الثلاثاء، 31 يناير 2017

الحياة تعب ونصب

الإنسان يعيش في هذه الحياة في تعب ونصب، لا راحة في هذه الدنيا، قد يتصور البعض أن من يملك الثروات والجاه والشهرة مرتاحٌ باله.. لا أبدا، فلكل شيء تكلفة.
تطلعات الناس ورغباتهم لا حدود لها، وكلما زادت الموارد المتاحة أمامهم من ثروة أو دخل أو وقت أو صحة، زادت مُتطلباتهم وحاجاتهم؛ لهذا فهم في حركة دائمة من البحث والتفكير، لعمارة الدنيا، وتحقيق جودة الحياة: جسديًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا، وروحيًّا.
لهذا؛ يجب على الإنسان أن يُدرك تماما أن لكل شيء تكلفة؛ فأمام مُتطلبات الحياة التي لا تنتهي في ضوء إمكانات محدُودة، عليه أن يختار في تحقيق تلك الرغبات والاحتياجات وفق أولوية مدروسة ومراحل مُتتالية؛ وذلك ما يُسمِّيه عُلماء الاقتصاد والإدارة "تكلفة الفُرصة البديلة"؛ بمعنى تحصل أو تختار على شيء ذي أهمية مُقابل التضحية بشيء آخر له أهمية أيضًا، ولكن بمقدار أقل.
فلا يُعقل أبدًا أن تتحقق كل رغبات الفرد في يوم وليلة؛ لهذا أتيحت أمامه في كثير من أمور الحياة الاختيار واتخاذ القرار، بما ينفعه ويتوافق مع أحكام الدين والأخلاق والقيم الإنسانية. وما ينطبق على الفرد ينطبق أيضًا على المُؤسسات والدول.

جاعد

الجاعد.. جلد الخروف بعد تنشيفه وتنظيفه؛ يُوضع على ظهر الدابة كالحمار، واستخدام الجاعد يعده البعض رفاهية ناعمة لغلاء ثمنه في ذلك الوقت.

رأي مفكر عُماني

سمعتُ مرَّة أحد المُفكرين العُمانيين، عندما سأله أحد الشباب عن طقوسه في القراءة؟ فقال: عندما أنتهي من قراءة موضُوع ما، أحاول أن أجلس جلسة تأمل مع تلك الأفكار التي قرأتها واطلعت عليها، لا تستهينوا بكل ما يكتب، فهو عصارة جهد إنساني، وخلاصة تجربة في الحياة.

