لَمْ تَعْرِف بَلدتُنا "المُوتُر" كَمَّا نُسمِّيه مَع أوَّل مَعْرِفتنا بالسيَّارة إلَّا فِي خَمسِينيَّات أو سِتينيَّات القَرْن المُنصَرم، كَانَت الدَّواب كالحَمِير والجِمَال وسُفُن البَحْر، هِي وَسَائل وَحِيدة للنَّقل والتنقُّل، كَان قِطَار الجَمَال وقَوَافل الحَمِير تُشكِّل مَنظرًا رَائِعًا ومهِيبًا فِي السُّوق القَدِيم، وَهِي تَنقلُ النَّاس والبَضَائع والمُنتَجات مِن مُختَلف وَلَايات السَّلطنة عَبْر طُرُق وَعِرة، تَخْتَرق هَذَا الجَبَل العَظِيم المَعرُوف بالجَبَل الأَسوَد، الذِي يُنَاطِح السَّحَاب بارتِفَاعِه، والجَبَل الأَخضَر بجَمَاله وبرُودتِه؛ فهُو يُطلُّ على عَدَد مِن قُرَى قُريَّات، وعَلى عِدَّة ولَايَات فِي مَسقَط وشَرقيَّة ودَاخليَّة عُمان، كَذَلك هِي أيضًا الطُّرق الجبليَّة المَعرُوفة عَبْر وَادِي ضِيقَة، ووَادِي مِجلَاص، وجَبَل السَّعتري، المُزدَان بنَبَات السَّعتر، مُعطِّر الجِبَال فِي عُمان.
كُنتُ أُشَاهِد أيضًا رَكَائب الإبلِ الذّلولِ بَيْن الحينِ والآخَر تصطفُّ وتنوَّخ أَمَام بَيْت وَالِدنا العَزِيز مُبَارَك -رَحْمَة اللهِ عَليْه- وهُو شَقِيق جَدِّي لأبِي، كَان يَزُوره الكَثِير مِنَ النَّاس مِن مُختَلف القُرَى عَبْر الدَّواب، خَاصَّة مِن قِبَل أَرْحَامِه لأمِّه مِن آل مشرّف؛ حَيثُ يَقضُون أيَّامًا أو سَاعَات فِي ضِيَافتِه، تَقديرًا لمَكَانته الاجتِمَاعيَّة فِي نُفُوسهم الصَّافية وقُلُوبِهم النَّبيلة ومَشَاعرهم الصَّادقة، ولِمَا كَان يُقدِّمه لَهُم مِن خَدَمات فِي فَتْرة عَمَلِه ونَشَاطِه التِّجَاري فِي السُّوق القَدِيم، كَان كَرِيمًا صَادِقا مُحِبًّا للجَمِيع، صَافِي النَّفس والقَلْب والسَّرِيرة، لا يُفَارقه المُصحَف قَارِئًا أو مُستَمعًا للقُرآن أَينمَا حلَّ وقَام، ولَه مَوَاقف رَائِعة فِي تَربِيتِنا لا تُنسَى، وقَبْل أنْ تُغَادِر تِلك الضُّيوف المَكَان يَحلِبُون بعضَ الإِبل فِي أَوْعِية تُصنَع مَحليُّا، لتُقدَّم كشَرَاب لَذِيذ الطَّعم لِمَن حَضَر.
لمَّا ظَهَرت السيَّارات ذَات الدَّفع الرُّباعي، شُقَّ لها طريقٌ تُرابيٌّ عَبْر وَادِي مِجلَاص، تَكفَّلت بِهِ دائرةُ التَّحسينات فِي ذَلِك الوَقت، كَان عَددُ السيَّارات مَحدودًا في قُريَّات، يَزْدَحم فِيهَا الرُّكاب جُلوسًا ووُقوفَا فِي بدنها، بَل هُنَاك مَن يتعلَّق على أبوَابِها مِنَ الخَارج، أو يَجلِس عَلى طَبلُونَها (غِطَاء المُحرِّك)، لِكَي تَستوعِب الجَمِيع، ويَصِلُون بفَرَح وسَلَام إلى مَطرَح ومَسكَد (مَسقَط).
كَانَ عُبور ذَلِك الطَّريق التُّرابي الوَعِر بتِلك السيَّارات، بمَثَابة سَفَر طَوِيل، وِفقًا لمِقيَاس ذَلِك الزَّمن، فمَرَّات عَدِيدة قَد تتوقَّف تِلك السيَّارة فِي الطَّريق، لتَبرِيد مَاكِينتِها (مُحرِّكها)، أو لبَنْشَر أَصَاب تَايرهَا (أي لإِصلَاح إِطَارِها)، أو لضَعْف بطَّاريتِها أو بَاتِريهَا وإِدَارَة هَندَلِها لتَشغِيلِها مِن جَدِيد، نَاهِيك عَن سَيْرِها البَطِيء بَيْن الجَنَادل الصخريَّة ومُرتفعَات الهِضَاب والجِبَال.
