الأربعاء، 31 يناير 2018

تناغم


محطات متتابعة

الزَّهر المتفتِّح المُبهج؛ يُذكِّرنا بالبداية والنهاية لفصول العام، ومراحل توهُّج وتقلُّب سنوات العُمر؛ فالزهرة على الرغم من جمالها، وتلهف الإنسان لجمالها وأريجها الفواح، إلا أنَّها مرحلة مُؤقتة لا تدُوم.

إعلامُنا.. عهدٌ يتجدَّد

يُشكل الإعلام في هذا الزمن أحد الأركان الأساسية لنهضة وتنمية الأمة؛ فهو غاية ووسيلة مُهمة في غرس القيم ورُقي الفكر وسموِّ الوجدان، ويلعَب دورا مُؤثرا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز اللحمة الوطنية وتنوير المُجتمع، ومَعِينًا في الجوانب الفكرية والتوعوية والتوجيهية والترفيهية، وفي مُختلف الجوانب الإنسانية، وله مُسَاهَمة فَاعِلة في زرع المحبَّة والسلام، وتكوين الصورة الذهنية والفكرية المُشرِقة لحاضِر ومُستقبل الدول؛ فهو انعكاسٌ للمُستوى الحضاري والثقافي والمعرفي للإنسان في أي مكان.
الذي يتذكَّر ويُقارن ما بين الفترة ما قبل 1970م وما بعدها، يُدرِك تماما النقلة الكَميَّة والنوعية للإعلام العُماني، ويستشعرُ جَسَامة ذلك الجهد والعمل الدؤوب الذي بُذِل لتطوير هذا القطاع الحيوي في البلاد. فقبل العام 1970م، لم يَكُن هُناك إعلام يُذكر وفق مفهُومه المُعاصر؛ فكان الإعلام والتواصل الاجتماعي المباشر هو الوسيلة لنقل الأخبار وتبادل الأفكار والمعلُومات. لهذا؛ فكانت الأسواق والملتقيات الإنسانية والاجتماعية هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي يتلقَّى من خلالها الناس كلَّ ما يهمُّ بلادهم وحياتهم؛ لهذا لعبت ما تُسمى "النهمة" أو "الدعوة"، ووسيلة "الطارش" والمساءلة عن العلوم، الدَّور الرئيس لتوصيل الرسائل والأخبار.
ومَع انطلاقةِ النهضةِ المُباركة في العام 1970م، كانتْ الانطلاقة الحقيقية للإعلام المُعاصر؛ فكانت الإذاعة والتليفزيُون والجرائد والمجلات؛ فانطلقت جميعًا في تكامُل وتعاوُن مع مُختلف المُؤسسات لبناء عُمان الحديثة؛ فكان نبراسُها رؤية إستراتيجية حكيمة خطَّها قائد البلاد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- فوجَّهَها بمقولة خالدة، بقوله: "في الداخل والخارج، لا بد من كلمة صادقة، من خبر صحيح، من صُورة مشرفة تنقل ما يدور على أرض عُماننا الحبيبة وتعكس الأعمال الجسام والآمال الكبار لشعبنا. هذه الكلمة الصادقة، وذلك الخبر الصحيح، يدخُلان إلى بيتنا وبيوت غيرنا دون إثارة ولا تهويل، بدون ضجة ولا إزعاج، نحن نريد أن نعرف أنفسنا ويعرفنا العالم، كما نحن تماما، ويهمنا كثيرا أن يعرف المُواطن العُماني بالذات ملامح مسيرته الظافرة التي حققها بعزمه وإرادته، وتعاوُنه مع حكومته؛ فهو أولا وأخيرا جهاز إعلامي حي تؤيده الإنجازات العظيمة التي يراها بأم عينيه على ساحة وطنه الغالي".
فكَان الإعلامُ كما أراد له سلطاننا المُعظم، وها نحن نجني ثماره بفخر واعتزاز؛ فهو إعلامٌ شعاره دومًا الواقعية والاتزان، وتقديم الخبر والمعلومة بصدق وحياد، وبلا تهويل أو إزعاج، أو شطط أو انحياز؛ فلم ينجرف يومًا مع هذا السيل الجارف من الإعلام عبر الفضاء، والمتقلِّب في كل يوم هو في توجه وشأن وتحركه الأهواء.
لِهَذا؛ يُسعدنا جميعًا أن نسمع كلمات الإشادة بتطور الإعلام العُماني، وما حقَّقه من مُنجزات عظيمة على الصعيديْن: الداخلي والخارجي؛ فهو بحق الذِّراع اليُمنى للثقافة والتنمية في عُمان.
عِنْدَمَا سأل أحد الإعلاميين معالي الدكتُور وزير الإعلام -وفقه الله- عن: ما هو المبدأ الذي يجب أن تُراعيه جميع المُؤسسات الإعلامية في عملها وتوجهها؟ فأجابه بكلمات بسيطة وقصيرة، ولكن لها معانٍ عميقة وسامية، فقال: "المبدأ هو عُمان، كُلنا نُعبِّر عن عُمان بطريقتنا.. نُعبِّر عن هذا الحب الكبير بقضايا بلادنا عبر مُؤسساتنا الإعلامية بشكل عام، وبطاقات إبداعية شبابية عُمانية.. أن ننطلقَ إلى العالم عبر مساحات عُمانية شابة مُبدعة، ترتقِي بالعمل الإعلامي، وتقدم عُمان في أبهى صورها..".
الإعلاميون، وهم يحتفلُون هذا المساء بملتقى الأسرة الإعلامية، فهم بحق يستحقون كل التقدير والشكر والثناء. وحيث إنَّ الاحتفالات هي استراحة ومُراجعة للمنجَز، من أجل شحذ الهمم للانطلاق نحو المُستقبل؛ فإننا نُبَارك لكل المكرَّمين من رواد الصحافة العُمانية، ونهنِّئ جميع الفائزين في مسابقة الإجادة الإعلامية، وممَّن حظوا بجوائز إعلامية عربية وعالمية.
وفِي الوقت ذاته، أعود وأذكِّر بمُقترح قديم تقدَّمتُ به من زمان: لقد حان الوقت لأن يُسْرَد هذا التاريخ الإعلامي في متحف، يحمل اسم متحف الإعلام العُماني، يكُون مقرُّه وزارة الإعلام أو أي مكان آخر، يُعْرَض من خلاله تاريخ وتطور الإعلام العُماني بمُختلف وسائله: المرئية، والمسموعة، والمقروءة، والإلكترُوني، ويحتوي على نماذج من الصُّحُف والمجلات مُنذ نشأتها، وكذلك يضم بعض الأفلام التوثيقية والتسجيلية القديمة، وبعض المعدات المستخدمة في وسائل الإعلام.
هذا المتحف من وجهة نظري، سيكُون له شأن لتوثيق مسيرة مُهمة للإعلام العُماني، وسيكُون مرجعًا للباحثين وطلاب الجامعات، وكذلك يحفظ حُقُوق جُهُود وتاريخ المؤسِّسين للإعلام في عُمان، عبر تاريخها المشرق.
وفَّق الله الإعلام العُماني وإدارته الواعية، وكل العاملين فيه، إلى ما فيه الخير، ورُقي بلادنا الغالية عُمان. فإعلامُنا.. عهد يتجدد.