لعبة طلوع النخيل



لم يحظَ أطفال زمان ببحبوحة الراحة مثل أطفال هذا اليوم، الطفل كان مطالبا بمهام محددة تتناسب مع عمره، وإلا الخضرية تيبس ظهره، لا توجد ألعاب مثل ما هي عليه اليوم؛ فاليوم هُناك أنواع كثيرة وعديدة متاحة للطفل والحمد لله، المهم هو الاختيار والتوجيه الصحيح.
ولكن: هل طفل أيام زمان لا يحب الترفيه والتسلية؟ لا أبدا، فهو أيضًا يمرح ويلعب، ولكن من خلال ألعاب قديمة توارثها من الآباء والأجداد، ألعاب اخترعها الشياب، لكنها لها أهداف وغايات تربوية وفكرية وبدنية لا تخلو من علم ومعرفة، هُناك أيضًا اجتهادات من الأطفال بأنفسهم لاختراع بعض الألعاب التي تتناسب مع عمرهم، وكذلك مع جنسهم، فهُناك ألعاب خاصة بالذكور، وأخرى خاصة بالبنات، وأخرى مشتركة بينهم يُمارسها الجميع.
تلك الألعاب كانت تتناسب مع ظرُوف ذلك العصر ومُتطلباته، ومن بين تلك الألعاب التي كنا نمارسها أيام طفولتنا: لعبة طلوع النخيل؛ فهي مشهورة في قريتنا؛ كونها قرية زراعية وبها النخيل باسقة في عنان السماء، اللعبة تهدف في العمق إلى تعويد الشباب على طلوع النخيل.
تُمارس هذه اللعبة في الواحات الزراعية؛ حيث تنمو أشجار النخيل لا سيما أيام القيظ، وهي مسلية للشباب، وتحتاج لياقة ومعرفة في طلوع أو تسلق النخيل، وهي مدرسة لتعليم الشباب وتعويدهم على الاهتمام بالنخلة، وغرس محبتها في قلوبهم.
وتبدأ اللعبة أولا بقطع زورة من النخلة بطول متر واحد أو أقل بقليل، وتدفن هذه الزورة في مكان بحيث يتطلب من الجميع البحث عن الزورة، مردِّدين كلمات جميله؛ منها -حسب ذاكرتي الضعيفة- "دور دوريه بانكريه".
وبعد العثور على العصا المدفونة، يتسابق جميع اللاعبين في وضع هذه الزورة على طرف أصبع الوسطى من اليد، ويتم العد عليه حتى وقوع العصا أو الزورة، واللاعب الذي يكُون أقل عددا هو الذي يكُون عليه اللعبة؛ حيث تُرمى العصا لمسافة طويلة، ويقوم المشاركون في اللعبة بطلوع أو تسلق كل واحد نخلة باليد، بينما يقوم اللاعب الآخر الذي عليه اللعبة بإحضار تلك الزورة جريا، ومن ثم محاولة إصابة أحد اللاعبين بتلك العصا، بضرب أحد اللاعبين بالعصا، ويتطلب ملامسة العصا لرجل أحد منهم.
وفي حالة فشله، يقوم بعدِّ عشر نخلات، وفي هذه الحالة يحق له لمس أو إصابة لاعب من المشاركين بتلك العصا بطلوع النخلة لذلك، كما يحاول جميع اللاعبين النزول من النخلة بغتة، وقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان القفز من الأعلى من أجل الفوز باللعبة.
أمَّا في حالة تمكن اللاعب من ملامسة أحد اللاعبين بالعصا قبل نزوله من النخلة، فيكُون ذلك اللاعب عليه اللعبة، كما تنتهي اللعبة في حالة تمكن أحد اللاعبين من النزول من النخلة دُون إصابته بالعصا، ويمكن أن يفوز باللعبة هو ومن معه في حالة نزوله أو قفزه، بعد قوله بصوت مرتفع: "عنِّي، وعن رباعتي"، تلك الكلمة الأخيرة هي بمثابة تعليم ضمني لمعنى التضامن وروح الفريق.
لم تعُد هذه اللعبة موجودة اليوم، فقد طواها النسيان، في ظل طفرة التغيرات المُجتمعية في هذا العصر.. تلك هي من ذكريات الطفولة، أحببتُ إطلاعكم عليها، لعلها تفيدكم وتذكركم بأيام زمان.

السبت، 28 يناير 2017

إنجاز رياضي نفتخر به

ألف تحيَّة لمنتخبنا الوطني العسكري على تتويجه بكأس العالم العسكري 2017م.

ظلال المساء


ساح النبات

طاح النبات أو ساح النبات.. لفظتان بمعنى بدء وانتهاء فترة النبات، والنبات والتنبيت هو تأبير وتلقيح ثمار النخل، وللتنبيت طريقة لا يتقنها إلا الماهر بأسرار النخل؛ فلكل نوع من النخل مقدار محدد من النبات.
والنخلة ثنائية المسكن، فهُناك نخيل ذكرية تُسمى "الفحل"، وأول ثمارها تُسمى الغيظ، وكان الأطفال يتسابقون على قلعها لطعمها اللذيذ. والبودرة الذكرية لثمار الفحل تُسمى "الدخ"؛ لهذا تجد العُماني يشم النبات قبل أن يشتريه ليعرف جودة ونوع الدخ.
والمثل العُماني القديم يقول: "إذا طاح النبات بين يجيك الليل بات"، وهو دلالة على انتهاء فترة البرد وصردة الأرض، وعدم تأثيرها على جسد الإنسان.

الجمعة، 27 يناير 2017

ماذا يحدث في العالم

روسيا تتقدم بمسودة لمشرُوع دستور جديد لسوريا العربية، وهُناك مجاعة في اليمن، والعراق غارق، وليبيا في تيه لا يعرف آخره، ومصر تقاوم مؤامرة كبيرة.. ماذا يحدث في العالم؟!

