الخميس، 30 مايو 2013

أُنمُوذج عُماني في القيادة والإخلاص

يُنادي الكثير من عُلماء ومفكري الإدارة المُعاصر بمفهُوم جديد يطلق عليه "الإدارة بالتجوال"، وهي فلسفة إدارية لها تأثير نفسي وإنساني على الأفراد وهم يرون رئيسهم يتجول بينهم، ويشد من أمرهم، ويشجعهم ويحفزهم على المزيد من الإبداع والجهد والعطاء.
وتؤكد هذه الفلسفة أنَّ القائد الإداري يجب عليه أن يعيش الواقع، ولا يجعل نفسه في برج عاجيٍّ تقوده الأوهام ويعيش في الأحلام، ينسجها له بعض الحاقدين وضعاف النفوس والمتملِّقين، المجيدين للكلام والانتقاد دُون الأفعال، والذين يوهمون أنفسهم بالمثالية.
وأسلوب "الإدارة بالتجوال" ليس بهدف المراقبة والتحكم والسيطرة، وإنما بهدف بث الحماس ورفع الروح المعنوية لدى العاملين، وتفعيل المُشاركة الجماعية؛ مما يجعلهم يشعرون باهتمام القيادة بهم، وبما ينجزونه من أعمال، وقد أسهمت هذه الفلسفة في مُعالجة الكثير من المشاكل وسرعة حلها، وكسر حواجز العزلة والرسميات ومُعالجة أسوار الاغتراب بين القائد والمرُؤُوسين، واكتشاف المواهب والمُبدعين.
استمعتُ، اليوم، إلى اللقاء الإذاعي مع الأستاذة زوينة المحروقية، هذا اللقاء الذي استمرَّ على مسار حلقة كاملة من برنامج "منتدى الوصال" على إذاعة الوصال. وحسب متابعتي، فإنَّ هذا اللقاء قد حظي بمتابعة جماهيرية كبيرة من قبل المستمعين، وتداخل فيه بالمُشاركة مجمُوعة من التربويين والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي في السلطنة.
وزوينة المحروقية هي مُديرة لمدرسة عائشة الريامية للصفين الحادي عشر والثاني عشر للبنات، في ولاية بُهلا بمُحافظة الداخلية، وعدد طالباتها 590 طالبة، وعدد كادرها الإداري والتدريسي قرابة 58 امرأة.
في يوم الأربعاء -الموافق 15 مايو- زار هذه المدرسة سعادة وكيل وزارة التربية والتعليم للتخطيط التربوي وتنمية الموارد البشرية؛ بهدف الاطلاع على جُهُود المدرسة وإدارتها في تنفيذ برنامج التواصل بين المدرسة والمُجتمع.
سعادة الوكيل رجع من زيارته تلك بشعور وانبهار لا يُوصف، ووقف على إنجازات غير مسبوقة في مجال الإدارة المدرسية، وكتب سعادة الوكيل شخصيًّا على صفحته بشبكة التواصل الاجتماعي عن تلك الزيارة، وأشاد بما شاهده على الطبيعة، وبما تقوم به المدرسة من جُهُود في خدمة التعليم والمُجتمع، وأثنى على مدى تجاوب الأهالي مع إدارة المدرسة. مُوضحا سعادته أن هذه المرأة مُدرِّسة عُمانية، في بيئة عُمانية، وبإمكانيات وظرُوف عُمانية، وكادر عُماني، وطالبات عُمانيات؛ فهي لا يميزها شيء عن غيرها من مدارسنا من حيث الإمكانات الموفرة لها، لكنها تُدَار بكفاءة عُمانية عالية.
تلك المشاعر التي أبداها سعادة الوكيل كانَ لها تأثيرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ في نفوس كافة العاملين في تلك المدرسة، بل في كافة مدارس السلطنة، وأصبحت هذه المدرسة حديث الجميع عن إنجازاتها.
لدى مُتابعتي للقاء الإذاعي هذا اليوم، وجدثُ في حديث الأستاذة زوينة المحروقية، هذه القائدة الفذة التي استطاعتْ أن تصنع النجاح، وتحقِّق التميز لمدرستها ومُجتمعها، بفكرها ومُبادراتها وإبداعها في مجال القيادة والإدارة، وعجبتُ كثيرا بالجرأة التي تتميَّز بها في الطرح والمناقشة وإبداء الرأي.
فقد استطاعت هذه المرأة، بجُهُودها وفكرها المتجدد، إيجاد علاقة مُشاركة وتعاوُن بين المُجتمع والمدرسة، ووظَّفت كافة الإمكانات المتاحة لها بطريقة صحيحة، وعملتْ على تطبيق الإدارة بالمُشاركة، وتجلَّى ذلك في مُشاركة كافة العاملين في المدرسة عند إعداد الخُطط وتنفيذها، بل طبَّقت مفهُوما جديدا في الإدارة بأنْ سخرت مهاراتها القيادية في تعليم المعلمات أصول وفُنُون الإدارة، وبما تُسمِّيه التدوير الوظيفي بين المعلمات على وظيفة مديرة المدرسة؛ وذلك بهدف تكوين صف ثانٍ لإدارة المدرسة.
طبَّقت هذه المديرة أيضًا أساليب إدارية راقية في مجال التحفيز والدافعية، والعمل بروح الفريق الواحد، واستخدمتْ طرائق حديثة تعليمية وتربوية؛ بهدف الارتقاء بمُستوى التعليم بالمدرسة، ولديها خُطة لإدارة الطوارئ والأزمات، وصمَّمت برامجَ للتواصل مع المُجتمع؛ لهذا تجاوب معها كافة أفراد المُجتمع ومُؤسساته المُختلفة. فقد أصبحت زوينة المحروقية، اليوم، أُنمُوذجا عُمانيا مشرفا في العطاء والتميُّز من أجل خدمة التعليم وبرامجه المُختلفة.
كل الشكر والتقدير لهذه المرأة المخلصة، ومن يعمل معها؛ فهم بحق فخرٌ لهذا الوطن العزيز، وكل الشكر لسعادة وكيل وزارة التربية والتعليم للتخطيط التربوي وتنمية الموارد البشرية على هذا النهج الفريد في دعم وتحفيز الكوادر المُبدعة؛ فلولا زيارة سعادته لتلك المدرسة، وتطبيقه مفهُوم الإدارة بالتجوال، ما كُنا نعرف على هذا الإنجاز الوطني.

