الخميس، 26 يوليو 2012

الإدارة بالتجوال

تتمثل الإدارة بالتجوال في تواجُد القائد على رأس العمل، ويتجول داخل الوحدات الإنتاجية، ويُتابع الأعمال الميدانية للتأكد من أنها تسير وفق الخُطط والبرامج المرسُومة. وهي تُعتبر فلسفةً إداريةً لها تأثير نفسي وإنساني لدى العاملين وهم يرون رئيسهم يتجول بينهم، ويشد على أمرهم، ويُشجعهُم ويُحفزهُم على المزيد من الجهد والعطاء والإبداع والابتكار، ويعيشُ الواقع في مُعالجة المشكلات.
وهذا الأسلُوب ليس بهدف المُراقبة والتحكم والسيطرة وتصيد الأخطاء فحسب، وإنما بهدف بث الحماس، ورفع الروح المعنوية لدى العاملين، بما يُشعرهُم باهتمام القيادة بهم، وبما يُنجزُون من أعمال. وإضافة إلى ذلك، فإن استخدام هذه الفلسفة الإدارية يُتيح للقائد المُعايشة الفعلية للأحداث على طبيعتها وحقيقتها، والحُصُول على المعلُومات مُباشرة من مصادرها الرئيسية.ويُسهم هذا الأسلُوب أيضًا في غرس الرؤية والرسالة التي تتبناها القيادة في مرُؤُوسيها، وتُسهم في اختصار الوقت في إصدار القرارات التنفيذية، ومُعالجة الأخطاء والانحرافات الإدارية المؤثرة على جودة الأداء والإنتاج.
والإدارة بالتجوال في حقيقتها منهجٌ إسلامي؛ فقد حث الإسلام ُعلى الوقوف على احتياجات الأمة، والعمل على مُعالجة المُشكلات الحياتية، وخير قُدوة لذلك مُعلم البشرية وسيدُها، فقد كان عليه الصلاة والسلام يُتابع أمور الأمة ويعمل على تحفيز أصحابه من خلال تواجده المُباشر بينهم، بل مُشاركته فيما يقُومُون به بهدف رفع المعنويات وغرس الثقة في قُدراتهم والإيمان برسالتهم.
وانتهج هذا الأسلُوب أيضًا كافة قادة الدولة الإسلامية؛ فيُروى عن الخليفة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان يقف بنفسه على مُطالعة أحوال الناس لحل مشاكلهم، والقيام بأمُورهم وقضاء مصالحهم وحفظ عُهُودهم وإعانة طائعهم وزجر عاصيهم، إضافة إلى التعرف على احتياجات المُجتمع ورعاية الضعفاء والفُقراء، يقُول رضي اللهُ عنه: "امشُوا في حوائج إخوانكم ترتاح الرعية وتأمن".

الخميس، 12 يوليو 2012

23 يوليو المجيد انطلاقة التنمية الإنسانية بمفهُومها المُعاصر في عُمان (4)

