الخميس، 30 أبريل 2020

الصديق والأخ عبدالله المالكي

الصديق والأخ عبدالله المالكي من الشخصيات التي خَدَمتْ نادي قريَّات مُنذ نعُومة أظفاره، عُرِفَ عنه التواضع وحب الناس وتشجيع الشباب، له عطاء في خدمة وطنه ومجتمعه.
تَزامَلنا معًا في بداية تسعينيات القرن المنصرم في مجلس إدارة النادي، وشكَّل مع الأخ خليفة السناني قمَّة الهرم الإداري في مجلس الإدارة، كُنَّا نعمل معًا برُوح لا تكَل ولا تمَل، كان عبدالله خيرَ داعم للجميع، لم أجده يوما إلا مُحفِّزا لمزيد من العطاء في خدمة الشباب، كما كان خيرَ مُتحدِّث باسم مجلس الإدارة.
تحيَّة لكم أخي عبدالله، لَكُم مِنِّي مَحبَّة وتقدير، مَتَّعكُم الله دومًا بالصِّحَةِ والعَافية، جُهُودكُم ستبقَى عَالِقة في الذاكرة.

ذاكرة

الأخ الشيخ مُبارك بهوان من الشَّخصِيات المجيدة في العمل البلدي، إبان عمله في البلدية عُرِف عنه أنَّه من الشخصيات الإدارية المُطبِّقة لمفهوم "الإدارة بالتجوال"، كان يعشق العمل الميداني، على الرغم من تأثير ذلك على صحته، كان خدوما متواضعا للناس، ومخلصا وفيا في خدمة وطنه ومجتمعه.. الله يُمتِّعه بالصحة والعافية.

مع زملاء الدراسة

الأربعاء، 29 أبريل 2020

ذاكرة

 
ضُيُوف الجامعة في رِحَاب مسرح النادي، لمُشاهدة مسرحية "أحلام تحقَّقت"، تأليف الصديق المتألق علي الجهضمي، وإخراج الصديق المبدع سعيد الغزالي، وبمشاركة نُخبَة من الفنانين أبناء النادي الكرام الأوفياء.

نوقد شمعةَ حبٍّ وولاء

الاثنين، 27 أبريل 2020

في ذكرى سعيدة بنت خميس


هي إحدى أيقونات فنُوننا الموسيقية الشعبية القديمة، عاشت معتمدة على نفسها بتواضع لم تجد له مثيل، تجدها في الحقل تحرُث وتزرع بلا كلَل ولا مَلل لتوفير قُوْتَ أسرتها، وفي الوقت ذاته كان لها اهتمامٌ كبير بالمحافظة على فنوننا التقليدية، فكانت فرقتها النسائية المعروفة ضمن فرق الفنون الشعبية المُشَارِكة في احتفالات الولاية بالعيد الوطني مع كل عام، كانتْ تتقدَّم تلك الفرقة مُلوِّحة بعلم السلطنة، مُردِّدة أغاني الفرح، مُبتَهِجة بالعهد المجيد.
عندما شَاركَ النادي في مُسابقة الفنون الشعبية في الأسبوع الشبابي مع بداية التسعينيات، كانت تقول للمشاركين: قريَّات لا تقبل إلا المركز الأول؛ فكان لها ما أرادت وتمنَّت، كرَّمها النادي على جهودها في احتفال عام، فرأيتُ الدَّمعَة في عينيها فرحة بالإنجاز.
عِنْدَما أقامتْ الولاية القرية التراثية في عامي 1993م و1994م كانتْ سعيدة ورفيقاتها تُحيي كل قديم من عادات وتقاليد أسرية ونسائية مُتوارثة، تَجِدْهَا مُبتَسِمة دومًا، همُّها هو أنْ تبقى فنوننا وعاداتنا حيَّة، تُتَوارَث من جيل لآخر.
مُذ سَنَوات دَاهمهَا المَرض، بعدَها غادرتْ سَعِيدة الدنيا في هدوء، لتلحق بشريكة دربها سالمة، تاركةً ذكرى جميلة لا تُنسى.
رَحْمَةُ الله عليك أيَّتها المرأة العصامية المتواضعة، المخلصة دومًا لتراثك الثقافي.

كواليس المسرح

مُنجَز إنساني

ثمَّة آثار حياة، كانت قائمة هنا، لم تعد تُذكر اليوم، ولكن تلك اللُّقى الذهبية، المترامية هنا وهناك، لها حديث لا يمل عن أيام خلت، تصغي إليها بشوق وتقدير، فتحدثك عن قصة إنسان ارتبط بتبر أرضه.. تلك القطع المنثورة، وكأنها تقبل الأرض، قد نَحتها ذاك الإنسان القديم بأنامله الغضَّة، فطوَّع مكونات الطبيعة القاسية، فسخرها للجمال ورقي الحياة، وبتفكيره الخيالي والإبداعي، شكَّل من أديم الأرض تلك التحف الفنية الراقية. وعلى الرغم من حالتها وقسوة الزمان عليها، هي اليوم ذكريات خالدة لمنجز إنساني.. سيأخذكم المشهد إلى سيرة مكان وذكريات إنسان، ولكن حديثُه سيكون صامتًا، ليُبْحِرَ بنا الخيال إلى تلك الأيام المشرقة، وترسم الذاكرة لنا شريط الذكريات، حتى وإنْ لم نَعِشْها بتفاصيلها الجميلة.. هكذا هي الحياة والأيام في تَدَاولها، تبقَى منها الذكريات فقط.

الأحد، 26 أبريل 2020

الماء حياة

"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ"
"فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ"

الأربعاء، 22 أبريل 2020

فلج الهبوبية

 