المساء في الصيف أيام زمان

من ذكريات موسم الصيف أيام زمان، وقبل دُخُول خدمة الكهرباء، اعتماد الكثير من الناس على وسائل بسيطة في التغلب على موجات الحر الشديدة، ومكافحة حشرات الصيف؛ فالبيوت إمَّا بالطين، أو من سعف النخيل، وهي بطبيعتها وبتصاميمها الهندسية العُمانية البحتة لها القُدرة على التكيُّف مع ظرُوف الطقس وتقلبات الجو؛ فتجدها في الشتاء دافئة، وفي الصيف مُقَاوِمة للحرارة؛ نظرا لإمكانية تداخل الهواء في مُختلف أجزاء المنزل.
أيَّام زمان كان الناس يُفضِّلون المبيت في فناء المنزل، أو على السطوح المزينة بالشخال، وهُناك من يُقيم مكانا خاصا لذلك يُسمى "السجم"، وهو عبارة عن أربعة قوائم من الرواجل وأعمدة من الجذوع، ويفرش عليها الدعون، ويكون للسجم درج خاص، وجميع أجزاء السجم ومُكوناته من جذع النخلة وأغصانها، فيما يفضل أهل الساحل النوم على الشواطئ؛ حيث الرمال الناعمة والهواء العليل.
فتجد الجميع -قبل حُلُول المساء- يُشعل السراج أو القنديل، ويهيئ المكان بفرشه حتى يبرد، وفي شدة الحر يُرَش بالماء للحُصُول على سرير مكيف ومريح عند هُبوب الكوس المنعشة، كما أنَّ الطل في الليل والندى في الصباح الباكر يرطب هذه الفرش برذاذ ماء مُنعش، يجعل الجسم مُنتعشا طوال المساء.
ولمكافحة حشرات البعوض، تُستخدم وسيلة تُسمى "البشانة" أو "الناموسية"، ولها ألوانٌ مُتعددة أغلبها الأبيض والأصفر والأزرق والأخضر، وهي عبارة عن قماش يوضع على سرير النوم، ويُرفع على أربعة قوائم على شكل خيمة، لكنها مُربَّعة أو مستطيلة الشكل، ويكون سرير النوم في وسطها، والبشانة تصد الحشرات الطائرة والصغيرة من النفاذ إلى سرير النوم، بحُكم فتحاتها الضيقة.
النائم في تلك المساءات الجميلة، يعيشُ متعةً نفسية وفكرية وهو يَرى مشاهد الطبيعة على طبيعتها؛ فالنجوم ببريقها تتلألأ في السماء، والقمر بنوره الساطع ينعكس على الأجساد البشرية بحنية وحب، ونسمات الهواء تراقص أغصان الشجر، وسط حكايات جميلة تسردها الأم لأبنائها، والجدة لأحفادها، حتى يخمد الجميع لسلطان النوم.

جُهُود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية

الجُهُود الكبيرة التي تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تجاه التعريف بالفكر العُماني، والتسامح الذي تنتهجه السلطنة تجاه كافة الثقافات والحضارات العالمية، يبعثُ على الفخر والاعتزاز.
ويُعتبر المؤتمر الذي تُقيمه الوزارة بجامعة جلينيان العريقة بمدينة كراكو البولندية، خلال هذه الأيام، مُبادرة قيمة من أجل نشر ثقافة التسامح الديني بين كافة شعوب العالم.
والمجلة التي تُصْدِرها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تحت عُنوان "التفاهم"، والتي أصبحتْ لها مكانة كبيرة لدى الكثير من المُفكرين والمراكز العلمية والبحثية في العالم، وكذلك المعارض التي طافتْ الكثيرَ من العواصم العالمية، كلها بمثابة بوَّابة عصرية تعمِّق دراسة ونشر الثقافة العُمانية وتاريخها المجيد في مجال العلوم الدينية والفقهية، عبر مدرستها الرائدة في عُمق التاريخ الإسلامي.

مكافحة البعوض

يُحدِّثني أحد الأبناء عن انتشار حشرات البعوض على أثر الأمطار التي شهدتها السلطنة مُؤخرا، والإزعاج الذي تسببه هذه الحشرات على الأطفال، خاصة في هذه الفترة التي يستعدُّ فيها الطلاب للامتحانات، على الرغم من الجُهُود التي تقوم بها البلدية لمكافحتها.
ويسألني عن جدوى الدُّخان التي تنفذه مكائن رش البلدية في الطرقات، والتي يَرَاها من وجهة نظرة تلويثا للهواء النقي الذي يستنشقه الناس، خاصة في فترة المساء والفجر.
وأَلَا تُعد طريقة نفث الدخان في الطريق مخالفة لقانُون المرور، فهو يرى أنها أحد أسباب وقوع بعض الحوادث نتيجة انعدام الرؤية أثناء مرور سيارة الرش بدخانها الكثيف، وهل البعوض والحشرات الأخرى تكُون موجودة في الطريق حتى تتم مكافحتها بهذه الطريقة؟!

القوة والأمانة

يقول الله تعالى: "إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين" صدق الله العظيم.. هُناك فارق بين من يركض وراء المناصب واتخاذ الوظيفة للتشريف واكتساب الحُقُوق وهو داءٌ خطير، وبين من أعطيت له الأمانة عن كفاءة ومقُدرة، ويعتبر الوظيفة بمثابة تكليف ومسؤُولية أمام الله وتجاه الوطن والأمة.
وتعتبر المعرفة، اليوم، أحد مصادر القوة والكفاءة لدى الإنسان في هذا العصر، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة.