شهدت السلطنة مُنذ العام 2011م مرحلةً جديدة ونقلة نوعية في مسيرة التنمية الإنسانية، فقد تم تعديل بعض مواد وأحكام النظام الأساسي للدولة، وذلك استجابةً لمُقتضيات ومُتطلبات التطور الاجتماعي والمؤسسي للنهضة المُباركة، والتي أكدت على توسيع نطاق مُشاركة المُواطن في اتخاذ القرارات الوطنية، وتجلى ذلك في توسيع صلاحيات مجلس عُمان التشريعية والرقابية.
كما شهدت هذه المرحلة تأكيد استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية، وتفعيل دور جهاز الرقابة المالية والإدارية، وإجراء إصلاحات وتغييرات عديدة شهدها القطاع الحُكُومي؛ من أجل الارتقاء بالخدمات التي يقدمها للمُواطنين.
بالإضافة إلى تطوير نظام المُحافظات ضمن تقسيم إداري جديد للسلطنة، وإنشاء المجالس البلدية في المُحافظات، وتشكيلها بطريقة الانتخابات المُباشرة من جانب المُواطنين في الولايات؛ بهدف تعزيز المشاركة الفاعلة في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما شهدت مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان انطلاقة جديدة تجاه الاستثمار في الموارد البشرية بالتوسع في مجال التعليم العالي والتدريب والتأهيل، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المُختلفة، وتحفيز القطاع الخاص على أداء دور أكبر في نمو الاقتصاد الوطني وتنمية المُجتمع، والمشاركة بفاعلية في اقتصاديات المعرفة العالمية، ومُجابهة تحديات العولمة من خلال تطوير القدرات الوطنية وتأهيلها بما يواكب عصر التقدم المعرفي والتكنُولُوجي.
كما تم تأسيس مجلس أعلى للتخطيط برئاسة جلالة السلطان؛ بهدف وضع الإستراتيجيات والسياسات اللازمة لتحقيق التنمية المُستدامة في السلطنة، وإيجاد الآليات التي من شأنها تطبيق تلك الإستراتيجيات والسياسات، وصولا إلى تحقيق التنوع الاقتصادي والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية المتاحة. ولتوفير البيانات والمعلُومات الإحصائية عن السلطنة فقد تم إنشاء المركز الوطني للإحصاء والمعلُومات يتبع المجلس الأعلى للتخطيط.  
وهكذا تتواصل مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان بثبات، لتدخُل مرحلة جديدة من البناء والتطوير والتجديد لدولة حديثة وعصرية، وهي تقف اليوم بشموخ وكبرياء لمواجهة كافة التحديات، وذلك من خلال جُهُود مُتواصلة ورؤية واضحة ورسالة سامية وغايات وأهداف نبيلة لخدمة هذه الأمة؛ من أجل مُستقبل مشرق لأبناء عُمان، وبناء تنمية شاملة تواكب العصر الذي يعيشون فيه.
ومن الواجب الوطني في هذه المرحلة الحالية والمُستقبلية بذل المزيد من الجهد والعطاء، والعمل الجاد والمُثابرة والإخلاص، والصبر من أجل خدمة ونهضة عُمان؛ وذلك من خلال تلاحُم قوي بين كافة أطراف صناعة التنمية الإنسانية، وبإرادة راسخة وعزم أكيد وهمة عالية من قبل جميع أبناء هذا الوطن العزيز، بهدف تحقيق المزيد من التقدم والرخاء والنماء والإنجازات المشرقة للتنمية المُستدامة في ظل قيادتنا الحكيمة.
فرعى اللهُ مسيرة النهضة المُباركة، وكل عام وعُمان وقائدها المُفدى بألف خير.

الأربعاء، 11 يوليو 2012

23 يوليو المجيد انطلاقة التنمية الإنسانية بمفهُومها المُعاصر في عُمان (3)