"الفَلَج طَامي يَغدِف مِن سِمَامه".. هَذَا هُو فَلَج الهبوبيَّة، تِلكَ القريَة الجَمِيلَة الخَضْرَاء؛ النَّابضَة بالحَيَاة، المُزدَانة بنَخِيلهَا البَاسِقة فِي عَنَان السَّماء، وبالهُدُوء والسَّكِينة، هِي اليَوْم تَعِيش حَيَاة الخَصب؛ لأنَّ شُريَان فَلَجِها يتدفَّق بغَزَارة.
تمَّ كَسْر جُزء مِنَ الفَلَج فِي الوَادِي، لتُضفِي شلَّالاتُه البَيْضَاء النَّاصِعة عَلى المَكَان جَمَالَه وبَهْجَته، وَهِي تِقنيَة قَدِيمة للتخلُّص مِنَ المِيَاه الزَّائدة عَلَى حَاجَة الزَّرع والشَّجَر، وللتَّخْفِيف مِن تَدفُّق المِيَاه إلى الضَّوَاحي.
مَا يُميِّز هَذَا الفَلَج سَاقِيتُه الطَّويلَة المَفتُوحة، وهُو تَوجُّه أَسعَدنِي جِدًّا، ينمُّ عَن وَعْي وإِدْرَاك إنسانيٍّ، وَمِن أَرْقَى تَجلِّيات الإِحسَان، بأنَّ هُنَاك كَائِنات مَوطِنهَا السَّماء والأَرْض، وحَيَاة فِطريَّة نَادِرة هِي أيضًا بحَاجَة لـ"جرعَة مَاء" لتُضمِي عَطَشَها، وتَسْعَد بالمَكَان.
تَحيَّة مَحبَّة لهَذِه القَريَة الرَّاقِية، الوَادِعة فِي أَحْضَان الجَبَل والوَادِي، وهَنِيئًا لأَهلِها الكِرَام هَذا الفَيْض الرَّباني، الذي عَمَّت خَيرَاتُه الجَمِيع، وكَان نَبْضًا للحَيَاة والجَمَال.

يَوْم الأَرْض العَالَمِي

الحَضَارة الأيكُولُوجيَّة هِي مُستَقَبلُ هَذَا الكَوْن.. #يوم_الأرض_العالمي.

الأَرْضُ لَا تَزهُو إلا بِإشْرَاقَة السَّلام

الثلاثاء، 21 أبريل 2020

مِنْ تُرَاثِنَا الزِّرَاعِي

مِن أَلْفَاظ مُسمَّيات رَدَّات الفَلَج القَدِيمَة فِي بُلدَانِنا الزِّراعيَّة: النَّجخ، والتَّعْرِيق، والقَبلَان.. وغَيْرها، وَلَها مَوَاقِيت نَهَاريَّة مَعرُوفَة، تُقَاس بحَرَكَة ظِلِّ الشَّمْس.. لَم تَعُد هَذِه المُفرَدَات مُتدَاوَلَة الآن إِلَّا مِنْ قِبَل كِبَار السِّن؛ فَقَد حَلَّت السَّاعَة الحَدِيثَة مَحَلَّ المَوَاقِيتِ القَدِيمَة.. عَمَلتُ عَلَى جَمْع وتَوْثِيق هَذِه المُصطَلحَات، والأَلفَاظ المُتعلِّقَة بالزِّراعَة وأَدَواتِها القَدِيمَة فِي فَصْلٍ مِنْ كِتَاب "قُريَّات.. مَلَامِح مِنَ التُّرَاثِ الزِّراعيِّ والبَحْرِي".

