السبت، 26 أبريل 2014

الخبيل

هذا المنظر من الخبيل بولاية قُريات، وهو مكان رائع يتوسط بين المزارع وحيل الغاف، وهو عِبارة عن مُنخفض بين جبلين؛ لهذا سُمِّي باسم الخبيل، وهي كلمة عربية فصيحة. ويُشكل الخبيل منتجعا سياحيا طبيعيا، ويمكن الوُصُول إليه عبر طريق المزارع.
هذه الأيام تتدفَّق فيه المياه مُشكِّلة مجرى طبيعيًا للفائض من سد وادي ضيقة، وهذا المكان أيضًا المغذِّي الطبيعي لفلج حيل الغاف، ويُمكن للزائر أن يُشاهد على حواف الجبل آثار فلج حيل الغاف القديم، إلا أن الوُصُول إليه يُفضَّل بسيارة الدفع الرباعي.
فُرصَة للاستمتاع بالهدوء والسكينة، وبجمال الطبيعة والجُغرافيا، والانتعاش بالمياه الباردة في هذا الصيف الرائع، وَسْط نسمات مُمتعة تُرِيح الجسم والفكر بعد عناء ونصب، فيما يُشكل خرير الماء سيمفونية رائعة تطرب القلب والوجدان.

أهمية التسويق

التسويق.. أحد الجوانب التنفيذية للإدارة الواعية، وهو أيضًا إحدى الوظائف الرئيسية لأي منظمة أو مُؤسسة، هُناك اعتقاد بأن وظيفة التسويق تقتصر فقط على نشاط الإعلان عن المُنتجات المعرُوضة في المحلات التجارية، ويُنظر إليه بأنه بيع وتوزيع السلع.
تِلك نَظْرة تحتاج إلى وَقْفَة وتصحيح؛ فالواقع يقول بأن نشاط التسويق هو أبعد من ذلك بكثير؛ فهو قبل كل شيء نشاط إنساني، يقوم على دراسة واقع بيئة المنظمة التي تتعامل معها؛ للتعرف على احتياجات ورغبات وتوجهات العُملاء، ومن ثم العمل على توفيرها من خلال عملية التبادل، بطريقة يحقق فيها مصلحة كافة الأطراف (العُملاء، المنظمة، البيئة، المُجتمع، الدولة).
التَّسويق لا يقتصر أبدًا على المُنظمات الاقتصادية الهادفة للربح، ولا يقتصر على تسويق المُنتجات المادية فقط؛ فهو اليوم حقل واسع؛ يخدم بفاعلية المُنتجات غير الملموسة كالخدمات والأفكار بكافة أنواعها وأشكالها، وكذلك القرارات والتشريعات.
المُؤسسات العامة، وكذلك مُؤسسات المُجتمع المدني كالجمعيات والأندية، هي اليوم في أمسِّ الحاجة لتسويق خدماتها وتوجهاتها، وعليها استثمار الطفرة التكنُولُوجية ومواقع التواصل الاجتماعي لتوصيل رؤيتها ورسالتها وأهدافها لمُختلف شرائح المُجتمع، وعليها أيضًا التعرف على ما يدور في المُجتمع تجاه الخدمات والمُنتجات التي تقدمها؛ حيث إنَّ ذلك سيساعدها على بناء الخُطط والإستراتيجيات لتلبية مُتطلبات العُملاء الذين تتعامل معهم.
والتسويق أيضًا مُهمٌّ في تسويق الذات؛ فالإنسان يُشكل قيمة كبيرة وعظيمة، ويملُك من الملكات والمعارف الضمنية والعلوم والتوجهات الكثير، وهي في حدِّ ذاتها تُمثل مركز القوة لدى الإنسان، والمتأمل في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- يجد ما يُبهر الإنسان في مجال تسويق الذات.
التسويق يُسهم كثيرًا في خَلْق صُورة ذهنية إيجابية لدى المُجتمع، ولهذا ظهرت الكثير من المفاهيم في هذا المجال؛ فهُناك التسويق الاجتماعي: والذي يُركز على نشر المبادئ والقيم والأفكار الإيجابية في المُجتمع، وهُناك المُواطنة التسويقية: أي الالتزام بالمسؤُولية الاجتماعية عند تقديم المنتج، وهُناك أيضًا التسويق الابتكاري والإبداعي، والتسويق الإلكترُوني، والتسويق القومي والسياسي والانتخابي.
هُناك الكثير من المفاهيم التسويقية أصبحتْ تعيها الكثير من المُؤسسات، إلا أنَّ الأمر يحتاج إلى تركيز وتفعيل أكثر، ومثل هذه المفاهيم من الضرُوري بمكان تضمينها ضمن المناهج الدراسية والمساقات العلمية في جميع التخصصات.