مع صُدُور النظام الأساسي للدولة بمُوجب المرسُوم السلطاني رقم 101/96، بدأت مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان مرحلة جديدة؛ فقد أرسى النظام الأساسي للدولة دعائم الدولة العصرية، وأسهم في ترسيخ وتدعيم دولة القانُون والمُؤسسات، وأصبح القاعدة الرئيسية التي يرتكز عليها نظام الدولة القانُوني، والمرجع الأساسي لكافة القوانين والسياسات العامة.
كما وضع النظام الأساسي للدولة أسسًا راسخة ومبادئ مُحددة لشكل الدولة وسُلُطاتها العامة، ونظام الحكم القائم في السلطنة، الذي يقوم على أساس العدل والشُورى والمُساواة. وهُو في نفس الوقت يُمثل الإطار المرجعي الذي يحكُم عمل السُلُطات المُختلفة ويفصل فيما بينها، وتستمد منه أجهزةُ الدولة المُختلفة (الجهاز المدني، جهاز الأمن، الجهاز العسكري) أسس ونطاق عملها، ويُوفر أقصى حماية وضمانات للحفاظ على حُرية الفرد وكرامته وحُقُوقه، ويُحدد المبادئ العامة لسياسة الدولة في مُختلف المجالات، وكذلك الواجبات العامة للأفراد وحقوقهم.
ومع صُدُور النظام الأساسي للدولة أيضًا، دخلت السلطنة مرحلة مُهمة أكثر تقدمًا في التطوير لدولة حديثة وعصرية ترتكزُ على المُؤسسات وقيم العدل والمُساواة وحُكم وسيادة القانُون وترسيخ مفهُوم المُواطنة واحترام حُقُوقها وتكافُؤ الفُرص للجميع، وترسيخ مبدأ المُشاركة الوطنية للمُواطنين في الشؤون العامة، من خلال تثبيت دعائم الشورى الصحيحة والراسخة، والنابعة من تُراث الوطن وقيمه وشريعته الإسلامية، آخذةً بالمُفيد من أساليب وأدوات العصر.
وضمن هذا الإطار، فقد أخذت تجربة الشورى في عُمان -سواء من حيث المُمارسة، أو أطرها التنظيمية- مسارًا متناميًا طوال عهد النهضة المُباركة، وأخذت في تطبيقها أساليب مُختلفة، واتسمت بالتطوير والتجديد عبر مراحل مُتعاقبة، ووفق تدرج واقعي ومدرُوس من قبل القيادة الحكيمة، وعلى أُسس ثابتة وراسخة، مُستمدة من واقع الحياة وظرُوف المُجتمع العُماني ومُتطلبات التنمية، وُصُولا إلى مرحلة الانتخابات المُباشرة لكافة أعضاء مجلس الشورى من جانب المُواطنين في الولايات؛ وذلك وفق قواعد وأسس مُحددة ومُعلنة، تتمتع فيها المرأة العُمانية بحق الانتخاب والترشح على قدم المُساواة مع الرجُل لعُضوية المجلس.
كما شهدت السلطنة في هذه المرحلة من مسيرة التنمية الإنسانية نقلة نوعية في إصدار وتعديل وتطوير القوانين والتشريعات والأنظمة، بما يتفق مع النظام الأساسي للدولة وترسيخ مبادئ الدولة العصرية، وكان على رأسها صُدُور قانُون السُلطة القضائية الصادر بموجب المرسُوم السلطاني رقم 90/99، وإنشاء المجلس الأعلى للقضاء، وتكامل منظومة القضاء العُماني تنظيميا وقانُونيا. كما شهدت هذه المرحلة تطور الجهاز الإداري للدولة وإعادة الهيكلة والتنظيم لعدد من الأجهزة الحُكُومية القائمة؛ وذلك بهدف الارتقاء بمُستوى الخدمات التي يقدمها للمُواطنين.
وإضافة إلى ذلك، شرعت الدولة في تعزيز وزيادة اهتمامها بتنمية الموارد البشرية التي هي أساس التنمية المُستدامة وعمادها، مُرتكزة في ذلك على العمل المؤسسي وسيادة القانُون وتكامل الأدوار بين الحُكُومة والمُواطن وكافة القوى الفاعلة في البلاد، وعملت على بناء وتعزيز ورقي الاقتصاد الوطني القائم على العدالة والتعاوُن البناء والمثمر مع النشاط العام؛ كونه شريكًا أساسيا في تحقيق التنمية الشاملة والمُستدامة، إلى جانب الحُكُومة والقطاع الأهلي.
كما ركزت مسيرة التنمية على تطوير وتشجيع مُؤسسات المُجتمع المدني؛ إدراكًا للدور المُهم الذي تقُوم به في خدمة المُجتمع، ولكونها تُشكل إحدى مُقومات الدولة العصرية، وأصبحت تلعب دورا أساسيا ورئيسيا مع الحُكُومة في رسم وتنفيذ السياسات العامة والخُطط التنموية. كما أن ذلك التوجه يعد تواصلا مع التراث العُماني العريق الذي عرف مُنذ آلاف السنين أشكالًا من المُمارسات التي تقُوم على التكافل والتعاوُن بين مُختلف شرائح المُجتمع، ويأتي على رأسها: نظام الوقف، ونظام الأفلاج، وتعاوُنيات أصحاب المهن والحرف التقليدية، والعديد من اللجان الأهلية الأخرى.
وقد أكد جلالة السلطان المُعظم في أكثر من مناسبة على أهمية مشاركة وتعاوُن القطاعين الحُكُومي والأهلي، وكذلك القطاع الخاص؛ بما يخدم أهداف التنمية الشاملة. حيث يقول جلالته -حفظه اللهُ وأبقاه- عام 1998م؛ بمُناسبة عام القطاع الخاص: "إن نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك بين أطراف ثلاثة: الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين. وعلى كل طرف من هذه الأطراف أن يتحمل واجباته بروح المسؤُولية، التي لا ترقى الأمم في درجات التقدم والتطور إلا إذا تحلت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها"، وقد عمل جلالته -حفظه اللهُ- مُنذ انطلاقة النهضة المُباركة على تثبيت حُكم ديمقراطي عادل في إطار واقعنا العُماني العربي، وحسب تقاليد وعادات مُجتمعنا، وفي ضوء تعاليم الدين الإسلامي.