كَانَت المَخَاضَة والسَّواقِم نُقطَة الاستراحَة مِن وَعثَاء ذَلِك السَّفر المُتعِب؛ حَيْث كَان الجَمِيع يَستَمتِع بتِلكَ المِيَاه المُتدفِّقة فِي سَاقِية فَلَجِها القَدِيم، وغِيل وَادِيها الجَارِي بَيْن الصُّخور البَيْضَاء، لإِزالَة الغُبَار مِن عَلى الأَجْسَاد، وشُرب المَاء البَارد الزُّلال.
لَم يستمرْ هَذَا الوَضْع الصَّعب طَوِيلًا، فمَعَ إِشرَاقَة عَهْد النَّهضَة المُبَاركَة في العام 1970م، بقِيَادة حَضْرَة صَاحب الجَلَالة قَابُوس بِنْ سَعِيد -رَحِمهُ الله وطَيَّب ثَرَاه- عمَّت الطُّرق الحَدِيثة المُسفلَتَة جَميعَ مُدُن عُمان، وأَصْبَحت عَمليَّة اقتِنَاء وشِرَاء السيَّارة والحُصُول على رُخصتِهَا عَمَليَّة مُيسَّرة، ومُتَاحة للجَمِيع دُونَ قُيُود أو شُرُوط، كَمَا كَان عَليه الوَضْع قَبل العام 1970م، فتوسَّعت بفَضْلِها الحَيَاة، وأُتِيحت فُرَص العَمَل للجَمِيع، وفُتِحت عِندَها وَكَالات السيَّارات مِن جَمِيع دُول العَالم، ومِن مُختَلف المَاركَات، وأَصْبَحت السيَّارات تَملأ الطُّرقات، بمُختَلف الأَحْجَام والسِّعات والمُوديلَات.
وفِي أَوَاخر السَّبعينيَّات، وبِدَاية الثمانينيَّات من القَرن المُنصَرم، قرَّر أَبِي تَوْسِيع تِجَارته، التِي بَدَأها فِي دُكَّان صَغِير فِي زَاوِية مِن بَيتِنا القَدِيم، لبَيْع المَوَاد الغِذائيَّة والمُرَطِّبات، ليَنتَقل بَعْدَها إلى مَحلَّاته الجَدِيدة، التي بَنَاها على الشَّارع العَام بالقُرب مِنَ السُّوق القديم، لتَشْمَل تِجَارته نَشَاطَ المَواد الغذائيَّة وتِجَارة مَوَاد البِنَاء وبَيْع المَوَاد الكهربائيَّة والإلكترونيَّة، كَان يُديرُها مِن مَكتَب مُنفَصل فِي ذَلِك المَكان، وكُنَّا نُسَاعده فِي ذَلِك، كَانَت مُهمَّتي إِدَارة السِّجلات والتَّواصُل مَع شَرِكات الجُملَة فِي مَسقَط، إِضَافة إلى مُحَاسَبة العُملاء، الذينَ كَان أَبِي يَتَعامل مَع الكَثِير مِنهُم بالدَّفع الآجِل.
قرَّر أَبِي حِينَها شِرَاء سيَّارة، لتُسهِّل نَقْل البَضَائع إلى العُملَاء، فاشتَرى سِيَّارة "بيكَاب" تُسمَّى "ستَاوت تُويوتا"، لَم تَكُن جَدِيدة؛ فَقَد سَبَق استِخدامُها مِن قِبَل شَخص آخَر، وَلَكِن كَانتْ بحَالَة جَيِّدة، وذَات مُودِيل جَدِيد أيضًا. كُلِّف أَخِي بسِيَاقة هَذِه السيَّارة، كَونُه الأَكبَر ويَحْمِل رُخصَة سِيَاقة، وكُلَّما رَكِبت مَعَه السيَّارة، كُنت أُسجِّل ذِهنيًّا كَيف يتصرَّف ويَتَعامَل مَع السيَّارة، مُنذ بِدَاية تَشغِيل المُحرِّك، وعِند تَغِيير نَاقِل الحَرَكة اليَدَوي، يَبدَأ ذَلِك التَّركيز مَع بِدَاية الانطِلَاق بالسيَّارة وحتَّى الوُقُوف النِّهَائي.