الاثنين، 29 يناير 2018

الخرس

يُطلِق سُكان الجبال رُعَاة الماشية، على الصخور الجبلية التي تتجمع فيها المياه لفط "الخرس"، وتجمع على خروس.. هكذا في لهجتهم. قديما، كانت تُنحت باليد لكي تتجمَّع فيها المياه بعد سقوط المطر، لتروي كل كائنات الأرض ليلا ونهارا.

حِرْفَة

 
الجد؛ والحفيد.. تواصُل إنساني من أجل تراث خالد.

الملح القرياتي

الذَّهب الأبيض.. عطاءُ الأرض والإنسان، يتجلَّى جمالا وطعما في القرية التراثية بمهرجان مسقط.

من تراثنا الزراعي

محله أو محشة.. مخلب.. خزامة ثور

المِجَزُّ

 
مِن تُراثنا الزراعي، وهي أداة تستخدم لجز أعواد القَتْ، وجذ عذوق أو عراجين النخل، وتنظيف وتأبير غدرها. يتكوَّن المجز من عِدَّة أجزاء؛ هي: النصاب أو المقبض، والصدر، والضروس.
يُصنع المقبض من أعواد الشجر كالليمون والعتم والسدر والغاف والشريش، والصدر من الحديد أو الصفر، والضروس تصنع من الحديد الصلب كالمسحل وسبرنج سيارات اللاندروفر واللاندكروز القديمة، تُدق على السندان، وتُحمَى على الجمر الملتهب بالملهاب.
للمجز في تُراثنا القديم استخدامات أخرى، فإذا تأبطه الرجل أو المرأة، خاصة في الليالي المظلمة؛ فهو حارس ودفاع، وإذا احتاج الفرد لشراء أغراض للبيت، ونقصته بعض الغوازي أو نقود سلَّمه لراعي الدكان كضمان.
وقديما، كانت تحرصُ الأمهات والجدات على وضعه تحت وسادة الطفل في المنز المعلق في كندل أو جذوع السقف، ليكُون حارسًا وطاردا للجان والسحرة، وتصحبُه المعتدة كحارس ولينشر في نفسها الاطمئنان.