الاثنين، 27 مايو 2013

زيارة القرى لها أهمية للتأمل والتفكر في الجمال والتاريخ

زيارة القرى والواحات الزراعية في مُختلف ولايات السلطنة مُتعة لا تضاهيها متعة؛ حيث إنها فسحة للتأمل والتفكر في الجمال والطبيعة الخلابة والبيئة البكر النظيفة؛ فكثيرٌ من القرى على الرغم من مُقومات الحضارة التي أدخلتها النهضة المُباركة على مُجريات حياة السكان، إلا أنَّها ما زالت تحافظ على عبق الماضي التليد، وعراقته المتأصِّلة في السلوك الإنساني القويم من عادات وتقاليد عُمانية راقية.
الكثيرُ من الدول العالمية اهتمَّت بالسياحة القروية؛ وذلك بهدف تعريف السائح بما تتميز به تلك القرى من مُقومات: حضارية، وتاريخية، وأثرية، وعادات وتقاليد إنسانية، وفي الوقت ذاته فإنَّ ذلك يعدُّ تنشيطا للحركة الاقتصادية لتلك القرى؛ حيث يُمكن لسكانها تسويق مُنتجاتهم الزراعية والحرفية.
في بعض الدول يُسمح للسكان باستضافة السياح في منازلهم، وفق تنظيم مُحدَّد ومُعلن، ويعيش السائح أثناء إقامته مع تلك الأسر نفس أساليب الحياة المحلية، ويتعرَّف على عادات المُجتمع وتقاليده، ويستمتع بالطبيعة في الواحات الزراعية والجبلية، ويتذوق المأكولات الوطنية والمصنُوعة في المنزل. في بريطانيا يسمون هذه الخدمة "بيد آندبركفاست"، وقد جَرَّبت هذه الخدمة، ووجدتها خدمة خمس نجوم، مقارنة ببعض الفنادق في دُول عربية، والأسرة البريطانية مِضْيَافة عكس ما نسمعه عن بعض الأوروبيين.
مُنذ فترة كانت لي زيارة إلى إحدى القرى النائية في السلطنة لزيارة أحد المعارف، وكعادته استقبلنا أحسن استقبال، ووجدته مُفترشا الرمال ومتوسِّدا وسادة محشوة بالقطن. سألته: تركت المكيف وتفترش هذا الرمل؟ قال لي: هذا الرمل يُصلب الظهر، وهذا الهواء الطبيعي يريح النفس وينعشها. المكيف الذي تتهافتون عليه هو سبب ضعف أجسامكم وخمولكم، لا تُكثروا الجلوس تحته فهو يضعف العظم والبدن.
ويضيف: يا ولدي شباب هذا الزمان يعيش في نعمة رغيدة وراحة تامة، يتمنَّاها الكثير ممن يعيش في هذا العالم، نحن زمان كانت الأمور صعبة، وتوفير الحياة الكريمة ليس بالأمر اليسير، ولكن جاهدنا وصبرنا وثابرنا وعشنا كما عشنا بقناعة وشُكر للمنعِم. أرى شباب اليوم مستعجلًا في كل شيء، ويقلد كل شيء، فما إن يشتغل الشاب إلا ويركض إلى وكالة السيارات ليشتري سيارة، فهو يعرف أنه ما عنده شيء لشراء سيارة، ولكن يتدين من البُنُوك لأجل تحقيق مبتغاه، زمان على الرغم من ظرُوفنا الصعبة، إلا أننا ندبر أمورنا ببصيرة وتفكر في كل أمر، وتكون لنا أولويات، ونأخذ الحياة بتدرج، وأهم شيء الرضا والقناعة بما قسم الله من رزق، وكل واحد بظرُوفه، والواحد ما ينظر في يد الآخر، وإنما ينظر ما في يده، وينفق على قدر دخله، والمُجتمع يعيش حياة رحمة وتعاوُن وتكافل.
ويُكمل الرجل حديثه: أقص عليك قصة واقعية، كان عندنا رجل فقير اسمه "خادم"، في ذاك الزمان الكثير من سُكان القرية سافر العالي (العالي: تعني إلى الخارج، وفي الغالب إلى دُول الخليج العربي)؛ من أجل لقمة العيش وبعضهم للتعلم، إلا أنَّ "خادم" هذا من شِدة تعلقه بالمكان، لم يرض بترك القرية، وعاش مع زوجته حياة فقر وتعب ونصب، ولكنه صبر وعمل بكد عرقه لتوفير لقمة العيش حاله وأهله، وأهل الخير يساعدونه. وفي أحد الأيام، وصل جاره من السفر، وعند مروره بمطرح اشترى جونتين عيش (العيش: هو الأرز عند أهل عُمان)، ووصل القرية عن طريق البحر، وهذا السفري يقدر "خادم"، ويعرف ظرُوفه المادية، وفي يوم من الأيام ناداه إلى منزله، قال له: تبعني باغينك في سالفة، وعندما دخل معه البيت، أدخله البخار، وفتح جوينة العيش التي اشتراها من مطرح، وأخذ السدس وهو مكيال معروف يُصنع من الخشب أو الحديد، وكال الرجل في دشداشة "خادم" كمية من الأرز؛ حيث ذاك الزمان لا توجد أكياس كما هو عليه اليوم، وقال له هذا الرز لك ولأسرتك هدية مني.
طار "خادم" فرحا بهذه الهدية؛ فالأرز يومها من السلع النادرة في ذلك الزمان، والمقتدر والهنقري من يأكل الأرز، وكان الأرز يُستورد من الهند، وسعره غالٍ جدا، ولا يمكن لأحد أن يشتريه إلا صاحب المال.
المهم، دخل "خادم" على زوجته، وقال هذا العيش (الأرز) حافظي عليه، وكيلي منه كل يوم كيله واحدة حال عشانا؛ فقديما كانت الوجبة الرئيسية عندهم هي العشاء. أما الغداء، فيكون خفيفا سمك مقلاي أو مغلاي وسِح (تمر)، واستمرت تلك الأسرة تقتات من ذلك العيش. وفي يوم من الأيام، عندما قامت زوجة "خادم" بأخذ كيلة من الأرز أو العيش، وإذا هي تسمع رنة (صنة) قروش في المكيال، والقروش هي عملة معدنية مصنُوعة من الفضة (تُسمى محليًّا قرش فرنس، وهو دولار ماري تيريزا من المسكوكات الفضية النمساوية)، كان يُتعامل بها في ذلك الزمان ولها قيمة كبيرة.
بعدما شاهدت زوجة "خادم" القروش طارت من الفرحة، وبلغت زوجها بما وجدته في العيش، طلب منها "خادم" السكوت، وأخبرها أن هذه القروش ليست ملكه، وربطها في وزاره حتى الصباح، وما إن طلع الفجر توجَّه "خادم" لبيت جاره، واستأذنه بالدُخُول، وما إن جلس بجانبه حتى ناوله القروش، وقال: هذه القروش تخصك، وجدتها داخل العيش الذي تكرَّمت به علينا، وها أنا أعيد هذه الأمانة إليك، فأنت أحق بها مني. فرح جار "خادم" أيما فرحة بهذا التصرف لجاره الأمين، والقناعة التي يعيش بها على الرغم من حاجته للمال، فقال له: لا، فأنت أحق بهذه النقود نظير تصرفك هذا.
ويُكمل مضيفنا الحديث: شفت كيف تصرف هذا الرجل، اليوم تقرض صاحبك وتجده يُماطلك في حقك، وعندما تطالبه بالحق يزعل عليك، بل تجده يُخاصمك ويصد عنك بسبب مطالبتك إياه لحقك. قلت ما هو سبب هذا الضعف الأخلاقي من وجهة نظرك؟
قال لي: أول شيء ضعف الإيمان في القلوب، وأصبح الكثير من الناس يحبون المظاهر والتقليد وعدم الاكتراث بعواقب الزمان، وأصبحتْ المادة هي مقياس معادن الرجال، والكثير من الناس لا يعنيهم إلا أنفسهم فقط، ولا يلتفتون على بشر، ولا على شجر، ولا على حيوان.
قُلت له: وما هي الحلول من وجهة نظرك ونصيحتك، قال لي: الأهم هو التربية، ثم غرس القيم والفضائل الحميدة في نفوس الشباب مُنذ الصغر؛ فالإعلام عليه دور، والمدارس عليها دور، البيت عليه الدور الأهم، وكذلك المُجتمع عليه دور، والدعاة الذين تجدهم في المساجد يُحدِّثون الناس عليهم دور، وعليهم معرفة ودراسة واقع المُجتمع ومُشكلاته قبل التصدي لهذه المُهمة الخطيرة، وتنظيم مسألة الدعوة والمحاضرات في المساجد تحتاج إلى ترتيب وتنظيم ومتابعة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية؛ فليس كل واحد مؤهلًا للحديث عن الدين والأخلاق والقيم.
قُلت له الحياة تغيَّرت، ومُتطلباتها أصبحت كثيرة، وطبيعتها أصبحت متسارعة، قال لي: صحيح كلامك؛ ولهذا كل يوم تتزايد حوادث السيارات من كثرة الركض وراء الدنيا، وما هم بقادرين يسبقونها.. الدنيا محتاجة إلى قناعة وصبر وتأمل وتفكر يا ولدي، وكل زمان بصرفه والله المستعان.