الاثنين، 20 أبريل 2020

ذِكرَيَات رَمَضَان

لَا أَتذَكَّر العُمرَ الذِي بَلغْتُه مَعَ أَوَّل صِيَام صُمْتَه، وَلَكِن مِنَ المُؤكَّد كَان فِي سِنِّ طُفُولتِي المُبكِّرَة، تَصَادَف أوَّل صِيَام لِي فِي شَهْر صَيْف شَدِيد الحَرَارَة، كَان مَوْسِمًا للقَيْظ، وهُو مَوْسِم يتَطلَّب مِمَّن فِي عُمرِي أَنْ يَعْمَل لمُسَاعَدَة وَالِديهِ، هَذا مَا اعتَدنَا عَليْهِ مُنذ الطُّفولَة؛ فمَعَ بَوَاكِير الصَّبَاح تَجِدُنا فِي الحُقُول نَزْرَع ونَحْصُد، نُرَقِّط كُلَّ مَا يَتَسَاقَط مِن غَدرِ النَّخلَةِ وأَشْجَار الفَاكِهة، نَذهَب إلى السُّوق نَبِيع ونَشْتَرِي، كَانَتْ تَمرُّ عَلينَا الأيَّام: عَمَل، مَدْرَسَة، ثُمَّ عَمَل فِي المَسَاء أيضًا.
لَمْ نَكُن نَعْرِف طَعْمَ المُكيِّفَات أَو المَرَاوِح؛ لأنَّ الكَهربَاء لَم تَدْخُل بَلدَتنَا بَعد فِي ذَلِك الوَقْت؛ فمَعَ لَهِيب الصَّيْف كُنَّا نَتَبرَّد بظِلَال الشَّجَر، ونُبلِّل أَجْسَادَنا بالمَاء، أَو فِي أَحْوَاض الطُّويَان، أو بالنُّزولِ فِي عُمْقِها للهَرَب مِن قَسْوَة الصَّيْف، وفِي اللَّيْل يَكُون نَومُنَا فِي الهَوَاء الطَّلْق؛ حَيْث الطَّبيعَة تُسْدِل تَجلِّيَاتِها عَلى تِلكَ الأَجْسَاد الكَادِحَة.
اشْتَرَى لَنَا وَالِدي وأَخِي الأَكْبَر ثَلَّاجَة تَعْمَل بـ"الحلِّ التَّراب" أو الكِيرُوسِين، كُنَّا نُوقِد تَحْتَها شُعلَة زَرْقَاء صَافِية؛ فتَمتَدُّ حَرَارة الشُّعلَة فِي أَنَابِيب مُلتَوية عَلَى ظَهْر الثَّلَاجَة كالمَصَارِين؛ فتَتحوَّل هَذِه الحَرَارَة إلى تَبْرِيد فِي بَاطِن تِلكَ الثَّلاجَة، كُنتُ أستَمْتِع بالاهتِمَام بتِلكَ الشُّعلَة الجَمِيلَة، كَان مَنْظَرُها آسرًا يُحرِّك الخَيَال.
كُنَّا نُبرِّد المِيَاه فِي تِلكَ الثَّلَاجَة ونُوزِّعهَا عَلَى الجِيرَان والمَعَارِف، ومَع ظُهُور المَشرُوبَات الغَازيَّة فِي عُمان، كَانَت تِلكَ الثَّلاجَة مَلَاذًا لتَبْرِيد تِلكَ الزُّجَاجَات، ذَات العُنُق الجَذَّاب والغِطَاء المَعْدَنِي المُدوَّر؛ مِنهَا: آر سِي، وكِرَاش، ومِيرندَا، وسِفن آب وتِيم.. وغَيْرها.
كَانَتْ تَمتَازُ هَذِه المَشُروبَات بطَعْمٍ مُختَلِف عَمَّا هِي عَلَيه اليَوْم، ويتمُّ تَنَاولُها عَادَةً بَعْد العِشَاء فِي رَمَضَان وبَعْد الغَدَاء فِي غَيْرِه؛ باعتِقَاد أنَّهَا تُسَاعِد عَلَى هَضْم الطَّعَام، كَان كَثْرة التَّجشُّؤ عَلَامَة عَلى مَفْعُولِها.
كُنَّا نَصْنَع فِي تِلْكَ الثَّلَاجَة أيضًا الآيسكِرِيم، كُنتُ أتَفنَّن فِي صِنَاعتِه فِي قَوَالِب مُربَّعَة؛ مِنهُ مَا يُصْنَع مِن شَرَاب "الفِيمتُو"، وكَذَلك مِن المَشْرُوبَات الغَازِيَّة، فِي غَيْر رَمَضَان كُنتُ أبيعُه فِي السُّوق، وعَلَى طَالِبَات المَدْرَسَة فِي الفَتْرَة المَسَائيَّة بَعْد عَوْدَتِي مِنَ المَدْرَسَة.
ظَلَّت تِلكَ الثَّلاجَة فَتْرَة طَوِيلَة فِي بَيْتِنا، ومَع دُخُول الكَهربَاء إِلى قَرْيتِنَا، تمَّ تَشْغِيلُها بالكَهربَاء؛ لأنَّ تَصْمِيم صِنَاعتها يُتِيح لَهَا ذَلِك، وكَان فِيْهَا خَيْر كَثِير وبَرَكَة وَاسِعَة.
كَانَ يُستَعَد لاستِقبَال شَهْر رَمَضَان بأيَّام مِن مَوْعِد حُلُولِه، خَاصَّة فِيمَا يَتعلَّق بالجَوَانِب الرُّوحِيَّة والحَيَاتيَّة والغِذَائيَّة، وتَبْدَأ عَادَة بيَوْم الدِّرنَة، وهُو تَجمُّع عَائِلي لتَنَاول وَجْبَة الغَدَاء فِي آخِر يَوْم مِن شَعْبَان، وهُنَاك مَقُولَة قَدِيمَة تَقُول: "اليَوْم يَوم الدَّرنَة، وبَاكِر كُلُّ وَاحِد فِي قرنَة".
كَانَت النِّسَاء تَجْتَمِع فِي جوٍّ تَعَاونيٍّ قَلَّ مَثِيلُه اليَوْم، لتَحْضِير وطَحْن البَهَارَات ومَا يَلْزَم مِنْ وَجَبَات تَقْلِيديَّة تُقدَّم فِي رَمَضَان، لتُستَخْدَم طَوَال الشَّهر، وكَان النَّاس فِي رَمَضَان يَتَبادلُون الطَّعَام بحُبٍّ وكَرَم وصَفَاء.
كَانَ يتمُّ مَعْرِفَة بِدَايَة الشَّهر بسَمَاع صَوْت المِدْفَع، أو بطَارِش وبَلَاغ مِنَ الوَالِي، بَعْد وُصُول البَرقيَّة مِن مَسْقَط بأنَّ الهِلَال قَد تمَّت رُؤيتُه، كَان الأَهَالي أيضًا يَجْتَهِدُون لرُؤيَة الهِلَال؛ فيَرْتَقُون الأَمَاكِن المُرْتَفِعَة لتَحرِّي رُؤيَة هِلَال رَمَضَان.
مَعَ أوَّل لَيْلَة لشَهْر رَمَضَان تَبْدَأ صَلَاة التَّرَاوِيح، ومَع نِهَايتِها لَا بُد أنْ تُعْقَد نِيَّة الصِّيَام جَهرًا، يُردِّدها الإِمَام ثُمَّ يُردِّدها خَلْفَه مَنْ حَضَر، كَانَت النِّساء أيضًا يُردِّدن هَذِه النيَّة فِي بُيوتِها عَلَى يَدِ عَارِفٍ بِذلِك، ويُسمَّى ذَلِك "عَقد رَمَضَان"، كَان يُعْتَقَد أنَّ هَذِه النيَّة ضَرُوريَّة لصِحَّة الصِّيَام، وَلَها صِيْغَة مَعْرُوفَة، دوَّنتُهَا فِي الطَّبْعَة الثَّالِثَة مِن كِتَاب "قُريَّات.. عَرَاقَة التَّارِيخِ ورَوْعَة الطَّبِيْعَة"، وتَنَاول ذَلِك الكِتَاب أيضًا الكثيرَ مِنَ العَادَات والتَّقَالِيد فِي حَيَاتِنا العَامَّة.
كَانَ إِفْطَار رَمَضَان بَسِيطًا؛ بَعْضُ الرُّطَب أو التَّمْر مَعَ المَاء وشَرَاب اللَّبَن المَمْخُوض، وكَذَلِك بَعْض السَّمْبُوسَة واللُّقَيمَات، ثُمَّ صَلَاة المَغْرِب، يَلِيهَا تَنَاولُ السَّمَك مَعَ الخُضَار الطَّازَجَة كالفِجْل والمَلفُوف والخِيَار والخَس، ثُمَّ صَلَاة التَّرَاوِيح، يَعْقُبهَا تَنَاول وَجْبَة العَشَاء، تَتَكوَّن عَادَةً مِنَ الفتَّة "الثَّرِيد" أَوْ العِيْش مَعَ مَرَق الدَّجَاج أو اللَّحْم البَلَدِي، أو تَنَاوُل الهَرِيس.
أمَّا أَشْهَر أَطْبَاق الحَلويَّات، فتَأتِي السَّمنَة والكَسْتَر أو المَهلَّبيَّة عَلَى رَأس هَذِه الأَطْبَاق، وتُتَنَاول عَادَةً فِي سَهَرات رَمَضَان.
تَبْدَأ وَجْبَة السَّحُور مَع سَمَاع نَغَمَات طَبْل وصَوْت المِسَحَّر، الَّذِي كَان يَطُوف الطُّرُقَات لإِيقَاظ وتَنْبِيه النَّاس عِنْد مَوْعِد بِدَايَة السَّحُور،
كَان يُردِّد كَلِمَات جَمِيلَة، تَعَارف عَلَيْهَا الجَمِيع مُنذُ القِدَم، وتَتَكوَّن وَجْبَة السَّحُور عَادَة مِنَ العِيْش (الأرز) واللَّبَن.
كَان أَوَّل يَوْم صِيَام لِي شَاقُّا ومُتْعِبًا؛ لأنَّ حَرَارة الصَّيْف كَانَت تُذوِّب الصَّخر، قَاومتُ حِيْنَها ووَقَفتُ صَامِدًا وصَابِرًا لمُجَابَهة ذَلِك النَّصَب، وَلَكِن كَان جَسَدِي النَّحِيل لَم يَحْتَمِل، فَمَع دُخُول المَسَاء وقُبَيْل المَغْرِب كَان جَسَدي مُسجَّى عَلَى حَافَّة بِئْرٍ فِي وَسَط مَنْزِلنا، كَانَت أُمِّي تَمْتَح المَاء مِن قَعْر البِئْر بدَلوٍ مَعْدَنيٍّ فتَصُبُّه عَلَى جَسَدي، لتَبْرِيدِه مِن شِدَّة الحَرِّ.. نِمْتُ حِيْنَهَا وَلَم أَسْتَيقِظ إِلَّا فِي سَاعَاتٍ مُتَأخِّرَة مِنَ اللَّيل؛ استِعْدَادًا ليَوْم جَدِيْد.