بَعْد رُجُوعِنا إلى البَيْت، يتمُّ تَوقِيف تِلك السيَّارة تَحْت سِدرَة مُعمِّرة بالقُرب مِن بَيتِنا القَدِيم، كَانَت تُسمَّى "سِدرَة الحَارة"، نِسبةً لثِمَار نَبقِها ذي الطَّعْم السُّكري اللَّذيذ، كَانَت شَجَرة فَرِيدة فِي قَريتِنا لَم أَجِد لَهَا مَثِيلًا فِي نَوعيَّة صِنفِها حتَّى اليَوم، نَبَتت تِلك الشَّجرَة فِي ضَاحِية للوَقْف، خُصِّص رِيعُها أو دَخلُها لوَقْف عَرفَة، وقَد تَكُون فرَادَة ثِمَارها عَن غَيْرِها مِنَ السِّدر بسَبَب بَرَكة هَذا الوَقف، تِلك الشَّجرة أيضًا تَحملُ ذَاكِرةً جَمِيلة لمَرَاحل طُفُولتِي وعُمرِي، لَكِنها للأسَف لَم تَدُم، فَقَد فَلقتهَا الرِّيحُ ذَات يَوْم، ومُنذ ذَلِك اليَوم وَهِي مُرتَسمَة فِي ذَاكِرتي، وأحنُّ دَومًا إلى صِنفِها ولَذَّة ثِمَارها، وكَثِيرًا مَا أَحْرِص على تَذوُّق ثِمَار السِّدر فِي تِجوَالِي حتَّى اليَوم، سعيًا لأجِد ثِمَار نَبْق تُشبِه سِدْرَة الحَارة تِلك، أو أَجِد شَجَرةً مُشابِهَة لهَا، ولَكِن للأسَف لَمْ أَجِد!
كُلَّما انْشَغَل أخِي خَارِج البَيْت، أذهَب أنَا بمُفتَاح السيَّارة مُحَاوِلا تَطْبِيق مَا شَاهدتُه عِند قِيَادة أخِي للسيَّارة، كَان مَنْهَجي مُنذ البِدَاية تَعلُّم سِيَاقة السيَّارة بالمُمَارسة دُون مُعلِّم؛ لأنَّ ذَلِك الزَّمن لَم تَجِد فِيه مَدْرَسة لتَعْلِيم السِّياقة في قُريَّات، كَما هُو عَليه اليَوم، وعَلَى الرَّغم مِن خَطَأ هَذا التوجُّه، إلا أنَّه كَان الخِيَار الوَحِيد المُتَاح لِمَن أَرَاد تعلُّم السِّياقة، كَمَا لَم أُفَاتِح أَبِي وأَخِي بهَذا التوجُّه؛ فَمِن المُؤكَّد هُو الرَّفض لحَدَاثة سِني، ولَكِن عَزَمتُ وتَوكُّلت على الله.
بَدَأتُ فِي الأسبُوع الأوَّل بتَشْغِيل المُحرِّك، أُشغِّل المُحرِّك لدقَائِق ثُم أطفِيه، ثُمَّ أَعُود بمُفتَاح تَشْغِيل السيَّارة ووَضْعه فِي مَكَانه مِن حَيث أَخَذتُه، ثُمَّ بَدَأت بتَحْرِيك نَاقِل السُّرعة، الذِي كَان مُعلَّقا بجَانِب مُقود السيَّارة (جِير سُكان)، ومَعَ المُدَاومة والمُمَارسة نَجحتُ فِي تَحْرِيك السيَّارة إلى الخَلف، ومَع مُرُور الأيَّام، وتَطْبِيق ومُمَارسَة مَا أُشَاهده، نَجحتُ فِي تَحرِيكها إلى الأمَام، بَعْدَها انطلقتُ بالسيَّارة ببُطء مِن مَكَان وُقُوفِها وإلى مَسَافات بَسِيطَة دُون تهوُّر، ومَع المُمارسَة المُستَمِرة كَان الأمرُ الذي كَان صَعبًا أصبحَ سَهْلًا.
كُنُت أخرجُ بالسيَّارة فِي الظَّهيرة إلى مَكَان وَاسِع يُسمَّى "الرَّاحِضي"، وهُو عَادَة مَكَان تَجمُّع مِيَاه الأَمطَار والسُّيول، يَقَع على مَقرُبة مِن بَيْتِنا عَلى الطَّرف الجَنُوبي مِن قَريتِنا، وقَلِيلة الحَرَكة فِيه، وهُو أيضًا مَعْبَر لوَادِي المَسفاة ووَادِي عفَا ووَادِي مَصديُوه فِي طَرِيق سِيُولها إلى خُور "امبُوكِيه" ثُمَّ البَحْر، كَان نَجَاحي فِي قِيَادة السيَّارة دُون مُعلِّم بمَثَابة إنجَاز وتَحدٍّ كَبِير، وقَد سَعِد بِه أَبِي وأَخِي أيضًا بَعْد ذَلِك، كُنتُ أتجوَّل بالسيَّارة فِي تِلك الظَّهيرة وأنَا مُستَمتِع بأغانٍ جَمِيلة كَان يُحبُّها أخِي للفَنَان عَبدالحليم حَافظ (كرِسَالَة تَحْت المَاء)، وهُو يُنَادِي فِي أُغنيتِه: إني أغرق.. أغرق.. أغرق، وَكَذَلك أَغَانٍ يَمنِية للفنَّان كَرَامه مِرسَال، والفنَّان فَيْصَل علوي، والفنَّان مُحمَّد مُرشِد نَاجِي، والفنَّان السُّعودي مُحمَّد عَبدُه، وأبو بَكر سَالِم... وغَيْرهم، مَع الاستِمَاع إلى الإذَاعَة العُمانيَّة طبعًا.