السبت، 25 مايو 2013

ذكريات صياد

كُنت جالسا مع أحد الصيادين؛ فهو له ذكريات جميلة في الإبحار أيام السفن الشراعية، يقول لي: زمان، عندما نبحر بالسفن الشراعية، ونقضي أياما طويلة في البحر، نواجه الرياح والأمواج العاتية حتى نصل إلى وجهتنا، وعندما نحتاج إلى سمك لأجل كسر الجوع، نمرُّ على المراخي (وهي: تقنية عُمانية، عادة ما تكُون قريبة من الجبال البحُرية، عبارة عن شِباك مصنُوعة محليًّا من الخيوط، وتُثبت في إحدى حوافها بالحجارة وفي الأخرى بكرب النخيل، وتكون عائمة في البحر من جهة واحدة، تستخدم لصيد السمك، يرفعها الصياد في أيام محددة، ثم يعيدها إلى البحر مرة أخرى)، وعندها نأخذ نصيبنا من ذلك السمك بما يكفي حلانا -أي قوت يومنا- ونعيد الشبك إلى البحر كما كان، ثم نجتمع على ظهر السفينة، ونقدر ثمن ذلك السمك الذي أخذناه؛ سواءً كان بقرش أو ببيسة سوداء، كما كانت العملة متداولة في ذلك الزمان، وهذه العادة قد تعارف بها الصيادون فيما بينهم.
سألته كيف يتم توصيل قيمة السمك إلى صاحبه؟ قال لي: يا ولدي، هذه أمانة، وكنا نحرص عل إيصالها إلى صاحبها، فقد كنا نجمع تلك المبالغ ونصرها في خرقة، ونربطها في كربة قام صاحب الشبك بتثبيتها فيه من أجل ظهور الجزء الأعلى من الشبك على سطح الماء وكعلامة لموقع الشبك، وعند حضور صاحب الشبك في اليوم المحدد لرفع الشبك، يجد المبالغ مربوطة في شبكه عن قيمة السمك الذي أخذناه.
تنهد مُحدثي بقوة، مُتحسرا على ما يحدث اليوم؛ حيث قال: يا ولدي، اليوم وعلى الرغم من العلامات الضوئية والفسفورية الظاهرة على الشباك التي نرميها في البحر من أجل الصيد، إلا أن أصحاب القوارب التي تعمل بالمكائن، تقطع تلك الشباك دون أي رحمة أو اعتبار، وكثيرٌ منهم يتعمَّدون فعل ذلك، وهذا يُشكل خطرًا على البيئة البحُرية؛ حيث تلك الشباك المصنُوعة من النايلون تغرق في قاع البحر، بما فيها من أسماك؛ مما يتسبَّب في إحداث نُفوق لتلك الأسماك العالقة في الشباك وتلوُّث البحر، فأين الوعي والأمانة من ذلك؟ ودَّعتُ ذلك الرجل، وفي نفسِه حسرة على أيام زمان.

الجمعة، 24 مايو 2013

أيام القيظ الجميلة وأوجه التعاوُن الذي يسود المُجتمع

أذكر سن الطفولة، وأنا أتمعَّن تلك النُّخَيلات التي أصبحتْ تتهادى بما تحمله من ثمار. تلك الأيام كانت مليئة بالنشاط والمرح، وبالعمل والمُثابرة؛ من أجل نجاح مَوْسم القيظ؛ فالأطفال مُطَالبون بالقيام مُنذ الفجر من أجل جمع ما يُتَساقط من ثمار النخيل في جيلها أو محيطها الجذري، ولهم في ذلك أناشيد جميلة.
أتذكَّر تلك اللحمة المُجتمعية في أرقى مشاعر المحبة والتعاوُن والإيثار؛ فأوَّل ما يجمعه المزارع من تباشير الرطب لا يُفكر أن يذهب به إلى السوق من أجل المال؛ فتفكيره هو تبشير أهل بيته وجيرانه، على الرغم من الحاجة للمال في ذلك الوقت، تجد كل صاحب مزرعة يرحب بمن يرغب الإقامة من سُكان القرى الساحلية دُون أي تكدر أو ضيق، بل تجد الجميع يتعاون من أجل بناء تلك المساكن المصنُوعة من الدفوع والدعون.
وفي نهاية موسم القيظ -بما يُسمى يوم الجداد- يجتمع الجميع للمساعدة؛ فهُناك من يتناول عذوق النخلة من ميراد البيدار ومخلاته الخوصية، وهُناك من ينقل تلك العذوق المحملة بشماريخ البسر أو الرطب أو السح إلى المسطاح، والجميع ينشد: "طاح ميراده الجداد.. يشتغل على أولاده الجداد".
الأطفال والنساء أيضًا تجدهم يُرقطون ما يتساقط تحت النخلة في أوعية تُسمى الزبيل والقفير والجبة، الأطفال الذكور يحملون القفر والزبيل، والبنات لهن أوعية صغيرة مصنُوعة من الخوص أيضًا، ومزركشة بألوان تُسمى الجبة، وهي أصغر حجما من الزبيل.
مَوْسم الكناز هو أحد أوجه التعاوُن بين أفراد المُجتمع، فكل يوم تجد أهل القرية مع شخص من أجل كناز التمر، والكناز عملية جمع التمر وهرسه بالأرجل حتى يُصبح ناعما أو عجينة، ومن ثمَّ يوضع في أوعية خوصية تُسمى الجراب أو الخصف، وهي على شكل أسطواني، وتشك من الأعلى بأداة تُسمى المسلة، وخيوط رفيعة تُسمى السرود.
وتتجسَّد عملية الكناز بأنْ يدعو صاحب التمر جيرانه، وأهل محلته، للكناز في يوم معين، وفي مساء اليوم السابق للكناز يَجْمع التمر في المسطاح على شكل هرم، ويرشه بالماء لتليينه، والمسطاح هو مكان مكشوف محاط بسور من الدعون، وقد تُفرش أرضية المسطاح بالحجارة أو الدعون حسب طبيعة الأرض.
وفي الصباح الباكر، تبدأ عملية الكناز، وتسمى أيضًا الهمبارة؛ حيث تفرش السمة، وهي دائرية الشكل ومصنُوعة من سعف النخيل، ومن ثمَّ يقف الرجال في وسطها، ويقوم عدد من الصبية بنقل التمر من المسطاح في أوعية خوصية تُسمى القفر، ومفردها قفير، وتسمى أيضًا مُبدع، ويتم نثر التمر في وسط السمة، ويقوم الرجال بدوس التمر، أو المشي عليه بقوة، حتى يتحول إلى عجينة، ومن ثمَّ يقسم في أوعية خوصية، وللهمبارة عادات وأناشيد معروفة وجميلة.
هُناك أيضًا زفانة الدعون؛ وهي عملية فنية لا يُتقنها إلا من لديه الخبرة في ذلك، والدعن هي عبارة عن رص لخوص النخيل أي أغصانها اليابسة بطريقة فنية، ويتم ربطها بحبال مصنُوعة من ليف النخيل أيضا، وللدعن مقاسات من حيث الطول والعرض حسب رغبة صاحبها.
وقديمًا أيضًا، كانت هُناك في حيل الغاف مراجل كثيرة للتبسيل؛ فحيل الغاف كانت مشهورة بنخل المبسلي، وأصبح اليوم معدوما.. وللتبسيل عادات جميلة، وله قيمة اجتماعية واقتصادية، وهُناك أيضًا مُعاصِر مشهورة لقصب السكر؛ حيث تتجلَّى فيها أوجه التعاوُن بين أفراد المُجتمع.
أضف إلى ذلك تلك الرَّمسات الجميلة في المساء لتبادل الحكايات والقصص والأخبار، تلك العادات لا يعرفها اليوم الجيل الجديد، ومن المُهم توثيقها وتسجيلها وتدريسها، ونشرها من خلال وسائل الإعلام المُختلفة، والتعريف بها من أجل أن يعرف هذا الجيل كيف كان يعيش من هم قبلهم، وكيف كانوا يعملون من أجل رفعة شأنهم، واعتمادهم على أنفسهم في توفير الحياة الكريمة والهانئة، وببساطة شديدة دُون أي تكلف، يسودها جو التعاوُن والمحبة بين كافة أفراد المُجتمع.