الذَّاكِرة فِي زَمَن كُورُونَا

وُلِدتُ فِي قَريَة زِرَاعيَّة، تَحُفَّها الجَنَائِن البَاسِقَة، وتُزيِّنهَا الأَشْجَار المُتَمايِلَة، والنَّخِيل السَّامِقَة، والنَّبَاتَات المُورِقَة، والخُضْرَة اليَانِعَة مِن كُلِّ جَانِب، تَجِد البُيوتَ فِيْهَا مُتَناثِرة عَلَى مِسَاحتِها الوَاسِعة، عَدَدُ سُكَّانِها لا يَتَجاوَز بِضْع مِئَاتٍ مِنَ الأَنفُس. وعَلَى الرَّغْمِ مِن تَبَاعُد بُيُوتِها لطَبِيعَة أَرْضِها الزِّرَاعِية، إلَّا أنَّ قُلُوبَ سُكَّانِها مُتَقَارِبة، وأَرْوَاحُهم مُتَحَابَّة، ومَشَاعرِهم مُتَآلِفة، كَانُوا مُتَعاونِين فِي السَّراء والضَّراء، وهُم عَلى يَدِ رَجُل وَاحِد فِي المَغنَم والمَغْرَم، يَتجلَّى فِي قُلوبِهم ووجدَانِهم حُبُّ الأَرْض وعِشْق الإِخلَاص لَهَا؛ فتُبَادِلهم هِي أيضًا بالعَطَاء الوَفِير؛ كَانَت حَيَاتُهم تَتَّسم ببَسَاطة العَيْش، وتَكَامُل مُجتَمعِي وتَعَاون إِنسَانِي فِي وَاجِبات الحَيَاة، وتَحْقِيق مُتطلَّباتِها.
فِي مَرْحَلة طُفُولتي الأُولَى، قَرَّر أَبِي أنْ يُعِيد بِنَاء بَيتِنا القَدِيم -فِي تَصْمِيم يَخْتَلف عَمَّا هُو عَليهِ اليَوْم- بَعْدَما تَطوَّرت وَسَائل البِنَاء وِفقًا لمَقَايِيس ذَلِك الزَّمَان، لَمْ تَكُن حِينَها تِلك المُعِدَّات مُتوفِّرة، ولا تِلكَ الشَّاحِنَات التِي نُشَاهدِها الآن مُتيَسِّرة، لنَقل مَا يتطلَّبه البِنَاء مِن مَوَاد، كَانَت وَسَائل النَّقل حِينَها هِي الحَمِير؛ فقرَّر أَبي أنْ يَشتَري لنَا حِمَارا؛ ليتسنَّى لنَا نَقْل مَا يطلُبُه البَنَّاء مِن مَوَاد، إضافَة إلى حَمْل مَا نُنتِجه وتَزدَان بِه مَزَارعنا الخَضْراء: كعُذُوق وجَرب التَّمر، والقتْ، والبَطِّيخ، والخِيَار... وغَيْرها مِنَ الخُضرَاوات والفَواكِه إلى السُّوق.
قِيْلَ لأبِي إنَّ أَجْوَد سُلَالَة للحَمِير -قُوَّة ورَشَاقة- تَجدهَا فِي جحلُوت، وهِي قَريَّة بَعِيدَة، تَبعُد عَن قَريتِنا بأكثَر مِنْ سِتِّين كِيلومِترًا، تتميَّز بالقوَّة عَلَى تحمَّل مَشَاق العَمَل، إِضَافة إلى جَمَال قَوامِها ورَشَاقتِها وحُسن تَربيتِها، فذَهَب أبِي مَشيًا إلى جحلُوت لشِرَاء الحِمَار، فاختَار أتَان أو حِمَارة، لَونُها أَبيَض يقَق نَاصِع البَيَاض، وهِي مِن الأَلوَان المُفضَّلة لأَبِي، أتذكَّر يَومًا عِندَما أَردتُ شِرَاء سَيَّارة، قَال لي: لَا تَشتَري سَيَّارة لَونُها أحمَر ولا أَسوَد ولا أَصْفَر، واختَر مِن بَيْن بَاقِي الأَلوَان.. لَم أسأُله حِينَها عَن السَّبب، وعَملُت بنَصِيحتِه ونَفذَّت أمرَه عَلى الفَوْر. 
كَانَت تِلكَ الحمَارَة فِي بِدَايَة عُنفوَان عُمرِها، وتَمتَاز بحُسنِ الجَمَال ورَشاقَة القَوَام، رَفِيعَة وقَويَّة ومُطِيعَة، وكَأنَّها خَيلٌ مُسوَّمة، ابتَاعَها أبِي بَأربَعِين قِرشًا، وهُو مَبْلَغ كَبِير بمِقيَاس ظُرُوف ذَلِك الزَّمَان، وقَد تَوطَّدتْ بَينَنا عَلَاقة إِحْسَان بتِلْكَ الدَّابة، لِمَا تُقدِّمه لَنَا مِن خِدمَة رَفيعَة، فَكُنَّا نَهتمُّ بهَا ونَرعَاها، ونُطعِمها نَفِيعَة التَّمر والأَعْلَاف الطَّازَجَة: كالقَتِّ، والغَشمَر، والبَازرِي، والرَّشيديَّة، واللُّوبيَا والحَشَائش الخَضْراء، كُنَّا نَرفَع عَلى ظَهرِها الجَوَاد اللّيِّن، رَأفةً بِهَا وحتَّى لا يُؤذِي ثِقَل المَتَاع والأَغرَاض ظَهْرَها. 
كَانَت دَابَّة ذَكيَّة وعَطُوفة، حتَّى إِذَا مَا اعتادتْ طريقًا تَسلُكه، يُمكِن الوُثُوق بِهَا للوُصُول إلى تِلك الوجْهَة دُوْن مُرَافِق يُوجِّهها، ذَاتَ مَرَّة جَمحَت بِي وسَقطتُ مِن عَلَى ظَهْرِها، فعَادَت تُقبل وتَشمُّ جَسَدي، وكأنَّها تَتأسَّف عَلى مَا بَدَر مِنهَا. كَانتْ جَدَّتي تُذكِّرنا دومًا بجَمَال وقَوَام خُيُول جَد جَدِّي لأبِي وأمِّي (صَاحِب بَيْت الجحِيل)، وآثَار مَرَابِط تِلك الخُيول لا تَزَال شَاهِدة فِي عفَا والكِرِيب، ولكُلِّ زَمَان ظُرُوفه وأَحوالُه، والحَمِير هِي أيضًا إحدَى فَصَائل الخُيُول البريَّة، التي تضمُّ الأَحْصِنة والحَمِير والبِغَال.
كُلِّفت أنَا وأخِي أنْ نَجْلِب الرَّمل والكَنكَري مِن مَكَان بَعِيد، يَقَع فِي عُمق وَادِي مِجلَاص، حتَّى يتمكَّن عُمَّال البِنَاء مِن إِتمَام مُتطلَّبات أَعْمَال البِنَاء فِي البَيْت، كَان عَملًا شَاقًّا ومُرهِقًا بالنِّسبَة لِي لصِغَر سِنِّي، وقَد استمرَّ لأيَّام عَدِيدة، لَكِن تمَّ إنجازُه بحُبٍّ وإتقَان. 
كُنَّا نملأ وعَاءً خوصيًّا كَبِيرًا، نَرفعُه عَلى ظَهْر تِلك الحمَارَة -يُسمَّى "الثُوج"- مَع كُلِّ نَقلةٍ مِنَ الرَّمل النَّاعم، أو المَخلُوط بالحَصَى الصَّغير؛ بِمَا يُسمَّى بالكَنكَرِي، نَتَنَاوب أنَا وأخِي فِي الذِّهاب والإِيَاب مَع كُلِّ نقلةٍ مُنذ الصَّباح البَاكِر حتَّى الظّهر.