بَعْد نَجَاحي فِي قِيَادة أو سِيَاقة السيَّارة، بَقِيتْ أَمامِي عَقَبة الحُصُول على رُخصَة السِّياقة، وعَلَى الرَّغم مِن تَعَاون الجَمِيع مَعِي عِند قِيَادتِي للسيَّارة في مُحِيط قَريتِي، إلا أنَّ الأمرَ هو واجبٌ رسميٌّ، والتزامٌ قانونيٌّ يجب تأديتُه، قرَّرتُ حِينَها استخراجَ استمارةِ أو رُخصَة تعلُّم السِّياقة، ثمَّ مُبَاشَرة تَحْدِيد مَوْعد لدُخُول "التِّراي" أي اختِبَار السِّياقة، فاستَأجرتُ سيَّارة صَغِيرة مِن النَّوع الصَّالون لتَأدِية الاختِبَار، كَان أوَّل مرَّة أرَى شرطيًّا يُرَاقب بحَزْم وانتِبَاه لحَركتِي بالسيَّارة وهي تَرْجَع إلى الخَلف، والدُّخول بِها بَيْن "دِرَامات" بَرَاميل حَدِيديَّة دُون أن يُلامِس جزءٌ مِنَ السيَّارة أيًّا مِن تِلك البَرَاميل، كَانَت رِجلي تَرتَجف مِن شِدَّة القَلَق وهَيْبة المَوْقِف، ولَكِن بَعد مُحَاولات عَدِيدة كَان الأمرُ يَسِيرًا والنَّجاح حَلِيفي بثِقَة أَكبر، ثُمَّ كَان النَّجاح أيضًا في الصَّعدة أو العَقَبة؛ حَيثُ يتطلَّب من السَّائق الوقوفَ بالسيَّارة في وَسَط تلٍّ مُرتَفع، ثمَّ التحرُّك بها إلى الأَمَام دُون أنْ تَرجِع السيَّارة إلى الخَلف، وقَد اجتزتُ تِلك المَهَام بنَجَاح.
يأتِي بَعدَها اختبار سِيَاقة السيَّارة فِي الشَّارع؛ فكَان ذَلِك بالنسبةِ لِي التحدِّي الكبير، فأنَا مِن خَارِج مَسقَط، وأَجْهَل تمامًا طُرقَها ومَدَاخلها، بسَبَب قِلَّة زِيَارتها إلا للضَّرورة؛ فَفِي ذَلِك الوَقت كَانَت مَسقَط بالنِّسبَة لِي مَدِينة مُختَلِفة فِي طُرُقها وزَحْمَتها وحَرَكة المُرُور فِيها عمَّا هُو مَوجُود فِي مَدِينتي.. هُنَا تَجِد الدَّوارات العَدِيدة، والشَّوارع المُزدَوجَة، كَمَا أنَّ طريقةَ السِّياقة في المُدن المُزدَحِمة مُختَلِفة تمامًا عمَّا هِي عليهِ فِي القُرى الهَادِئة مِنَ الزَّحمَة بمِقيَاس ظُرُوف ذَلِك الزَّمان.
بَدَأت عِندَها المُحَاولة، ولَكِن للأسَف لَم يَكُن التَّوفيق حَلِيفي، لضَعْف الاستِعدَاد والتَّمرِين، فكَررتُ المُحَاولات ولَكِن دُونَ جَدْوى، عِندَها قرَّرت استِئجَار سِيَّارة تَعلِيم قِيَادة على يَدِ مُعلِّم مُحتَرف فِي مَسقَط؛ وذَلِك قَبل مَوْعِد تَقْدِيمي للاختِبَار بسَاعَات، فتعلمتُ بعضَ المَهَارات الضَّرورية، عِندَها كُنت جَاهِزا للاختِبَار بثِقة، فرَكَب مَعِي ضَابطٌ كَبِير هَذِه المَرَّة لاختِبَاري، وقَد يَكُون سَبَب وُجُوده مَعِي ليتعرَّف عَلَى سَبَب تَكرَاري الرُّسوب فِي اختِبَار الشَّارع، وهو نُوع مِن الإِدَارة بالتِّجوال بمَفهُوم عِلم الإِدَارَة المُعَاصِرة، للوُقوف علَى بَعْض الأمُور ودِرَاستِها، سَألنِي فِي البِدَاية عَن اسمِي ومَكَان إقامَتِي، فأجبتُه، فَقَال: انْطَلق مِن هُنا مَرْكَز الفَحْص إلى مَدْخَل دوَّار القُرم.