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

23 يوليو المجيد انطلاقة التنمية الإنسانية بمفهُومها المُعاصر في عُمان (2)

تُمثل المرحلة الأولى للتنمية في عُمان في الفترة من العام 1970م إلى عام 1974م، والتي يُمكن أن نُطلق عليها مرحلة التأسيس والتكوين لبناء الدولة العصرية. وقد ركزت هذه المرحلة على التسريع في تكوين البنية الأساسية للتنمية، وتوفير الخدمات الأساسية للمُواطنين كالتعليم والصحة والكهرباء والمياه والمواصلات، إضافة إلى مواجهة كافة التحديات بتسامح وواقعية، وبحكمة وعقلانية، وبُعد نظر ورُؤى سديدة بما يُحقق مبدأ الوحدة الوطنية.
وكذلك الانفتاح على العالم الخارجي بتوسيع نطاق علاقات السلطنة مع مُختلف الدول الشقيقة والصديقة والمُنظمات الدولية، وتأكيد الانتماء العربي والإسلامي، وذلك على أسس متينة وراسخة، ترتكزُ على مبادئ العدل والسلام والتعاوُن المشترك والاحترام المُتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، والعمل على حل الخلافات الدولية بالحُوار والحكمة، وعلى أساس مبدأ لا ضرر ولا ضرار. كما استطاعت السلطنة من خلال مُفاوضات هادئة وعقلانية وواقعية إنهاء كافة الخلافات العالقة بشأن الحدود البحرية والبرية مع كافة جيرانها، وقدمت بذلك أُنمُوذجًا راقيًا في تحسين وتطوير علاقاتها مع كافة دُول العالم.
كما تُمثل المرحلة الأولى من عُمر النهضة المُباركة البداية الحقيقية للتشريعات الحديثة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال صُدُور أول مجمُوعة من القوانين التي تحكم العلاقات الإنسانية والأنشطة المُختلفة في الدولة وترسيخ مبادئ الحق والعدالة، إضافة لوضع قواعد راسخة لتنظيم مسيرة العمل الوطني في البلاد، وتجلى ذلك في إنشاء أهم مكونات السُلطة التنفيذية للجهاز الإداري للدولة، والتي تُمثلت في: تشكيل مجلس للوزراء، وتأسيس العديد من الوحدات الحُكُومية، وتطوير أجهزة الدولة ووظائفها المُختلفة (المدنية، والأمنية، والعسكرية)، وركزت هذه المرحلة أيضًا على استيعاب الموارد البشرية العُمانية، وتأهيلها لتحمل مسؤُولية التخطيط والبناء.
وفي العام 1975م، بدأت النهضة المُباركة مرحلتها الثانية في طريق تحقيق التنمية الإنسانية، والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة التطوير والتحديث النوعي والتخطيط المنهجي للتنمية. وإدراكًا لأهمية وُجُود جهاز إداري عصري وقوي، وقادر على إدارة مسيرة التنمية الإنسانية في البلاد بصُورة تتفق مع رؤية جلالة السلطان المُعظم لبناء حُكُومة عصرية، فقد أصدر جلالته مرسُوما سلطانيا في شهر يناير من عام 1975م، الذي قضى بتشكيل لجنة للنظر في تنظيم الجهاز الإداري للدولة، والتي كُلفت أيضًا بإعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية، وتنظيم الجهاز الإداري للدولة، وتحديد اختصاصات الوزارات والدوائر الحُكُومية.
وتكللت أعمالُ هذه اللجنة بصُدُور قانُون تنظيم الجهاز الإداري للدولة بموجب المرسُوم السلطاني رقم 26/75، وهو أول قانُون عصري يُعنى بتحديد اختصاصات أجهزة السُلطة التنفيذية، والقواعد القانُونية التي يعمل بموجبها الجهاز الإداري للدولة في السلطنة، واستنادًا لهذا القانُون صدرت العديد من القوانين الجديدة، واستحدثت مجمُوعة من التشريعات وتم تعديل قوانين قائمة. وتلك اللجنة أيضًا هي التي صاغت أول قانُون للخدمة المدنية لسنة 1975م، والذي حقق مشاركة فاعلة في التنمية البشرية وإدارة رأس المال الفكري في البلاد بكفاءة وفعالية.
كما ركزت مسيرة النهضة المُباركة مُنذ العام 1976م على الأخذ بمبدأ التخطيط الإستراتيجي الذي يمثل الأداة الرئيسية لبناء الدولة العصرية وإرساء دعائم التنمية على أسس علمية، وفي هذا الإطار صدر قانُون التنمية الاقتصادية لسنة 1975م، وعملت السلطنة على وضع الخُطط الخمسية للتنمية، التي بدأت ملامحها الأولى للسنوات (1976-1980)، وهي أول خُطة خمسية عرفتها السلطنة في تاريخها القديم والحديث، وذلك وفق مُرتكزات وأهداف محددة، يتم صياغتها من واقع وظرُوف المُجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد اتخذت السلطنة في هذا الإطار العديد من جوانب التطوير والتحديث والتغيير في مسار التنمية الشاملة، بالإضافة إلى تكملة مشرُوعات وبرامج البنية الأساسية للدولة العصرية، وعملت على بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع وشريك أساسي في تحقيق التنمية الشاملة بجانب الحُكُومة والقطاعات الأهلية. كما اتسعت أنشطة الدولة في تقديم مُختلف الخدمات للمُواطنين، وذلك وفق خطوات مدروسة تقوم على المُثابرة والجدية في العمل ومعرفة مُتطلبات الواقع المعاش، والأخذ بمعايير التحليل والتقييم المُستمر لتلك الأنشطة بهدف التطوير والتحسين لمُستوى الأداء في مسيرة التنمية الإنسانية المُستدامة.

