الثلاثاء، 26 أبريل 2022

قدمي

 

تنوع




 

البجلي.. الضوء الذي بدد حلكة الليل

فِي الخمسينيَّات والستينيَّات والسبعينيَّات مِن القَرن المُنصَرم، ومَا إنْ تَلوُح بَشَائر خَيرَات فَصْل القَيظ، تَزدَهِر قرية حِيل الغَاف بالحَرَكة والنَّشَاط، كمَهرَجَان اجتماعيٍّ وثقافيٍّ وسياحيٍّ لا مَثِيل له، فكَان يقصُدها الكَثِير مِن النَّاس مِن كلِّ مَكَان في عُمان للإقامَةِ والاستِجْمَام، يأتُون مِنَ الشَّرقية والبَاطِنة ومَسْقط ومَطْرح، فيَعتَرِشُون ظلالَ أشجارِ المَانجُو طَوَال مَوْسم القَيظ، فيَبنِي البعضُ بيوتَ السَّعف المؤقَّتة تَحْت أغصانِ تِلكَ الأشجارِ الضَّخمَة، فِيمَا يُقيم البَعْض فِي ضِيَافة أموَالهم الخَضْراء.. كَانَت بَسَاتين حِيل الغَاف مَفتُوحة عَلى مِصرَاعَيها للقريبِ والبَعِيد، دُونَ جُدر أو أَسوَار، فيَهْرَع الجميعُ مَعَ بزوغِ الفجرِ لرقَاط أو التِقَاط مَا تَنثُره أشجارُ المَانجُو والنَّخِيل؛ حَيثُ جَرَى العُرف على مَجانيَّة جَمْع مَا تنثُره الأشجارُ في مَوسِم القَيظ، وفِي ذَلِك سِمَة رَاقِية للتَّعَاون بَين النَّاس في ذَلِك الزَّمَان.
فِي ذَلِك الزَّمن ظَهَر مَا يُعرَف بالبجَالي (الوَاحِدة بجلي)؛ وهِي مَصَابيح تعملُ بالبطارِيَّة الجَافَّة، فاستغلَّ البعضُ هَذِه المَصَابيح للرقَاط فِي هَجْعَة الليل وحَلكَة الظَّلام، فاشتكتْ بَعْض الأسرُ مِن هَذا الحَدَث، فنُودِي أو نُهِم في سُوق الحِيل بمَنْع الرقَاط إلا بَعْد انشقَاقِ الفَجْر، مُرَاعَاةً للخُصُوصيَّة وحتَّى يعمَّ الخَيْر الجَمِيع.
فِي فَتْرة المَسَاء تتجمعُ تِلك الحُشُود البشريَّة فِي مَهْرَجان فنيٍّ وثقافيٍّ، فتزمَّط الرَّزحَة والمَيْدَان والزفَّة والتنجيلية، ويتَبَارى كِبَار الشُّعراء مِن كلِّ مَكَان في عُمان بأَجْمَل القَصِيد، وتستمرُّ تِلك المُبَارَزة الأدبيَّة والإيقَاعَات الفنيَّة إلى سَاعَات مُتأخِّرة مِن المَسَاء فِي كلِّ يَوْم.
ومَا إنْ ينتَهِي مَوسِم القَيظ ويتمُّ تَبسِيل المبسَلِي وتُعصَر أعوادُ قَصَب السُّكر، تَعُود هَذِه الأُسَر بمَخزُون وَفِير مِن خَيرَات القَيْظ وجَرب التُّمُور، ليَكُون لَهُم
مَخزُون غِذَاء إلى العَام التَّالِي.
تَفَاصِيل القَيْظ وعَادَاته وفنُونُه وحَكَاياتُه ومُصطلحَاتُه ومُفرَداتُه ومُعدِّاتُه القَدِيمة، وثَّقتُهَا وسطَّرتُهَا فِي الطَّبعةِ الثَّالثة مِن كِتَابي: "قُرَّيات.. مَاضٍ عَرِيق وحَاضِر مُشرِق"، و"قُريَّات.. عَرَاقة التَّارِيخ ورَوْعَة الطَّبيعَة"، وفِي الطَّبعة الثَّانية مِن كِتَاب: "قُريَّات.. مَلَامِح مِن التُّراثِ الزراعيِّ والبحريِّ".

 