تِلك الاستخدامات للمجز قد طواها الزمن، ويبقى المجز اليوم أيقونة لا يستغني عنها المزارع والبيدار؛ فهو مُكمِّل لحبل الطلوع والمخلاة والميراد.

الأحد، 28 يناير 2018

قراءة انطباعية في مجمُوعة "أصوات البحر"

مع انطلاقة فعاليات مهرجان مسقط لهذا العام 2018م، والذي يحمل صبغة مُختلفة ومتنوعة من مكنونات تراثنا الثقافي، لم يغفل المهرجان أن يكُون للكتاب مكانة خاصة ضمن أجندته المليئة بالأنشطة والفعاليات، فكان لمُؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان السَّبق والريادة -كعادتها- في تنظيم العديد من البرامج الثقافية ضمن جُهُودها التسويقية لإصداراتها المتنوعة، وأثناء تجوالي في أروقة معرضها للكتاب، في ركن الكتاب بساحة المهرجان بمتنزه العامرات، توقفتُ أمام مجمُوعة قصصية لصديقنا العزيز سعود البلوشي، فاقتنيتها بحب وسعادة، فقضيت ساعات طويلة أتأمَّلها؛ فقررتُ حينها أنْ أذهب إلى المكان الذي كان يومًا -ولا يزال- يُشكل نقطة معزَّة وانطلاقة لهذا الكاتب، لكي أبدأ قراءة هذه المجمُوعة، المُفعمة بالحب والجمال، والإخلاص للزمان والمكان، وهي أيضًا فُرصة لتلمُّس بعض أحداث وحكايات هذه المجمُوعة في البيئة التي احتضنتها.
فكان الساحل والبحر هو الخيار الأوحد، وبالتحديد على ضفاف خور الساحل الجميل، وتحت ظلال تلك الجنادل السمراء؛ حيث يقبع على أعلى قمَّتها أحد المعالم التاريخية لولاية قُريات، والتي تعد بجمالها الأخاذ ملهمة للكتاب والشعراء ولأهل الفن بتجلياته المُختلفة، فذات صباح ارتقيتُ "الصيرة"، رغم وعورة الوُصُول إليها؛ فنظرتُ من أعلاها إلى الأفق الممتد نحو زُرقة البحر، لأشاهد المراكب المبحرة، وأسمع أصوات البحر وكائناته، وأتمعَّن في أسراره وحكاياته وقصصه التي لا تنتهي مع البحارة.
واعتليتُ حصاة برامة، ونظرتُ من أعلاها إلى الجهة الأخرى فشاهدتُ من بعد العالات، فتذكرت كثبانها الرملية التي سويت بالأرض، فذهبتْ بي الذاكرة إلى تلك الغملة الخضراء من حضيب وعيدان أشجار الغاف والرثل والشيم، وتأملتُ الخور ومُكوناته وكائناته، وشاهدتُ قطعان الهوش والغزلان وهي تسرَح في تلك الأمكنة بحُرية وأمان، واستمعتُ إلى ترانيم وتعويب تلك الراعية، وهي تجُوب العروق والكتل، لكي تعود بوقرة الحطب، وشاهدتُ الكثيرَ من الأحداث والحكايات، وحاورتُ الكثيرَ من الشخصيات على الساحل وفي سوق الظلام؛ وذلك في صُورة خيالية على شكل شريطٍ سينمائيٍّ سريعٍ ومُثير، تمَّت صياغته وتصويره بعناية فائقة، وفق أدوات وتكنيكات فنية راقية.
حاولتُ تأمُّل وتأويل وتحليل مجمُوعة تلك القصص التي ضمَّتها دفتا هذا الكتاب الذي أحمله معي لأيام؛ فوجدتُ فيها جمالَ اللغة وسحرَ الخيال؛ فهي تنسابُ بسهولةٍ ويُسر وتركيز، وتمَّ سبكها بخيال خصب وبلغة شاعرية، تحملُ في مضامينها -واقعيًّا وإيحائيًّا ورمزيًّا- قيمَ الجمال، مع حضور مكثف للزمان والمكان والذكريات.
فكان للبحر سطوته الجمالية على الكثير من الأحداث؛ فالذي يقرأ هذه المجمُوعة القصصية سيتعرَّف على مدى تأثير البحر وتجلياته في كثير من النصوص، وسيستذكَّر القارئ الكثير من التفاصيل للعديد من الأمكنة والمسميات والمفردات التراثية، وسيسرح في الكثير من الأسرار العميقة، التي تخيلها الكاتب أو سردها بواقعية، ضمن سبائكه الأدبية بصُورة فنية جاذبة، والمتقنة فنيًّا ولغويًّا إلى حدٍّ كبير من المهارة الكتابية في مجال القص، غلب على بعضها منهجية سردية قريبة جدا للأسلوب الروائي، وفي تسلسُل ووضوح وبلغة سهلة، وخالية في كثير منها من التعقيد البنائي للسرد والمفردات، وهي بحق معطرة بروح الزمان والمكان وعبق التراث، ولها نكهة محلية تجاوزت في بعض سطورها وقع خيالها السردي، وتحمل في تجلياتها الكثير من مشاعر الفرح والألم والخوف والحزن، وكذلك أحاسيس من المحبة والأمل.