انْطَلَقتُ بالسيَّارة بثِقَة دُون خَطَأ، فبشَّرني بالنَّجاح، فذَكَر لِي حِينَها أنَّه كَان يومًا ضَابِطًا لمَركَز الشُّرطة في قُريَّات فِي فَترة بِدَاية السبعينيَّات، وأتذكَّر كَان اسمُه عَبدالكريم الهُوتي فِيمَا أعتَقِد، كان يَعْرِف شيابنَا، ولَكِن لَم أَكُن أعرِفهُ بحُكم صِغَر سِنِّي، وأعادَ بِي الذَّاكِرة حِينَها إلى حَفْل افتِتَاح مَرْكز الشُّرطة؛ حَيثُ كُنت مِنْ بَيْن الطُّلاب الَّذِين شَاركُوا فِي مَرَاسم حَفْل الافتِتَاح للمَرْكز، الذي كَان تَحْت رِعَاية المَرْحُوم الوَالِي السيِّد بَدْر بِن عَلِي البُوسعيدي، وبالتَّحدِيد فِي الثَّالث عَشَر مِن شَهر مَايو من العام 1977م.
كَانَت فَرْحَة حُصُولي على رُخْصَة السِّياقة لا تُوصَف، فبَادَر صَدِيق لِي يَعْمَل فِي شُرطة قُريَّات يُسمَّى حَمَد العَامري، وهُو مِن وَلَاية إِزكِي بأَنْ نَذْهَب معًا إلى مَسْقَط للتعرُّف عَلى طُرُقِها، فكُنت أقُود سَيَّارته من نُوع مِيتسُوبيشِي "جلنت"، فَكَانت وجهتُنا رِوي مِن دوَّار مَسْجد عَلي سُلطان، وأمَام مَبنَى وَزَارة الإِسكَان (مَبنَى وَزَارة الشُّؤون الرِّياضيَّة حاليًا) في اتِّجاه المُمتاز، وما إنْ تخطَّينا الدَّوار، وإِذَا بسيَّارة مُسرِعة تُوَاجِهنا فاصطَدمنَا بِهَا، وتقرَّر الخَطَأ حِينَها عَلى صَاحِب تِلكَ السيَّارة، فاعْتَذَرتُ لصَدِيقي حَمَد عمَّا حَصَل، ولَكِن كَان نِعمَ الأَخ والصَّديق فِي تَعَاونِه.
بَعْد حُصُولي عَلى رُخصَة سِيَاقة السَّيارة، تَولَّيتُ مَهَام قِيَادة سَيَّارة أَبِي البيكَاب، ونَملأًها بمُختَلف السِّلع والمَوَاد لتَوْصِيلها إِلَى عُمَلاء مَحلَّات وَالِدي.. كُنَّا نَحملُ أكثرَ مِن خَمسِين كِيسًا مِنَ الأَسمَنت عَلى ظَهْر أو بَدِي تِلكَ السيَّارة، دُون أنْ تَتَضعضَع، بَعْدَها قرَّر أبِي أنْ يعيِّن سَائقًا ليتولَّى هَذِه المُهمَّة رأفةً بِنَا، والتِحَاقي أيضًا بالعَمَل بمَكتَب الوَالِي، وانشِغَالي بالدِّراسة، وتَأدِية بَعْض الأَعَمال التَّطوعيَّة، منها: كمُرَاسِل فِي بَعْض الوَسَائل الإعلاميَّة المَحليَّة، وفِي عُضويَّة إِدَارة النَّادي، واقتَصَرتْ مَهَامي حِينَها فِي الدُّكان والتِّجارة على فَتْرة مَا بَعْد المَسَاء، خَاصَّة فِيمَا يتعلَّق بالأَعمَال الكِتَابية والمُتَابعَة الحِسَابيَّة.
بَعْد فَتْرة، قرَّرت شِرَاء سَيَّارة جَدِيدة، فشَاوَرت أبِي فَوَافق عَلى مُقتَرحِي، ولَكِن نَصَحنِي بأنْ أبْتَعِد عَن شِرَاء سيَّارة لَونُها أسوَد أو أحمَر او أصفَر، وأَتَاح لِيَ الاختِيَار مِن بَيْن بَاقِي الأَلوَان، فذَهبتُ إلى وَكَالة "تُويوتا" فاشتَرَيت سيَّارة، تُسمَّى "كريسيدَا"، كَانَت سيَّارة وَاسِعة سِتَّة سِلندَر فُول أوتومَاتِيك، كَان لَونُها عَلى دَرَجتيْن بَيْن الأَخضَر الفَاتِح والغَامِق، وبِهَا فَتحَة سَقفيَّة رَائِعة، كَانَت سيَّارة مُريحَة وجَمِيلَة أيضًا.