الاثنين، 25 أبريل 2022

حديث الذاكرة مع الأخ عبدالله الصخبوري

عَصْرَ اليوم، زُرت وتجولت في بساتين وحدائق حيل الغاف الخضراء، للنزهة والتأمل، فهي مقصدي دوما بين فترة وأخرى، خاصة في هذه الأيام؛ حيث تحتفل حيل الغاف بموسم ملكة الفواكه (الأمبا).. بلدة كريمة؛ زاخرة بمنتجات وفيرة من روائع موسم هذا الصيف، الكريم بخيراته العظيمة الواسعة. الفلج يسيل بغزارة في جداوله الرقراقة، مياه عذبة فرات، باردة زلال، تلطف الأجواء الساخنة، وخضرة ممتدة؛ تريح النفس، وتدهش الفكر، وتبهج الأنظار، وتأسر القلوب، وتسلب الألباب.
مُصادَفة طيبة، التقيت الصديق والأخ عبدالله بن علي بن بشر الصخبوري بين ظلال أشجار الأولية والثانية الوارفة ونخيلها الباسقة، في مواجهة ضواحي وبساتين المنطولة والخضراء والبصرة بجمالها الأخاذ، وهي أحد تقسيمات ضواحي حيل الغاف الغناء، فهكذا هي بساتينها وأشجارها تحمل مسميات قديمة وجميلة، ذات دلالات لغوية ومكانية وطبيعية، بعضها تحمل أسماء مدن عربية؛ منها: صنعاء، البحرين، أبوظبي، البصرة والقطيف.. كان بيننا حديث الذكريات، فالحديث إليه لا يمل، هي مساحة طيبة من الأخوة والقناعة والرضا. يُبهرك تواضعه وسعة أفقه وأخلاقه الرفيعة، ابتسامته الصادقة وطلاقة وجهه البشوش وحديثه الراقي تضفي على المستمع الراحة، وتزرع في القلوب ودا ومحبة لشخصه. يتذكر طوي بين جواري وجمالها ونخيلها السامقة في المعلاة؛ ذاكرة والده وجده، قبل انتقال والده إلى حيل الغاف ويستقر فيها.
وفي الستينيات من القرن المنصرم، هاجر إلى دولة الكويت الشقيقة والتحق بجيشها الباسل، وترقى في رتبه حتى وصل رتبة رقيب، تميز في عمله بحب وإخلاص ووفاء، أحبه قادته لشجاعته وقدراته. كان أحد الجنود المغاوير في كتيبة المغاوير الكويتية في لواء اليرموك بالجهراء أو الجهرة الكويتية، التي التحقت في العام 1967م بالفرقة السابعة في الحدود الشرقية بسيناء المصرية بحرب 67 للذود عن حياض ومقدسات الأمة العربية. له ذكريات بطولية في جبهات المعارك ومسرح عمليات القتال في رفح والعريش والإسماعيلية، يتذكر ضربات الطيران الإسرائيلي وأحداث الحرب، وبطولة جنود مصر الأشاوس ومن ساندهم من جنود العرب الكرماء.
ومن الأحداث المحفوره في سجل ذكرياته: وهو في طريق عودته من سيناء متوجها إلى القاهرة، بعد مهمة عمل، وقع له حادث سير أليم في أحد طرق صحراء سيناء، أصيب فيه إصابة بالغة في صدره وكتفه، وكذا هم من كانوا معه في السيارة من الكويتيين، يتذكر منهم: علي أحمد الأنصار، وإبراهيم الخشرم لاعب القادسية المعروف، جراء هذا الحادث -الأليم على نفسه- توفي رفيقه علي الأنصار، بينما نُقل وسعف عبدالله الصخبوري إلى مركز طبي للجيش المصري تحت الأرض، ثم نقل بالطائرة إلى القاهرة ليستكمل علاجه في مستشفى المعادي، ثم إلى الكويت.. عاد بعدها إلى وطنه ومسقط رأسه في إجازة مفتوحة بأمر من اللواء الشيخ عبدالله المبارك الصباح، واستقر في قُريَّات لعدة أشهر، بعدها طلب بموجب برقية عاجلة ضرورة العودة إلى الكويت، وعلى الرغم من معارضة أهله وإخوانه للعودة، إلا أنه قد أصر على الوفاء بقسم الجندية، فعاد إلى الكويت، ليقدم حينها استقالته ويسلم عهدته العسكرية، لم تُقبل استقالته، وعرضت عليه عدة مميزات وحوافز، لتكملة مشوار عمله، بما فيها منح الجنسية الكويتية، إلا أنه رأى أن وطنه عُمان في القلب والوجدان قد سكن واستقر، فعاد إلى وطنه مع من لبَّى النداء، ليكمل مشوار الحياة، ويشارك في مسيرة البناء والتنمية، مع بداية النهضة المباركة.
عبدالله الصخبوري أيضًا شخصية رياضية قديمة، في فترة إقامته في دولة الكويت أسس مع زملاء له "نادي شباب عُمان"، ثم أسسوا نادي الحيل. ومع عودته في السبعينيات، كان أحد المؤسسين لنادي قُريَّات. وعلى مستوى بلدته الجميلة حيل الغاف، كان أحد الأعمدة المؤسسة لفريق الحيل، الذي يعد أحد الفرق الرياضية العريقة، التي تم تأسيسها في ولاية قُريَّات في بداية عقد السبعينيات.
وبينما الشمس قد أَذِنت أشعتها الذهبية بالأفول، وهي تغيب مودعة رويدا رويدا خلف شمم الجبال وقمم الأشجار، ودعت عبدالله الصخبوري، بعدما التقطتُ معه صورة لذاكرة المكان والزمان، ثم قفلت راجعا إلى بيتي، لأكتب سرد اللقاء والذكريات.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي.
25/ 4/ 2022م

"لا تُنهكوا وجه الأرض.. فإن شحمها في وجهها"

الثلاثاء، 19 أبريل 2022

شكّاع.. من تراثنا الطبيعي

نزهة في المزارع

خضراء يانعة، ومياه عذبة جارية.