المجمُوعة حملت عُنوان "أصوات البحر"، وهذا العُنوان مقتبسٌ من قصة ضمن المجمُوعة تحمل نفس هذا العُنوان، وتقع المجمُوعة في 142 صفحة، مُقسَّمة إلى 14 قصة، تراوحتْ بين القصيرة وأخرى في شكل مقاطع قصيرة جدا، حملت عناوين جميلة، تم اختيارها بذكاء، مع بدايات مُمتعة تم توظيفها لخدمة الصورة الجمالية لكلِّ نص، وهي: من حكايات البحر، دوائر الحلم، يوم في حياة موظف، تعيب، أحوال جنوب المعمورة، المستشفى، أصوات البحر، اجتماع، مساء البطل الأخير، سراج سوق الظلام، لوعة وقصص أخرى، حسينة، الإجازة ومراكب مبحرة.
كُتِبت تلك النصوص القصصية خلال الفترة من 1989م وحتى عام 1998م، نُشِر بعضها، وبعضها يُنشر لأول مرة ضمن محتويات هذه المجمُوعة؛ الأمر الذي يجعلنا أن نُوقِن بأنَّ للكاتب نصوصا أخرى، لا تزال في طي الأدراج في انتظار النشر؛ فالذي أعرفه عن الكاتب أنه صاحب هِمة ونشاط في التفكير والكتابة والإبداع، وإن شغلته دهاليز الحياة، وهو أيضًا من الناس الذين يعملون في صمت وبترقب وانتظار، وصاحب تفكير عميق مدروس، قبل أن يقدم إلى فضاءات النشر.
الكثير من هذه النصوص السَّردية تمت كتابتها في قُريات، وأخرى في مسقط، وواحدة في عمّان بالأردن الشقيق؛ حيث عمد الكاتب إلى أن يختم كل قصة بتوقيع زمني ومكاني، يُحدِّد من خلاله السنة والمكان، ولعله يقصد في ذلك مكان وفترة كتابتها، إلا أنَّ المجمُوعة لم تتقيَّد في تتابُعها -حسب التسلسل الزمني أو المكاني- فهي تشكيلة متنوعة مكانيًّا وزمنيًّا.
تميَّز غلاف المجمُوعة بالبساطة، وهو أيضًا يُشكل في صُورة تكاملية لدلالات عُنوان المجمُوعة، الموسومة بـ"أصوات البحر"؛ فبرج الصيرة الذي يبدُو شامخا على قِمة تلك الجنادل الصخرية في وسط البحر، بألوانها البنية الداكنة، مع محيط من اللون الأزرق، في ربط بصري بين لون السماء والماء، والموحِي لأحاسيس الخلود ومشاعر الهدوء والصفاء، مع لمسات دافئة من اللون الأبيض توحِي بالوضوح وسطوع الأمل، مع ضبابية في ألوان الرمال تشبه السراب، تختلطُ في رمزيتها دلالات وهج الحياة، وما يعتريها من مصاعب وألم وقلق وحزن.
عُنوان المجمُوعة "أصوات البحر"، يحمل ثيمة أساسية لتفاصيل ومفاصل السرد الأدبي لهذه المجمُوعة؛ بما يحمله من دلالات عميقة، تجدها واضحة في مُجريات الأحداث في كل قصة.. "هدير أمواج البحر وأصواته الأخرى القادمة من بعيد تتسرَّب خِلسة إلى مهاجعنا ليلا، وتتحوَّل إلى أحلام تمتزجُ فيها مشاعر متناقضة من البهجة والألم، والفرح والحزن، والقلق والخوف والتوجُّس؛ فمشهد ارتطام أمواج البحر وتكسرها على صخور الصيرة، وتطاير زبد الماء إلى الصخور القريبة من البرج، مشهد رغم الغضب الذي يحملُه والعنف الذي ينجم عنه، إلا أنه يُشعل فينا فضاءات وأخيلة عذبة ومؤلمة معا تبحر بنا بعيدا.. بعيدا..." (ص:8).
تتجلَّى بكثافة في هذه المجمُوعة أسماء الأمكنة والأشياء المحسوسة، مع دمج بعض الألفاظ القديمة في لهجتنا الدارجة ضمن السياق العام للأحداث، وهي سِمة إبداعية شائقة، كُتبت بلغةٍ سهلةٍ بجُرأة وصدق، وبنقد غير مباشر، أعطتْ للسرد جاذبية خاصة؛ لأنها تؤصل قيمة المكان والحنين إلى التراث الثقافي والطبيعي بتجلياته المشرقة، وفي الوقت ذاته تفجِّر مشاعر التذكر والحب لتلك الأمكنة، وضرُورة الاهتمام ببعض القيم، رغم قسوة سير الأحداث لبعض القصص.