23 يوليو المجيد انطلاقة التنمية الإنسانية بمفهُومها المُعاصر في عُمان (1)

اعتمدت عُمان مُنذ فجر التاريخ على جُهُودها وإمكاناتها في التنمية الإنسانية، وشهدت عبر تاريخها المجيد فترات من الازدهار الاقتصادي والثقافي والمعرفي، وحققت العديد من الإنجازات الحضارية والإنسانية في شتى مجالات الحياة، وقد ارتبطت تلك الإنجازات بالإنسان وقُدرته على المُثابرة والعطاء ومُواكبة مُتطلبات عصره؛ من أجل تحقيق تنمية مُستدامة واستقرار اجتماعي، بالإضافة إلى وُجُود نظام سياسي وإداري مفعم بالنشاط والحيوية، واتسم بالكفاءة والفاعلية، وعمل بإخلاص في بناء الهيكل الأساسي للمُجتمع، والوفاء بمُتطلبات واحتياجات المُواطنين.
وتُشير الدراسات والشواهد التاريخية (الفكرية والمادية) إلى أن الحضارة العُمانية الراقية والمُزدهرة عبر المراحل الزمنية القديمة قد أعطت أُنمُوذجًا إيجابيا تجاه العمل التنموي، الذي اتصف برُوح المُبادرة والعمل الجاد والاستقلالية والمُثابرة والإبداع والابتكار والاعتماد على الذات؛ وذلك وفق قيم ومبادئ ومفاهيم حضارية، ترتكزُ على تطبيق قيم الإيمان ومكارم الأخلاق والعدالة والمُساواة والشورى والأمانة والإحسان والإخلاص والصبر والتعاوُن، وتُؤمن بالمُشاركة وحُرية الرأي والحُوار والرأي الآخر، وبمبدأ الاعتدال والإصلاح؛ بما يُحقق كرامة الإنسان والنهُوض بفكره ومعارفه؛ من أجل بناء الحضارة الإنسانية.
ويُعتبر يوم 23 يوليو من العام 1970م أحد الأيام التاريخية المجيدة في عُمان؛ حيث أعاد لعُمان مكانتها الحضارية بين الأمم، وبدأت من خلاله نهضة حديثة وتنمية شاملة من أجل الإنسان العُماني الذي هو أيضًا أداتها وصانعُها. وقد حرص قائدُ هذه النهضة المُباركة جلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- على تهيئة كافة الظرُوف السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ من أجل بناء الإنسان وتحقيق الإنجازات العظام، والتي أسهمت في تغيير وجه الحياة في عُمان وإعادة أمجادها التاريخية المشرقة.
وأصبحت عُمان في ظل هذه النهضة الحديثة ترفل بثوب العزة والمجد والفخار والسؤدد، في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال خدمات متكاملة عمت جميع أرجاء السلطنة، مُحققة تنمية شاملة ومُستدامة هدفها البناء والإنجاز، وغايتها تحقيق تنمية بشرية مُتنامية، وتوفير حياة كريمة للمواطن العُماني، مُتمتعًا بكامل حُقُوقه الوطنية والإنسانية، وأتاحت لهُ فُرصة المُشاركة في البناء والتعمير، والتفاعُل بإيجابية مع مُحيطه الحضاري والإنساني.
وكانت مُرتكزات النهضة الحديثة في عُمان مُنذ انطلاقتها هي: الاستثمار في تنمية وتطوير الموارد البشرية، كونها الخيار الإستراتيجي لبلوغ الغايات السامية للتنمية، وتثبيت مبادئ الحق والعدالة، والاهتمام بالبنية الأساسية، وإقامة دولة القانُون والمُؤسسات، والعمل على إدارة موارد البلاد وإمكانياتها بطريقة تحقق أفضل استخدام ممكن لها، بالإضافة إلى التفاعل مع الظرُوف المتغيرة للمُجتمع والاتجاهات العامة للمبادئ الإنسانية الكونية وفق خطوات مدروسة، وبتطبيق أسلوب الواقعية في التفكير والتنفيذ لكافة خطط التنمية في البلاد.
وعندما نتأمل في إنجازات النهضة المُباركة مُنذ العام 1970م، التي عمادها ومحورها الإنسان العُماني صناعة وصياغة، نجد أنها مرت بمراحل مُختلفة من التطوير والتجديد، وفي إطار من التدرج المنطقي والعقلاني، الذي يُراعي ظرُوف وواقع المُجتمع وثوابته الراسخة، ومُعطيات الحاضر والرؤية المُستقبلية للتنمية، مع الحفاظ على مُرتكزات وإنجازات الماضي العريق.