فِي الثَّمانينيَّات، تقرَّر التحاقِي فِي دَوَرات تَدريبيَّة في مَسقَط، كَان حِينَها مَكَتب الوَالي تَابعًا لوَزَارة الدَّاخليَّة، وذَلِك قَبْل التَّقسِيم الإِدَارِي الجَدِيد للسَّلطنة، الذِي قَضَى بتبعيَّة وَلَاية قُريَّات إلى مُحَافظَة مَسقَط في العَام 1991م، هُيِّئ لَنَا حينَها سَكنًا فِي الوُطية، يُسمَّى "بَيت الضِّيافة"، وهو تابعٌ لمَقر عَمَلي أيضًا، ذَهَبتُ بسيَّارتي الخَاصَّة، وكانَ ذَلِك لأوَّل مرَّة أخُوض مُغَامَرة التجوَال فِي شَوَارع مَسقَط دُون مُرَافق، كُنتُ أَخرُج مِن السَّكن وأظلُّ فِي شَوَارع مَسقَط حتى تعوَّدتُ عَلى مَعرِفة مَدَاخلهَا ومَخَارجهَا، وكَمْ مِن مرَّة في بِدَاية إقامتِي هُناك تكرَّر نِسيَان الشَّوارع المُؤدِّية إلى مَقر السَّكن، بسَبَب قِلَّة المُمَارسة فِي السِّياقة فِي شَوَارع تِلك الأَمكِنة، ولَكِن مَعَ الوَقْت انتهَى كلُّ شَيء، وأَصْبَحَت الأمُور أكثَر وُضُوحا ومَعْرِفة مَع التَّكرار والحِرص عَلَى التعلُّم.
ذَاتَ مرَّة، قرَّرنا أنَا وجَارِي وصَدِيقي سَعِيد البُلوشي أنْ نَزُور صَدِيقنا وزَمِيل عَمَلنا حَارِث الدِّغيشي فِي بِركَة المُوز بتِلكَ السيَّارة، وقَد تَخطَّينا خَطَر الوُقُوع فِي مُنخفَض تُرَابي عِند تجوُّلنا بالقُرب مِن سَمَائل، وعِندَما وَصلَنا بِركَة المُوز لَم نَجِد صَدِيقنا حَارِث في البَيْت، بسَبَب غِيَاب التَّنسِيق المُسبَق مَعَه، لعَدَم توافُر وَسَائل الاتصَال فِي ذَلِك الوَقت، فَقرَّرنا حِينَها دُون أيِّ تَحْضِير أنْ نتَّجه مُبَاشرة إلى صَلَالة، كَان ذَلِك فِي مَوْسم الصَّيف ومَوْسم الخَرِيف فِي مُحَافظة ظفار، فسِرنَا طَوَال اللَّيل فِي الطَّريق إلى صَلَالة، ومع حلكَة اللَّيل الدَّامِس وفِي صَحَراء مُقفِرة، وَقفتْ بِنَا السيَّارة مُطَالِبة تَزويدِها بالوَقُود، كَانَت لَدينَا دَبَّة أو خزَّان مَملوء بالوَقُود أو البترُول كاحتِيَاط، لقِلَّة مَحطَّات الوَقُود على ذَلِك الشَّارع مُقَارنة باليَوْم، فلَم نَستَطع النُّزول مِنَ السيَّارة لوَحشْة الَمَكان، فقرَّرنا حِينَها المَبِيت فِي السيَّارة حتَّى بزُوغ الفَجْر، ومَع إشرَاقَة نُور الصُّبح مَلأنا خزَّان السيَّارة بالوَقود، وانطلقنَا بَهَا، فعَرفنا حِينَها أنَّنا فِي مَدِينة ثِمرِيت، فاستقْبَلتنَا صَلَالة برَذَاذِها المُنعِش النَّاعم، فكَانَت إقامتُنا فِي رِيسوت مَع أَحَد الأَصدِقاء، وقَضَينَا عِدَّة أيَّام جَمِيلة فِي صَلَالة، ثُم عُدنا بتِلكَ السيَّارة بسَلَام.