الخبيل.. حيث الماء يعزفُ سيمفونية الجَمَال

 

 

هَذا المنظر من الخبيل بولاية قريات، وهو مكان رائع يتوسَّط بين المزارع وحيل الغاف، وهو عبارة عن منخفض بين جبليْن؛ لهذا سُمي باسم "الخبيل"، ويُشكل الخبيل منتجعا سياحيا طبيعيا، ويمكن الوُصُول إليه عبر طريق المزارع.
هذه الأيام تتدفَّق فيه المياه مُشكِّلة مجرًى طبيعيا للفائض من سد وادي ضيقة، وهذا المكان أيضًا المغذِّي الطبيعي لفلج حيل الغاف، ويُمكن للزائر أن يُشاهد على حواف الجبل آثارَ فلج حيل الغاف القديم، إلا أنَّ الوُصُول إليه يفضل بسيارة الدفع الرباعي.
فُرصة للاستمتاع بالهدوء والسكينة، وبجمال الطبيعة والجُغرافيا، والانتعاش بالمياه الباردة في هذا الصيف الرائع، وسط نسمات ممتعة تريح الجسم والفكر بعد عناء ونصب.

السبت، 16 أبريل 2022

اللهم آمين

المتق "حشرة دوباس النخيل" يرتع بلا هوادة في نخيل المزارع.. نسأل الله اللطف والرحمة بهذه الشجرة المباركة.

الأحد، 10 أبريل 2022

ذاكرة الأزمنة

يلتقط حبَّات الخلال الخضراء، يجمع أصحابه ليلعبوا معًا، يغرس السلاة في قمعة الخلالة، يديرها بقوة على أرضية صلبة، تدور الخلالة وتدور وتدور.. مُحدِثَة بهجة لأطفال حارته.

ذكرى الصديق خلفان التمتمي

الأخ والصديق خلفان التمتمي.. زميل عمل لعقود من الزمن في مكتب الوالي، كان وجها بشوشا سمحا، عرف ببساطة تعامله مع الناس وتواضعه الجم، واحترامه للصغير والكبير. صاحب أخلاق رفيعة وقلب أبيض نقي، يحبه كل من يلقاه ويتحدث إليه، فدمعته تسبق محياه لمن عرفه. له خبرة واسعة في العلاج الشعبي، خاصة تجبير الكسور، فكم من مريض شفي على يديه. كان أيقونة "القرية التراثية" منذ انطلاقتها في قُريَّات، وأيام مهرجان مسقط، كانت كفة حبل الطلوع بألوانها الزاهية، التي صاغها بأنامله المبدعة، محطة مهمة في المهرجان.
في هذه الأيام المباركة، يُودِّعنا خلفان إلى دار القرار ورحاب الجنان، بإذن الواحد المنان.. رحمة الله على روحه الطاهرة النقية، ستبقى ذكراه في القلب محفورة راسخة لا تنسى.

بحر عُمان

 

السبت، 9 أبريل 2022

ذاكرة الأمكنة

تقف شامخة؛ مُستقبلة السياح من كل مكان، للتأمل في ثباتها وقوتها وجمالها وتاريخها المشرق، المحفور في كل جزء من جسمها الخشبي، المعطر برائحة الساج، وبذكريات تلك اللمسات العُمانية التي صنعتها، وذكريات تلك الأرواح التي ولجت من خلال فرختيها -محنية أو رافعة الرأس- إلى أسرار ودهاليز الحياة ومفارقات الزمن.
ما زالت صامدة رغم مُضي أكثر من مائتي عام على أول يد عُمانية، ثبتتها بين أضلعي جدار طيني، جلبت مدرته من الغافية وطين الراحضي، وتمَّ حشوه بحصى جبل قشاروه الجيري وصفا وادي مجلاص الناعم الملمس، وتم صبغه وتشبيعه بنورة بيضاء، مصنوعة من حصى جيري، فتتها مهبة لاضية في المعلاة وعفا والكريب، ولجمال تلك النورة فهي دوما تشع بنور ولون السلام.
هي سِجل تاريخي لأحداث عبر زمن طويل، تُحدثك بها كلما أصغيت إلى حديثها الشيق المرهف، وركزت في تفاصيلها الدقيقة، وأمعنت النظر في جسمها الصلب، الذي اكتوى بنوائب الزمان وأحداث الدهر.
وعلى الرغم من ذلك، فهي أيضًا تقابلك بزينتها الباهرة ونقوشها المزهرة، التي صاغتها ورسمتها أنامل ماهرة، عرفت قيمة الجمال في وقت شدة البأس بين الرجال، لتقول: إنَّ الجمال بتنوعاته وتفرعاته هو سر هذا الوجود.

"مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ"

 

تجربة تستحق الشكر

لأول مرة.. شوارع في حيل الغاف تضاء بالطاقة الشمسية.