الخميس، 5 يوليو 2012

أهمية المشروعات الاقتصادية في رفد الاقتصاد الوطني

تُشكل المشرُوعات الاقتصادية والمُتوسطة إحدى الأدوات المؤثرة إيجابيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتُسهم بفاعلية في استقطاب واستيعاب أعداد كبيرة من المُواطنين، وتخلق فُرص عمل جديدة للشباب.
وما يُميز المشرُوعات الصغيرة بأنها تدار من قبل أصحابها مُباشرة، وهذا يعني أنهم المصدر الرئيسي للأفكار والإبداع والابتكار والتميز في إدارة هذه المشرُوعات.
وتُمثل المشرُوعات الصغيرة أيضًا مجالا واسعا لتشجيع المرأة لإقامة مشاريع إنتاجية تتماشى مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي. وقد اعتمدت الكثير من الشركات الكبيرة على المشرُوعات الصغيرة في الحصول على الأجزاء التي تدخل ضمن خطوط التجميع الكبيرة لمُنتجاتها الصناعية، وكذلك في تقديم الخدمات المعنية بالإصلاح والصيانة.
ولو أمعنا النظر في الشركات العملاقة في العالم، فإن الكثير منها كانت بدايتها مشرُوعات صغيرة، ومع الاجتهاد والمُثابرة والصبر والتخطيط المدروس يمكن الاستفادة من الفُرص المتاحة في عالم الأعمال، والتطور إلى الأفضل.
دعوة للشباب إلى ضرُورة إدارة أفكارهم الاستثمارية من خلال فتح مشاريع صغيرة، مع ضرُورة اختيار الموقع المناسب للمشرُوع، ودراسة السوق والتعرف على احتياجات المستهلكين، واستخدام مفهُوم ومهارات التسويق الصحيحة في طريقة تقديم السلعة أو الخدمة.
بالإضافة إلى تعلم مهارات التصرف والتعامل والتواصل مع العُملاء، والعمل على استمرارية التعامُل معهم والمُحافظة على تلك العلاقة، وتقديم مُنتجات تُرضي العُملاء وتلبي حاجاتهم وتوقعاتهم، بالمُواصفات والجودة والتكلفة التنافسية المُناسبة، مع ضرُورة التفاعل مع متغيرات البيئة، والتعامُل بالصدق والأمانة وبأخلاقيات العمل.