الخميس، 26 يناير 2017

في ضيافة الشعر والأدب

الأمسية الأدبية التي نظَّمتها اللجنة الثقافية بمهرجان مسقط، بقاعة النادي الثقافي، مساء يوم الثلاثاء الماضي، تكريمًا لسيرة الأديب والشاعر العُماني الكبير الشيخ هلال بن سالم بن حمود السيابي، أعادت بذاكرة الكثير من المتعطشين للأدب العُماني القديم إلى حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، حين كانت الأمسيات الجميلة لروَّاد الأدب في عُمان مُتواصلة، والتي كان يحتضنها النادي الجامعي (النادي الثقافي حاليا) والمنتدى الأدبي، وسط حضور كثيف من الجماهير.
شَارك في الأمسية مجمُوعة من فرسان الأدب في عُمان؛ من بينهم: الأديب والمُثقف القدير أحمد الفلاحي، والدكتُور المُبدع الأستاذ سعيد العيسائي، والدكتُورة الأديبة الراقية سعيدة الفارسية، بحضور نخبة قليلة من الأدباء والمُثقفين ومتذوقي الأدب والثقافة في عُمان.
بدأ الشيخ أحمد الفلاحي الأمسية بورقة جميلة، طافت بنا إلى ذكرياته الشخصية والعملية مع المحتفى به، مبينا جوانب إنسانية وأدبية يتمتع بها الشاعر الشيخ هلال السيابي، مركزا على القيمة الأدبية لنتاجه الأدبي الواسع ومشاركاته العديدة في مضمار الأدب والحياة العامة.
كما تميَّزت ورقة الأديب الدكتُور سعيد العيسائي بتطرقها إلى جوانب فنية وقراءة عميقة ورصينة للقيمة الأدبية لبعض نتاجات الشيخ السيابي، والتي قال عنها: قد تميزت بالكثير من التفرد والتجديد في سياق مسيرة القصيدة الكلاسيكية في عُمان والعالم العربي، وفي الوقت ذاته أعادت الذاكرة الزمانية لقيمة الشعر الجاهلي والعربي وقصائد المعلقات في تاريخ الشعر العربي.
بدورها، تداخلتْ الشاعرة القديرة الدكتُورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، بذكاء، في ربط خيوط الأمسية بنعومة الشعر ورقي الأدب وسمو الإبداع؛ لتخرجها بنجاح متميز، ضمن نسيج أدبي مفعم بالعطاء وتقدير الذات، مُذكِّرة الجيل الجديد بأن ما سمعوه في هذه الجلسة الاحتفائية من أسلوب في التواضع والطرح بين المشاركين، هو سمة عُمانية وقيمة مُجتمعية رفيعة، جُبِل عليها الإنسان العُماني في إطار احترام وتقدير الآخر، مهما وصلت مكانته الاجتماعية والأدبية والثقافية، داعية للتمسك بهذا الأسلوب الراقي في تقدير الذات الإنسانية المُبدعة.
وكان للشاعر المحتفَى به جولات وُصُولات في بحر الشعر والذكريات في تلك الأمسية، فأمتع مسامع الحضور، ولامس أوتار القلوب، بمجمُوعة من قصائده الراقية والشامخة في شتَّى نواحي أغراض الشعر الكلاسيكي الفصيح، وكان سمتُه التواضع في الطرح والحديث، خاصة عند سماعه عبارات المديح والثناء لمكانته الأدبية؛ فهو يخاطب الحضور بأن ما قاله أحمد الفلاحي في سيرته هو ما يتميز به الفلاحي نفسه من مكانة أدبية في عُمان؛ فقد كان يؤثر الآخرين على نفسه على الرغم من استحقاقه لذلك بجدارة.