النخلة

أَحَد الأصدقاء تَداخَل معي بمقولة جميلة حول النخلة وشموخها بقوله: "ما يدهشني أستاذ صالح في النخلة، أنها عندما تموت تظل واقفة وشامخة.. سبحان الله". تلك الكلمات لها معانٍ ودلالات كبيرة لمكانة النخلة وأهميتها لدينا في عُمان.
فللنخلة خَيْرَات على العُمانيين مُنذ الأزل، وهُناك أنواع عديدة ومسمَّيات كثيرة للنخلة في عُمان، وكل نوع منها يجود في موقع معين وفقا لظرُوف الطقس والطبيعة الجُغرافية للمكان الذي تُغرس فيه، وهُناك ما تكون ثمارُها مبكرة كالقدمي والنغال، وأخرى تكُون ثمارُها متأخرة كالخنيزي والخصاب والخلاص.
الإنسان العُماني اهتمَّ كثيرا بالنخلة مُنذ الأزل، وكانت بالنسبة له في الرِّعاية كالولد؛ فمنذ ما تكُون الفسيلة في أحضان أمها، تجد المزارع يعتني بها، وينظفها، ويؤبرها حتى تشب وتنمو بقوة، وما إن يحين وقت انفصال الفسيلة عن أمها، تجد تلك العناية الفائقة في طريقة اقتلاع الفسيلة وتغطية ساقها وخوصها ومجمُوعها الجذري حتى لا يتأثر بالجفاف.
وعند زراعة الفسيلة في مكانها الجديد، يحرصُ المزارع العُماني على أن تكُون في ضاحية مناسبة من الأرض، وهُناك خطوط هندسية متتابعة تجدها في ضاحية النخيل، يرسمها صاحبها لزراعة كل صنف من النخيل، وعند غرس النخلة في الأرض يُوْضَع تحت مجمُوعها الجذري بعض النباتات الخضراء وبعض السماد، ويبتهل صاحبها بالدعاء إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يُحييها كما يُحيي كلَّ شيء بقُدرته، ويستمر طوال حياته في رعايتها، وسقيها، وتسميدها، وشراطتها، وتأبيرها.
النخلة ما زالت أهم مَصدر للغذاء عبر التاريخ الإنساني، وفي عُمان كانت يومًا المصدرَ الرئيسيَّ لدخل الدولة قبل ظهور النفط، ويتُمثل ذلك في إنتاج نخيل الأوقاف وبيت المال، وما يُجمع من زكاة التمور والثمار؛ فالنخلة شجرة مُباركة عبر السنين والأزمان.
عَادَةً ما تُشابه الفسيلة أمها، أي تكُون من نفس النوع والفصيلة، والتي تنمو عن طريق النوى يسمونها نبتة أي مجهُولة النوع، وثمارها تسمى نشو، وكثيرٌ منها يكُون فحلًا أي ذكر النخلة؛ فنخيل البلح ثنائي المسكن، فهُناك نخل ذكري وآخر أنثوي، وكلاهما يخرج عراجين، وتتم عملية استخراج اللقاح ويسمى النبات، وكذلك تلقيح النخلة بطريقة فنية لا يجيدها أي أحد إلا المتخصص، ويسمى ذلك بالتنبيت.
لثِمَار النخيل مراحل؛ تبدأ بمرحلة الطلع، ثم التنبيت، ثم التحدير، ثم الخرافة، وأخيرا الجداد، ومُسمَّيات نضوج ثمرة النخيل تبدأ بالطلع، ثم بلح أخضر معلق بالشماريخ يطلق عليه العنجزيز، ثم الخلال، فالصافور، ثم يتحول إلى بسر -ولونه أصفر أو أحمر- ثم باسومه، بعدها القيرين والرطب، وأخيرا السح أو التمر، ويحرص الإنسان العُماني على توزيع أول تباشير القيظ على الأطفال وجيرانه.
ويُؤكل ثمر النخلة بسرًا أو رطبًا أو تمرًا بعد تجفيفه وتخزينه، وعوادم كل مرحلة من ثمار النخلة تُسمى بالداموك أو الخامول،ومفردها خامولة، وهو ما يتساقط من الخلال، وبالحشف وهو ما يتساقط يابسا قبل مرحلة الرطب، أو التمر وعادة ما تقدم للحيوانات.
للنَّخيل استخدامات مُتعددة بجانب إنتاجها للتمور؛ فهي مصدر مهم في أعمال البناء والوقود، فقديما كانت تستخدم جذوعها في بناء المنازل خاصة في إنشاء عوارض السقف، ويستخدم خوصها وزورها في صناعة الدعون وواجهات المنازل بما يُسمى بالدفوع، وتستعمل أليافها في صناعة الحبال ومقابض السلال وتبطين أغطية سروج الجمال والحمير، وفي تنظيف الأواني والصحون.
وتستخدم جذوعها وجريدها أيضًا كوقود في الطبخ وفي أفران صناعة النورة بما يُسمى المهاب وهي مشهورة عندنا في قُريات خاصة في الكريب والمعلاة وعفا، وتستخدم عذوق النخيل بعد تخليصها من التمر وبما يُسمى العسو للتنظيف كمخمة، فجميع مشتقات النخلة من جريد وخوص وسعف وكرب وليف وعراجين وشماريخ وعذوق وعرادم جميعها لها استخدامات مُتعددة في حياة الإنسان.
وعند سقوط النخلة خاصة الطويلة منها وتسمى عوانة يتم خشي قمتها لاستخراج جمار أو قلب رأس النخلة وبما يُسمى بالحجب، فهو غذاء ذو طعم لذيذ، ويتم تجذيع جذع النخلة إلى مجمُوعة من الأجزاء وتسمى جذوع وتستخدم في تسقيف المنازل، وكرواجل لرفع الأشياء عن سطح الأرض، وكأوتاد لتعليق بعض محتويات المنزل كالجحال والقرب وتعليق القناديل وغيرها، ويصنع من جذع النخلة أيضًا ما يُسمى المطعم، وهو تجويف له قعر يوضع فيه الماء والطعام للحيوانات خاصة الأبقار.
النخلة لها إحساس بمن يعتني بها، أتذكر أنه كان لنا جار كفيف البصر ومعه زوجته وهي ضعيفة البصر أيضًا يعيشان في هدوء وسكينة بمنزل من سعف النخيل، ورفضا أن يسكنا في أي منزل آخر، وتصرف على معيشتهما الحُكُومة شهريا من خلال الضمان الاجتماعي ويتصدق عليهما أهل الخير بما يجيدون به من المال والغذاء، وكانت القناعة والمحبة تملأ قلبيهما، كنت كثيرا ما اسعد بزيارتهما والحديث إليهما، الكل كان يحترمهما ويحبهما لما يتصفان به من أخلاق وتواضع.
هذان الزوجان غرسا أمام منزلهما نخلة من نوع القدمي، وهذه النخلة معروفة بغزارة إنتاجها في أول القيظ، فأول الرطب يكُون من نخلتهما، نمت تلك النخلة مع أيام عمرهما فكبروا معا، كانا يعتنيان بهذه النخلة بالتسميد والسقي والشراطة والتأبير، وفي أيام القيظ يعتمدان عليها في إنتاج الرطب، وفي آخره تعطيهما تمرا وفيرا.
فما أن مات صاحب هذه النخلة الأعمى، والذي كان يرعاها ويسقيها ويهتم بها، حتى وجدنا تلك النخلة حانية رأسها ميتة على وقفتها دُون أن تسقط، وبقت كذلك حتى تم قلعها وإزالة ذلك المنزل المُتواضع لإقامة مُنشأة حديثة مكانه.
النخلة فيها الخير الكثير واكرامها واجب على الجميع، وجلالة السلطان المُعظم حفظه اللهُ ورعاه قد وجه مُنذ سنوات في زراعة ملايين النخيل في مُختلف أرجاء عُمان، وقد أسعدني كثيرا اهتمام وزارة الزراعة والثروة السمكية بالنخلة ضمن خطتها الإستراتيجية المزمع تنفيذها خلال السنوات القادمة.
وقد تقدمت مُنذ فترة بمُقترح مكتوب لأحد المسئولين بالدولة لإنشاء مزرعة حُكُومية في قُريات لإنتاج النخيل ضمن المكرمة السامية لجلالة السلطان المُعظم لزراعة مليون نخلة في عُمان لبيت المال، واستثمار مياه سد وادي ضيقة لهذا الغرض، فقُريات مشهورة بأجود النخيل لطبيعة وخصوبة أرضها وتوافر عوامل البيئة والطقس لزراعتها، خاصة الخلاص والخنيزي، وهي أيضًا ذات شهرة بزراعة نخلة الفرض قديما، وكانت فيها تراكيب التبسيل بكثرة خاصة في حيل الغاف، وكانت تصدر التمور والبسور إلى خارج عُمان، خاصة إلى الهند وإفريقيا وأمريكا وغيرها من الدول عبر ميناء قُريات القديم.
كل الهناء لكم أيها الأصدقاء بموسم القيظ وبالرطب الذيذ، الذي سيكُون بين أيديكم قريبا.