كَمَا للبحر وأصواته -كما قُلت سابقًا- هيمنة وتأثير قوي في سرد العديد من قصص المجمُوعة؛ فهُناك علاقة شاعرية وإنسانية ووجدانية راقية تقدِّمها شخصيات القصص عن البحر، تندمجُ فيها ذكريات الماضي المؤلمة والمفرحة مع سير الأحداث لكل قصة: "وقفتُ أمام البحر أرقب الرفرفة البطيئة لشعر الليل الفاحم على صفحة الماء وهي تتلاشى، وبين الفينة والأخرى أنتظر وجه الشمس المجلي كوجه عروس يتكشف صافيا يزيح عنه رداء الماء البرتقالي الشفاف، وعلى مرمى البصر أرى قوارب الصيادين، والسفن المهاجرة البعيدة نقطا صغيرة سوداء على مستقيم الأفق الممتد.." (ص:80).
استخدَم الكاتبُ تقنيات مُتعددة؛ ففي بعض قصص المجمُوعة يتقمص صوت الكاتب دور الراوي لشخصيتها الرئيسية، وتأخذ في كثير من سردها شكل صُورة فوتوغرافية ووجدانية لذكريات أو خواطر شخصية أو حُوارًا داخليًّا؛ حيث تأخذك القصة في عوالم وأحداث متتابعة ذات طابع اجتماعي لا يخلو من نقد، وبدون مبالغة في سرد الأحداث، كما هو عليه قصة مراكب مبحرة: "لم يكن المشهد على درجة كبيرة من الأهمية عندما صعدت التل الذي يشرف على الحارة من الجهتين الغربية والشمالية، كل شيء كان رتيبا وهادئا..." (ص:127)؛ فمن خلال وقوف شخصية القصة الرئيسية على قمة التل، وإطلالته على معالم الحارة، تجده ينتقل في السرد من حدث إلى آخر بهدوء، وبطريقة سلسلة، ينقل فيها القارئ إلى مشاهد اجتماعية مُختلفة من حياة القرية أو الحارة القديمة، تمَّت كتابتها بلمسةٍ فنية، وعُرضت بتنسيق متقن وتسلسل جاذب لأحداثها؛ الأمر الذي يجعل القارئ مُتمسِّكا بالمتابعة وشد انتباهه ليعرف نهاية القصة.
كذلك هي أيضًا قصة "يوم في حياة موظف".. وغيرها: "في كل صباح تمتد يدي آليا إلى المنبه، فأسكته وأقعد متربعا فوق سريري البالي، أبحلق في جدران الغُرفة العارية، دُون أن أراها، ثم أنهض وأتوجه لمُمارسة بقية عاداتي الصباحية التي تهيئني للذهاب إلى العمل.." (ص:23).
هُناك أيضًا في بعض القصص يتقمَّص الكاتب فيها دور الراوي كمقدمة، ثم ينتقل في سياق النص نفسه بطريقة سلسة إلى استخدام تقنية الحُوار بين شخصيات القصة، بصُورة إبداعية متقنة، وبلغة واضحة ومتسلسلة قريبة إلى الدراما المسرحية كتوظيف أدبي، تتفاعل فيه وقائع وأحداث القصة بطريقة فنية شائقة، دُون الإخلال ببناء وتقنيات كتابة القصة وعناصرها الرئيسة، كما هو عليه نص "حسينة" مثلا.
استطاع الكاتب أن يُوظِّف المونولوج الغنائي توظيفا متقنا في سرده الأدبي، كما نشاهده في قصة "حسينة"؛ حيث كان لفن التعويب حدث مؤثر للتعبير عمَّا يختلج "شيخة" من مشاعر نفسية، على شكل حُوار داخلي ووجداني، وفن التعويب من الفُنُون العُمانية القديمة، الذي عادة ما يُصَاحِب أعمال جمع الحطب في الصحراء، تؤدِّيه النساء للتسلية وكسر وحشة المكان؛ فتوظيف مثل هذه الفُنُون في مجال السرد الأدبي -كالقصة والرواية- يعتبر قيمةً مضافةً جديدةً لترابط وتسلسل أحداث القصة.
هَذِه المجمُوعة القصصية هي إضافة جديدة لعالم القصة القصيرة وتقنياتها في عُمان؛ فهي كعمل أدبي تحملُ لوحة متنوعة واضحة المعالم، لها دلالات عميقة في معانيها وتوجهاتها الإنسانية والفنية، تستحق القراءة والتأمل، مُتمنِّيا لأخينا العزيز سعود البلوشي كلَّ التوفيق في حياته العملية والإبداعية.

