الثلاثاء، 31 يناير 2017

لعبة طلوع النخيل



لم يحظَ أطفال زمان ببحبوحة الراحة مثل أطفال هذا اليوم، الطفل كان مطالبا بمهام محددة تتناسب مع عمره، وإلا الخضرية تيبس ظهره، لا توجد ألعاب مثل ما هي عليه اليوم؛ فاليوم هُناك أنواع كثيرة وعديدة متاحة للطفل والحمد لله، المهم هو الاختيار والتوجيه الصحيح.
ولكن: هل طفل أيام زمان لا يحب الترفيه والتسلية؟ لا أبدا، فهو أيضًا يمرح ويلعب، ولكن من خلال ألعاب قديمة توارثها من الآباء والأجداد، ألعاب اخترعها الشياب، لكنها لها أهداف وغايات تربوية وفكرية وبدنية لا تخلو من علم ومعرفة، هُناك أيضًا اجتهادات من الأطفال بأنفسهم لاختراع بعض الألعاب التي تتناسب مع عمرهم، وكذلك مع جنسهم، فهُناك ألعاب خاصة بالذكور، وأخرى خاصة بالبنات، وأخرى مشتركة بينهم يُمارسها الجميع.
تلك الألعاب كانت تتناسب مع ظرُوف ذلك العصر ومُتطلباته، ومن بين تلك الألعاب التي كنا نمارسها أيام طفولتنا: لعبة طلوع النخيل؛ فهي مشهورة في قريتنا؛ كونها قرية زراعية وبها النخيل باسقة في عنان السماء، اللعبة تهدف في العمق إلى تعويد الشباب على طلوع النخيل.
تُمارس هذه اللعبة في الواحات الزراعية؛ حيث تنمو أشجار النخيل لا سيما أيام القيظ، وهي مسلية للشباب، وتحتاج لياقة ومعرفة في طلوع أو تسلق النخيل، وهي مدرسة لتعليم الشباب وتعويدهم على الاهتمام بالنخلة، وغرس محبتها في قلوبهم.
وتبدأ اللعبة أولا بقطع زورة من النخلة بطول متر واحد أو أقل بقليل، وتدفن هذه الزورة في مكان بحيث يتطلب من الجميع البحث عن الزورة، مردِّدين كلمات جميله؛ منها -حسب ذاكرتي الضعيفة- "دور دوريه بانكريه".
وبعد العثور على العصا المدفونة، يتسابق جميع اللاعبين في وضع هذه الزورة على طرف أصبع الوسطى من اليد، ويتم العد عليه حتى وقوع العصا أو الزورة، واللاعب الذي يكُون أقل عددا هو الذي يكُون عليه اللعبة؛ حيث تُرمى العصا لمسافة طويلة، ويقوم المشاركون في اللعبة بطلوع أو تسلق كل واحد نخلة باليد، بينما يقوم اللاعب الآخر الذي عليه اللعبة بإحضار تلك الزورة جريا، ومن ثم محاولة إصابة أحد اللاعبين بتلك العصا، بضرب أحد اللاعبين بالعصا، ويتطلب ملامسة العصا لرجل أحد منهم.
وفي حالة فشله، يقوم بعدِّ عشر نخلات، وفي هذه الحالة يحق له لمس أو إصابة لاعب من المشاركين بتلك العصا بطلوع النخلة لذلك، كما يحاول جميع اللاعبين النزول من النخلة بغتة، وقد يتطلب الأمر في بعض الأحيان القفز من الأعلى من أجل الفوز باللعبة.
أمَّا في حالة تمكن اللاعب من ملامسة أحد اللاعبين بالعصا قبل نزوله من النخلة، فيكُون ذلك اللاعب عليه اللعبة، كما تنتهي اللعبة في حالة تمكن أحد اللاعبين من النزول من النخلة دُون إصابته بالعصا، ويمكن أن يفوز باللعبة هو ومن معه في حالة نزوله أو قفزه، بعد قوله بصوت مرتفع: "عنِّي، وعن رباعتي"، تلك الكلمة الأخيرة هي بمثابة تعليم ضمني لمعنى التضامن وروح الفريق.
لم تعُد هذه اللعبة موجودة اليوم، فقد طواها النسيان، في ظل طفرة التغيرات المُجتمعية في هذا العصر.. تلك هي من ذكريات الطفولة، أحببتُ إطلاعكم عليها، لعلها تفيدكم وتذكركم بأيام زمان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.