رحلة في ذاكرة الزمان والمكان

خاطرة كتبتها منذ فترة، وعنونتها: رحلة جميلة في ذاكرة الزمان والمكان..
الإنسان يحِنُّ دائمًا إلى أيام طفولته وصباه، تلك الأيام المليئة بالبهجة والمرح، يستذكرُ منها مواقفَ مُتعددة وذكريات جميلة.. هي اليوم تُشكل حصيلة خبرته في الحياة. الأيام في تتابُعها حِكمة ربانية، وهي محطات مُتواصلة ومترابطة يعبُر من خلالها الإنسان من أجل تحقيق أهدافه وطموحه، وقبل كل شيء تحقيق غرض وجوده على هذه الأرض.
مَسَاء اليوم، الجو كان رائعًا في بلدتي؛ الأمر الذي جعلني أقوم برحلة مشيا على الأقدام؛ حيث صارَ لي فترة من الزمن قليل الخروج من البيت، بهدف التزام شخصي تجاه إنجاز بعض المشاريع الكتابية، ولأسباب أخرى تتعلق بالصحة.
قُلت في نفسي هي رياضة، وفي نفس الوقت الاستمتاع بهذا الجو والتأمل في طبيعة الأمكنة، واستذكار تلك الأيام الجميلة من طفولتي؛ فمرحلة الطفولة والدراسة هي من أهم عُمر الإنسان، وتبقى خالدة في ذهن الإنسان وذاكرته؛ لهذا دائما ما أُوْصِي أبنائي بأن يستثمروا هذه المرحلة من عمرهم بالتزود بالمعارف قبل أن تشغلهم الحياة.
قريتُنا تُسمى المعلاة، تمتازُ بأنها زراعية، وبها الكثير من المزارع، وكل مزرعة أو ضاحية لها اسم -وهذه حال كل قرى عُمان- وبعضها أسماء لها دلالة لغوية وجمالية في النطق تدل على المكان وطبيعته، هي بمثابة مشرُوع حضاري للعَنْوَنة مُنذ قديم الزمان، من المُهم جدا الاستفادة منه في حاضرنا؛ فما من فرد إلا ويعرف عُنوان الآخر؛ لهذا يُمكن الاستدلال على مكان إقامته بسهولة ويُسر بفضل تلك المسميات الجمالية.
المُهم، طفتُ مجمُوعةً من المزارع؛ فأهم طويان قريتي المشهورة: طوي المناخ، والجهامي، والسعيدية، والعناكية، والزقاق، وطوي كافر، والسلمانية، والجديدة، والصاروج، وطوي سكندر، وطوي شمسه، والربيعية، والحاجبية، والزكيرية، والمبكية، والقتيلية، والمنينية، والمنيمية، والعرابي، والجحل، والوصيلية، والجابرية، والعجوز، وطوي العبيد، والجريرة، والجناة، وبن شايق، وبير ظل، وطوي العجلان، والقطنية، والبيرين، والحمدية، والرمانية، والمرية، والنارجلية، وطوي مسطاح، والعرفة، والمستورة، ومعاريس، وطوي البيت، والبيذامية، وطوي حبن، والقرطية، والحلوة، وبوقرامة، والرخيصة، والجالوسيات، والجالوسية، والزريبة، والمسجدية، والقاشعية، والصبارية، والياسية، والقبورية، والنجارية، والمكية، وسعد الدين، والبدو، والسدور، والنفيسية، والشمالي، وبن ثاني، والخليدي، والصفرية، والغافية، وطوي ومناوس، والرابية، والفيقين، والقريح، وطوي العش، ولغزال، وعين بني وين، الياسية، والعبادي، والبريسي، واللمبجية...وغيرها الكثير.
مرَرَتُ ببيوت قديمة في قريتي، أصبحتْ اليوم أطلالا، وبعضها لم يبقِ له أثر، تأمَّلتُ كثيرا تلك النخيلات المُحمَّلة بالثمار، بعضها لا تزال ثمارها عنجزيزا، وأخرى خلالا، وأخرى صافورا، وأخرى بسرا، وأخرى رطبا، وأخرى همادا وسحا.. هذه نخلة قدمي، وتلك خمري، وأخرى بوسلا، وتلك خنيزي، وتلك نغال، وتلك مديركي، وهذه مخلدي، وتلك صلاني، وهذه خلاص، وأخرى شبروت.. أنواعٌ ومُسمَّيات عديدة للنخيل، والتي لا يُعرف نوعها تُسمى نشو.
تذكَّرتُ تلك الأيام التي نستيقظُ فيها مُبكرا للذهاب للرقاط؛ حيث نحمل بيدنا وعاءً يُصنع محليًّا من السعف يُسمَّى الزبيل لالتقاط ما يتَسَاقط من النخيل، تذكرتُ أيَّام المسطاح والكناز أو الهمبارة، وزفانة الدعون، تذكرت المسحاة والشفطة والمجز والمحلة والصوار والعامد والوعب والجلبة والخبيل والحوض والغميلة والجابية والمغبرة والمقالة، تذكرت أيام الزاجرة والمنجور والمكينة الندنية ومكينة بوثلاثة وبو هنشين، تذكرت المذاكرة على ضوء سراج بوفتيلة، تذكرت الحمارة البيضاء الجميلة والثوج والخرج والجواد والحلس والغرضة والكاف، سَقَطتُ من على ظهرها يومًا وعادت إليَّ تشمُّ جَسَدي، كأنها أمٌّ تواسي ابنها.
تذكرت ربطة القت الصوري ومن القت الحولي، والبازري والرشيدية والمرينمبو، تذكرت المشبة والسجم والبشانة، تذكرت الجحلة والحب والخرس والماء البارد الزلال، تذكرت كيف نأتي بالماء من الشوار والموارد في كتول عفا على ظهر الحمير، تذكرت تحلقنا على السنطور وأغاني موزة خميس وحمدان الوطني، تذكرت أول ثلاجة تدخل بيتنا وحارتنا التي تعمل على حل تراب، تذكرت أول شربة ماء باردة من تلك الثلاجة، كنا نُبرِّد الماء فيها لتوزيعه على الجيران، ارتبطتُ بتلك الثلاجة كثيرا، كُنت أعتني بها، وأصنع في فريزرها العلوي آيسكريم أحمر لأبيعه لطالبات الفترة المسائية بعد خروجي من المدرسة في الفترة الصباحية، تذكرتُ أوَّل يوم لوُصُول الكهرباء إلى قريتنا.
تذكرت مغامراتي الطفولية لتسلُّق تلك النخيل العالية، والتي نسميها العوانة، من أجل قطف بعض الرطيبات أو القيرين أو البسر من أجل التبشُّر بها في أول القيظ، كُنا نعتمد على أنفسنا في مرحلة القيظ: التنبيت والتحدير والخرافة والجداد، وكذلك في مواسم الزراعة كالهياسة والمراماة والزراعة والسقي وجني المحُصُول وتسويقه.
تذكرتُ جدتِي -رحمها الله- وهي تجمع أول كمية رطب في إناء، وتطلب قراءة بعض الآيات والأدعية على تلك الكمية، ومن ثم تقوم بتوزيعها على أطفال الحارة دُون أن تأكل رطبة واحدة قبلهم، وبعدما دخلت المدرسة كانت تطلب مني أن أقوم بهذه المُهمة، ويسمَّى ذلك "ثواب"، كان ذلك بالنسبة لها بركة وأجرا.
مررتُ بضواحي القت والبازري والرشيدية والغشمر والمريمبو والشوران والزيتون والبيذام والفُرصاد والقاو، أيام كانت تلك الضواحي تعجُّ بثمار البطيخ والجح والخيار والطماطم والفندال والخيار، وكافة الخُضراوات والفواكه.
تلكَ الأشجار من الليمون والمانجو والسفرجل والمستعفل لم تعد اليوم موجودة، وعندما سألت عن سبب هذا التغير، قيل إنَّ الأرض لم تعد كما كانت، وكذا هي مياه الطويان.
ودَّعتُ تلك المزارع وذاكرتي مُتعلقة بأيام الطفولة وتلك الألعاب التي كنا نلعبها، ولم تعُد اليوم موجودة إلا في بعض كتب التراث: لعبة طلوع النخيل، لعبة تدوير الخلال، والمخُطة، والقبية، والمغاة، والحواليس، والولم، والصقل... وغيرها.
دخلتُ السوقَ القديم، مررتُ على محلِّ عبدالغفور لأشتري بعضَ القيمات، بادرني رجلٌ غريب، قال: أنا ابن أخت عبدالغفور، عبدالغفور مات من زمان، تُريد مرمرية أو زليبيا أو باكورة. قيمات كله خلاص. وهو يُحدِّثني كان تفكيري في أيام السوق القديم، كُنت أتفقد المكان: هنا العرصة، هُناك سوق السمك، هنا التبريزات التي يباع فيها الدنجو والباقل والقشاط والخبز والسخونة والقهوة، هُناك يباع القت، هُناك يباع النبق، هُناك يباع الليمون، هُناك تباع التمور والرطب، هُناك يباع الطم، هُناك الفرضة، هُناك تراكيب الحلوى. دخلتُ سوق الخضار، لم أجد إلا محلا واحدا، والبقية مغلقة.