الخميس، 23 مايو 2013

موسم القيظ

الحمدُ لله، بدأت مُنذ أيام تباشير القيظ في مُختلف ولايات السلطنة، هُناك عادات عُمانية عديدة لاستقبال هذا الموسم، وجميعها محفزِّة للتعاوُن والتكافل بين أفراد المُجتمع.
ولثمار النخيل مراحل ومواسم تبدأ بمرحلة الطلع، ثم التنبيت، ثم التحدير، ثم الخرافة، وأخيرا الجداد، ومسميات نضوج ثمرة النخيل تبدأ بالطلع، ثم بلح أخضر معلق بالشماريخ -يُطلق عليه العنجزي- ثم الخلال، فالصافور، ثم يتحول إلى البسر -ولونه أصفر أو أحمر- ثم باسومة، بعدها القيرين والرطب، وأخيرا السح أو التمر.
وقديمًا، اعتاد الكثير من الأهالي على قضاء أيام القيظ في الواحات الزراعية، خاصة سُكان السواحل؛ نظرا لارتفاع الحرارة، ويطلق على الذين يفدون لموسم القيظ في الواحات الزراعية بالحضور، وكان قديما يسود المُجتمع التعاوُن؛ حيث يُمكن الإقامة المؤقتة خلال فترة القيظ في أي مزرعة بعد استئذان صاحبها وبدون مُقابل.
ويُقيم الأهالي لهذا الموسم منازلَ لهم للتصييف، تُبنى من سعف النخيل، ومن مسمياتها: العريش، والخيمة، والكرجين، والسجم، إضافة إلى المسطاح لتجفيف التمور التي يتم جمعها من تحت النخيل؛ حيث جرى العرف على إمكانية جمع ما يتساقط من النخيل من قبل أي شخص دُون وُجُود أية موانع من قبل أصحابها، ويسمى ذلك بالرقاط.
ومن عادات القيظ أيضًا: الطناء؛ وهي عملية مزايدة علنية لشراء ثمار النخيل، ولها طقوس وعادات معروفة لدى الأهالي، ولها أبعاد اقتصادية واجتماعية، وهُناك أيضًا: عادة الجداد والتبسيل، والكناز والتنضيد.
وكان الأهالي قديمًا يحرصون على إهداء أول حبات الرطب للأطفال والجيران، ويسمى ذلك بـ"الثواب"، وعند الجداد ويسمى "التربع"؛ أي: موسم قطع عذوق النخيل، ويقوم بهذه العملية البيدار بمعاونة الجيران، ولهم في ذلك حصة من الثمار، والبيدار هو من يهتم بالمزرعة وتنبيت وتأبير وشراطة النخيل، وله مُقابل ذلك عسقة واحدة من ثمار كل نخلة.
وللنساء أيضًا عادة في موسم القيظ؛ حيث يُقدمن عذوق ثمار النخيل كهدايا لمن لا يملك نخلا، وتسمى هذه العادة عند النساء بـ"السهومة"، ويقدم أهل الساحل بعض الأسماك المملحة أو المجففة لأصحاب الأموال والنخيل، وبدورهم يقوم أصحاب المزارع والمقاصير بتقديم بعض الرطب والتمر أو عذوق النخيل عند موسم الجداد كرد للجميل.
ومن أشهر النخيل في قُريات التي تبتدئ بالقيظ: نخلة القدمي والنغال، وآخر النخل نُضجا: الخصاب، ويحرص الأهالي على أداء فرض زكاة التمور. وقديمًا، كانت تسلم لوكيل الدائرة، وهو مُوظف في دائرة جمع زكاة الأموال، والزكاة قديما تُشكل أحد المصادر الرئيسية لدخل الدولة قبل اكتشاف النفط.
وجميع أجزاء النخلة ومخلفاتها لها استخدامات عديدة، وللأسف اختفتْ اليوم الكثير من عادات موسم القيظ، لتوافر سبل الراحة وانشغال الناس، ولكنَّ الكثير من الأهالي يحنُّ إلى تلك العادات القديمة للمُجتمع العُماني، ويحرصون على استعادتها من موسم لآخر.

للرطب العُماني خيرٌ على أهل الخير

تابعتُ، مُنذ أيام، برنامج "الخط المباشر"، الذي تبثه قناة الشارقة الفضائية، وهذا البرنامج يبث على إذاعة الشارقة أيضًا كبرنامج إذاعي وتليفزيُوني، ويهتم بملاحظات واقتراحات وشكاوى المستمعين والمشاهدين، ويتم ربطهم مُباشرة مع المسؤُولين بالوزارات الخدمية؛ بهدف الخروج بحلول عاجلة لمُشكلات المُواطنين.
وكثيرًا ما يتداخل سمو الشيخ الدكتُور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة شخصيًّا في هذا البرنامج؛ وذلك كمبادرة من سموه من أجل حل المُشكلات المستعصية. ومن خلال هذا البرنامج، حُلت الكثير من المعوقات والمُشكلات حسب ما تابعتُ وشاهدت، وإضافة إلى ذلك يستجيب سمو الشيخ الدكتُور حاكم الشارقة في مداخلات كثيرة للإجابة عن تساؤلات المستمعين والمشاهدين في الجوانب التاريخية والعلمية، خاصة فيما يتعلق بتاريخ المنطقة.
ويستغلُّ سموه في مداخلاته في هذا البرنامج أيضًا توجيه رسائل كثيرة لأفراد المُجتمع، تتعلق بالمُحافظة على الأخلاق، والقيم الإسلامية، والعلاقات المُجتمعية والإنسانية؛ وذلك من خلال أسلوب أبوي راقٍ، فيه الحرص على سلامة المُجتمع وتقدمه ووحدة الأمة.
وقد عرف عن حاكم الشارقة اطلاعه الواسع وجُهُوده العلمية والبحثية في مجال التاريخ والعلوم، وله في ذلك دراسات وكتب عديدة، وبذل جهدا كبيرا في البحث والتنقيب والتحقيق في مُختلف أرشيفات دُول العالم عن الوثائق التي تتحدَّث عن دُول الخليج العربي، وقام بترجمتها وتحقيقها وإعادة نشرها ليستفيد منها طلاب العلم ومُختلف الباحثين في كنوز المعرفة، وله الكثير من الإصدارات التي تناول فيها سموه تاريخ السلطنة عبر العصور المُختلفة؛ لهذا تجد أنَّ لبرنامج "الخط المباشر" في إذاعة وتليفزيُون الشارقة صدى واسع، ومتابعون كُثر على المُستوى الخليجي والعربي.
وفي إحدى حلقات البرنامج، وضمن فعاليات حملة جمع التبرعات لصالح الأطفال الأيتام، قام أحد المشاهدين بالتبرع بوعاء أو سلة مصنُوعة من سعف النخيل -تُسمى القفير أو الزبيل- مليئة بالرطب من نوع النغال، وهو من ولاية دماء والطائيين بسلطنة عُمان، والنغال أحد أنواع النخيل الشهيرة في عُمان، التي لها تباشير مبكرة في إنتاج الرطب في موسم القيظ.
المتبرِّع بهذا الرطب، والقائمون على البرنامج، دعوا المشاهدين والمستمعين في المزايدة على الرطب من أجل مساعدة الأيتام، وخلال دقائق معدودة انهالت الاتصالات على البرنامج من أجل التبرع وكسب الثواب والأجر، وبسبب هذه الفكرة تمَّ جمع أكثر من مائتي ألف درهم إماراتي، وما يعادل أكثر من عشرين ألف ريال عُماني؛ فقد كان للرطب العُماني خيرٌ على أهل الخير.