ما لفتَ انتباه أحد الأصدقاء هو عدد الحضور لتلك الأمسية، على الرغم من قيمتها ومكانتها، فهو متابع لأمسيات أدبية لنفس الشاعر ومن يجاريه في نفس المجال في الثمانينيات، ويرى أن هُناك بونا شاسعا في الإقبال على مثل هذه الأمسيات اليوم، وقد أبدى تخوفه من انحسار ذائقة الجيل الجديد عن سماع القصيدة الكلاسيكية، مشيرا إلى أن أصحاب الأقلام المخملية في الأدب الحديث لم يكن لهم وجود في الأمسية إلا ما ندر منهم، خاصة روادها الكبار، قلت له: لعل توقيت الأمسية وظرُوف الجو الماطر كان سببا في ذلك، كما من غير المُحبذ والمناسب تصنيف الأدب: هذه مدرسة قديمة وأخرى حديثة؛ فالأدب كغيره من الظواهر الإبداعية والفكرية والاجتماعية هو أيضًا يتطور ويتجدد، ولكل جيل أسلوبه في التعبير عن ذائقته ومشاعره الوجدانية.
بعد الأمسية، فكَّرت كثيرا في مسألة الحضور والمُشاركة في مثل هذه الأمسيات؛ فهي مسألة شائكة تحتاج إلى دراسة متعمقة، وأرى أنها في المقام الأول والأخير جانب تسويقي وتنسيقي بحت، فهُناك الكثير من المُؤسسات للأسف الشديد تغفل عن جانب تسويق أنشطتها وفعالياتها بصُورة تتوافق مع مفهُوم التسويق المؤسسي الحديث، والذي يقوم على علم وفن في الوقت ذاته.
التسويق لأمسية في هذا الزمان لا يكفيه طرح إعلان أو دعوة عبر تغريدة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فجيل اليوم ليس كجيل الأمس، كما قال الدكتُور العيسائي كانت تكتظ بهم القاعة.
فالتسويق، اليوم، هو بوابة مُهمة لنجاح توصيل المُؤسسات لرؤيتها ورسالتها وأهدافها وأنشطتها مهما كانت أغراضها، ولو قارنا عدد الحضور في أمسية الأديب البحريني الكبير قاسم حداد، قبل أيام، بعدد الحضور في هذه الأمسية، لوجدنا أن هُناك سببا عميقا في هذا الاختلاف في عدد حضور هذه الأمسية.
فتلك الأمسية قد تمَّ التسويق لها بذكاء، خاصة من قبل بعض رواد الأدب؛ فكان التسويق للأمسية عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي قد بدأ التمهيد لها مبكرا من تاريخ موعدها، وتواصل التذكير بها حتى يوم تنفيذها، ولو تمعنا في بعض عبارات تلك التغريدات وأسلوب طرحها، فهي قد بُنيت بطريقة تسويقية ذكية.
على العموم، كانت أمسية ممتعة، وذاكرة أدبية لا تُنسى، تُشكر عليها بلدية مسقط وإدارة النادي الثقافي، وقد ختمها الشيخ أحمد النبهاني بحديث شائق من الأب إلى أولاده ومن المُحبوب إلى المُحِب، وهو شخصية عُمانية لها من العطاء في خدمة الوطن في مجالات مُختلفة، حين تحلَّق حوله بعض الحضور، في مشهد عُماني جميل يجمع بين جيلين، مُذكِّرا لهم بأنَّ عُمان تعيش ازدهارا فكريا راقيا، مشيرا إلى إعجابه بالأقلام العُمانية في مُختلف وسائل الإعلام والصحُف المحلية والعربية. مؤكدا أن عُمان كما نجحت في بناء البنية العُمرانية، هي أيضًا نجحت في بناء فكر الإنسان، مطالبا النادي الثقافي بأن ينشر الإبداعات العُمانية في الخارج، خاصة بيروت؛ لأنها بوابة مُهمة للنشر وتسويق الكتاب والفكر في العالم العربي والأجنبي، ولكي يصل القلم العُماني إلى الآخر يحتاج إلى جهد؛ فهو يرى أنه من المُهم جدا التعريف بمكانة وتطور الثقافة والأدب في عُمان، وهو بحق قدم رؤية تسويقية مُتقدمة تستحق أن تقدر وتدرس.

