكَوْن بسُكون أبدي، يخلد فيها الإنسان وكائنات البحر إلى الهدوء والسكينة وراحة البال والفكر.
القمر يُرسِل أشعته الذهبية إلى الماء لتنعكس إلى فضاء الكون فتضيء الأفق، فيما نسيم البحر يلفُّ المكان بهدوء مُتناهٍ، يرسم ملامح حب أبدي خالد للجالسين على الرمال الفضية الناعمة.
تلمس تلك الرمال لتشعُر بدفء وبرودة، ترسلها شرايين القلب عبر قشعريرة دافئة إلى كلِّ أجزاء الجسم، فتُلامس المشاعر والوجدان. تخُاطب البحر بذكريات جميلة مرَّت ومآسٍ حدثتْ، وتنظر إلى الفضاء الصافي؛ حيث النجوم تتلألأ كأنها حبَّات من الخرز الفضية، مصفوفة بدقة مُتناهية، تتحرَّك في فضاء الكون بانسجام تام، وبدقة مُتناهية، يوحي إليك كم هذا الكون دقيقا في حركته الدائبة.
*****
تَسْمَع صوت الموج وهو يتكسَّر أمام صلابة الأرض والصخور بهدوء، مُحدِثا نغمات جميلة لم تعرفها آلات الموسيقى الحديثة، مَوجة بعد موجة لا تتوقَّف أبدا، تتأمَّل كم هذا البحر فيه من الأسرار الكبيرة، والمخلوقات الكثيرة، تجذبك تلك الومضات الفسفورية المضيئة مع نهاية كل موجة على سطح الرمال الناعمة، تتأمَّل في هذا الكون بهدوء وسكينة، تجعلك تقول شِعرا وكلامًا مُسترسلا، بعيدا عن الحواجز والقواعد اللغوية.
*****
تتأمَّل تلك القلعة الرابضة على قِمَّة نتوء صخري في وسط البحر، ضياء القمر قد أكسبها رونقا جميلا، مُشكِّلة مركز قوة وهيبة للمكان، يُبهرك تصميمها المعماري الفريد، تنظر إليها بشموخ لتوحي إليك بقصص وبطولات مجيدة، سطَّرها لنا التاريخ بأحرف من ذهب ونور، هكذا كانوا الآباء والأجداد، أصحاب همة ونشاط وفكر متقد دءوب.
*****
الطيور هي أيضًا تعيش فرحًا باكتمال القمر، ترقُص طربا وفرحا؛ حيث الأمان والسكينة والهدوء، بيئة فريدة وفَّرتها لها طبيعة المكان، تصدر بين الحين والآخر تغريدات بصوت هادئ حتى لا تُزعج المارين، تلف بأجنحتها عصافيرها الصغار، تُطعمها بقبلة طعامًا خزَّنته في معدتها مُنذ الصباح، تُعطِي تلك الطيور درسًا، كيف هو حنان الأمومة.
*****
تَخْرُج سرطانات الرمل والطين من جُحورها، تلتطم بموج البحر، تجري مُسرعة نحو الرمال الرطبة، تحفُر في الرمل بيوتا كأنها كُرات مكتسية بلون الرمل المبلل بالماء، تنظر إلى تلك البيوت الرملية للشناجيب تجدها ممتدة في نظام غريب.
*****
المَوْج يُرسِل بالماء إلى مسافة أطول من اليابسة، الماء يغطي بيوت الشناجيب، يكْسَر تلك التلال الصغيرة من الرمل، ويُغلق فتحاتها، مُعلِنا أنَّ ماء البحر سيغطي المكان، وسيزيل آثار الكائنات مع كل موجة ممتدة.
*****
يتأهَّب الجميعُ للمغادرة وتسجيل الذكريات؛ استعدادًا ليمد البحر سطوته على المكان، ولأنَّ القمر قد أوشك على الغروب.

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

القت (البرسيم)