وَاحدٌ مِنَّا عَليه أنْ يبقَى فِي عُمق ذَلك الوَادي القَصِي، لتَجمِيع الرَّمل فِي أَكدَاس مِن بَيْن شَوَاغي ومُنحدَرَات الوَادِي، وذَلِك بقِطعةٍ حَدِيديَّة تُسمَّى الشَّفطَة، ثُمَّ نَرفَع الرَّمل إلَى الثوج بالقَفِير.
ذَاتَ مَرَّة طَاف بِي -وأنَا مُنهَمِك فِي عَمَلي- رَجلٌ لا أَعْرِفه، كَان يتأبَّط مَجزًّا، فَلمَّا رَأى ذَلِك الطِّفل يَعمَل بِهمَّة ونَشَاط، سَألنِي عَن اسمِي واسمِ أبِي، فأَجبتُه مَع وَجَل وخَوْف مِن شَكلِه وجِسمِه المُمتَلئ، ومِمَّا يَحملُه تَحت إبطِه، فعَرَف حِينَها اسم أبي، فابتَسَم وبَارَك عَمَلي، فتَنفَّستُ الصُّعدَاء حينَها.
كَان عِند ذِهَابِنا وعَوْدَتِنا مِنَ الوَادي إلَى البَيْت لنَقْل الرَّمل، عَلينَا أنْ نمرَّ فِي طَرِيق طَويل، يَقطَع مَقَابر وَاسِعة، كُنتُ أشعرُ بمَشَاعر تَملؤهَا السَّكينةُ والحُزن والخَوْف أيضًا، كُنتُ أسألُ نَفسِي -وأنَا لَم أَتجَاوز حِينَها العَاشِرة مِنَ العُمر- عَن سَبَب اتِّسَاع هَذِه المَقَابر، التِي تَكَاد تُغطِّي ثُلث مِسَاحة قَريتِنا الوَادِعة، ومَا عَلَاقة هَذا الاتِّسَاع بعَدَد السُّكان المَحدُود عَددًا؟!
ذَات يَوْم طَرَحتُ هَذا السُّؤال عَلى أَحَد كِبَار السنِّ؛ فَقَال لي: يَا وَلَدي مرَّت عَلى بِلَادِنا ظُرُوف لَم تَعهدُوها، كَانَت الأمراضُ والأَوبِئة تَفتكُ بالنَّاس فَتكًا، فتَلِك المَقَابر هِي نَتِيجَة لتِلكَ الجَوَائح التِي تمرُّ عَلى البِلَاد، فَلَم تَكُن حِينهَا وَسَائل عِلَاج أو لقَاحَات مُتوفِّرة لمُقاومتِها كَما هِي عَليه اليَوم، إِلَّا علَاجَات واجتِهَادات تَقُوم عَلى التَّجرِبة والخَطَأ، وأَدويَة تُصنَع مِن أَعْشَاب، نَأتِي بِهَا مِن مَوَائِلها الطَّبيعيَّة فِي الجِبَال والأَودِية، إِضَافة إلى طُقُوس وعَادَات تَوَارثَها النَّاس ضِمنَ ثَقَافة مُجتمَعيَّة قَدِيمة؛ مِن أَجْل التغلُّب عَلى مَشَاعر الأَلَم ومَصَاعب الوَجَع.
تِلكَ الأَمرَاض مَرَرتُ بِها وعَانيتُ بَعضَها، ولَهَا مَعِي ذِكريَات مُؤلِمة لا تُنسَى، وهِي أيضًا تسبَّبت فِي وَفَاة أَرْبَعة مِن إخوَتِي، وهُم فِي أَعمَار مُختَلِفة: شَمْسَة وسَعِيد وسَعِيد، والأَكْبَر سِنًّا عَبدالله، الذي سمَّاه أبِي تَيمُّنا باسمِ جَدِّه لأبيهِ عبدالله، كَان أبِي يُحبُّه كَثيرًا، تُوفِّي أخِي عَبدالله وهو فِي عُمر كَبِير، خَرَجت رُوحُه الطَّاهِرة وبِيدِه حبَّة فَاكِهة كَان يَشتَهِيها، تَصفُه أمِّي بالذَّكاء وطَلَاقة اللِّسَان وجَمَال المُحيَّا.
كَان أبِي حِينَها مُسَافرًا إلى العَالي، وقَد يَكُون فِي الدَّمام، لظُرُوف أَجْبَرت الكَثيرَ مِن العُمانيين للهِجرَة إلى هُناك، لطَلَب العِلمِ والرِّزق.
تأثَّر أبِي كثيرًا بفِراقِه وهو فِي الغُربَة، وحَزِن حُزنًا شِديدًا عَلى مَوْت أَخِي عَبدالله؛ مِمَّا تَسبَّب بمَرضِه، فكَانَت كَبدُه تَنزِف دَمًا مِن شِدَّة الحُزن ولَوْعة الفِرَاق، وعِندَما عَلِم عَنه أميرُ البَحرَين -رَحِمه الله- أمرَ بكَرَمٍ مِنه بأنْ يَستَضِيفه عَلى نَفَقتِه للعِلَاج حَتَّى يَشفَى، تَقديرًا مِن سُموِّه لمَكَانة أبِي وظُرُوفه، ظلَّ أبِي عِدَّة أشهُر يُعَاني فِي المُستشفَى حتَّى أنعمَ اللهُ عليهِ بالصِّحة والعَافية، ولَكِن ظلَّ ألمُ حُزن فِرَاق وَلَدِه فِي قَلبِه حتَّى اليَوم.
لَم أَعْهَد أخِي عَبدالله ولم أرَ مَلَامحَه، وكَذَلك هُم إخوَتِي الآخرون، فَقَد تُوفُّوا قَبل مَولِدي، ولَكِن رَأيتُ ولَمَستُ مَشَاعر وحُزْن أبِي وأمِّي عِندَما مَات أخِي الأَكبَر خَلِيفة؛ فكَانَ وَقعُ ألمِ فِرَاقِه شديدًا عَلينَا جَمِيعًا، ففرَاق الأبنَاء هُو رَزءٌ عَظِيم، وأمرٌ جَلَل، وخَطبٌ ثَقِيل على قُلُوب الآبَاء، وهَذَا مَا عِشتُه وشَعُرت بِه بنَفسِي، عِندَما فَقدتُ ابنيْ الصَّغِيرين بَعْد مَولِدهِما، وخُرُوج رَوْحَيهِما بَيْن يَدِي، لأَسبَاب يَصعُب سَردُها هُنا، وهو حزنٌ وألمٌ وانكِسَار فِي القَلب، يَعتَصر قَلبِي وحَشَاشة كَبِدي بصَمْت مِن زَمَن، لا يَشعُر بِه أَحَد غَيرِي مَا حَيِيت.. هَذَا مَا كَان، وأمرُ الله مُطَاع، ولَا رَادَّ لقَضَائه، ولا مُعقِّب لحُكمِه، ولا غَالِب لأَمرِه، فوَّضتُ إليهِ أَمرِي، ولَا حَوْل ولَا قُوَّة إلا باللهِ العَظِيم.
