الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

الجِرَام

لفظُ الجرام في العرف الاقتصادي هو أحد وحدات قياس الكُتلة، وفي الدارجة العُمانية القديمة دلالة على سمكة الحوت الضخمة.
قديمًا.. كانتْ هناك تقنية متوارثة في صيد أسماك السردين الصغيرة، المعروفة محليًّا: البرية أو العومة أو السموكة أو الجيم، التي تُستخدم عادة (خاصة البرية) ضمن مكونات أكلة عُمانية قديمة تسمى: القاشع أو سحناة القاشع، وتستخدم كذلك كطعام (مغبرة/غلية) لتسمين الأبقار، وأيضا كسماد للأشجار.
تقنية الصَّيد تلك، تُسمَّى قديمًا: الصيد بالخواضة، تستخدم فيها الشباك، لها عيون صغيرة، تسمى: الغل أو المغدفة، تصنع محليًّا على أيدي الرجال والنساء من خيوط البج أو القطن أو السوتلي، وصناعتها تسمى: الوشاعة والطراقة.
والصَّيدُ بطريقة "الخواضة" تتجلى فيه قيم التعاون، والإيثار، والعدالة، وتتم بمراقبة ومتابعة من رجال سنة البحر، ولها مواعيد ومواقيت وأماكن محددة.
ينطلقُ الصيادون دفعة واحدة من سيف البحر، بعد أنْ يأذن لهم رجل السنة، بقول كلمة: "أوه رباعة خوااضة"، لا يتقدم الواحد الآخر، وإنما يخوضون البحر معا، فينثرون شباكهم على تجمعات الأسماك، فيتكتفونها إلى البر، فينثرون تلك الأسماك في المسباخ، لتجفيفها تحت أشعة الشمس، وهكذا تستمر هذه العملية على شكل دفعات.
يُلقَّب الصياد، الذي يجمع كمية كبيرة من أسماك "البرية" بالجرام، وهو لقب ينم عن نشاط وحركة وقوة، وذلك من باب التحفيز والدافعية للآخرين، لحب العمل وإتقانه.
والصَّيد بالخواضة من ذكريات الأيام؛ حيث لم تعد تستخدم هذه الطريقة اليوم، لتطور وسائل الصيد، وقد وثقت تفاصيلها في كتاب "قريَّات.. ملامح من التراث الزراعي والبحري" في طبعته الثانية، وكذلك أسماء من حَظِي بلقب "الجرام" في ذلك الزمان المنصرم.

الأحد، 22 نوفمبر 2020

المياه هي الحياة

 