ذاكرة ألم


بيروت أيتها الجميلة في ذاكرة التاريخ. أتذكرين دم الشهيد على أديم أرضك.ذلك الدم الذي لامسته بيدي وأصبح مسكا. ابتسامته العريضة على وجهه تشعرني بتلك القسوة الظالمة على جسده. بيروت هل تذكرين أخي؟ فأنه في القلب قد سكن. 


الثلاثاء، 21 مايو 2013

فريق دعم الصم "صدف"

جُهُود كبيرة يبذلها أعضاء لجنة الصم بالجمعية العُمانية للمعوقين، فهم يعملون ضمن رؤية ورسالة سامية، وبأهداف واضحة في إطار مُجتمعي من أجل خدمة فئة من المُجتمع، وإيصال رسالتهم لكافة أفراد المُجتمع، والتعريف باحتياجاتهم لمُختلف المُؤسسات في الدولة.
كان لِيَ شرف اللقاء بكوكبة من الشباب العُماني أعضاء فريق دعم الصم "صدف"؛ حيث وُفِّقوا في فتح جناح خاص بالفريق، ضمن فعاليات أسبوع الصحافة والإعلام العُماني.
وقد استمعتُ من خلالهم إلى الإنجازات التي حقَّقها الفريق تجاه خدمة المعاقين فئة الصم؛ حيث عملوا بجد ومُثابرة على التواصل المُجتمعي والمؤسسي من أجل التعريف بقدرات واحتياجات هذه الفئة من المُجتمع.
هذا الفريق له رِسالة إعلامية رائعة صُمِّمت بحرفية مُتقنة، ويتميز بانسجام تام وتعاوُن مثمر، ويعمل ضمن روح الفريق الواحد؛ وذلك وفق خُطة واضحة وأهداف نبيلة؛ فجميع أعضاء الفريق شعلة نشاط من أجل إيصال رسالتهم الإنسانية الراقية للمُجتمع.
جناح الفريق زاره كافة المسؤُولين بالدولة، وعلى رأسهم أصحاب المعالي الوزراء، الذين كانت لهم زيارة لأسبوع الصحافة والإعلام، وكذلك كافة الإعلاميين والكثير من أفراد المُجتمع. وبالفعل، استطاع خلال فترة وجيزة تحقيق الكثير من الإنجازات، واقناع الكثير من المُؤسسات بضرُورة تأهيل متحدثين بلغة الإشارة في كافة المنافذ الخدمية لخدمة المعاقين الصم، وحسب ما أبلغني به الأخ العزيز الكاتب أحمد العامري عضو مؤسس لهذا الفريق، فإنَّ شرطة عُمان السلطانية كانت أول المبادرين من المُؤسسات الحُكُومية لتقديم هذه الخدمة في مُختلف مُحافظات السلطنة.
سعدتُ كثيرًا بكُم أيُّها الأخوة الكرام على ما تقومون به من خدمة جليلة للمُجتمع، وكان لاستقبالكم وحديثي الأخوي معكم تأثير كبير في نفسي، وتحية خالصة لمن يعمل بجهده وماله ووقته من أجل سعادة الآخرين.

السبت، 4 مايو 2013

مياه المخاضة بالسواقم تريح النفس


هذا المنظر من المخاضة ببلدة السواقم بولاية قُريات، مياه عذبة جارية، ووادي مجلاص لا تزال خيراته تتدفق، وجبل السعتري يعانق السحاب مبتهجا بنمو نباتاته المتنوعة، ونخيل الخلاص تعانق السماء محملة بعذوق مليئة بالعنجزيز والخلال؛ استعدادا لموسم قيظ وفير.
زيارة هذا المكان تعود بك إلى أيام طريق قُريات-مطرح القديم؛ حيث سيارة اللاندروفر واللاندكروز المكتنزة بالركاب وقوفا وجلوسا. وبهاء المكان وفسحته وخرير المياه بين الحصى ناصعة البياض يُذكرك بفلج السواقم ومياهه الباردة والمنعشة، عندما ينغمس فيه القادمون من مسقط للراحة من عناء ومشقة السفر، والتخلص من غبار الطريق.

طريق قُريات الجديد، ذو الحارتين، اليوم، أنسى هذا الجيل تلك المتاعب قبل النهضة المُباركة، ومهما كان فإن ذكريات الماضي لا يمكن نسيانها، ومن المُهم استعادتها من خلال الانغماس في تلك المياه التي ننعم اليوم بخيراتها.

تأملات في قصة سيدنا يوسف في إدارة الأزمة الاقتصادية

عندما نتأمَّل قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- في إدارة الأزمة الاقتصادية، والتي ذكرها القرآن الكريم، وذلك باستخدامة لخُطة إستراتيجية طويلة المدى، تحثُّ على الإنتاج وترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف وتشجيعه للادخار، والإدارة المثلى للموارد المتاحة، نجد في هذه القصة إعجازًا قرآنيًّا في مجال إدارة الأزمات، وتلك الأساليب اليوم هي أحد مُقومات نجاح الإدارة المُعاصرة.
يقول الله تعالى: "قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون".

اخضرار النباتات بعد موسم الأمطار

زمان، بعد انتهاء موسم المطر، كانت تنبت في سيوح الولاية نباتات عدة؛ من بينها: نبات يسمى الحميض أو الحماض، له أوراق صغيرة خضراء ولها حموضة، وعادة تنبت في الأراضي الرملية في السهول وكذلك في الجبال، ويتسابق الأطفال لجنيه، ويقال إنه مُفيد جدا.
أيضًا من النباتات التي تُزهر بعد الأمطار نبات الزعتر -أو السعتر، كما نسميه محليًّا- خاصة في الجبل الأسود وجبل السعتري بولاية قُريات، وأوراق السعتر تُستخدم في أغراض طبية عدة، وفي مأكولات كثيرة، ويغلى مع الشاي والحليب، وله طعم فريد ورائحة زكية.

استغلال مياه وادي ضيقة اقتصاديا

الإسراع في تنفيذ المرحلة الثانية لمشرُوع سد وادي ضيقة، والمتعلقة باستثمار المياه المتجمعة في بحيرة السد بعد الأمطار الأخيرة، والتي تصل إلى مائة مليون متر مكعب، أصبح مطلبًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا مهمًّا للسلطنة؛ فاستغلال هذه المياه بطريقة اقتصادية سيوفر الكثير من المزايا والنفع على الاقتصاد والزراعة، ويُحقِّق الأمن المائي للكثير من السكان؛ فوُجُود هذه المياه بدون استغلال، وفي ظل ظرُوف ارتفاع الحرارة في المنطقة خلال فترة الصيف، وتعرُّض نسبة كبيرة منها لعوامل التبخر، يُشكل خسارة عظيمة للثروة المائية.