الأحد، 22 يناير 2017

الماء شريان الحياة

الفلج يستجدي تلك الغيمة الرابضة قمم الجبال؛ لتعصر مُزنها لكي يستمر شريان الحياة في التدفق.

احتراق

احتراق.. إنها الطبيعة التي تدور حولها الكائنات للوُصُول إلى حقيقة الأشياء.

القرية التراثية.. ذاكرة إنسانية لا تنسى

حملتُ ذكرياتي، هذا المساء، وولجت القرية التراثية بمتنزه العامرات؛ التي بدأت فعالياتها قبل أيام ضمن برامج وأنشطة مهرجان مسقط 2017م.
كانتْ بذرة غُرست عام 1993م، بساحة نادي قُريات بمناسبة عام الشباب، وكانت من يُمن الطالع أن تكُون فعاليات تلك القرية بداية مشرقة لعام مجيد حمل "عام التراث" في العام 1994م.
انتقلت تلك البذرة بعد أن أصبحت شجرة خضراء، وتعهدتها مُحافظة مسقط برعاية كاملة، ضمن فعاليات وطنية لعدة أعوام لاحقة في حديقة القرم الطبيعية.
كبُرَت حينها تلك الشجرة الجميلة، المعتقة بالتراث مع الانطلاقة الفعلية لمهرجان مسقط في العام 1998م، وباهتمام كبير من قبل بلدية مسقط، حتى تفرعت وقوت أغصانها؛ وأصبحت أيقونة المهرجان حتى اليوم.
تطورت القرية التراثية كمًّا وكيفًا على مسار تاريخ مهرجان مسقط، وهي بحقّ علامة فارقة ومُهمة في مجال التسويق للتراث الثقافي في عُمان.
منذ الانطلاقة الأولى للقرية التراثية، ارتبطتْ فعالياتها بوجوه معروفة، مثَّلت مرحلة عمرية من الزمن لتاريخ بعض المهن والتقاليد العُمانية. اليوم، الكثير من هذه الوجوه التي ألفناها خلال السنوات الماضية من عمر المهرجان لم تعد بين ظهرانين تلك الأمكنة؛ فقد رحلوا ورحلت معهم تلك البصمات والذكريات الجميلة من تاريخ المهرجان.
وقفتُ مُتأمِّلا الوجوه؛ فلم أجد الوالدَ عبدالله بن سعيد البلوشي وهو يُرخِي شباكه، مُحتضنا تلك الثمار اليابسة المجوفة من الوعا، وتلك الحجارة والأصداف البحُرية القديمة، كأنها تحفة ذهبية نادرة لم يعد لها وُجُود في زمننا هذا.
لم أجد العم سعيد البوصافي مادًّا ذراعيه فوق تلة من الملح القُرياتي الناصع البياض، كأنه من الذهب الأبيض، شارحا لزوار المهرجان عن خور الملح وتاريخه وخيراته الواسعة.
لم أجد العم ناصر الكمالي يُقلِّب تلك الحصيات البيضاء والصقل في سباق حميم وممتع مع رفيق دربه محمد في لعبة الحواليس التقليدية، في وسط لمة من الشياب والشباب للتشجيع وتعلم تلك الألعاب الجميلة، المُرتبطة بالطفولة أيام زمان.
لم أجد أيقونة القرية البحُرية خلفان، لم أسمع صَوْت الكارجة بصوتها الموسيقي الشجي، ولم أرَ خيوط البريسم مُمتدة بألوانها الزاهية، لم أُشاهد راعي الحظية المنقوشة بجمال الزري والخوصة والبرسيم والصوف الناعم الملمس، لم أجد الفراجي مجبر الكسور، لم أجد راعي الحجامة بطريقته التقليدية.
لم أَسْمَع الصوت الباسم لبركات، ولم تعد دلته الفخارية وقهوته العدينية تفوح على موقدها المعروف بوسط القرية، لم أسمع صوت محماس القهوة على التوافي الحجرية.
أين ولد بردان بقفشاته المرحة؟ أين أصحاب الكناز؟ أين هم رعاة زفانة الدعون، أين راعي الخناجر الصايغ سعيد بن هديب؟ وجوه عطَّرت تلك القرية بأناملها الذهبية - عليهم رحمة الله.
قضيتُ ساعات في حديث شائق مع عدد من الحرفيين، استمعت إلى ذكرياتهم الجميلة مع البحر والفُنُون، تعرفت على مهنهم وأعمالهم القديمة، يقول أحدهم: زمان كانت الأعمال فيها مشقة وتعب، ولكن كانت تؤدَّى بحب وإخلاص؛ لهذا بقيت معهم إلى اليوم.
كانوا في قِمَّة السعادة باهتمام البلدية بذكرياتهم ومهنهم، يشرحون للشباب والسياح بطريقة المحب للمحب، هم بحق سجل ذهبي لتاريخ مشرق، ما زالوا يُشكلون أحد صُنَّاعه.