مشاعر مواطن

شُرْطَة عُمان السلطانية.. عينٌ يَقِظَة ساهرة، وخدمات متطورة راقية...
في العقد الأول من سبعينيات القرن المنصرم شرعت شرطة عُمان السلطانية في بناء أول مركز للشرطة في ولاية قريَّات، وقد تم اختيار موقعه على آخر مسار طريق وادي مجلاص القديم من جهة مدخل مركز مدينة قريَّات، فكان وادي مجلاص بمقياس ذلك الزمن، بمثابة الحلقوم للسيارات في بداية ظهورها، ومسار عبورها إلى الولاية.
طريق وادي مجلاص التراثي تم شقه في ستينيات القرن المنصرم، قامت بتنفيذه دائرة التحسينات في مسقط، ضمن مشاريع تنموية في عُمان: كتمهيد الطرق، وبناء بعض العيادات الصحية، وأغلب مسار ذلك الطريق في فوهة وادي مجلاص العظيم.
كان ترابيًّا وعرًا، وكان شاقًّا ومُرهِقا على الأجساد، وفي الوقت ذاته كان مُمتعًا بمناظر تضاريسه الخلابة (تم تغيير مساره مع أول طريق مرصوف، افتتح يوم الثلاثاء الموافق 11 ديسمبر 1979م).
وفي صبيحة يوم 13 مايو من العام 1977م، اختِرتُ ضمن نخبة من زملاء الدراسة في مدرسة راشد بن الوليد، للمشاركة في احتفال افتتاح أول مركز لشرطة عُمان السلطانية في قريَّات، فركبنا حافلة مكشوفة للوصول إلى أطراف مركز المدينة، حيث يقع مبنى المركز، قيل لنا حينها بأننا سنكون ضمن طابور التحية براعي الحفل إلى جانب رجال الشرطة البواسل، كان راعي الحفل والي قريَّات حينها سعادة السيد بدر بن علي البوسعيدي -رحمه الله.
أخذنا مواقعنا في الجهة الغربية للمركز؛ حيث مهبط صغير لنزول طائرة الهليكوبتر، كانت هناك علامة هوائية ملونة، تؤرجحها الريح على عمود حديدي بجانب ذلك المهبط، قيل لنا إن الحفل سيبدأ بعد وصول قادة الشرطة من مسقط على متن الطائرة، وما هي إلا دقائق فإذا بالطائرة تحُوم في المكان في مشهد مهيب، كان المشهد الأول في حياتي للطائرة، كان أحد رجال الشرطة مُمسِكًا بإشارات خشبية، تشبه مضارب تنس الطاولة، يشير بها إلى قائد الطائرة بطريقة منظمة ودقيقة، موجِّها له لمكان الهبوط.
بعد خُفُوت صَوْت مروحة الطائرة، ونزُول من كان على متن الطائرة، وأخذ مكانهم في ساحة الحفل، بدأت مراسم افتتاح مركز الشرطة، حيث استعرض سعادة الوالي طابور العرض، وكنا نحن طلاب المدرسة في صف نُحيِّي راعي الحفل والحضور، ثم أخذنا جولة في تقسيمات المركز، والاستماع إلى مهامه الأمنية والخدمية.
يومًا.. كان خَيَال مشهد الطائرة أحد إجاباتي المدرسية، كرسمة على سؤال ضمن الاختبارات النهائية لمادة التربية الفنية في فترة دراستي في المدرسة، وجدتُ تلك الرسمة في ملفِّي المدرسي، ضمن وثائقي المدرسية، والذي استلمتُه بعد إنهاء متطلبات التعليم الأساسي في تلك المدرسة، فكانت المدرسة حينها تحتفظ بكل وثائق وإجابات الاختبارات النهائية للطالب في ملفه المدرسي، وإلى الآن أحتفظ بتلك الرسمة لذكرياتها الجميلة.
وعلى مدار سنوات عديدة، ونظرًا لعدم توافر وسائل النقل كما هي عليه اليوم، كانت الطائرة وسيلة مهمة لخدمة سكان الجبال في الولاية، كقرى سوقة وعمق ووادي العربيين وسكان الجبل الأسود الأشم، وإبان عملي لاحقا في مكتب الوالي، كان يأتي إلينا سُكان تلك القرى النائية، لطلب نقل أمتعتهم من مركز الولاية إلى مكان سكناهم، وما إنْ تصل طلباتهم إلى شرطة عُمان السلطانية أو سلاح الجو السلطاني العُماني، إلا وطلبهم مُجَاب على الفور.
كانتْ الطائرة تنقلُ مواد البناء والمواد الغذائية، وتنقل المرضى والمصابين، وبين الحين والآخر كان رؤساء المصالح الحكومية بالولاية والأطباء يزُورون تلك الأمكنة النائية على متن تلك الطائرة، لخدمة ومُتابعة أحوال الناس والاستماع إلى احتياجاتهم ومتطلباتهم من الخدمات، ليتم إحالتها إلى الجهات المختصة في الدولة، لدراستها وتلبيتها ضمن خطط التنمية الإنسانية الشاملة في السلطنة، كنت حينها موظفا في مكتب الوالي، فتشرفتُ مرارا بالمشاركة في هذه الجولات الميدانية على متن تلك الطائرة المهيبة، لتعيد بي الذاكرة إلى أيام طفولتي الأولى.
مرَّتْ سنواتُ العمر، فها هي شرطة عُمان السلطانية تتوِّج خدماتها المتطورة والراقية بمركز جديد في الولاية، تم بناؤه على ربوة جميلة، تشرف على مسار طريق واسع وحيوي، يربط محافظتي مسقط وجنوب الشرقية، ويتميز المركز الجديد بتصميم عمراني حديث، مستوحى من تراثنا المجيد، تم الانتقال إليه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 29 يوليو 2020م.
وها هي شرطة عُمان السلطانية تبشرنا اليوم من جديد، بقرار توسعة خدماتها في هذا المركز، لتشمل تقديم خدمات (المرور، الأحوال المدنية، والجوازات والإقامة) بمبنى الخدمات في ذات المركز بولاية قريَّات، وذلك اعتبارا من يوم 23 نوفمبر 2020م، وهو قرار يثلج الصدر، ويسعد الخاطر، ويشعرنا بالفخر والاعتزاز.
فعلى مدار سنوات النهضة المباركة، شهدت خدمات شرطة عُمان السلطانية نقلة كمية ونوعية، فهي متاحة بسهولة ويسر في مختلف ولايات السلطنة، تتَّسم بالدقة والجودة وسرعة الإنجاز، ضمن منظومة إلكترونية متقنة ومتطورة.
فالشرطة دومًا تمدُّ يدها الحانية إلى كل مواطن ومقيم، لخدمته وتحقيق رضاه وسعادته وراحته، وهي أيضا ساهرة بجد وحزم على أمن الوطن ومكتسباته.
وفي هذا المقام، أقترح أنْ يُستَغَل مركز الشرطة القديم، ليكون مركزا لخدمات الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، لقربه من السوق والأنشطة التجارية والصناعية، إضافة لتوسُّطه قرى مركز الولاية، ذات الكثافة السكانية.
تحيَّة حب وشكر وعرفان لشرطة عُمان السلطانية على جهودها الخيرة وخدماتها الجليلة، ونبارك لأهالي ولاية قريَّات الكرام على هذا الصرح الوطني الشامخ في ظل نهضتنا المتجددة، بقيادة سلطاننا المعظم -حفظه الله ورعاه.
صالح بن سليمان الفارسي
2020/11/22

