عَصْرَ اليوم، زُرت وتجولت في بساتين وحدائق حيل الغاف الخضراء، للنزهة والتأمل، فهي مقصدي دوما بين فترة وأخرى، خاصة في هذه الأيام؛ حيث تحتفل حيل الغاف بموسم ملكة الفواكه (الأمبا).. بلدة كريمة؛ زاخرة بمنتجات وفيرة من روائع موسم هذا الصيف، الكريم بخيراته العظيمة الواسعة. الفلج يسيل بغزارة في جداوله الرقراقة، مياه عذبة فرات، باردة زلال، تلطف الأجواء الساخنة، وخضرة ممتدة؛ تريح النفس، وتدهش الفكر، وتبهج الأنظار، وتأسر القلوب، وتسلب الألباب.
مُصادَفة طيبة، التقيت الصديق والأخ عبدالله بن علي بن بشر الصخبوري بين ظلال أشجار الأولية والثانية الوارفة ونخيلها الباسقة، في مواجهة ضواحي وبساتين المنطولة والخضراء والبصرة بجمالها الأخاذ، وهي أحد تقسيمات ضواحي حيل الغاف الغناء، فهكذا هي بساتينها وأشجارها تحمل مسميات قديمة وجميلة، ذات دلالات لغوية ومكانية وطبيعية، بعضها تحمل أسماء مدن عربية؛ منها: صنعاء، البحرين، أبوظبي، البصرة والقطيف.. كان بيننا حديث الذكريات، فالحديث إليه لا يمل، هي مساحة طيبة من الأخوة والقناعة والرضا. يُبهرك تواضعه وسعة أفقه وأخلاقه الرفيعة، ابتسامته الصادقة وطلاقة وجهه البشوش وحديثه الراقي تضفي على المستمع الراحة، وتزرع في القلوب ودا ومحبة لشخصه. يتذكر طوي بين جواري وجمالها ونخيلها السامقة في المعلاة؛ ذاكرة والده وجده، قبل انتقال والده إلى حيل الغاف ويستقر فيها.
وفي الستينيات من القرن المنصرم، هاجر إلى دولة الكويت الشقيقة والتحق بجيشها الباسل، وترقى في رتبه حتى وصل رتبة رقيب، تميز في عمله بحب وإخلاص ووفاء، أحبه قادته لشجاعته وقدراته. كان أحد الجنود المغاوير في كتيبة المغاوير الكويتية في لواء اليرموك بالجهراء أو الجهرة الكويتية، التي التحقت في العام 1967م بالفرقة السابعة في الحدود الشرقية بسيناء المصرية بحرب 67 للذود عن حياض ومقدسات الأمة العربية. له ذكريات بطولية في جبهات المعارك ومسرح عمليات القتال في رفح والعريش والإسماعيلية، يتذكر ضربات الطيران الإسرائيلي وأحداث الحرب، وبطولة جنود مصر الأشاوس ومن ساندهم من جنود العرب الكرماء.
ومن الأحداث المحفوره في سجل ذكرياته: وهو في طريق عودته من سيناء متوجها إلى القاهرة، بعد مهمة عمل، وقع له حادث سير أليم في أحد طرق صحراء سيناء، أصيب فيه إصابة بالغة في صدره وكتفه، وكذا هم من كانوا معه في السيارة من الكويتيين، يتذكر منهم: علي أحمد الأنصار، وإبراهيم الخشرم لاعب القادسية المعروف، جراء هذا الحادث -الأليم على نفسه- توفي رفيقه علي الأنصار، بينما نُقل وسعف عبدالله الصخبوري إلى مركز طبي للجيش المصري تحت الأرض، ثم نقل بالطائرة إلى القاهرة ليستكمل علاجه في مستشفى المعادي، ثم إلى الكويت.. عاد بعدها إلى وطنه ومسقط رأسه في إجازة مفتوحة بأمر من اللواء الشيخ عبدالله المبارك الصباح، واستقر في قُريَّات لعدة أشهر، بعدها طلب بموجب برقية عاجلة ضرورة العودة إلى الكويت، وعلى الرغم من معارضة أهله وإخوانه للعودة، إلا أنه قد أصر على الوفاء بقسم الجندية، فعاد إلى الكويت، ليقدم حينها استقالته ويسلم عهدته العسكرية، لم تُقبل استقالته، وعرضت عليه عدة مميزات وحوافز، لتكملة مشوار عمله، بما فيها منح الجنسية الكويتية، إلا أنه رأى أن وطنه عُمان في القلب والوجدان قد سكن واستقر، فعاد إلى وطنه مع من لبَّى النداء، ليكمل مشوار الحياة، ويشارك في مسيرة البناء والتنمية، مع بداية النهضة المباركة.
عبدالله الصخبوري أيضًا شخصية رياضية قديمة، في فترة إقامته في دولة الكويت أسس مع زملاء له "نادي شباب عُمان"، ثم أسسوا نادي الحيل. ومع عودته في السبعينيات، كان أحد المؤسسين لنادي قُريَّات. وعلى مستوى بلدته الجميلة حيل الغاف، كان أحد الأعمدة المؤسسة لفريق الحيل، الذي يعد أحد الفرق الرياضية العريقة، التي تم تأسيسها في ولاية قُريَّات في بداية عقد السبعينيات.
وبينما الشمس قد أَذِنت أشعتها الذهبية بالأفول، وهي تغيب مودعة رويدا رويدا خلف شمم الجبال وقمم الأشجار، ودعت عبدالله الصخبوري، بعدما التقطتُ معه صورة لذاكرة المكان والزمان، ثم قفلت راجعا إلى بيتي، لأكتب سرد اللقاء والذكريات.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي.
25/ 4/ 2022م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.