رواية "جبرين.. وشاء الهوى"

صَدِيقُنا الدكتُور سعيد السيابي له رواية جميلة بعُنوان: "جبرين.. وشاء الهوى"، وظَّف فيها التاريخ لخدمة جَمَال الخيال الروائي، ليخرج بتحفة إبداعية، تحرِّك وجدان القارئ ومشاعره الإنسانية.. الرواية متوفِّرة في رُكن الكتاب بمهرجان مسقط، وهي من منشورات بيت الغشام.. كُل التحية لأخي الدكتُور سعيد السيابي، مُتمنيا له دوام التوفيق.

السبت، 27 يناير 2018

دورة الحياة

الشجرة ككل الكائنات الحية؛ تمرُّ بمراحل عمرية متتابعة، وعندما تشيخ لا تستسلم أبدا لمنغصات الحياة، تظل تقاوم فتقاوم، وإذا ما حضرت النهاية، تموت وهي واقفة بشموخ.
انظروا إلى جذع هذه الشجرة من الأنبا في حيل الغاف، فنصفُها قد يبسته الدهور وشقاء الأيام، ونصفها الآخر مخضرٌّ مُبتهج بالحياة.. مئات السنين مرت على يد مخلصة حملت هذه الشجرة وهي فسيلة غضة، حفرت الأرض بيدها، وشقت السواقي، وعملت بجهد وإخلاص، لكي ننعم ونتأمل اليوم ما أنجزته تلك الشخوص، المحبة دوما للأرض وتِبرها.

أصوات البحر

نُبَارك لأخي وصديقي العزيز سعود البلوشي صُدُور مجمُوعته القصصية الأولى "أصوات البحر"، قضيتُ صباحات ومساءات إجازتي الأسبوعية بَيْن ظهراني هذا المعلم الشامخ "الصيرة"، وتجشَّمتُ الصِّعاب هذا الصباح لتسلُّق جبلها الأشم، مُتلمِّسا أحداثا وحكايات وقصصا، ومتخيلا لحظات الإلهام التي أبدع فيها الكاتب عصارة ذكرياته وتخيلاته الأدبية، وسبكها بطريقة إبداعية من خلال مجمُوعة من القصص القصيرة، المحبوكة بطريقة فنية شائقة، يُسْمِعك من خلالها ذكريات الزمان والمكان، وتسمع عبرها سيمفونية رائعة، تعزفها حويريات ونوارس الصيرة وأصوات البحارة وكائنات البحر.. ستكُون لي قراءة انطباعية لهذه المجمُوعة قريبًا.

الطيور في حركتها

تُحلِّق ساعية إلى حيث رزق الله، تحلِّق عالية إلى حيث قدر الله، تقطع المسافات من وطنها إلى حيث الدفء والأمان.

الثلاثاء، 23 يناير 2018

صخرة قوية

عُمان صخرة قوية، لا تزعزعها تقلبات قلوب الحاقدين.. لا تلتفتوا إلى ترهاتهم، وليكن العمل والإنجاز وسيلة للجم أفواههم.