الأحد، 8 يناير 2017

ما هو البرم؟

دائمًا نسمع أنَّ هذا الموسم هو موسم البرم. وعندما ندخل محلًا لبيع العسل يُبادر البائع بعرض عسل البرم. فما هو البرم؟
البرم زهور صغيرة لها فوائد كبيرة؛ هذه الزهور تنتجها أشجار السمر وكذلك أشجار السدر والسلم، لها رائحة نفاذة، والبرم أيضًا يضم البراعم والأوراق الصغيرة لهذه الأشجار.
السمر كما نشاهدها في الصورة واحدة من الأشجار العريقة في عُمان، شجرة تكيفت مع قساوة الجو وارتفاع الحرارة، ولها فوائد عديدة للبيئة الطبيعية ونمو الحياة الفطرية.
تجد هذه الشجرة مع انتهاء الصيف تخلع لونها الباهت، وترتدي في موسم الشتاء حلة جديدة وزاهية، حيث تبدأ في النضار باخضرار داكن.
يتغذى عسل الطويقي العُماني على رحيق أزهار البرم، وينتج عسلا زكيا له طعم فريد ورائحة متميزة، يسمى عسل البرم، له فوائد صحية عظيمة لا تحصى.

السبت، 7 يناير 2017

ذكريات غافة

عندما أرادت وزارة التربية والتعليم بناء أول مدرسة بالمواد الثابتة في قُريات، مع مطلع عقد السبعينيات من القرن المنصرم، لتحل محل مدرسة الخيام في الساحل، اعترضتْ حينها شجرة غاف ضخمة ومعمرة المكان -لها من العمر الطويل في العطاء والكرم- فكان موقعها في وسط الأرض التي تمَّ اختيارها لتحتضن مشرُوع تنوير الحياة.
تلك الأرض التي وقع عليها الاختيار لاحتضان تلك المدرسة -لتوسطها مركز المدينة- هي ضمن مساحة تُسمى طوي الجهامي بالمعلاة. فهكذا درج العُمانيون عليه مُنذ القدم تسمية الأمكنة والمساحات المسكونة والمزروعة حتى الجبال والحجر والتلال بأسماء؛ لها دلالات وصفية ومعنوية وتاريخية عن المكان، وهي أيضًا دليل عنونة لسكان وجُغرافية المواقع والبلدان.
بعد تفكير واعٍ وعميق لمن يُشرف على التعليم حينها، قرَّرت الشركة المُصمِّمة والمنفذة للمشرُوع، الإبقاء على تلك الشجرة الجميلة لتتوسَّط فناء المدرسة؛ فبُنيت صفوف المدرسة بطريقة متقنة وبجودة عالية، وفي وقت قياسي لا يتجاوز أشهر وأيامًا، جعلها تعمر حتى عهد قريب، وذلك على شكل حرف U، ووفقا لتصميم ذلك المبني كان موقع الغافة يتوسط فناء المدرسة بجمالها الأخاذ.
كانتْ خضراء حتى النخاع، وشامخة وممتدة الأغصان، حتى يكاد ظلُّها يسع كل طلاب المدرسة في يوم قيظ شديد الحر؛ حيث لا كهرباء ولا تكييف حينها في الفصول.
كانتْ تحنُو علينا بنسمات باردة حينما تفُوح جدران الأسمنت، وتوهج الشمس في كبد السماء في فصل صيف لاهب.
كانتْ شاهدةً على كلِّ يوم دراسي جديد، وعلى كلِّ حركة وسكنة فيما يدور في تلك المدرسة، كانتْ سِجلًّا للأيام والأعوام، ولذكريات حفرت في جذعها الشايخ وعلى أغصانها المناطحة للسماء لأجيال مُتعاقبة من الطلاب والمعلمين الكرام، كان الطلاب يهزون الأرض هزا في محيطها الواسع عند رفع راية بلادهم، وترديد نشيد الوطن والسلام في كل صباح.
وُضع تحت جذعها الضخم والمعمر خرس كبير، يملأ بطنه بالماء كل يوم وحين، يتهافت عليه الطلاب زرافات وبانتظام للارتواء، كنا ندلق يدنا من فمه الضيق الدائري للولوج إلى بطنه الواسع والعميق، كنا نضطر إلى الوقوف على أصابع أقدامنا لكي ننزل يدنا الغضة والقصيرة لننزف الماء من قعره بواسطة مشرب (كوب) وحيد، صُنع من معدن وحديد.
استمرت تلك الغافة حية خضراء وارفة الظلال، مُحتفظة بأسرار وذكريات كل من ولج إلى صفوف تلك المدرسة، حتى قُرِّر في السنوات القريبة الماضية هدم مبنى تلك المدرسة، بعد توسع عدد المدارس لزيادة كثافة الطلاب، وانتقال طلاب تلك المدرسة إلى مدرسة جديدة بنيت في الجنين حملت نفس اسم تلك المدرسة الأولى في قُريات "مدرسة راشد بن الوليد"، فاقتلعت حينها تلك الشجرة واقتلع معها ذكريات تلك المدرسة لتصبح أرض فضاء.
عندما ولجنا المدرسة الجديدة في الجنين مع بداية الثمانينيات، أو أواخر السبعينيات، كانت الغافة أيضًا لها حكاية جديدة معنا، الغافة الجديدة لم تتوسط المدرسة كما عهدناها في مدرستنا الأولى، لكنها كانت على مقربة من مبنى المدرسة الجديد، لها اسم قديم سميت به يحمل "غافة الخروس"، هذه الغافة أيضًا هي محل استراحة لنا مع بداية ونهاية كل يوم دراسي جديد؛ فكان الطلاب يأتون من بيوتهم مشيا من كل مكان؛ فتجمعهم تلك الغافة كاستراحة وراحة للأبدان؛ وذلك قبل أن يهز العم "الوطني" -رحمه الله- جرس الطابور، ليلبي الجميع نداء العلم.
غافة الخروس هي أيضًا ذاكرة المكان والإنسان مُنذ ما يزيد على مائتي عام، كان ينزف من قربها الماء كموارد، لكون الأرض التي عليها هي رملية تحتفظ بالمياه الفرات الزلال عند مسيل المطر.
أجيال، وأجيال، وأجيال مرُّوا عليها وجلسوا تحت ظلها، ومناسبات عديدة احتضنتها، فتَحت ظلها كانت حفلات الأعراس وولائم العزائم والصدقات، وتحت أغصانها تصدح فُنُون الرزحة واللال إلى ما بعد مُنتصف الليالي، خاصة الأيام القمرية من كل شهر.
كانت تُشكل منتدى أدبيا لشعراء الفُنُون وهواة الأدب والجمال، كان الشعراء يتهامسُون تحت ظلها في سباق أدبي لا تجد له مثيلا اليوم، كانوا يرتَجِلون القصائد والمقاصب والنواحي والمزافن في مناظرات أدبية فيها من المتعة والإبهار، يجمعهم فيها مشاعر المحبة والأخوة والصفاء والسلام.
فها هِي غافة الخروس -كما تبدو في الصورة- لا تزال تحنو بأغصانها وأوراقها الخضراء الوارفة بحب وعطاء وحنية على من يتذكرها، ويتفيأ ظلها الواسع، ويتمتع بنسمات كوسها العليل، ورمالها الناعمة البيضاء، لتبقى ذاكرة وشاهدة لتعاقب الأجيال والأعوام والأحداث.

الجمعة، 6 يناير 2017

لوحة فنية من الطبيعة

انحناءات الجبال على طيف ألوان الغروب، كأنها تشكيلة مرسُومة بإتقان؛ تجمل فضاءات مفتوحة على الكون.

ذاكرة شجرة

بعض الأشجار تُشكل ذاكرة للإنسان والمكان.. تلك السدرة التي تهاوى نصف أغصانها نحو اليبس والذبول، كانت ذاكرة لآلاف الأشخاص مُنذ الخمسينيات وحتى اليوم، مُنذ كانت الدواب، ومن ثم السيارة، وسيلة التواصل والاتصال عبر طريق قديم.
عُمرها يتجاوز المائة عام. كانت محطة استراحة للعابرين للضفة الأخرى من وادي مجلاص بالسواقم. كان ظلها الوارف ينعش الأجساد بعد حمام بارد من مسيل فلج قديم ينضح بجانبها، لإزالة وعثاء السفر.
لم تعُد تلك السدرة تستقبل تلك الأفواج البشرية لتغير الظرُوف والأحوال؛ لكنها ستظل ذاكرة أبدية لأيام مضت، ولأشخاص ذهبوا، سجلت ذكراهم في كل غصن أخضر لا يزال ينبض فيها بالحياة.

الاثنين، 2 يناير 2017

تراب.. ماء.. فرح..عطاء.


تكامل

المسؤُولية الاجتماعية للقطاع الخاص تتجلى في هذا المشهد الوطني الرفيع.. افتتاح المبنى الجديد بمستشفى خولة؛ بتكلفة تصل إلى ثمانية ملايين ريال عُماني.
شكرًا لمُؤسسة الشيخ سهيل بهوان على هذا العطاء والمبادرة في خدمة الوطن.