ظَلَّت تِلكَ السيَّارة مَعِي لسَنَوات طَوِيلَة حتَّى هَرِمت، فقرَّرتُ حينَهَا بَيعَها فِي سُوق الجُمعَة بالوَادِي الكَبِير، ثُمَّ اشتريتُ سيَّارتِين: إِحَداهُما "كُرولا تُويوتا"، ثمَّ بَعْد سَنَوات سيَّارة أُخرَى مِن شَركَة فُورد تُسمَّى "تورس"، ذَاتَ مَرَّة وأنَا فِي طَرِيقي بسيَّارة التورس، وبالقُرْب مِن السِّليل مُتَّجهًا إلى مَسْقط دَخَل عَلى مَسَار سَيْرِي جِديًا جَمِيلًا فاصَطَدم إِثْر تَخطِّيه الشَّارع بجَانِب السيَّارة، فوَقفتُ بجَانِبه مُتألمًا وهُو يَنزَع الرُّوح، كَان صِيَاحُه كأنَّه حَدِيث عِتَاب وغَضَب، وعَلى الرَّغم مِن أنَّني لَمْ أَكُن سببًا فِي حَتْفِه، لَكِن لَمْ أَرْتَح حتَّى دَفَعتُ قِيمتَه، بَعد أنْ سَألت عَن صَاحِبه، فمَهْمَا كَان فَهِي دَابَّة تُرحَم.
استَبدلتُ تِلكَ السيَّارة بسيَّارة دَفْع رُبَاعي مِن نُوع فُورد أيضًا، وكَانَت تِلك السيَّارة أكثَر خِدمَة لِي، لقوَّة عَزْمِها وارتِفَاعِها؛ فكنُتُ أَجُول بِهَا الأَودِية والجِبَال لتَوْثِيق المَعَالم التُّراثيَّة، وتَصْوِير الأَمْكِنة الطَّبيعِية، وفِي أيَّام إِعصَار "جُونو" سخَّرتها لخِدمَة مَن يَطلُب.
ذَاتَ يَوْم، قرَّرتُ أنْ أزورَ التِّلال الرَّملية الوَاقِعة عَلَى مَشَارف البَحْر، والتي تَقرَّر إِزالتُها وتَحْوِيلها إلَى مُخطَّط سَكَني، فَوَلجتُ بتلكَ السيَّارة فِي عُمق تِلكَ التِّلال الرَّمليَّة، وكَان الوَقْت ظُهرًا، فاستَهوتنِي مَنَاظر تِلك التِّلال ومُكوِّناتها الطَّبيعيَّة للتَّصوير والتَّوثيق، ولِقلَّة الخِبْرَة فِي السِّياقة الرَّملية غَاصَت عَجَلات تِلكَ السيَّارة فِي تِلكَ الرِّمال، وكَان الخُرُوج مِن عُمقِها مُحَالًا؛ مِمَّا استدعَى أنْ يتمَّ رَفعُها عَن طَرِيق مُعِدَّة، وقَد كَتَبتُ تَفَاصِيل هَذِه الحَادِثة مِن قَبل عَلى هَذِه الصَّفحَة.
بَعْد هَذِه الحَادِثة تطلَّب عَمَل صِيَانة للسيَّارة، وقَد كَلَّفتني مِنَ المَال الكَثِير؛ لأنَّ الإِصلَاح كَان كَبِيرا فِي وَكَالة السيَّارة، وبَعْد فَتْرة لَاحظت عَليهَا بَيْن الحِين والآخَر استِمراريَّة التعطُّل، ونظرًا لمُضِي سَنَوات طَوِيلة عَلى استِخدَامِها، قرَّرت استِبدَالها بسيَّارة بنَفْس نَوعِها مِنَ الوَكالة، وَلَكِن وَاجهتُ صُعُوبة فِي تَسْعِيرها بالسِّعر المُنَاسِب مِن قِبَل تِلْك الوَكَالة بحجَّة قِدَم المُودِيل، فَقَد قدَّمت الوَكَالة عَرضًا بقِيمَة زَهِيدَة، حتَّى كَانَت لا تُغطِّي تَكلِفة جُزء مِن قِيمَة الصِّيانة، التي دَفعتَها لنَفْس الوكَالة، فقَرَّرت حَينَها مُقَاطعَة سَيَّارة فُورد، والسَّعي لتَحْدِيد خِيَار آخَر يُنَاسِب إمكَانَاتي.
وبالصُّدفة، رأيتُ أحدَ الأخوَة يَبْحَث عَن سيَّارة مُستَعملَة، فعَرضتُ عَليه السيَّارة، فاتَّفقنَا عَلَى البَيْع والشِّراء، فقرَّر هُو أيضًا البَحْث عَن شَرِكة تَمْويل تُموِّله بالمَبْلَغ؛ فكَان الجَمِيع يَعتَذِر، بحُجَّة قِدَم السيَّارة ونَوْعِية مَاركَتها. وبَعْد دِرَاسة عِدَّة خِيَارات ومَاركَات، قرَّرتُ حِينَها شِرَاء سَيَّارة دَفْع رُبَاعي مِن نَوع "رِينو"، كَان يَوْمَها لَدَيهِم عَرْض شَهْر رَمَضَان، وتَقْدِيم تَمْوِيل للشِّراء بدُون فَوَائد عَلى شِرَاء السيَّارة الجَدِيدة، فاتَّفقنَا عَلى شِرَاء نَوْع السيَّارة؛ بحَيْث تَكُون رَقَم ثَلاثة، لأنَّني أُحبُّ أنْ أقتَنِي سيَّارة مُتَواضِعة بِلَا تَعْقِيدات إلكترونيَّة، لتَلَافي الصِّيانة المُكلِّفة بَعد ذَلِك، وذَلِك القَرَار اتَّخذتُه مِن تَجَارب عَايشتُها مَع سيَّارات عِدَّة، كَما اتَّفقنَا على تَمْويل مُشتَرِي سيَّارتي القَدِيمة مِن نَفْس الشَّرِكة، وكَانَت مُعَامَلة الشَّركة جَاذِبة لرِضا العُمَلاء، وتَكوِين عَلَاقة طيِّبة مَعهُم فِي المُستَقبل.
كَان الاتفاقُ على أنْ تَصِل السيَّارة الجَدِيدة خِلَال أَسَابيع مِن مَصْدر شَحْنِها، لعَدَم توافُرها فِي ذَلِك الوَقْت لزِيَادة الطَّلب عَليهَا. وبَعْد مُرُور الأيَّام والمُرَاجَعات، قِيل لِي إنَّ السيَّارة رَقَم ثَلاثَة يَصْعُب تَوفِيرها فِي الوَقْت المُحدَّد، وعَلَيْك تَبْدِيل خِيَارِك إِلَى رَقَم وَاحِد أو اثَنيْن مَعَ زِيَادة قِيمَة السيَّارة، اعترضتُ حِينَها عَلى هَذَا الأُسلُوب، وقرَّرتُ الانسحَاب مِن الصَّفقة، ولَكِن الشَّركات تَعْرف كَيْف تُرضِي الزُّبون، قرَّر المُدِير العَام حِينَها تَقْدِيم سِعر مُنَاسِب للسيَّارة رَقم اثنِين، مَع تَزْوِيدي بسيَّارة مُؤقَّتة طَوَال فَتْرة الانتِظَار مجانًا، لحِيْن وُصُول واستِلَام السيَّارة الجَدِيدة؛ بحجَّة أنَّني سلَّمتْ سيَّارتي القَدِيمة لمُشتَرِيها.. وبالفِعْل، وفُّوا بهَذَا الالتِزَام، فوَصَلت السيَّارة الجَدِيدة في مَوْعِدها.
اتَّصلتُ بمُشتَري سيَّارتي القَدِيمة لإِتمَام إِجرَاءات البَيْع والشِّراء، وكَان رَجلًا مُتعَاوِنا فِي ذَلِك، فذَهبنَا مَعًا إلى مَرْكز تَرْخِيص السيَّارات لتَوْثِيق عَقْد بَيْع وشِرَاء السيَّارة القَدِيمَة، كَانَ يَوْمها فِي شَهْر رَمَضَان، ومَا إنْ أُدخِل اسم المُشتَري، وإِذَا بمُخَالفَات مُسجَّلة باسمِه لَم يَتِم دَفعُها، حَاوَل الرَّجل التملُّص مِن تِلكَ المُخَالفَات، كَوْنه لَم يَكُن هُو السبَّب فِيْهَا، وإِنَّما لسَائِق آخَر كَان يَقُود سيَّارة باسِمه، لَمْ يَكُن هُنَاك مَجَال إلَّا دَفْع المُخَالفَات، فاعتَذَر الرَّجل بحُكْم عَدَم تَوافُر المَبْلَغ لَدَيه فِي ذَلِك الوَقْت، فطَلَب مِنِّي دَفْعَها نِيَابةً عَنْه حتَّى يَوْم آخَر حدَّده هُو بنَفْسِه، ثمَّ وَعَد بإِعَادة المَبْلَغ إليَّ فِي ذَلِك الوَقْت. ذَلِك الرَّجل فِي الحَقِيقة لَم أَكُن أَعرِفه مَعْرِفة شَخصيَّة قَبْل ذَلِك، وَلَكِن صدَّقته، وتَوكَّلت على الله فدَفَعت المَبْلغ، وبالفِعْل فِي اليَوم المُحدَّد وفَّى ذَلِك الرَّجل البَسِيط بتَعهُّده بأَمَانَة، فسَألتُه عَن طَبِيعَة ارتِيَاحِه فِي استِخدَام السيَّارة؟ فَقَال: هِي سيَّارة قَويَّة ونَظِيفة. قُلت له: قَبْل أنْ تَشتَرِيها تمَّ تَغِيير الكَثِير مِن مَصَارِينها بقِطَع أَصليَّة مِن تِلكَ الوكَالَة، وَكَان السَّبب فِي ذَلِك هُو: هُوَاية وتَعلُّق بالمَكَان.. فضَحِكنا معًا، فاستقلَّ كلٌّ مِنَّا سيَّارته الخَاصَّة مُودِّعًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.