الأحد، 21 يناير 2018

عرق الفضة

العُمانيون يطلقون على "القت" بعرق الفضة.. فيه بركة عظيمة، منه ما يُسمى باللهجة الدارجة بـ "الحولي"، وآخر بـ "الصوري"، والأول يعمر أكثر من الآخر، ويزرع في جلب مربعة، في ضواحي واسعة، له خضرة داكنة وزهر يميل إلى اللون البنفسجي.. وعندما يجز القت ينمو من جديد، يسمى حينها "نضار"، وإذا انحنيت سنابله المحملة بالبذور يتم خرطها باليد، ثم تداس بعدما تجف بعصى غليظة تُسمى المقشاع أو القدف، وذلك على أرض صلبة تُسمى "الجنور"، وبقايا تلك السنابل تُسمى "سبوس"، وأعواد القت اليابسة تُسمى "سوارة"، تقدم عادة كطعام للماشية، ويباع القت بالمن، وبالربطة، ولبذوره قيمة مرتفعة، يباع أيضًا بالمن، والمن يعادل عادة أربعة كيلوجرامات..

بوسنسلة

نماء زراعي في زراعة شجرة أو نبات الموز.. في عُمان هُناك شجرة نادرة للموز تُسمى "بوسنسلة"، لها ساق أو جذع طويل وثمارها صغيرة، لها طعم لا يضاهيه فاكهة أخرى، أكثر انتشارًا وجَوْدَة في بعض قرى قُريات.

الصردة

زمان، إذا اشتدَّ البرد، وصفت تلك الفترة "بالصردة"، فيتحاشون الخروج لقسوة البرد وتأثيره، فيلتم الجميع أمام الكانون، ويكثُر استخدام الملالة، كما لا يفسلوا الصرم والشجر لبرودة الأرض، وإذا ما ظهر قب النبات، قيل عندها: "إذا ساح النبات؛ بين يجيك الليل بات"؛ علامةً على انتهاء فترة الصردة؛ وعدم تأثيرها على الجسد.

الاثنين، 15 يناير 2018

إنها نعمة جلّى

المتأمِّل في الواحات الزراعية والكثير من القرى العُمانية؛ يجد أغلبها تقع على ضفاف الأودية، وعلى قمم ومساقط الجبال الوعرة الشاقة، فهُناك علاقة بين الإنسان والجبال مُنذ القدم، فهي منبع المياه، ومصدر أسباب استقرار الحياة، فشق العُمانيون فيها قنوات الأفلاج ونحتوا الصخر بأيديهم من أجل أن يزرعوا النخل والزرع، فأصبحت قراهم جنات خضراء تنعم بالسكينة والهدوء. وعلى الرغم من صعوبة تلك التضاريس تجد اليوم خدمات التنمية تشق طريقها إلى تلك الأمكنة مهما كانت التكلفة.. نعمةٌ جلى تستحق الاعتناء.

العمارة العُمانية

الأبراج والقلاع الدائرية سماتٌ تمتازُ بها العمارة العُمانية، رقيٌّ في التصميم، وجمالٌ في الزخرفة والبناء، وتطوُّر في استخدام المواد من البيئة، واختيارٌ دقيق للموقع.

مشرُوع سياحي جديد سيرفد الاقتصاد

في العام 2012م، اجتهدتُ بتقديم مُقترح بإنشاء شركة أهلية تحت مسمى "شركة قُريات للاستثمار والتطوير السياحي"، وأخذ المُقترح مجراه من النقاش بين أبناء الوُلاية وخارجها، واستفاد من فكرته بعض الأصدقاء في عدد من الولايات، وجرى ما جرى بشأنه.
اليوم، وأنا أشَاهِد حفلَ وضع حجر الأساس لمشرُوع "شركة قُريات للتطوير"، وما يحملُه من بُشرى لأبناء الوُلاية من حِرَاك اقتصاديٍّ واستثماريٍّ، شعُرت بفرحة غامرة؛ لأن تحفة سياحية في عُمان تم استثمارها بصُورة صحيحة وفي الوقت المناسب.
نُرحِّب بهذا المشرُوع السياحي والحيوي في قُريات، وشكرًا للشيخ الجليل هلال بن خالد المعولي على تبنيه المشرُوع، مُتمنِّين لهذه الشركة التوفيق والنجاح في تحقيق أهدافها: الاقتصادية، والوطنية.