يَسأل صديقَه: سيستم؟
أجابه: قبل أيام طيحنا الضاحية، ورامينا، وبذرنا القت.
قال له: بعده حر.
رد عليه: تراه دخلت الثلاثين، وتعتبر هذه مائة الشتاء.
قال له: هذا الزمان تغيَّر. ذيك الأيام مثل هذا الوقت برودة.
أجابه: ترى الأمور تغيرت.. شتاء زمان يختلف عن شتاء اليوم. ما تشوف المكاين والليتات وهدير المكيفات وزعيق السيارات، كلها حرارة في حرارة.. راح زمان الصردة.
انتقل الحديث عن الماء، وكيف الطويان وحال الماء فيها، ومدى تأثيرها بالملوحة، ومواضيع عديدة شيقة.
كانتْ تلك سوالف جلوسي، اليوم، مع من يمتلكون خبرة الحياة.
المهم كان حديثهم عن مَوْسم زراعة القت، هكذا نُسمِّيه محليا.
والقت هو البرسيم.. والقت كلمة عربية فصيحة حسب ما قرأت.
زمان، يُقال عنه عرق الفضة لدخله الوفير، مقارنة بتكاليفه، وله نوعان: صوري وحولي، والحولي يعمر مدة أطول وهو أيضًا أكثر جودة، ويباع القت حتى الآن بالوزن أو بالربطة لأهميته، وعليه إقبال كبير.
وعندَما تُقطع أعواد القت يُسمَّى ذلك بـ"الجزاز"، ويتم جزاز القَتْ بالمِجَز، وعندما تخضر أعواد القت من جديد يسمى ذلك "نضار".
ويزرع القت عادة في الجلب ومفردها جلبة، وهي عبارة عن قطعة من الأرض مُربعة أو مستطيلة الشكل، يحيط بها دك صغير من التراب في أضلاعها الأربعة يسمى "وعب"، عادة يزرع في جانبيه الفجل أو البازري، وتسقَى الجلب من خلال ساقية من التراب تُسمى "عامد"، وفتحة الماء في الجلبة تُسمى "صوار".
وعَادةً، يتم هياسة الأرض قبل تقسيمها إلى جلب، وعملية التقسيم لها طريقة فنية؛ تبدأ أولا بقراز الضاحية، وذلك بآلة تُسمى المقراز، وهو قطعة خشبية في وسطها عمود خشبي، وفي جانبها الآخر حبلٌ مُثبت في حلقات حديدية بجانبي تلك القطعة، ويقوم شخصان بالعمل على تلك الآلة بوضع خطوط تقسيم الأرض؛ فالأول يُمسك العمود والآخر يمسك الحبل، وهكذا يتم ترسيم خطوط الساقية أو العامد وخطوط الجلب.
وبعد تقسيم الأرض، تبدأ عملية المراماة (تسوية الأرض) بأداة حديدية تُسمى "الشفطة"، وبعد التسوية يتم نشح بذر القت، ولها طريقة لا يجيدها إلا ذوو الخبرة، وبعد نضار القت يتم إزالة الحشائش ويُسمى ذلك "يحش القت"، وذلك بآلة تُسمى "المحلة".
وزراعة القت لها طقوس ومواعيد محددة، وكذلك عند جزازه، تتجلى فيها روح التعاوُن وتبادل الخبرات والمعارف بين المزارعين، وتشهد أيام زراعته حركة دؤوبة بين أفراد الأسرة، صغارا وكبارا؛ فالأطفال عليهم حراسة القت في بداية التسيس (الزراعة) حتى لا تأكل الطيور البذور، ويسمَّى ذلك "ينعج الطير"، ويستخدم في ذلك جرس أو صوت علبة حديدية (قوطي) أو المقلاع أو النشاب، وهناك من يصنع دمية على شكل إنسان، تسمى "فزاعة"، تصنع وتشكل من جريد النخل وقديم الملابس، تغرس وسط ضاحية القت، لإيهام الطير بوقوف إنسان، خاصة إذا ما حركتها الريح.
والنساء والرجال أيضا عليهم السقي والجزاز وخراطة البذر، وكذلك عليهم مُهمة الدواسة في الجنور؛ أي: فصل بذور القت من السنابل؛ وذلك في نهاية الموسم في فصل الصيف.
قال عن القت أحد الفلاحين العُمانيين:
من خاف من نوب الزمان وعضه... فليزرع القت النظير بأرضه.
في كل شهر منه تأتي غلة... تُغنيك عن دين البخيل وقرضه.

الخميس، 2 أكتوبر 2014

بهجة الزهور والألوان

 
 

بهجة الزهور والألوان.. هَكذا تستقبل مدينة مسقط زوَّارها.

تهنئة


قَائِد عظيم لشعب عظيم...
سَائِلا المولى -عزَّ وجل- في هذا اليوم المُبارك أن يمُن على جلالته موفور الصحة والسعادة والعمر المديد، وعلى عُمان وأهلها بالخير والنماء، والأمن والسلام والرخاء.
كل عَام وأنتم بخير أيُّها الأصدقاء الكرام.