قَبْل سَنَوات وأنَا أبحثُ عَن تَارِيخ الوَلايَة وآثَارِها، مَررتُ بكَثيرٍ مِنَ الأَماكِن التي كَان يُحجَر فِيهَا النَّاس وَقت انتِشَار الأَمرَاض المُعدِية، مِنهَا مَا يَكُون مَوقعُها فِي كُهُوف الجِبَال، أو تَحْت ظِلَال الأَشجَار كالغَاف، ومِنهَا غُرف حَجريَّة تُبنَى عَلى تِلَال صَخريَّة، بَعِيدة عَن الأَماكِن السَّكنية، كَان يُطلق عَلى أُولئِك المُصَابين بـ"المَرْضى"، يُوضَعُون فِي ذَلِك المَكان خَشيَة انتقالِ المَرَض للأَصِّحاء، وتُخصَّص لهم مَوَاعين (أوانِي) لطَعَامِهم وشَرَابهم، يُعَالجون هُنَاك حتَّى يَمُن اللهُ عَلَيهِم بالشِّفاء، أو يتولَّاهم برَحمتِه، وتِلك تِقنيَة مُتقدِّمة فِي زَمَانها، بمَا يُعرَف اليَوم بالحَجْر الصِّحي المُؤسَّسي أو المَنزِلي، وقَد تَطرَّقت إلى تِلكَ الأَمْكِنة وظُرُوف الحَيَاة وعَاداتِها وتَقَالِيدها فِي ذَلِك الزَّمان فِي كُتُب أَصْدَرتُها عَن قُريَّات وتَاريخِها.
ومَعَ انتِشَار جَائِحة فَيرُوس كُورُونا (كُوفِيد 19) فِي هَذِه الأيَّام العَصِيبة، تَعُود بِنَا الذَّاكرة إلَى تِلك الأَحْدَاث والجَوَائح القَدِيمة، التي كَانَت تُسرَد ونَسمعُها كحِكَايَات مُؤلِمة مِن المَاضي، التي كَانَت تُهلِك الأَروَاح، وتَقضِي عَلى الأَنفُس، وتَسرِي فِي الأَجسَاد وتُؤذِيها كسَري النَّار فِي الهَشِيم، عِندَما نَتأمَّل تِلك الأيَّام الصَّعبَة التِي عَاشَها الأَجدَاد والآبَاء، فِي ظلِّ عَدَم توافُر مُستشفيَات ولَا عِلاجَات ولا أدويَة ولا حتَّى مُسكِّنات، ونُقَارنهَا بِمَا نَعِيشُه اليَوم مِن طَفْرَة عَلميَّة مُتقدِّمة، وإِمكانَات مَعِيشية مُتوفِّرة، وظُرُوف بيئيَّة وَاعِية، وثَقَافة مُجتمعيَّة رَاقِية، وعَلَى الرَّغم مِن قَسْوة هَذِه الجَائِحة عَلى الإِنسَان ومَشَاعره النفسيَّة، يظلُّ الإنسانُ يَحْمَد الله عَلَى النِّعم التِي يَعِيشُها، مَهمَا كَانتْ ظُرُوفها ووَسَائلها وإِمكَانَاتها.
الرِّعايَة الصِّحية والخَدَمات الرَّاقية التي تُوفِّرها الدَّولة اليَوم فِي ظلِّ هَذِه الجائِحَة العَالميَّة هِي محلُّ فَخْر وتَقْدِير، الجُهُود التي تَبذُلها مُختَلف قِطَاعَات الدَّولة مِن: عَسكريَّة ومَدنيَّة، وتَضحِيَاتها الجَليلَة، لاحتِواء هَذِه الجَائِحة، وللحدِّ مِن انتِشَارِها هِي محلُّ اعتزازٍ وافتِخَار، الصُّورة الذهنيَّة التي تَرسمُها وَسَائل الإعلَام الوَطنيَّة المُختلِفة، ومُتَابعاتها التَّحليليَّة الدَّقيقة، وبَرَامجها التوعويَّة والتثقيفيَّة المُتَواصِلة والمُتطوِّرة والمُتجدِّدة هي محلُّ احتِرَام، وتَستحقُّ الشكرَ والثَّناء، كَذَلك هِي جُهُود قِطَاعات ومُؤسَّسات المُجتمع المَدَني، وأَعمَال وخَدَمات القِطَاع الخَاص لَهَا مَكَانتها المُحتَرمة والمُقدَّرة في قُلوبنا جَمِيعًا.
ويَكفِينا فَخرًا وعِزًّا ومَجْدًا أنَّ قِيادتنَا الحَكِيمة هِي عَلى رَأس مَن يُتَابع شُؤون أَمرِنا، ويَسْهَر عَلى رَاحتِنا وسَلَامتِنا فِي ظلِّ هَذِه الظُّروف، فعَلَى الرَّغم مِن الظُّروف الاقتِصَاديَّة الصَّعبة، وانقِطَاع التَّواصُل العَالمي، لَم نَشعُر يَومًا بتَقصِير فِي تَوفِير خِدْمَة، أو وُجُود أيِّ نَقْصٍ مِن غِذَاء أو دَوَاء.
الحَمدُ لله.. لَقَد تَضَافَرت الجُهُود المُؤسَّسية والمُجتمعيَّة ضِمْن رُؤيَة مُوحَّدة ووَاقعيَّة، وانتِمَاء وَطَني ثَابِت لا يَتزعزَع، واتَّحدت مَعَها المَشَاعر الصَّادقة، والتَّوجُّهات الإنسانيَّة النَّبيلَة الخَيِّرة، وتَكَامَلت فِيهَا الخطَط والأَدوَار الوَطنيَّة مِن أَجْل صَدِّ هَذا الوَبَاء، ومُجَابَهة تَدَاعياتِه الاقتِصَاديَّة والاجتِمَاعيَّة، وَهَذا لَيْس بغَرِيب عَلى العُمانيِّين مُذ القِدَم.
وَلَكِن: مَاذَا بَعْد هَذِه الغُمَّة والجَائِحة العَالميَّة، وَهِي بإذنِ الله -وثمَّ بجُهُود المُخلِصين فِي هَذَا الوَطَن العَزِيز- إِلَى تَرَاجُع وزَوَال؟ هل سَنعُود إلى مَا كُنَّا عَليه؟!
فَمِن المُؤكَّد أنَّ ذِكرَى هَذِه الجَائِحة وأَحدَاثِها ومَوَاقِفها ستَظلُّ تَرتَسِم وعَالِقَة فِي شَرِيط ذِكرياتِنا لفَتْرة طَوِيلَة مِنَ الزَّمن، هُنَاك مُرَاجعَات مُجتمعيَّة -ستَفْرِضهَا هَذِه الظُّروف- للكَثِير مِن أَنْمَاط الحَيَاة التي كُنَّا نَعِيشهَا، ستَتغيَّر الكَثِير مِنَ القِيَم السلُوكيَّة، هُنَاك ثَقَافة جَدِيدة ستَسُود العَالَم فِي طَرِيقة التَّعَاطِي مَع هَكَذا ظُرُوف فِي المُستَقبل، وحَتمًا سيُعِيد العَالَم النَّظر فِي طَرِيقة تَعَامُله مَعَ الحَيَاة ومُكوِّناتها.
لَقَد حَان الوَقتُ للعَالَم اليَوم أنْ يَلتَفِت إلى تَعزِيز قِيَم الحَضَارة الإيكولوجيَّة، التي هِي مَنبعُ الأَمَان لجَمِيع مُرتَكَزات الحَيَاة، وازدِهَار ورُقِي التَّنمية الإنسَانيَّة المُستَدامة فِي كُلِّ مَكَان، هِي مُستَقبل هَذَا الكَوْن، ومَنبَع الاستِدَامة البِيئيَّة وثَبَاتِها، هِي الضَّمان الحَقِيقي للأَجيَال القَادِمة لتَلبِية حَاجَاتها ومُتطلَّباتها، وَمِن أَجْل أنْ تَعِيش فِي صِحَّة مُستَدامة، وهِي أيضًا سَببٌ فِي أنْ يَعِيش الجَمِيع فِي سَلَام دَائِم ومُستَدام، ويَنشُر بَسَاطَه الأَبْيَض عَلى كَائِنَات الأَرْض والسَّماء أَجْمَع؛ لتَعِيش فِي أَمْنٍ وسَلَام.