تذكرتُ صَوْت مُحمَّد بن أحمد البواب وهو يقرأ النهمة، كنت أكتب تلك النهمة في فترة عملي بمكتب الوالي ككاتب لبثِّ تعليمات الحُكُومة قبل انتشار وسائل الإعلام والاتصالات كما هي عليه اليوم، تذكرتُ سوق السمك، وتراكيب الحلوى، تذكرتُ المناداة، وتلك الأصوات والحركة والنشاط، تذكرت تلك الشخصيات القابعة في محلاتها صباح ومساء.
لم يبقَ منهم إلا القليل؛ منهم من وافاه الأجل وتغمَّدهم الله برحمته، ومنهم من شغلته الحياة والمرض، ومنهم من بقي ينظر إلى السوق وحالته المتردية.. نشاطات تجارية جديدة شاهدتها في المحلات الجديدة، بعد أن قامت البلدية بهدم السوق وتجديده بطريقة لم تُحَافِظ على طابعه وتقسيماته القديمة، تلك المحلات الكثير منها يُديرها اليوم هنود وباكستانية وبنجالية.
خرجتُ من السوق وإذا الحصن القديم يستقبلنِي؛ لهذا الحصن ذكريات؛ ففي ساحته التُقِطت لي أول صُورة وعمري خمس سنوات لأجل دُخُولي المدرسة، من خلال كاميرا على شكل صُندُوق كبير نُصِبَت هُناك لهذا الغرض، لا زلت مُحتَفِظا بتلك الصورة وبملفي المدرسي أيضا، ومن خلال الحصن أيضًا بدأت مشوار عملي، وفي ساحته ذكريات جميلة، خاصة في الأعياد الوطنية، كنا نحرصُ على أن تكُون ساحته في أحلى زينة من الأعلام واللوحات الوطنية المعبِّرة، لنستقبل يوم العيد أفواج الطلاب بمسيرتهم الوطنية، كان الجيش يعرض في ساحته بعض الأفلام عن حرب ظفار وتحقيق النصر المؤزر لجُنُود عُمان الأشاوس الأحرار.
تذكرتُ أيامَ تجهيز المدفع وإطلاقه بمناسبة رؤية هلال شهر رمضان، وكذلك أيام الأعياد الدينية. كان أول وُقُوف لي أمام الميكرفون في هذه الساحة وعمري لا يتجاوز السادسة عشرة، وفي ذلك قِصَّة لا تنسى؛ فقد تعلمتُ منها الكثيرَ في مشواري الإعلامي كمراسِل للإذاعة والتليفزيُون في قُريات، خلال فترة من الزمن، وكذلك في الصحُف المحلية، خاصة جريدة عُمان الحبيبة.
تذكرت المستشفى القديم القريب من الحصن، الذي أنشِئ في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح موقعُه اليوم موقفا للسيارات؛ فقد تغيرت ذاكرة المكان.
واصلتُ المسير إلى القلاف والمرة والحصن، وهي حارات جميلة ولها ذكريات جميلة، نظرتُ إلى مستشفى الولادة بالقلاف؛ فكم من مولود أبصر النور في ذلك المكان. تأملت كثيرا مسجد الشيخ مالك الأثري القريب من حصن قُريات، قيل لي إنَّ هُناك نية لإزالته بهدف بناء مسجد أكبر، ومن ثمَّ يمَّمت إلى الساحل، سعدتُ كثيرا بذلك الاهتمام بخور الحلقح فهو من الأخوار البحُرية النادرة في قُريات؛ حيث يأسرك ذلك الجمال الطبيعي والخضرة الدائمة لأشجار القرم.
مرَرتُ بشارع الساحل البحري؛ فقد جمَّلته البلدية بممرات جميلة، حتى الأغنام تتراقص على تلك الممرات الملونة، شاهدتُ بعضَ الأطفال يتسلَّقون النخيلات المغروسة على ذلك الشارع والبراءة على محياهم، رأيتُ الشبابَ يتسامرون بفرح على تلك الرمال الناعمة، التي تتميز بالبرودة في فصل الصيف؛ لهذا كانت تُتَّخذ للنوم أيام الصيف قبل دُخُول الكهرباء، خاصة في عرق النوم.
تأمَّلت في موقع الجري، وإذا البحر قد ابتلع الكثير من اليابسة، وأصبح من الصعوبة الوُصُول إليه؛ ذلك المكان التاريخي له ذكريات في نفوسنا، خاصَّة أيام الأعراس؛ حيث كان يُزف العرسان بفُنُون المالد والتنجيلية إلى ذلك المكان، وكذلك إلى الصيرة.
دَخَلتُ الميناء، تذكرت أيَّام انطلاقة المشرُوع في بداية التسعينيات وحفل وضع الأساس، تأمَّلت تلك الصخور الضخمة التي جلبتها الشركة المنفذة للميناء من الجبل الذي يطل على النجمية بدغمر، أمواج البحر قد غيرت كثيرا من معالم تلك الصخور، نظرتُ إلى برج الصيرة فإذا هو شامخ كعادته عبر السنين والدهور، قُلت في نفسي مُنذ أيام ترميمه من قبل الشركة المنفذة للميناء لم أصعد إلى هذا البرج، فالمياه أصبحت تحيط به من جميع الاتجاهات؛ فلا بد للمغامرة للتعرف عليه أكثر بعد هذه السنوات الطويلة، أتذكَّر أيضًا تلك الجُهُود التي بُذلت من أجل تصميم نموذج لهذا البرج على مدخل الوُلاية عند قب علي بالسليل، والذي نفذته الشركة المنفذة للميناء مشكورة. ساحة هذا الميناء أصبحت اليوم متنفسا لأبناء الوُلاية والسياح لجماله وإطلالته على البحر.
أثناء رُجُوعي، وقفتُ طويلا على الساحل، شدَّني ذلك الرجل الستِّينِي، الذي غرس عَصَاته في الرمل ووضع عليها كِمته ونظره إلى البحر يتأمل فيه بعُمق وتركيز، تذكَّرت البدانة وقوارب الغادوف وقوارب الشراع، لم تعُد اليوم موجودة، تذكرت أيام سباق القوارب والمهرجانات البحُرية. تأملت كثيرا تلك الباورة الضخمة من بقايا سفينة برتغالية غازية، وتأملت أكثر في جامع الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وحِصنه المنيع في الساحل، مررتُ بقبور البرتجيس، ما زالت معالمها باقية ومميزة، تحيط بها البيوت من كل صوب.
قُلت في نفسي: لازم اليوم أزور مقر النادي القديم.. أيام جميلة من عمري قضيتها في رحابه مع شباب أوفياء؛ سواءً كنت عضوًا أو إداريًّا، تذكرت الملعب المعشَّب، وأول لقاء رياضي استضافه في العام 1997م، نظرتُ إلى المسرح الذي على خشبته قدم الشباب عشرات العروض الفنية والمسرحية؛ فإذا هو محل تجاري -قيل لي أصبح يومًا مخبزًا- ومبنى الإدارة أصبح مقرًّا لجمعية المرأة العُمانية.
قُلت في نفسي: البركة في المبنى الجديد للنادي؛ ذلك المبنى الذي خُطط له بصُورة صحيحة، وكان لي شرف المُشاركة في رسم رؤيته المُستقبلية على الرغم من وُجُود بعض الاعتراضات في ذلك الوقت، كون المكان كان يخلو من العُمران، وقد أثبتتْ تلك الرُؤى جدواها اليوم، وأنا أشاهد تلك التجمُّعات الشبابية والمجمَّعات العُمرانية تُحِيط بمنشآت النادي بطريقة تخطيطية منظَّمة.
ولجت إلى مبنى السينما في الراحضي، فوجدته مبنى متهالكًا تتربى فيه السَّنانير، شاشة العرض ما زالت باقية، وكذلك قاعة المشاهدة بتقسيماتها، سينما قُريات يعود تاريخها إلى نهاية السبعينيات، وتعدُّ -حسب ذاكرتي- ثاني سينما أو ثالث سينما في عُمان، بعد سينما النصر وبلازا، كنا نستمتع بأفلام عنترة وعبلة وشيبوب... وغيرها من الأفلام.
بعد رُجوعي، يمَّمت صوب الجنين، مررتُ بشجرة الصبارة العتيقة، وغافة الخروس ذاكرة المكان، صعدتُ إلى برج جبل خرموه وجدته صامدا وهو بحاجة لترميم، ولجتُ في عُمق البرج تأملت تصميمه الفريد وتلك الكتابات في جدرانه، وهي عبارة عن مشاعر إنسانية عبَّر بها العسكر أيام زمان، صوَّرتها قبل أن تندثِر لعلَّ الحاجة تأتي يوما لفك معانيها ودلالاتها الأدبية والإنسانية.. وبذلك ختمتُ هذه الرحلة الجميلة.

الجمعة، 25 أبريل 2014

أمواج البحر

على الرَّغم من شِدة وقوة أمواج البحر، إلا أنها تتلاشى مع أول ملامسة لليابسة من الأرض.

ذاكرة المكان والإنسان

ذاكرة المكان والإنسان من المُهم المُحافظة عليها؛ فالحياة هي محطات مُتواصلة تُكمل الواحدة الأخرى.

قناس السويس والعُماني أحمد بن ماجد

مَن الذي اقترح شقَّ قناة السويس بَيْن البحر الأحمر والبحر الأبيض المُتوسط؟
رُؤية تاريخيَّة سطَّرها لنا الكاتب والباحث والمحقِّق والأكاديمي الأستاذ هادي حسن حمودي، في مقال ودراسة نشرتها جريدة "الحياة"، ضمن أرشيفها عن أسد البحار العُماني أحمد بن ماجد. وقد اختَتَم الجزءَ الأول من مقاله بتحليل علمي وتاريخي بقوله:
"وتقدم لنا مخطوطته "كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد"، تجاربه الغنية في البحار والمحيطات، نظريًّا وعمليًّا، ويفيض الكتاب في الحديث عن الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي وأرخبيل جزر الهند الشرقية والبحر الأحمر. وفي حديثه عن البحر الأحمر، يشير ابن ماجد -وللمرة الأولى فيما نعلم- إلى أنَّ البحر الأحمر هو امتداد للبحر الأبيض المُتوسط، وأنَّه أوطأ منه قليلاً، وأعمق منه. ويَذْكُر أنَّ الفاصل البري بينهما يُمكن أن يُفتح ليلتقي البحران تسهيلاً للملاحة، بدلًا من الدوران حول رأس الرجاء الصالح، الذي كانوا يسمونه "جبال القُمر". ولكن هذه الرُّؤية لم يأخذ بها أحد من الشرقيين، ربما لعدم حاجتهم إليها نظراً لطمُوحاتهم المحدُودة، ولكن الغربيِّين تلقَّفوها.. فكانت قناة السويس!"

اقتصاد المعرفة

اقتصاد المعرفة سيقود العملية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية في المُستقبل، خاصَّة في ظل التغيرات المتلاحقة والسريعة في مُختلف المجالات العلمية والتكنُولُوجية؛ الأمر الذي يتطلب تهيئة كافة قطاعات المُجتمع لذلك مبكرا. ولتحقيق ذلك، يُتطلب وُجُود علاقة مُشاركة وتعاوُن وتكامل لجُهُود كافة المُؤسسات؛ سواءً كانت حُكُومية أو قطاعا أهليا أو خاصا.