الجمعة، 3 مايو 2013

الاستفادة من تجربة تعاملنا مع الأمطار وتقلبات الطقس

الحمد لله على النعمة الوفيرة التي عاشتها كافة مُحافظات وولايات السلطنة خلال الأيام الماضية؛ فقد عمت الأمطار كافة ربوع البلاد، وسالتْ على إثرها أغلب أودية عُمان، وعمَّ نفعها البلاد والعباد، وهي تبشر بخير عميم، وموسم نماء زراعي وفير خلال الأيام والسنوات المقبلة؛ فهُناك -ولله الحمد- زيادة وفيرة وكبيرة في منسوب مياه الآبار والأفلاج.
الجميع في عُمان يعيش فرحة الأمطار مهما كانت هُناك بعض الأضرار، والجميع أيضًا يتفاخر ويشكر الجُهُود العظيمة التي قامت بها المديرية العامة للأرصاد والملاحة الجوية، والهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، وشرطة عُمان السلطانية، ووسائل الإعلام المُختلفة خاصة الإذاعة والتليفزيُون، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة البلديات وموارد المياه، وكافة الوحدات الحُكُومية بالولايات، والقطاعات الأهلية المُختلفة.
فقد عملتْ جميعهَا بجد وإخلاص ومُثابرة، وحرفية عالية في التعاطي مع هكذا وضع استثنائي، وأسهمت في توعية ومساعدة الناس؛ فكان الجميع يتسمر أمام التليفزيُون أو يستمع للإذاعة لمعرفة الواقع والمُستجدات، بواقعية وشفافية ووضوح، وبقناعة شخصية وإيمان تام بقدرات تلك المُؤسسات وحرفيتها على إعطاء المعلُومات الدقيقة والصحيحة وفي الوقت المناسب.
هُناك أيضًا جُهُود لا يجب تغافلها، إنها تلك اللحمة الوطنية التي نشاهدها من قبل المُواطنين ومُؤسسات المُجتمع المدني في كافة الولايات، والتي تُشكل أحد مُقومات الدولة العصرية، وإحدى القوى الرئيسية الفاعلة في المُجتمع المتحضر، وكشريك أساسي في التنمية مع الحُكُومة والقطاع الخاص ضمن إطار الثقافة المدنية ورأس المال الاجتماعي للدولة.
فقد عملتْ هذه المُؤسسات التطوعية -جنبًا إلى جنب- على مساعدة كافة الجهات المُختصة في الدولة؛ لتأدية دورها وواجبها بطريقة صحيحة. وها هي الآن تعمل بصمت في تقديم المساعدات بكافة أنواعها، وإصلاح ورفع ما خلفته الأمطار والأودية من أضرار في الممتلكات العامة والخاصة؛ فنحن نعيش بحق في جو يسوده التعاوُن والتعاضد والتراحم والتكافل في فعل الخير، وثوابه وأجره عند الله سبحانه وتعالى، وهو شعور إنساني سامٍ لدى الإنسان نحو مُجتمعه ووطنه وأمته.
وفي الجانب الآخر، يجب علينا أنْ نستفيد من تجربة تعاملنا مع هذه الأمطار وسيول الأودية من كافة النواحي: التخطيطية، واللوجستية، وعمليات الإغاثة، وتقديم المساعدات للسكان؛ فقد أثبتَ الواقع والمُمارسة أنَّ هُناك بعض الإخفاقات في بعض مرافق البنية الأساسية، خاصة فيما يتعلق بمسارات الخدمات كالطرق وخطوط الكهرباء... وغيرها من الخدمات، وكذلك من ناحية دُخُول المياه للمنازل، وغيرها من المُؤسسات التي بنيت في مسارات ومجاري الأودية.
لهذا؛ فمن المُهم بمكان إجراء مُراجعة شاملة لمسارات الخدمات في كافة الولايات، والعمل على وضع خُطة إستراتيجية لتخطيط المدن، تراعَى فيها ظرُوف الحياة وتقلبات الجو وتغير المناخ والبيئة، والاهتمام بمُعالجة تصريف مياه الأمطار بطريقة علمية وواقعية؛ بحيث لا تتسبب في انقطاع حركة السير وعرقلة تحرك السكان مهما كانت قوة الأمطار، إضافة للعمل على وضع خُطة إستراتيجية لإدارة الأزمات، والتركيز على ضرُورة توافر أماكن مجهزة في كافة المُحافظات والولايات لعمليات الطوارئ والأزمات، والاهتمام بتدريس مثل هذه الجوانب في المدارس والجامعات.