الثلاثاء، 3 يوليو 2012

المسرح وهمومه

تحية طيبة لكم أخي العزيز الدكتُور سعيد السيابي...،
سعدتُ كثيرا بمُتابعتكم على شاشة تليفزيُون سلطنة عُمان، وكان طرحُكم عن المسرح وهمومُه راقيًا، ينم عن فكر مُتقد وطُمُوح كبير وهمة عالية من أجل التطوير والتجديد والارتقاء بمُستوى الأداء، والعمل على تفعيل الحراك الثقافي بالسلطنة إلى الأفضل.
أخي سعيد: قيمة المسرح كفن راق وثقافة واسعة يتلقاها الفرد مُنذ طفولته؛ فكثيرا ما نسمع الجدات والأُمهات وهُن يروين القصص والحكايات الجميلة على الأطفال بأسلوب عفوي وشيق يجذبُ الانتباه والتركيز، والمستوحاة من واقع المُجتمع وتراثه العريق، وبطريقة تُحرك خيال الطفل وفكره المُتنامي، وهي في حقيقتها أسلوبٌ فني راق، وتأخذُ في رُواياتها شكل مشاهد درامية قريبة إلى المشاهد المسرحية. ولكن تلك البذرة هي بحاجة إلى اهتمام ورعاية وتحفيز، وهذا الدور مناط بالبيئة والأسرة والمُجتمع والمدرسة والمُؤسسات الثقافية.
في بداية النهضة المُباركة كان هُناك اهتمامٌ كبيرٌ للنشاط المدرسي بالمدارس، خاصة في الثمانينيات، بل كان يُطبق بعض المعلمين الأسلوب الدرامي لشرح بعض الدرُوس، خاصة فيما يتعلق بالمواد الأدبية والعلوم وغيرها من العلوم الإنسانية؛ حيث يطلُب المعلم من الطلاب أداء مشاهد مسرحية للدرس، ولا أُخفيك أن هذا الأسلوب كان له تأثيرٌ مباشرٌ وإيجابي في نفوس الطلاب لتوصيل المعلومة والمعرفة، كما أنه طريقة فاعلة في شرح وتبسيط المعلُومات وتفسيرها.
بالإضافة إلى ذلك، لا تجد مدرسة إلا وفيها مجمُوعة للنشاط المسرحي، وما من مُناسبة إلا لهذه الفرقة نشاط فاعل. إذن، غرس قيمة المسرح ومفاهيمه بطريقة منهجية وعلمية يبدأ من المدرسة، ومن الضرُورة بمكان تضمين المناهج والبرامج والنشاطات التعليمية هذا الجانب، أضف إلى ذلك أهمية تواجُد خشبة للمسرح في كل مدرسة لنشر هذا الوعي لدى الطلاب بأهمية المسرح ودوره في رُقي الفكر وسمو الوجدان.
كذلك يتطلب من وزارة الشؤون الرياضية تفعيل هذا الجانب في الأندية، وعليها تخصيص مُوازنات خاصة للجانب الثقافي والاجتماعي والفني، وأن لا تسمح لإدارات الأندية توجيه تلك الموارد في نشاطها الرياضي، الذي أصبح النشاط الوحيد والطاغي على نشاطات الأندية في كثير من أندية السلطنة للأسف الشديد، خاصة بعد نقل تبعية المديرية العامة للنشاط الثقافي والاجتماعي من الوزارة إلى وزارة التراث والثقافة؛ حيث كان لتلك المديرية نشاطٌ ملموسٌ ومُستمر في تفعيل الجانب الثقافي والفني في الأندية.
كما من الأهمية بمكان وُجُود إستراتيجية واضحة طويلة المدى تتفرع منها خُطط وبرامج تتبناها وزارة التراث والثقافة ووزارة الإعلام والجهات المعنية بدعم وتفعيل النشاط الثقافي في السلطنة؛ وذلك بهدف وضع مسار منهجي وواضح، ورُؤية مُستقبلية للارتقاء بالجانب الثقافي ومُستوى المسرح ومُختلف الفُنُون الإنسانية... تمنياتي لك بالتوفيق.
مع تحياتي/ أخُوكُم صالح الفارسي