الأحد، 19 أبريل 2020

مِنْ تُرَاثِنا الصِّنَاعي


كَانَت الأَيْدِي الكَادِحة تَعْشَق الطِّين الأَحمَر؛ فهُو تِبْر الأَرْض وسِرُّ الحَيَاة.. يَنحِتُون الجِبَال بأَيدِيهم، فيُوقِدُون هُنا الأَفرَان المُلتَهِبة، ليَصْنَعوا للنَّاس أَوَانيَ شُربِهم وأَكْلِهم، فشكَّلت الخرُوس بمُختَلف الأَحْجَام والأَلْوان، وعلَّقت الجحَال فِي الأَوْتَاد والأَغصَان، مُتدلِّية فِي الهَوَاء الطَّلق مُبرِّدة للمِيَاه الزُّلال، كَذَا هِي المَبَاخر المُعطَّرة للنُّفوس المُتعطِّشة للجَمَال، فِيمَا الكَلاو والحبُّ والحُلول تُغنِي لرَي العَطْشَان، ودِلَال الطِّين تَفُوح بالقَهْوة العَدينيَّة طيِّبة المَذَاق، وكَذَا هِي قُدُور العِيش وصَفَاري المَرَق ومَوَاعِين المَطْبَخ تُهدَر بكَرَم الرِّجَال.. هَذَا هُو مَصْنع الفخّار الأَثَري فِي المَسفَاة، وتَجِدُون صُورَة آخِر خَرَس صُنِع فِي هَذَا المَكَان فِي كِتَابٍ أَصْدَرتُه عَن تَارِيخ قُريَّات.

فَضَاءٌ مَكَاني مُزدَان بالهُدُوء والحَيَاة

السبت، 18 أبريل 2020

زَهْر الصَّيْف

بَدَأتْ شَجَرة الشِّرِيش/ النِّيم بطَرْح زَهْرِها الفَوَّاح؛ المُكتَسِي بلَوْن السَّلام، لتُعطِّر كَائِنات الأَرض والسَّماء، مَع ارتِفَاع حَرَارة الصَّيف.. شَجَرة لَطِيفَة مُبَاركَة.