السبت، 21 نوفمبر 2020

تحية محبة لفريق اتحاد الساحل بنادي قريَّات

 
تُشكِّل الفرقُ الرياضية في القرى العُمانية حاضنات خصبة للعمل الشبابي والتطوعي، وإذا ما اقترنت أعمال تلك الفرق بالتنظيم والعمل المتقن، والمتابعة المستمرة والداعمة والمحفزة من قبل النادي، سيكون لها التأثير الطيب في اكتشاف واحتضان المواهب، وإبراز إبداعات الشباب، ومن ثم رفد الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية بهذه المواهب، كونها الحاضنة الأكبر للشباب.
فريق اتحاد الساحل بنادي قريَّات، ومنذ العقد الأول للسبعينيات في القرن المنصرم، وهو يُشكل شريانًا مهمًّا وأيقونة فاعلة في العمل الشبابي الرياضي والثقافي والاجتماعي بالولاية، فهو يتدفق بالنشاط والحيوية، ضمن الفرق الرياضية الأخرى في مختلف قرى الولاية، لخدمة الرياضة والشباب.
سعدتُ جدًّا بجهود مجلس الإدارة واهتمامهم بتنويع نشاط الفريق وأعماله الشبابية، بحيث تلبي تطلعات جميع منتسبيه، وفق خطط وبرامج مدروسة وهادفة، تجسَّدت فيها روح الفريق، والعمل المشترك المنظَّم، والرؤية الواضحة للمستقبل، عملت بجد واجتهاد على استقطاب الجميع في مقر واسع، وملعب معشب أخضر كبير.
أتذكَّر جيدًا إبان فترة عضويتي في مجلس إدارة نادي قريَّات في عقد التسعينيات وبداية الألفية الثانية، كرئيس للجنة الثقافية والفنية، ومن ثم كأمين للسر بالنادي ذلك التعاون الشبابي، الذي لمسناه من أعضاء هذا الفريق، وجميع الفرق الرياضية الأخرى بالولاية، التي كانت تعمل بجهود مثمرة في مختلف الأنشطة الشبابية، وكشرايين مغذية لقلب النادي بمختلف المواهب، النابض دوما بالنشاط، وتحقيق الإنجازات العظام، منذ تأسيسه.
الأمر الذي جعلنا -خلال تلك الفترة- نعمل معًا على وضع لائحة تنظيمية لهذه الفرق، لتكون اليد المعينة للنادي في مختلف الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية.
اليوم.. وأنا أتجوَّل في تقسيمات فريق اتحاد الساحل، بعد تطويره وتجديده، تذكرت الصديق عبدالله بن جمعة بن العبد السناني -رحمه الله- ذلك الفنان المُولَع بفن الرسم والتصوير، والعاشق لجمال الطبيعة وتفاصيلها، كتبت عنه يوما:
"إلى تلك الروح العاشقة للجمال.. عبدالله السناني كما عرفته".
عَشَق البحر والصحراء، فعلى شاطئ البحر كان مَوْلِدُه، وفي تخوم الصحراء كانت خَاتِمَتُه.
عَشق الريشة والعدسة، فسطر مشاعره من خلال لوحاته، كل لوحة لها قصة وذكرى، كان يحرص على تزيينها في حوامل زجاجية غالية الأثمان، كان ينظر إلى اللوحة كأنها جزء من وجدانه.
كان حريصًا على تلك اللوحات كأنها جزء منه، لا يفرط في لوحاته مهما كانت الأسباب، كان يتأمَّلها في عُزلته بقسمٍ خصَّصه في داره، أتذكر في تسعينيات القرن الماضي واجهتُ صعوبة شديدة في إخراج لوحاته من عزلتها، وعندما وافق على استعارتها لفترة مؤقتة لعرضها في معرض النادي للفنون التشكيلة في مبنى النادي، ثم الانتقال به إلى النادي الثقافي بالقرم، ضمن أسبوع ثقافي أقامه النادي خلال تلك الفترة، كان يقول لي: "أخي صالح، هذه أمانة أرجو أن تعود تلك اللوحات إلى مكانها كما هي"، كان يتألم إذا رأى خدشًا في لوحته، كان حريصًا على لوحاته؛ لأنها كانت تنطق عن بوح مدفون في قلبه، وكانت تلك اللوحات تنطق وتشع بالجمال، كانت تتحدث نيابة عنه بصوت صامت.
تحيَّة لروحك أيُّها الصديق الوفي، فقد عشت في هدوء وغادرت الدنيا في هدوء أيضا، ولكن أعمالك هي التي تخلد ذلك الصمت الصارخ بالإبداع على مسار حياتك، وبين ظهرانين محبِّيك من شباب قريَّات وفريق اتحاد الساحل؛ فهم عليهم مسؤولية اليوم، لكي تخرج تلك الأعمال والتحف الفنية المشعة بالجمال من عزلتها؛ فقد حان لها الوقت أن تتحدث عن حياتك ومُنجزاتك في الحياة.. رحمة الله عليك ياعبدالله، وإلى جنة الخلد بإذن الله.
وفي الختام.. تحيَّة شكر وتقدير لجميع الشباب، راجيًا لهم دوام التوفيق والسداد، لخدمة الوطن والمجتمع.