زيارة إلى القرية

زِيَارة القُرَى والواحات الزراعية في مُختلف ولايات السلطنة مُتعة لا تضاهيها مُتعة؛ حيث إنها فسحة للتأمل والتفكر في الجمال والطبيعة الخلابة والبيئة البكر النظيفة؛ فكثيرٌ من القرى رغم مُقومات الحضارة التي أدخلتها النهضة المُباركة على مُجريات حياة السكان فيها، إلا أنَّها ما زالت تحافظ على عبق الماضي التليد وعراقته المتأصلة في السلوك الإنساني القويم من عادات وتقاليد عُمانية راقية.
الكَثير من الدول العالمية اهتمَّت بالسياحة القروية؛ وذلك بهدف تعريف السائح بما تتميَّز به تلك القرى من مُقومات حضارية وتاريخية وأثرية وعادات وتقاليد إنسانية، وفي الوقت ذاته فان ذلك يعد تنشيطا للحركة الاقتصادية لتلك القرى؛ حيث يُمكن لسكانها تسويق مُنتجاتهم الزراعية والحرفية.
في بعض الدول يُسمَح للسكان استضافة السياح في منازلهم، وفق تنظيم محدد ومعلن، ويعيش السائح أثناء أقامته مع تلك الأسر نفس أساليب الحياة المحلية، ويتعرف على عادات المُجتمع وتقاليده، ويستمتع بالطبيعة في الواحات الزراعية والجبلية، ويتذوق المأكولات الوطنية والمصنُوعة في المنزل.
منذ فترة كانت لي زيارة إلى إحدى القرى النائية في السلطنة لزيارة أحد المعارف، وكعادته استقبلنا أحسن استقبال، ووجدته مفترشا الرمال ومتوسدا وسادة محشوة بالقطن. سألته: تركت المكيف وتفترش هذا الرمل؟ قال لي: هذا الرمل يصلب الظهر، وهذا الهواء الطبيعي يريح النفس وينعشها. المكيف الذي تتهافتون عليه هو سبب ضعف أجسامكم وخمولكم. لا تكثروا الجلوس تحته فهو يضعف العظم والبدن.
ويضيف: يا ولدي شباب هذا الزمان يعيش في نعمة رغيدة وراحة تامة، يتمناها الكثير ممن يعيش في هذا العالم، نحن زمان كانت الأمور صعبة وتوفير الحياة الكريمة ليس بالأمر اليسير، ولكن جاهدنا وصبرنا وثابرنا وعشنا كما عشنا بقناعة وشكر للمنعم.
أرى شباب اليوم مستعجل في كل شيء ويقلد كل شيء، فما أن يشتغل الشاب إلا ويركض إلى وكالة السيارات ليشتري سيارة، فهو يعرف أنه ما عنده شيء لشراء سيارة ولكن يتدين من البُنُوك لأجل تحقيق مبتغاه، زمان على الرغم من ظرُوفنا الصعبة إلا أننا ندبر أمورنا ببصيرة وتفكر في كل أمر، وتكون لنا أولويات، ونأخذ الحياة بتدرج، وأهم شيء الرضا والقناعة بما قسم الله من رزق، وكل واحد بظرُوفه، والواحد ما ينظر في يد الآخر، وإنما ينظر ما في يده وينفق على قدر دخلة، والمُجتمع يعيش حياة رحمة وتعاوُن وتكافل.
ويكمل الرجل حديثه: أقص عليك قصة واقعية، كان عندنا رجل فقير اسمه خادم، في ذاك الزمان الكثير من سُكان القرية سافر العالي (العالي يعني إلى الخارج وفي الغالب إلى دُول الخليج العربي) من أجل لقمة العيش وبعضهم للتعلم، إلا أن خادم هذا من شدة تعلقه بالمكان لم يرض بترك القرية، وعاش مع زوجته حياة فقر وتعب ونصب، ولكنه صبر وعمل بكد عرقه لتوفير لقمة العيش حاله وأهله، وأهل الخير يساعدونه.
وفي إحدى الأيام وصل جاره من السفر، وعند مروره بمطرح اشترى جونتين عيش (العيش هو الرز عند أهل عُمان)، ووصل القرية عن طريق البحر، وهذا السفري يقدر خادم ويعرف عن ظرُوفه المادية، وفي يوم من الأيام ناداه إلى منزله، قال له تبعني باغينك في سالفة، وعندما دخل معه البيت، أدخله البخار وفتح جوينة العيش التي اشتراها من مطرح، وأخذ السدس وهو مكيال معروف يصنع من الخشب أو الحديد، وكال الرجل في دشداشة خادم كمية من الرز، حيث ذاك الزمان لا توجد كياس كما هو عليه اليوم، وقال له هذا الرز لك ولأسرتك هدية مني.
طار خادم فرحا بهذه الهدية، فالرز يومها من السلع النادرة في ذلك الزمان، والمقتدر والهنقري من يأكل الرز، وكان الرز يستورد من الهند، وسعره غال جدا ولا يمكن أحد أن يشتريه إلا صاحب المال.
المهم دخل خادم على زوجته، وقال هذا العيش (الرز) حافظي عليه، وكيلي منه كل يوم كيله واحدة حال عشانا، فقديما كانت الوجبة الرئيسية عندهم هي العشاء أما الغداء فيكون خفيفا سمك مقلاي أو مغلاي وسح (تمر)، واستمرت تلك الأسرة تقتات من ذلك العيش، وفي يوم من الأيام عندما قامت زوجة خادم بأخذ كيلة من الرز أو العيش وإذا هي تسمع رنة (صنة) قروش في المكيال، والقروش هي عملة معدنية مصنُوعة من الفضة ( تُسمى محليا قرش فرنس وهو دولار ماري تيريزا من المسكوكات الفضية النمساوية) كان يتعامل بها في ذلك الزمان ولها قيمة كبيرة.
بعد ما شاهدت زوجة خادم القروش طارت من الفرحة، وبلغت زوجها بما وجدته في العيش، طلب منها خادم السكوت وأخبرها أن هذه القروش ليست بملكه، وربطها في وزاره حتى الصباح، وما أن طلع الفجر توجه خادم لبيت جاره، واستأذنه بالدُخُول وما أن جلس بجانبه حتى ناوله القروش، وقال: هذه القروش تخصك وجدتها داخل العيش الذي تكرمت به علينا وها أنا أعيد هذه الأمانة إليك، فأنت أحق بها مني. فرح جار خادم أيما فرحة بهذا التصرف لجاره الأمين والقناعة التي يعيش بها على الرغم من حاجته للمال، فقال له: لا فأنت أحق بهذه النقود نظير تصرفك هذا.
ويكمل مضيفنا الحديث: شفت كيف تصرف هذا الرجل، اليوم تقرض صاحبك وتجده يماطلك في حقك، وعندما تطالبه بالحق يزعل عليك، بل تجده يخاصمك ويصد عنك بسبب مطالبتك إياه لحقك. قلت ما هو سبب هذا الضعف الأخلاقي من وجهة نظرك؟
قال لي: أول شيء ضعف الإيمان في القلوب، وأصبح الكثير من الناس يحبون المظاهر والتقليد وعدم الاكتراث بعواقب الزمان، وأصبحت المادة هي مقياس معادن الرجال، والكثير من الناس لا يعنيهم إلا أنفسهم فقط، ولا يلتفتون على بشر ولا على شجر ولا على حيوان.
قلت له ما هي الحلول من وجهة نظرك ونصيحتك، قال لي: الأهم هو التربية، ثم غرس القيم والفضائل الحميدة في نفوس الشباب مُنذ الصغر، فالإعلام عليه دور والمدارس عليها دور والبيت عليه الدور الأهم وكذلك المُجتمع عليه دور، والدعاة الذين تجدهم في المساجد يحدثون عليهم دور، وعليهم معرفة ودراسة واقع المُجتمع ومُشكلاته قبل التصدي لهذه المُهمة الخطيرة، وتنظيم مسألة الدعوة والمحاضرات في المساجد تحتاج إلى ترتيب وتنظيم ومتابعة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فليس كل واحد مؤهل للحديث عن الدين والأخلاق والقيم.
قلت له الحياة تغيرت ومُتطلباتها أصبحت كثيرة، وطبيعتها أصبحت متسارعة، قال لي: صحيح كلامك ولهذا كل يوم تتزايد حوادث السيارات من كثرة الركض وراء الدنيا وما قادرين يسبقونها.
الدنيا محتاجة إلى قناعة وصبر وتأمل وتفكر يا ولدي، وكل زمان بصرفه والله المستعان.

