كُنت جالسا مع أحد الصيادين؛ فهو له ذكريات جميلة
في الإبحار أيام السفن الشراعية، يقول لي: زمان، عندما نبحر بالسفن الشراعية،
ونقضي أياما طويلة في البحر، نواجه الرياح والأمواج العاتية حتى نصل إلى وجهتنا، وعندما
نحتاج إلى سمك لأجل كسر الجوع، نمرُّ على المراخي (وهي: تقنية عُمانية، عادة ما
تكُون قريبة من الجبال البحُرية، عبارة عن شِباك مصنُوعة محليًّا من الخيوط، وتُثبت
في إحدى حوافها بالحجارة وفي الأخرى بكرب النخيل، وتكون عائمة في البحر من جهة واحدة،
تستخدم لصيد السمك، يرفعها الصياد في أيام محددة، ثم يعيدها إلى البحر مرة أخرى)، وعندها
نأخذ نصيبنا من ذلك السمك بما يكفي حلانا -أي قوت يومنا- ونعيد الشبك إلى البحر
كما كان، ثم نجتمع على ظهر السفينة، ونقدر ثمن ذلك السمك الذي أخذناه؛ سواءً كان
بقرش أو ببيسة سوداء، كما كانت العملة متداولة في ذلك الزمان، وهذه العادة قد
تعارف بها الصيادون فيما بينهم.
سألته كيف يتم توصيل قيمة السمك إلى صاحبه؟ قال
لي: يا ولدي، هذه أمانة، وكنا نحرص عل إيصالها إلى صاحبها، فقد كنا نجمع تلك
المبالغ ونصرها في خرقة، ونربطها في كربة قام صاحب الشبك بتثبيتها فيه من أجل ظهور
الجزء الأعلى من الشبك على سطح الماء وكعلامة لموقع الشبك، وعند حضور صاحب الشبك
في اليوم المحدد لرفع الشبك، يجد المبالغ مربوطة في شبكه عن قيمة السمك الذي
أخذناه.
تنهد مُحدثي بقوة، مُتحسرا على ما يحدث اليوم؛ حيث
قال: يا ولدي، اليوم وعلى الرغم من العلامات الضوئية والفسفورية الظاهرة على
الشباك التي نرميها في البحر من أجل الصيد، إلا أن أصحاب القوارب التي تعمل
بالمكائن، تقطع تلك الشباك دون أي رحمة أو اعتبار، وكثيرٌ منهم يتعمَّدون فعل ذلك،
وهذا يُشكل خطرًا على البيئة البحُرية؛ حيث تلك الشباك المصنُوعة من النايلون تغرق
في قاع البحر، بما فيها من أسماك؛ مما يتسبَّب في إحداث نُفوق لتلك الأسماك
العالقة في الشباك وتلوُّث البحر، فأين الوعي والأمانة من ذلك؟ ودَّعتُ ذلك الرجل،
وفي نفسِه حسرة على أيام زمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.