الخميس، 2 مايو 2013

قصة واقعية عشتها

في التسعينيات من القرن الماضي، قُمت -ومعي بعض الضيوف الإعلاميين- بزيارة إلى وادي ضيقة في مُهمة إعلامية؛ حيث كُنت حينها مراسلا للإذاعة والتليفزيُون وجريدة عُمان. ونظرًا لما سمعته عن روعة الممر المائي لوادي ضيقة الذي يربط بلدة المزارع ببلدة حيل الغاف ومن ثم دغمر، اقترحت على ضيوفي استخدام هذا الممر للوُصُول إلى المزارع، وكان حينها ذلك الممر يتمتع بتواجد مُستمر للمياه، وفي غير موسم للمطر.
ولهذا الممر تاريخٌ عريقٌ، وذكريات عديدة، وأحداث مُتعددة؛ حيث كان شريانا اقتصاديا لداخل عُمان، عبر سوق وموانئ قُريات ومسقط ومطرح، لا سيما لتجارة التمور والليمون العُماني وغيرها من المُنتجات، فهو يختصر المسافات للتنقل عبر المشي والدواب.
كان الأوروبيون يطلقون على هذا الممر بهوة الشيطان؛ لعُمقه وخطورته وتكويناته الصخرية الحادة؛ حيث تجتاحه السيول بصُورة دائمة. المهم، وددت تعريف ضيوفي بهذا الممر؛ حرصا مني لتسويق الوُلاية إعلاميًّا.
استخدمنا سيارة ذات دفع رباعي لعبور هذا الممر؛ حيث بدأنا من مدخل حيل الغاف، ومن ثم الوُصُول إلى الخبيل جنوب حيل الغاف، وهو منخفض يقع بين جبلين، ويعتبر منتجعا سياحيا لما يتميز به من سحر الطبيعة وجمال البيئة ونقاء الجو وصفاء المياه، وفيه تجدُ على حواف الجبل آثارَ فلج حيل الغاف القديم، كما يُمكنك تتبع مسار الفلج الحالي؛ فمنبعه الرئيسي من الخبيل.
بعد الاستراحة والاستمتاع بالطبيعة، واصلنا السير في اتجاه المزارع: الجبال الشاهقة لهذا الممر المائي وبيئة المكان تأسر القلب وتريح النفس، وتثير التأمل والتفكر في قُدرة الخالق، تضاريس جبلية روعة في المنظر، ومياه تنساب بهدوء، وأشجار مظلة على حواف المجرى.
جميع ضيوفي في قِمَّة السعادة بهذه الرحلة؛ فهم لأول مرة يشاهدون هذه المناظر الخلابة، وأنا أيضًا كذلك لأول مرة أسلك هذا الممر، وكنت أُخاطب نفسي بأنَّ الأوروبيين وصفوا هذا الممر بهوة الشيطان، وهذا وصف لا يليق بهكذا منظر؛ فأكيد أن هُناك سببا أو قلقا ما من هذا الممر، فهم يشاهدونه من سفنهم في أعماق البحر، وعلى الرغم من بعده عن البحر، إلا أنه أحدث لهم رُعبا من الاقتراب منه؛ فهو في حقيقته مُعجزة الله في أرضه، ويستحق أن يُطلق عليه "منحة الله للإنسان".
بعدما قطعنا المسافة -وهي ليست بالطويلة- تبادر لنا من بعيد حِصن المزارع على ربوة جبلية، ويطل على الممر المائي لوادي ضيقة في اتجاه حيل الغاف. كُنت أقود السيارة، ومستمتعا جدا بقيادتها وقوة تحملها لعبور هذا الممر الصعب، فلم يبقَ لنا إلا وقت بسيط ونصل إلى عمق المزارع، وفي ذلك الحين صادفْنَا مُسطحًا مائيا من الجبل إلى الجبل، وفي الوقت ذاته عبرت من جانبنا سيارة قادمة من المزارع في اتجاه الخبيل، تبادلنا التحية من بعيد، ومرت تلك السيارة في وجهتها بسلام، بعد أن أفسحتُ لها المجال بالتزامي ناحية اليمين من الشارع.
واصلنا المسير في نفس الاتجاه وسط المياه، وكنا نحسبها أنها مياه ليست بذات عُمق، ونحن نتقدم إذا بالسيارة تزداد تعمُّقا في المياه، أدرت قوة الدفع الرباعي بالسيارة، وإذا بالسيارة تغطس أكثر، قُلت في نفسي لا بد أن هُناك حصاة كبيرة تمنع السيارة من عدم الاندفاع إلى الأمام، ضغطتُ بقوة رجلي على دواسة المُحرك، وغيرت غيار السيارة إلى رقم واحد، لا زالت السيارة تقاوم النهوض، ولكن المياه كانت هي الأقوى.
أصبحتْ المياه تُحاصرنا من جميع الاتجاهات، والسيارة بدأت مُقدمتها تغطس في عمق المياه، جميع من معي كان خائفا، وأنا أحاول تهدئة الموقف، وبث الثقة بالخروج بسلام، إضافة لمحاولة الضغط على السيارة من أجل نهوضها والابتعاد عن المكان، ولكنَّ الأمر كان صعبًا؛ حيث اتَّضح أن هُناك حفرة عميقة وأصبحنا على حوافها، فغمرت المياه السيارة، وطلبت من ضيوفي الخروج من النوافذ فورا حِرصًا على سلامتهم.
حاولتْ تلك السيارة المقاومة للخروج من الموقف، إلا أنَّ المياه تداخلت في كل أجزائها، تألمتُ كثيرا لما أصاب ضيوفي، ودعوت ربي كثيرا بأن يخرجنا من هذا الموقف، كان خروجنا قبل الظهيرة، وهذا المساء بدأ يسدل الستار على نهاية النهار، المكان كان موُحشا، والمياه تُشكل أكثر خطرا، وكان حينها سد وادي ضيقة غير موجود، فأيُّ زيادة في منسوب الوادي لا ملجأ لنا إلا الله؛ فالجبال من جانبينا شاهقة، ونحن في وسط ممر مائي نجهل عمقه، والاتصالات غير متوفرة لدينا.
بعد تفكيرٍ، رأيتُ من المناسب أنْ أمشي إلى وسط قرية المزارع من أجل طلب المساعدة؛ فبعد فترة من المشي وسط المياه والصخور، استطعتُ الوُصُول إلى بلدة الجزير بالمزارع، ووجدت من سُكانها كل ترحيب بحكم معرفتي بهم، وقرَّر أحد الأخوة التبرُّع بسيارته ذات الدفع الرباعي للوُصُول إلى مكان السيارة الخاصة بنا ومحاولة إخراجها من تلك الحفرة.
بعد جهد كبير، وبحكم خبرة أهل البلد بظرُوف الطريق، استطعنا إخراج السيارة من الحفرة، وقيل لنا إننا سلكنا الطريق الخطأ؛ حيث كان ينبغي لنا الالتزام بجهة اليسار، فهو المكان الصالح لسير السيارات، والجانب الآخر جُزء عميق من المياه، لكنني قد تجاهلت ذلك بحكم عدم خبرتي بالمكان، ولكي أتيح للسيارة القادمة العبور، فهي الأحق بذلك الاتجاه.
حاولت تشغيل السيارة بمساعدة الجميع، ولكن لا فائدة؛ فالمياه دخلت في كل شيء، والأمر جد خطير، والضيوف بدأوا يقلقون كثيرا لتأخرهم عن أهلهم في مسقط، كان لديَّ إصرار وإرادة على إنهاء هذا الموقف بسلام، شكرتُ الأخوة الكرماء أهل المزارع على ما قاموا به من مساعدة لإخراج السيارة من المياه، بعدها توجهت إلى قُريات من أجل وضع حل للموقف.
كُنت أسمع بمهارة شابين عُمانيين -يقال لهما أولاد الرندي (علي ويحيى)- مُتخصصين في إصلاح وصيانة السيارات، وعلى الرغم من عدم تعلمهما، إلا أنَّ خبرتهما في مجالهما تساوي من يحمل أعلى الشهادات، تحدثت معهما عمَّا حصل، وبالفور تجاوبا معي من أجل إخراج السيارة بأي طريقة، واتصلنا بسعيد الشيرازي وهو عُماني ومكانيك قديم أيضًا، فرحب بالمساعدة وأخذنا سيارته الرافعة، فإذا لم نقدر على إصلاح السيارة وتشغيلها، نرفعها بالرافعة وإخراجها من ذلك المكان.
وصلنا حيث السيارة، وبعد مُحاولات استطاع العُمانيان أن يُشغِّلا السيارة بطريقة غريبة، حيث وصلا علبة كنا قد ملأناها بالوقود من خلال أنبوب إلى محرك السيارة، بعد أن فصلا الأنبوب الذي يربط خزان الوقود بالمُحرك؛ وذلك نظرا لامتلاء واختلاط الوقود بالمياه في الخزان، فكُنت متعجبًا من المهارة التي قاما بها، شكرتُهما كثيرا وطلبتُ منهما قيادة السيارة؛ فأحدهم السائق والآخر يُمسك بيدة تلك العلبة التي تزود المُحرك بالوقود.

وصلنا قُريات في مُنتصف الليل، بعد مُعاناة مُنذ الصباح، ودَّعت ضيوفي، وتمنيتُ لهم رحلةً موفقة، وشكرت ربِّي كثيرا على نعمة النجاة من هذا الموقف، وها أنا أسردها لأوَّل مرة من أجل أخذ العبرة، خاصة ونحن نعيش هذه الأيام سقوطَ أمطار غزيرة، وجريان العديد من الأودية في بعض ولايات السلطنة؛ فمجاري الأودية وتجمُّعات المياه لا يمكن التساهل بها أو الدُّخُول فيها، مهما كانت قوة السيارة ومهارة من يقودها.