الأربعاء، 23 أبريل 2014

التدريب

عِبَارَة جميلة قرأتُها، اليوم، بجريدة "عُمان"، ضمن مقال لأحد المُفكرين: "إذا كان التدريب غالي الثمن؛ فالجهل بالتدريب أغلى".

الاثنين، 21 أبريل 2014

فقرة "صباح المدارس" على إذاعة الشباب

فقرة "صباح المدارس" على إذاعة الشباب خلقتْ حِراكًا مُجتمعيًّا في مُختلف ولايات السلطنة؛ فهي مُتابعة من قبل شريحة كبيرة في المُجتمع، ولها تأثيرٌ على مشاعر ووجدان الناس.
فَقَد نجح هذا البرنامج في تقديمِ نماذج مُبدعة من أطفال عُمان في مُختلف المجالات الإبداعية. ونجحت المُبدعة سهى الرقيشية بصَوْتها الأمومي في إدارة حُواراتها الناجحة مع أطفال عُمان ومُستقبلها.
شُكرًا أيُّها المُبدعون في إذاعة الشباب.

عبارات جميلة

كُنتُ في زيارة لإحدى الشركات العُمانية الرائدة، شدَّني توجُّه الإدارة بأن علقت في كل مكتب من إداراتها عبارة جميلة، وهي باللغتين العربية والإنجليزية؛ من بينها العبارات التالية:
- "حاضرنا هو نِتاج ما نفعله بصُورة متكررة؛ لذا فالتميز ليس مجرد تصرف بل عادة".
- "جميل أنْ تتحلى بالصبر؛ فكل ما تراه سهلا كان صعبا".
- "فشل التخطيط يقُودك إلى مُخطط فاشل".
- "عندما تبني قاعدة كبيرة من الخِبْرَة؛ بذلك تجعل العميل يسوِّق لنا مع الآخرين؛ فالكلمة فاعليتها مؤثرة".
- "العمل ليس علما ماليا، بل هو تجارة بيع وشراء، أو إبداع إنتاجي، أو خدمة جيدة يقوم الناس بالدفع لها".

المسؤُولية الاجتماعية للشركات

المسؤُولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص في السلطنة تشهد نقلة جيدة تجاه المُشاركة في خدمة المُجتمع، وتقديم مُنتجات وخدمات تحقق رغبات وتوجهات المُجتمع والبيئة وقوانين الدولة، وهذا التوجه بحاجة إلى تشجيع وتحفيز ومتابعة أيضا.
فخلال هذا الأسبوع، تابعنا تدشين مشاريع مُجتمعية بتمويل من الشركات المحلية؛ من بينها: تمويل إنشاء مركز التأهيل من الإدمان في صحار، وافتتاح مركز صحي متكامل في أدم، إضافة إلى دعم سخي للجمعية العُمانية لذوي الإعاقة السمعية، التي احتُفل -مُؤخرا- بإشهارها في حفل بهيج بمُشاركة نخبة من مُختلف شرائح المُجتمع.
يجب أن تعي الشركات أن مُساهمتها في تقديم خدمات نوعية في رقي المُجتمع والبيئة، هو بمثابة استثمار حقيقي لمواردها، ولا يجب أن تحتسبه ضمن التكاليف بهدف تخفيض ضرائبها.
فالشركة هي كيانٌ حيٌّ، وتستمدُّ وجودَها ونشاطَها ونجاحَها ونموَّها من البيئة التي تعمل فيها؛ فالبيئة تُمثل لها فُرصًا وتهديدات لمُستقبلها، وهي مصدر قوتها وضعفها أيضًا؛ لهذا عليها أن تبني إستراتيجيات تقوم على شراكة إيجابية مع البيئة والمُجتمع، وليس على أساس الربح والخسارة فقط.

الأربعاء، 16 أبريل 2014

باب خشبية

هذه الباب صنعَتها يدُ ماهر عُماني، يعود تاريخها إلى أكثر من مائتي عام، لا تزال صامدة حتى الآن، لم تؤثر فيها العوامل الطبيعية ولا التعديات البشرية، تتميَّز بصلابة ونقوش فريدة.
عندما أتأملها بين الحين والآخر، مُقارنة بأبواب بيوت اليوم، أقول إن الفرق شاسع بين الأمس واليوم.

يقول البيدار..


البيدار يقول: طاح الحدار.
ويقول البيدار أيضًا باللهجة المحلية: يبدأ موسم نضوج ثمرة النخيل بالعنجزيز، ويليه الخلال، وما يُتَسَاقط من الخلال يُسمى الخامول أو الداموك، ثم يأتي الصافور، بعده يأتي البسر، ثم القيرين والرطب، وأخيرا السح أو التمر.
ومَا يتساقط من ثمار النخيل يابسًا يُسمَّى الحشف أو الخشاش.

العولمة

فعلا.. ليست العولمة -بمفهُومها الحديث- جديدة على العُمانيين؛ فهم سبقوا العالم في ترسيخ مفاهيم التجارة الدولية، والسلام، والتبادل المعرفي، مُنذ قديم الزمان مع مُختلف الحضارات الإنسانية.

عرض مسرحي

مِن عُمق الصَّحراء في عُمان، ومن تُخُوم رمال الربع الخالي، ومن أرض بن سولع في وسط عُمان، أطَّلتْ علينا، مساء اليوم، مدارس مُحافظة الوسطى بعرض مسرحي مدهش وغير متوقع، بعُنوان "لا مكان للسقوط"؛ وذلك ضمن فعاليات مهرجان المسرح المدرسي الخامس، والذي تواصل مُنذ بداية هذا الأسبوع، بمُشاركة مُختلف مُحافظات السلطنة.
أحد المخرجين المخَضْرمين في التليفزيُون تحدَّث إليَّ عن إعجابه الشديد بأداء طلاب وطالبات المدارس في هذا العرض؛ فقُلت له إنَّ المواهب تجدها في كل مكان من عُمان، ونحن بحاجة لمن يكتشفها ويعتني بها لتشق طريقها نحو الإبداع والتميز.
لَقَد أثبت هذا العرض المسرحي المتكامل، الذي تشرفتُ بمشاهدته مساء اليوم، رسالةَ يَوْم المسرح العالمي لهذا العام: "أينما كان هُناك مُجتمع إنساني.. تتجلَّى روح المسرح التي لا يمكن كبتها".
جُهُود رائعة تستحقُّ الإشادة والشكر والتقدير.

فلج الهبوبية.. عطاء لا ينقطع

الثلاثاء، 15 أبريل 2014

ابن رشد

انبهرتْ بعضُ الشخصيات العربية باحتفال محرك البحث "جوجل" لميلاد الفيلسوف العربي ابن رشد.
فمَاذا هُم فاعلون لإبراز مثل هذه الشخصيات لمُجتمعاتهم؟

الاثنين، 14 أبريل 2014

الجودة في التعليم

تَابعنَا، اليوم، في الصحافة المحلية لقاءَ معالي الدكتُورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم، بقيادات الوزارة، حول مُراجعة الإدارة العليا لنظام إدارة الجودة.
خُطْوَة طيِّبة في الاتجاه الصحيح، ونأمَل أن تنعكسَ تلك الجُهُود على العاملين بالوزارة والمستفيدين من خدماتها، وعلى رأسهم قطاع الطلاب والطالبات.
إيمانُ القيادة، والتزامها وقناعتها بأهمية تطبيق نظام الجودة، عاملٌ مهمٌّ في تحفيز كافة العاملين في المنظمة لأداء مهامهم بالشكل الصحيح من المرة الأولى.
كل التوفيق لوزارة التربية والتعليم على هذه الخطوة الرائدة، والتي أسعدتنا كثيرا.

الخميس، 10 أبريل 2014

تدشين شعار نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية 2015م


ولاية نزوى حَاضِرة مُحافظة الداخلية، وَصَفَها جلالة السلطان المُعظم: "مدينة التاريخ والعلم والتراث، وقلعة الأصالة والمجد الأثيل الشامخ.. مدينة نزوى العامرة التي كان لها دور بارز في مسيرة الحضارة العُمانية لا يزال يتألق نورا وضياء، ورفعة وجلالا. كانت معقل القادة والعظماء، وموئل العُلماء والفقهاء، ومرتاد الشعراء والأدباء؛ فأعظِم بها من مدينة لها في قلوب العُمانيين منزلة عالية، ومكانة سامية، وقدر جليل".

الأحد، 6 أبريل 2014

أجواء رائعة وطبيعة ساحرة

أَجْوَاء رائعة وطبيعة ساحرة في قُريات.. هذا المنظر من خور الميناء، تتَكاثَر في هذا الخور الكثير من الطيور والكائنات البحُرية، خاصة الطم -أي: سرطان الطين- وكذلك الشناجيب وهي سرطان الرمل.

ملاحات طبيعية


هَكَذا كان يُسْتَخرج ملحُ الطعام قديمًا في ولاية قُريات. الملح الطبيعي الذي لا يُمكن الاستغناء عنه أبدا؛ فالطعام بلا ملح عندما تتذوَّقه يقال له ماسخ أو تفل؛ أي: بحاجة إلى تحليته ببعض الملح.

الحب

الحب.. وعاء يُصنع من الطين، كان يُستخدم قديمًا لحفظ مياه الشرب، له خاصيَّة تبريد المياه في شدة الحرارة.
وُفِّقَ الشياب في تسميته بالحب؛ لأنه يُنعِش القلب والفؤاد بالماء الزلال.

ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان

حَضرتُ، مساء اليوم، مُقتَطَفات من فعاليات الندوة الثالثة عشر 2014م لندوة "تطور العلوم الفقهية في عُمان"، والتي تأخذ عُنوان: "الفقه الإسلامي المشترك الإنساني والمصالح".
عُلماء من مُختلف دُول العالم والمذاهب تجمعُهم هذه الندوة، وهي بحق مَفْخَرة للإنسان العُماني، لما تحملُه من رسالة ورؤية سامية تجاه توحيد الأمة لما فيه خير الإنسانية جمعاء.
العَدِيْد من العُلماء أشادُوا بتوجُّهات السلطنة تجاه تبنيها لهذه الندوة، وطالبُوا بمُوَاصلة هذا الجهد المُبارك. كما طالب بعض العُلماء بضرُورة تضمين النقل المباشر لفعاليات الندوة ترجمةً مُباشرة للغة الإنجليزية والفرنسية؛ لأنَّ الندوة مُتابعة من قبل الكثير من سُكان العالم الخارجي.
كُنتُ أتمنَّى أن يكُون مكان انعقاد الندوة في أحد الصُّرُوح العلمية كجامعة السلطان قابُوس؛ وذلك حتى تُتَاح الفُرصة للطلاب حضور فعالياتها بصُورة أكبر مما شاهدتُه.
شُكرًا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية على جُهُودها المثمِرة، وعلى حُسن التنظيم والاستقبال لعُلماء الأمة.

الأربعاء، 2 أبريل 2014

الجحلة

الجحلة.. مُنتَج عُماني مُتكامِل، وصناعة عُمانية، وهي بمثابة ثلاجة مياه الشرب قديمًا.

ثقافة الترشيد

خِلَال ساعة واحدة، تمَّ توفير 67 ألف كيلووات من الطاقة الكهربائية في السلطنة؛ بمناسبة يَوْم الأرض.
هذه النتيجة تدلُّ دلالةً واضحةً على وعي وثقافة المُستهلك، ومدى تجاوب المُجتمع مع حملات التوعية لترشيد الاستهلاك في الطاقة.
مِنَ المُهم جدًّا أن تتَّسم حملات التوعية بالتجديد، وتتماشى مع كل شريحة من المُستهلكين؛ من أجل توصيل الرسائل التوعوية المناسبة، وبهدف غَرْس ثقافة الترشيد لدى أفراد المُجتمع؛ وذلك بطريقة صحيحة ومدروسة.
لَقَد وُفِّقت جمعية البيئة العُمانية، وشركات الكهرباء، في حملتها التوعوية بمناسبة يوم الأرض؛ ولهذا جَنَت هذا النجاح في ترشيد الطاقة.

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

لتدفُّق المياه في مَجْرَاها الطبيعي جاذبية خاصة

توجُّه متطور في مجال التحفيز الإداري

توجُّهات الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيُون فيما يتعلَّق برعاية رأسمالها الفكري؛ من خلال تقديم خدمات مُختلفة ورعاية كاملة للأفراد العاملين لديها، توجُّه حضاري، وينمُّ عن رُقي في مجال التطوير الإداري.
عَملتْ الهيئة على افتتاح عيادة خاصة لمُوظَّفيها، تُقدِّم خدمات راقية، وتضم أجهزةً طبية متطورة، إضافة لتقديم خدمات التأمين الصحي لأفرادها... وغيرها من الخدمات، وَهَذا في حد ذاته توجُّه متطور تجاه تقديم الحوافز والدافعية لشركاء المعرفة؛ من أجل توفير بيئة محفزة للإبداع والتطوير والابتكار.