البَطِّيخ


مَعَ بِدَاية الصَّيْف، يَبْدَأ البَطِّيخ العُمَاني فِي الإنتَاج، والبَطِّيخ فَاكِهة مَحليَّة، وهَذَا النَّوع لَا يَجُود إلا فِي بَعْض مَنَاطِق عُمَان.. يُفضِّل العُمَانِيون تَنَاول البَطِّيخ فِي شَهْر رَمضَان المُبَارك، لطَعْمِها وبُرودَتِها وسُرعَة هَضْمِها.. كَان قَدِيمًا يُبَاع البَطِّيخ فِي السُّوق بالحبَّة، أَو بالجُزء، وتُسمَّى شَنَاخِيل (وَاحِدتُها شَنخُول بَطْيِخ).. هَذَا العَام هُنَاك اهتِمَام أَكْبَر لزِرَاعة البَطِّيخ، ويُبَاع بأَسْعَار مُنَاسِبة.

خلال

الجمعة، 17 أبريل 2020

أَلْوَان المَسَاء

 

ثَرَاء طَبِيعِي


بِيئتُنا ثَريَّة بالتَّنوُّع وتَعدُّد أَلْوَان الطَّبِيعَة؛ سَخَّرهَا الإنسانُ بتَفْكِيره الإِبْدَاعي، لتَكُون خَيْر مُعِين لَه، لتَحْقِيق رِسَالتِه فِي الحَيَاة.

كَرَم شَجَرة


كَرِيمَة هِذه السِّدرة، كُلَّما عَسَفتها بمِحجَان أو رَمَيتهَا بحَجَر، تَجُود عَلَيْك بخَيْرَاتِها الوَفِيرَة.

الخميس، 16 أبريل 2020

رَوْضَة السَّد

استِرَاحة الصَّدِيق نَاصِر العَامِري، كَانَ اللِّقاءُ مُفعَمًا بحَدِيث الذِّكريَات، ورُؤَى مُستَقبليَّة للنُّهُوض بسِيَاحة المَكَان.. كلُّ المَحبَّة والتَّقدِير عَلَى حُسنِ الضِّيَافة والاستِقبَال.

خِلَال

 

الأربعاء، 15 أبريل 2020

ذَاكِرَة شَجَرَة


ارْتَبَطتْ تِلكَ الشِّريشَات، وَارِفة الظِّلال، المُكتَسِية بالخُضرَة والجَمَال، ارتَبَطتْ جَمِيعُها بتَارِيخ المَكَان والزَّمان لحِصْن قُريَّات، هِي ذَاكِرة لأيَّام مُنصَرِمة مِن عُمْر قَصِير.
ثَلَاث شَجَرات غُرِسَت أَمَام سَاحَة الحِصْن، يُقَابلها عِيَادة طِبيَّة، أُسِّستْ فِي أَوَاخر الخَمسِينيَّات مِنَ القَرن المُنصَرِم.
كَانَت إِحدَى هَذِه الأَشجَار يَقبعُ تَحْت ظِلِّها مِدفَع طَوِيل، تُطلَق مِنهُ طَلَقات صَوتيَّة فِي المُنَاسَبات والأَعيَاد، وعِند رُؤيَة هِلَال رَمَضَان.
ظَلَّت تِلْك الأَشجَار الثَّلاث عَلَى مَدَى قُرُون عَدِيدة يَتفيَّأ ظِلُّها رُواد الحِصْن والعِيَادة، لَا سيِّما مَع لَهِيب الصَّيف.
فَكَم مِن مُشَاورات عُقِدت تَحْت ظِلِّها الوَارِف، قَبْل الوُلُوج إلَى بَرْزَة الوَالِي والقَاضِي، فيَدخُلون الحِصْن؛ والخَوَاطر مُتصَافِية، والقُلُوب مُتَسامِحة، والوُجُوه فَرْحة مُبتَسِمة؛ لأنَّ الخُصُومات قَد حُلت، والمَشَاكل قَد سُدت عَلى يَدِ أَهْلِ الخَيْر والإِصلَاح، تَحْت ظلِّ تِلك الأَشْجَار المُبَاركَة، فيَنهَض الكَاتِب عِندَها لصِيَاغة الصُّلح وتَوْثِيقه.
تِلكَ الأَشْجَار أيضًا كَانَت تُظلُّ طُلَّاب المَدَارس فِي نِهَاية مَسِيرة وطنيَّة عَلى الأَقدَام، يَبدأونَها مِنَ المَدْرَسة ويُنهُونها أَمَام الحِصْن، وهُم يُنشِدون بالحُبِّ والوَلَاء للوَطَن والسُّلطان، فتَحنُو عَليهِم تِلكَ الشُّجيرات الخَضْرَاء بنَسَمات الكُوس المُنعِشة، ليَزْدَاد فِي جَسَدِهم النَّشاط والحَيويَّة، بَعْد المَمْشَى الطَّويل تَحْت نُور الشَّمس.
هِيَ ذَاكِرة المَكَان والأيَّام، وعَلَى أَغْصَانِها غُرِست ذِكرَيات العُمر، وسُجلِّت سِيرَة الأَمْجَاد والرُّواد.

ذَاكِرَة


ذِكرَيَات؛ تَرسَّمت يَومًا فِي زَوَايا المَكَان.

الثلاثاء، 14 أبريل 2020

ذاكرة من تراثنا الموسيقي


حُقُول مُزدَانَة بالخُضرَة


خضراء

نِصَال


فِي هَذَا المَوْسِم تَبْدَأ شَجَرة "الشِّريش أو النِّيم" بنَثْر أَوراقِها عَلَى الأَرْض، بَعْد تَغيُّر لَونُه إلَى الأَصْفَر الشَّاحب، ويُسمَّى ذَلِك بالدَّارِجة "نِصَال الشَّجر"، مُشكِّلة بذَلِك لَوْحَة فَنيَّة بَدِيعَة عَلى الأَرْض.
بَعْدَها، تَبْدَأ هَذِه الشَّجرَة الكَرِيمَة، ذَاتَ الأَسرَار العَظِيمَة (صِحيًّا وطِبيًّا وبِيئيًّا) بتَغيِير حِلَّتها الذَّهبيَّة، لتَبدُو أَكَثر نَضَارة واخضِرَارًا، مَع لَوَاهِيب حَرَارة الصَّيف، لتُضفِي عَلى الكَائِنات نَسَائم بَارِدة مُنعِشة مَع هبَّات رِيَاح "الكُوس"؛ فَهِي شَجَرة مُبَاركَة، تُؤثِر على نَفْسِها تَحمُّل قَسْوة حَرَارة الصَّيف، لتَمْنَح الآخَرين لَطَائف الرَّحمَة ورَاحَة البَال ونَشَاط الجَسَد.