مختبر السرديات العُماني

تمَّ، مُؤخرا، تدشين مُختبر السرديات العُماني، في حفلٍ بهيجٍ بالنادي الثقافي؛ شارك فيه نُخبة من المُثقفين والكُتاب العُمانيين والعرب، وبتنظيم من مُؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة، وبدعمٍ شخصيٍّ من قِبل السيد علي بن حمود البوسعيدي مؤسِّس مُؤسسة بيت الغشام، وهو شخصية لها بصمات مشهودة في دعم الثقافة والفُنُون والأدب في عُمان، لا سيما لقطاع الشباب.
فِكرة المختبر تعدُّ نقطة مُهمة في الرُّقي بمُستوى السرد والثقافة والأدب في عُمان، وما شدَّ انتباهي في حفل التدشين هو تلك اللحمة الثقافية التي جمعتْ مُختلف الأعمار من الكتاب، أسهم إلى حدٍّ كبير في تبادل الأفكار واكتساب الخبرة ونقل المعرفة.
وما أبهرنِي أكثَر أنَّ إدارة هذا المشرُوع الرَّائد خَطَت خطوات رائعة في صياغة رُؤية ورسالة وأهداف واضحة لهذا المشرُوع الثقافي، وهو في حدِّ ذاته يُبشر بجديد في مجال تطوير مُختلف مجالات السرد في عُمان.
جُهُود مُباركة تستحقُّ التشجيع والدعم والشكر والتقدير. كل التوفيق لمجلس إدارة هذا المختبر، الذي يُعد الأول من نوعه لتجويد النتاج السردي في عُمان.

مجرد تأمُّل

المُتمعِّن والمتأمِّل في الرسائل التي بَعَث بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى مُلوك وحُكام الممالك التي كانتْ تحيط بمركز الإسلام في المدينة ومكة المكرمة، يدعُوهم فيها إلى الدُخُول في الإسلام، يجد أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يسعَ أبدا إلى المطالبة بتغيير النظم السائدة في العالم، بل بقِيَت تلك النظم سائدة طالما هي اهتدت إلى دين الإسلام.

الإعلام وأهميته

يُشكل الإعلامُ -بمُختلف وسائلة- اليوم، أداةً فاعلة وجبَّارة في تشكيل وجدان وفكر أفراد المُجتمع، ويعمل بكفاءة غير مسبوقة على خلق صُورة ذهنية لدى الناس عن الواقع الذي يعيشونه؛ وذلك بحُكم وسائل التواصل والتكنُولُوجيا الحديثة. هذا الكمُّ الهائل من وسائل وشبكات الاتصال والتواصل جعلتْ من العالم قرية صغيرة؛ حيث يمكنك التعرف على كل ما يدور في دُول العالم لحظة بلحظة.
ولكنْ: هل كل ما يتم تداوله في هذه الوسائل الإعلامية صحيح وصادق؟ وهل كل ما يُكتب مُفيد ويخدم توجُّهات الإنسان وقيمه الكونية؟
لهذا؛ من المُهم جدًّا الوقوف بتأمل على ما يدور في هذه الوسائل الإعلامية، وكيفية التعامل معها، والمهم جدًّا أن يكُون هُناك توجُّه مُجتمعي ومؤسسي من أجل تسخير هذه الوسائل لخدمة الإنسان والتنمية، وتبادل المعارف والحُوار المُجتمعي الهادف، خاصة بين الأجيال؛ لأنَّ ذلك هو الوسيلة الوحيدة للوُصُول إلى نقطة تلاقي في الرُؤى من أجل صناعة المُستقبل.
كَمَا أن إدراج التربية الإعلامية والمعلُوماتية ضمن المناهج التعليمية أصبح مطلبًا مُهمًّا ومُلحًّا اليوم؛ فهي وسيلة مُهمة في تثقيف الأجيال على أهمية التعاطي مع مُختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية والمعلُوماتية، بطريقة تُسهم في التعامل بإيجابية مع كافة التحديات التي تواجه العالم اليوم، والعمل على تفادي سلبياتها بطريقة واقعية.
وإِدْرَاج مثل هذه المواد التعليمية في المناهج الدراسية تنادي به اليوم العديد من الدول المُتقدمة، وقد عملتْ الكثيرُ منها على تدريس الطلاب في مُختلف مراحلهم الدراسية مبادئ الإعلام وتبادل المعلُومات، وتعمل على تبصير الناشئة لأهم الإيجابيات والسلبيات للإعلام الجديد.
هُناك من يُنادِي بما يُعرَف اليوم بحُرية الإعلام؛ لهذا تجد لكل من هب ودب يعمل على هَوَاه في تأسيس صُحف إلكترُونية، دُون أي قيود أو احترام للمبادئ والقيم المُجتمعية، والكثير منها للأسف لها أهداف في إدارة بعض الصراعات الفكرية والمُجتمعية، وتخدم توجهات أصحابها الشخصية، والكثير مِمَّا تطرحه يقوم على انفعالات ذاتية، وردات فعل سريعة، دُون أن تتمعَّن في حقائق الأمور من مصادرها الحقيقية.
التقيتُ، مُنذ فترة، بأحد المهتمِّين ومديري التحرير لمثل هذه الصحُف، وعندما سألته عن مدى التزام الصحُف الإلكترُونية بأسس ومبادئ وقيم وأخلاق وميثاق الإعلام؟ قال لي: للأسف، هذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في الكثير من التشريعات والقوانين التي تُنظِّم مسيرة العمل الإعلامي في السلطنة، مِن المُهم جدًّا أن تَخْضَع مثل هذه الصحُف الإلكترُونية إلى قوانين النشر كأي صحيفة أخرى.
حُرية الإعلام يجب أن تقوم على المسؤُولية الاجتماعية، وبما يتَّفق مع توجهات التنمية؛ فالحُرية المطلقة للإعلام تعني تشجيع الفوضى، وهذا له عواقب سيئة على المُجتمع، وتماسكه، والمُحافظة على قيمه وتراثه ومكانته الفكرية؛ لهذا من المُهم جدًّا إدارته بصُورة صحيحة؛ بحيث يراعي قيم ومكانة المُجتمعات، وتوجهاتها الثقافية والمعرفية، وعلاقاتها الدولية والإنسانية.
يجب أنْ نُدرك أنَّ وسائل الإعلام -على اختلافها- مؤثرة جدًّا في الرأي العام؛ سواءً كان ذلك الرأي العام السياسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الثقافي، وبما في ذلك أيضًا الرأي العام الداخلي أو الخارجي؛ لهذا من المُهم جدا التركيز على ما تنشره وسائل الإعلام.
ليس فقط في البرامج الحُوارية، ونشرات الأخبار، والوسائل المكتوبة، وإنما تلك المسلسلات والفقرات الترفيهية والفواصل الإعلانية، فكلُّ عبارة أو كلمة تُنشَر عبر وسائل الإعلام يجب أن يُحْسَب لها ألف حساب؛ لما لها من وقع وتأثير على الإنسان، وفق مرجعيته: الثقافية، والفكرية، والاجتماعية، وتوجهاته ومعتقداته.
كما أنَّ الإعلام، اليوم، أيضًا يعدُّ وسيلة مُهمة لكافة المُؤسسات بمُختلف أغراضها وتوجهاتها، بما فيها مُنظمات المُجتمع المدني والقطاع الخاص والقطاع الأهلي والمُجتمعي؛ بهدف التعريف برؤيتها وإيصال رسالتها وأهدافها، وكذلك من خلاله يُمكن قياس الرأي العام، والتعرف على الصورة الذهنية لدى المتعاملين معها عمَّا تقدمه من خدمات في المحيط الذي تعمل فيه؛ فالإعلام يعدُّ لدى المُؤسسات المتطورة وسيلة مُهمة يُمكن من خلاله بناء العديد من الإستراتيجيات التطويرية لخدماتها.
سلطنة عُمان، والحمد لله، مُنذ بداية النهضة المُباركة، قامت على إعلام واقعي ومتوازن، يَرْسِم دائما صُورة متزنة ومشرفة عن السلطنة، ولقد كان لقائد البلاد المفدى -حفظه اللهُ ورعاه- رؤية إستراتيجية للإعلام؛ فهو يقول: "في الداخل والخارج، لا بد من كلمة صادقة، من خبرٍ صحيح، من صُورة مُشرِّفة، تنقل ما يدور على أرض عُماننا الحبيبة، وتعكس الأعمال الجسام، والآمال الكبار لشعبنا.. هذه الكلمة الصادقة، وذلك الخبر الصحيح، يدخلان إلى بيتنا وبيوت غيرنا دون إثارة ولا تهويل، دون ضجة ولا إزعاج، نحن نريد أن نعرف أنفسنا ويعرفنا العالم، كما نحن تماما، ويهمُّنا كثيرا أن يعرف المُواطن العُماني بالذات ملامح مسيرته الظافرة التي حقَّقها بعزمه وإرادته، وتعاوُنه مع حكومته، فهو أولا وأخيرا جهاز إعلامي حي، تؤيده الإنجازات العظيمة التي يَرَاها بأم عينيه على ساحة وطنه الغالي".
هَذِه الكلمات الذهبية يجب أن يَعِيَها كلُّ من يتعاطى اليوم مع وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام الاجتماعي؛ فهي رؤية ونظرة حضارية، وفكر مستنير لما يجب أن يقوم به الإعلام في مُختلف الأزمان والأمكنة.. فهل نحن بالفعل سائرون على هذا النهج؟