الجمعة، 20 نوفمبر 2020

متنزه الصيرة

تنفذ بلدية مسقط مشكورة خلال هذه الفترة، مشروع تطوير الواجهة البحرية، المطلة على ميناء الصيد البحري في قريَّات، وهو مشروع حيوي ومهم، لما يُشكله من أهمية في الدفع بالقيمة المكانية والجمالية للمكان.
أرجو أنْ يحملَ مُسمَّى هذا المكان السياحي "متنزه الصيرة"، بدلا من "حديقة قلعة الصيرة"، كما تُشير إليه اللوحة المُثبَّتة حاليًا من قبل البلدية.
كما مِنَ المهم أن تثبت إضاءة ليلية على تلك التحفه التاريخية، بموقعها الجمالي في وسط البحر، والمتمثل في برج الصيرة.
وعلى الجهات المُختصَّة المسؤولة عن الميناء أو البلدية نفسها التفكير في إنشاء مخازن للصيادين، لحفظ أدوات صيدهم على الضفة الأخرى للمشروع السياحي، حتى تتكامل الرؤية البصرية والجمالية لهذا المشروع الرائع.
تحيَّة شُكر وتقدير لهكذا جهود عملية؛ حيث من المُتوقع أن يكون لهذا المشروع قيمة مضافة، كمُتنفَّس اجتماعي وسياحي في الولاية.

صوت البحر

 

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

نوفمبر المجد والسلام


ستظلُّ سفينة الوطن تُبحِر إلى طريق المجد، مهما كانت التحديات.. رحم الله مُؤسِّس نهضتنا المجيدة، ووفق الله رُبَّان سفينة نهضتنا المتجددة.

الاثنين، 16 نوفمبر 2020

الأحد، 15 نوفمبر 2020

السبت، 14 نوفمبر 2020

التسويق الجغرافي

نَشَر مَعَالي الأستاذ سالم المحروقي وزير التراث والسياحة، على صفحته الخاصة بـ"تويتر" لقطات سياحية، مُعلِّقا: "السياحة الشتوية: سكينة الصحراء ودفء الصُّحبة والمغامرة"، وقد تداول الكثير هذه الصور على مستوى منصات التواصل الاجتماعي، وكان لها فاعلية تسويقية للمكان.
عُمان تمتلك مقومات سياحية مُبهرة، وهي بحاجة لتسويق حقيقي للتعريف بها: محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
وفي هذا الإطار، أخذت بعض الدول بمفهوم جديد للتسويق يُسمَّى "التسويق الجغرافي"، والذي يُؤكد أهمية استخدام البيانات والمعلومات المتعلقة بالخصائص الجغرافية والطبيعية والثقافية والسكانية، وربطها بالإستراتيجية التسويقية، وبالرسائل الترويجية للمكان أو المنتج.
وهنا.. أدعو وزارة التراث والسياحة للأخذ بهذا المفهوم التسويقي بطريقة منهجية ومدروسة، وفق خطط وبرامج جاذبة، تستهدف السائح المحلي والعالمي.
وكُنت أتمنَّى أن يصحب معالي الوزير الموقر مجموعة من السفراء المعتمدين لدى السلطنة في جولة سياحية في تلك الأمكنة الجميلة؛ فهم يعدون بوابة مهمة للتسويق الجغرافي على المستوى العالمي.

إنَّه البحر

 

تشكيلة جميلة
ترسمها كائنات البحر على الرمل
ما إن تكتمل تلك اللوحة الفنية
تغمرها مياه البحر
فتسحبها إلى العُمق
لتبدأ تلك الكائنات الدقيقة
بتوقيع وجودها على الرمل من جديد

مشاهد من زيارتي للصيرة

 

تقفُ شامخة على ذاك النتوء الصخري الصامد، حارسة للبحر والبر في آن واحد. تفتحُ ذراعيها للمارَّة، مُلوِّحة بتحية المحبة والسلام. تحتضنُ أمواجَ البحر ليسكن في حضنها بعد فورة غضب. لا يعلوها إلا السماء والنجوم المتلألئة. أفقٌ بعيد من الزرقة الواسعة على امتداد البصر، مرتعٌ لكائنات البر والبحر والفضاء، ذكرياتٌ منحوتة على الصخر من أمد بعيد.. تلك الصخور شاهد عيانٍ على ما مضى من الأيام والدهور، كل صخرة لديها حكاية مع التاريخ والإنسان والجمال. عندما تصغي إليها، تُحدثك بقصص الأبطال وهم يُقارعون مدافع البرتجيس الغازية، كما تحدثك عن قصة الحب لطيور النورس البيضاء المهاجرة من أرض الغربة لتستريح في كنف حاكاتها بسلام. ستحكي قصة طائر العنفوف الذي يسلكُ مغاراتها في هجعة الليل بهدوء وسكون؛ لينطلق إلى فضاء الكون بحُرية. ستحكي أيضًا قصة صياد استراح في ظلها متوسِّدا غله ومغدفته وغادوفه بعد يوم صيد وفير. ستُحدثك عن قصة كنعد بن سليم المبهرة، ستتخيل تراقص الأسماك على حصاة برامة، ستحكي زفة معرس زارها ليفي بنذر أمه، ستسمع زفة التنجيليه والمالد تترَّد بين كهوفها.. ستحكي حكايات وحكايات عن آمال تُنسج مع شروق كل يوم جديد.

الصيرة تحكي

 


شكَّلتْ الصيرة ذاكرة تاريخية وجمالية لولاية قريَّات، فهي رمزٌ ثقافيٌّ وحضاريٌّ لبطولات صاغها الآباء والأجداد بأحرف من ذهب، هي منبع التضحيات من أجل وطن موحَّد وآمن.
هذا المساء تجشَّمتُ مَصَاعب المكان ووعُورة التضاريس، فارتقيتُ هذا المعلم التاريخي، الرابض وسط البحر بعزةٍ وشمُوخ.
وعلى الرَّغم من القطع الدموي، الذي أحدَثته النتُّوءات الصخرية الحادة على قدمي، وسيلان دم قدمي على تلك الجنادل الضخمة، فقد تابعتُ طريقي للوصول إلى قِمَّة الصيرة، فتلك الدماء لا تساوي شيئا مُقابل تلك الدماء الطاهرة التي سالت دِفَاعًا عن المكان، ليظل شامخًا على الدوام.
اعتليتُ حصاة برامة، المُطِلَّة بذكرياتها على بحر عُمان، فكان كتاب الصديق والأخ الدكتور سعيد السيابي خيرَ رفيق في هذه الرحلة، مُحتفلا بفخر بهذا المنجز الإبداعي.
فكانتْ صفحات روايته "الصيرة.. تحكي" تُعِيدُنا إلى زمن بعيد، وحكايات وذكريات جميلة، ما زالت عالقة في الذاكرة.
روايةٌ جميلة، جَمَعتْ المتخيَّل والواقعي في سرد أدبي مُمتع، وبأسلوب كتابي مُتقن.
تحيَّة حبٍّ وفخر للمكان والإنسان في قريَّات، وللصيرة الجميلة بتاريخها الناصع، وتحيَّة تقدير للمبدع سعيد السيابي، فكانت المعلاة وفريق المعالي ونادي قريَّات ينبوع الذاكرة، وحاضنة التكوين، وانطلاقة البدايات في طريق الكتابة والإبداع.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

ذاكرة الأيام

شخصياتٌ طَوَاها الزَّمان لا تغيبُ عن الذاكرة..
في ذكرى الوالد سليمان بن خميس البلوشي - رحمه الله..
اعتدتُ مُمارسة رياضة المشي، لمسافة تمتد ما بين بيتي وسيف البحر، فالمشي يتيح لك التأمل واستعادة ذكريات المكان، وفي الوقت ذاته قد تلتقي صُدفة بأصدقاء باعدتْ بينكم الأيام وصُروف الحياة، فتستعيد معهم ظروف الزمان والذكريات.
تُشكِّل الجنين محطة استراحة لي، لتوسُّطها تلك المسافة التي أمشيها، وبين أسبوع وآخر لا بد لي من زيارة المسجد الشمالي في الجنين، وأحد أسباب زيارتي لذلك المسجد إلى جانب تأدية واجب الصلاة، هو لقيا الوالد سليمان بن خميس البلوشي، والسلام عليه وعلى أصدقاء له، لم تغيِّرهم ظروف الأيام وصروف الدهر؛ من بينهم: علي البلوشي، ومُحمَّد الجلنداني، وجمعة الصخبوري، وسعيد السيابي.. وغيرهم.
هم جميعًا على قلب واحد، بصدق ووفاء في السراء والضراء، تجمعهم علاقة أخوة وصداقة ممتدة، وبعد أنْ كُفَّ نظر الوالد سليمان -رحمه الله- كان الوالد علي بن سليم البلوشي خيرَ الأخ والصديق، ونِعْم القرين والمعين له في حركاته ومشاويره، فحركتهما معا في كل الأوقات.
تَربُطني بالوالد سليمان -رحمه الله- ذكريات طفولتي الأولى، بحكم علاقة أسرية وجيرة قديمة، لهذا ما إنْ يسمع صوتي حتى يُرحِّب بي، مناديا: "أهلا صُويلح ولدي"، هكذا كان يُحب أن يُناديني تمليحًا وتحبُّبا، مع ابتسامة تريح القلب وتسعد المشاعر، ذات مرة قال لي: "يا صالح، أنت بمقام أحد أبنائي وقريب إلى نفسي، لهذا أُنَادِيك بصويلح"؛ فكانت تلك الكلمة بمثابة وسام محبة على صدري من إنسان عزيز على قلبي.
كان -رحمه الله- على صدر المجلس الصباحي والمسائي المجاور لبيته، تُظلهم أغصان شجرة شريش مُعمِّرة، خضراء وارفة الظلال، تلك الشجرة بمثابة ذاكرة العمر والأيام، تهب عليها هبوب الكوس وريح الشمالي المنعشة، يفترش هو وأصدقاء العمر الأرض ورمال الجنين الفضية الناعمة، التي تسري فيها برودة الأرض ونسيمها، وتتميز بسعة المكان، مُحمَّلة تلك الجلسة بصدق المشاعر وحسن التعامل، مقرونة برحابة الصدر وطيب الكلام.
تدُور القهوة بينهم بتواضع، وسط حديث لا يمل، تسمع حكايات الصيرة، وقصص البحر وخيراته، وذكريات حصاة أو قلعة برامة، وتستعيد أيام البدانة والهواري والغدافة، وخواضة البرية، والصيد بالتدوير والضغوة والناصول والزانة، وتتذكر شماصة وطراقة ووشاعة الليوخ بخيوط البج تحت غافة الخروس، وتستعيد ذكريات مراخي الهضيب والعيدان والمطلع، ومراخي الغضنة والظهر والجنور والرثلة والغبة، هكذا كان -رحمه الله- عَاشِقًا للبحر وجماله.
وما إنْ يَحِيْن وقتُ الصلاة تَجِده مهرولًا إلى المسجد بقلب خاشع ومطمئن، لا تفوته صلاة في المسجد رغم ظروفه وضعف بصره، تَجِدهُ في زاويته الشمالية من المسجد مُتأمِّلا، مُسبِّحا ذاكرا لله، إلى أن تُقام الصلاة، تُزيِّن يده الكريمة تلك السبحة الجميلة، بخرزاتها الخضراء اللامعة، وما إن تنتهي الصلاة حتى يضع يده على كتف صديق عمره علي بن سليم البلوشي في مشهد أخوي وإنساني عظيم، ليعودا معا إلى البيت، أو إلى مجلس الشريشة من جديد.
كان -رحمه الله- كريمًا مِضْيَافا مُحِبًّا للجميع، عطوفا على كل من قصده وطلب مشورته، لا تفارقه الابتسامة والضحكة حتى في أوقات مرضه. ذات مرة أهديتُه نسخة من كتاب "قريَّات.. ملامح من التراث الزراعي والبحري"، فعِندَما وضعته بين يديه الكريمة، وشرحت له ما يحتويه الكتاب، ضمَّه إلى صدره مع ابتسامة لا تخلو من فرح وألم، وقال لي: "ولدي صالح ذهب البصر، أنا الآن ما أشوف"، قلت له: "لا تقل هذا، ستبقَى بصيرتك دائمة لا تنتهي بإذن الله"، ابتسمَ ورَبَت على كتفي بيد كلها حنية ومحبة وتشجيع، قال عندها: "سأعطي هذا الكتاب لأحد الأولاد ليقرؤوه".
منذ أيام، مررتُ بمجلس شجرة الشريشة، فلم تَعُد تلك الابتسامات والضحكات قائمة كما كانت، مررتُ بمسجد الشمالي فنظرتُ إلى تلك الزاوية المفضَّلة لجلوسه وتأملاته، فتذكرتُ حينها ذاك الرجل الطيب، الذي عاش في هدوء وتواضع مُعتَمِدًا على ذاته، ورحل أيضًا عن الدنيا في صمتٍ وهدوءٍ بلا ضجيج، بينما ذِكرياته الطيبة لا تزال عالقة في ذاكرة المكان والأذهان، ومحفُورة في حنايا القلوب والوجدان، مهما تباعدتْ الأيام، وتزاحمتْ الأحداث، وتغيَّرت الأزمان.. نسألُ الله له الرحمة وفسيح الجنان.

السبت، 7 نوفمبر 2020

السماء تجُود علينا بغيث منهمر

قَبْل قليلٍ كُنت في دغمر، اعتليتُ قِمَّة جبل فيها، فهبَّت السماء بزخة مطر منعشة، فاهتزت الأرض فرحًا.

إنَّه البحر

 

البحر يَنْضَح بجانبنا؛ الثروة التي لا تنضب.
"اللهم وسِّع لهم وعليهم في ميرتهم، وكثر خيرهم في بحرهم".. اللهم آمين.

الخميس، 5 نوفمبر 2020

السفينة تعشق الإبحار

خَذَلهَا المجرى
فمال جَنبُها إلى حيث مذرى الريح
فمدَّ لها حبلَ النجاة
رُبط في جذع شجرة خضراء
فكانتْ الشجرة هي طوق النجاة.

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

مسيرة وطنية مجيدة

تَتَواصل مسيرةُ التنمية الإنسانية (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية) في عُمان بثبات؛ لتدخُل مرحلةً جديدةً من البناء والتطوير والتجديد لدولة حديثة وعصرية.
وهي تقفُ اليوم، بحمد الله، بشُمُوخ وكبرياء لمُواجهة كافة التحديات، بفضل التلاحُم الصادق للمُجتمع، وتجاوبه بحماس مع توجهات قيادته.
اللهُم أدم علينا نعمة الاستقرار والأمن والأمان، واحفظ لنا جلالة السلطان.