الأحد، 14 يناير 2018

وجهة نظر

في العام 2016م، كتبتُ وجهة نظري تجاه توجُّه دُول مجلس التعاوُن لدول الخليج العربي لتطبيق ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات. سارعتْ بعضُ الدول في تطبيق هذا التوجه مع بداية هذا العام 2018م، وقد رأتْ السلطنة حينها التريُّث في تطبيق هذه الضريبة لمزيد من الدراسة والاستعداد فنيًّا وتشريعيًّا، وهو توجُّه حكيم، نُقدِّره جميعا.
في ظلِّ الوضع الاقتصادي الراهن، وما صَاحَب تطبيق هذه الضريبة في بعض دُول مجلس التعاوُن الخليج من جوانب سلبية، باتت آثارها ظاهرة على حركة التجارة لديها؛ الأمر الذي أحدث تراجعا في بعض أنشطتها.
نأمَل استمرار قرار التأجيل وعدم التسرع في تطبيق هذه الضريبة لدينا في السلطنة، حتى وإن بدت بوادر الانتعاش الاقتصادي ظاهرة خلال الفترة المقبلة؛ فالمُجتمع وحجم السوق والمُؤسسات التجارية -خاصة الصغيرة والمُتوسطة- لم تعد مُهيَّأة للتعامل مع هكذا توجُّه.

الجمعة، 12 يناير 2018

نحت الرياح

هُناك بين الجبال، تنحتُ الرياح مُجسَّمات؛ تشبه الزهر ورُؤُوس البشر، لكي تكسر الوحشة، وتجمل وتحرس المكان.. تحمل الرياح حبات الرمل الملونة؛ وتنثرها على مساحات واسعة من الأرض، فتبدو للناظر كسجادة ناعمة قد فرشت، لتمرح عليها كل الكائنات بأمن وسلام.

الخميس، 11 يناير 2018

أزهار ملونة

انتشارُ الزهور الملونة في قلب المدينة مَدْعَاة للتمتُّع بالجمال.. شكرًا بلدية مسقط، ونأمل منها أن تعمِّم الفكرة على بلدياتها بجميع الولايات.

الأربعاء، 10 يناير 2018

تكامل

تلتمُّ النوارس في تجمُّع يلفُّ بعضها البعض لمواجهة الريح العاصف وعسف الرمال. وما إن تسكن الريح، حتى تجدها تحلق عاليا الواحدة تلو الأخرى، في مشهدٍ تكامليٍّ لمعنى التعاوُن.

الثلاثاء، 9 يناير 2018

الأبلة

نسمَع كثيرًا مفردة "أبلة" ضمن لهجتنا الدارجة، خاصة في مدارس البنات، حيث ينادون المعلمة "أبلة أو أبلا"، من باب التقدير.. هذه المفردة من الألفاظ الدخيلة على لهجتنا الدارجة، ويقال إن أصلها من اللغة التركية؛ بمعنى الأخت الكبيرة. ولكن: كيف أتت إلينا؟ مع العلم أن استخدامها حديثًا مع افتتاح المدارس الحديثة؛ فقديما كان يُنَادَى على من يقوم بالتدريس في المدارس التقليدية بالمعلم أو المعلمة.
المتأمِّل في لهجتنا الدارجة، يجد الكثير من الألفاظ الأعجمية تُتداول في حديثنا اليومي، وهذا أمرٌ ليس بالغريب، فقوَّة أي لهجة تكمُن في قُدرتها على استيعاب ما هو جديدح؛ نظرا لتداخل وتلاقي الثقافات بين الأمم.
ولكن السؤال: كيف دخلتْ بعضُ ألفاظ اللغة التركية إلى عُمان؟ فبلادنا لم تخضع يومًا للدولة العثمانية القديمة، وإنما هُناك بعض المحاولات والمناوشات العسكرية التي حدثتْ في فترة التواجد البرتغالي في بعض السواحل العُمانية، ولم تَدُم طويلا.
فيما أعتقد أنَّ سبب وُجُود هذه المفردات في لهجتنا الدارجة هو الجاليات العربية التي كانت -ولا تزال- تعمل في بعض المهن؛ من بينها: مهنة التعليم، ومن بين تلك الكلمات مفردة: أبلة، وهُناك أيضًا مفردات أدخلها العُمانيون بأنفسهم، خاصة الذين كانوا يعملون في بعض دُول الخليج العربي -من بينها الكويت- وهي دخلت إليهم أيضًا عن طريق العراق، بحكم الجوار الجُغرافي.

السبت، 6 يناير 2018

الجمعة، 5 يناير 2018

كأس الخليج لكرة القدم 2018م

إنجازٌ رياضيٌّ نفخرُ به.. شُكرًا للجميع على دعمهم وجُهُودهم، شكرا للكويت الشقيق على كرم الضيافة وحُسن التنظيم.

تجليات

"وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ"