الجمعة، 21 نوفمبر 2014

ألم

أتيتما إلى الدنيا لبُرهة من أجل توديعي وترك ما فيها
الحزن يغلبني.. والذكرى تؤلمني.. ونور وجهيكما لا يفارقني

الخميس، 20 نوفمبر 2014

مشاعر طيبة


العُمانيون يُسطِّرون ملحمة وطنية رائعة بمناسبة يوم النهضة المُباركة والعيد الوطني المجيد.. حفظ الله عُمان وقائدها المفدى.

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

الابتكار في عُمان

العُمانيون مُنذ القدم كان الابتكار ديدنُهم؛ لأن الابتكار لديهم هو من أجل القضاء على ألم الحاجة لشيء يُلبي مُتطلبات الحياة.
فلمَّا استعصى عليهم وُجُود الأنهار في بلادهم، حفروا الآبار، ومدوا سواقي الأفلاج في بطون الأودية وقِمم الجبال، كمنظُومة اجتماعية واقتصادية وزراعية وإدارية تُبهر الألباب.
اخترعوا نظام الزاجرة لرفع مياه الآبار، وهي تقنية مُتقدمة مقارنة بظرُوف زمانهم وإمكانياتهم.
وعِنْدَما واجهوا صلادة الجبال الشاهقة، وعدم توافر الأرض المنبسطة، اخترعوا المدرجات لزراعة ما لذَّ وطاب من أشجار ومزروعات ونباتات؛ فكانت مروج خضراء.
انظُروا إلى مدرجات الجبل الأخضر في داخلية عُمان، وغيرها من المدن والقرى العُمانية؛ فهي تُنبئ بالعلم اليقين.
وعندما استعصتْ عليهم سُبل المواصلات للاتصال والتواصل مع العالم للتبادل المعرفي، لصعوبة التنقل عبر هذه الجبال مترامية الأطراف، ووُجُود السدود الرملية المحيطة بالربع الخالي، اتجهوا نحو البحر فصنعوا السفن، ومخروا عُباب البحر والمحيطات، واكتشفوا العالم الآخر من المحيط، وصنعوا المعدات والآلات التي تُعينهم لتحديد وجهاتهم في هذا البحر الواسع، وللتغلُّب على مشاقه وصعوبات الإبحار عبر شواطئه الممتدة، فنقلوا العلوم وأسَّسوا حضارة، وبنوا علاقات إنسانية يتحدث عنها القاصي والداني في مشرق الأرض ومغربها، وكان لهم مجدٌ يشار إليه بالبنان حتى اليوم.
هَكَذا أيضًا في مجالات: الأدب، واللغة، والفقه، والسياسة، والإدارة، والتجارة والصناعة، وكافة العلوم الاجتماعية والإنسانية والمعرفية؛ فلهم فيها ريادة عظيمة تحتاج إلى تأمل.
كَم نحنُ بحاجة الآن إلى تأصيل ذلك التاريخ في فكر ووجدان جيل هذا اليوم والأجيال القادمة، لا بد من توجه مشترك لكافة أطراف وشركاء التنمية الإنسانية -حُكُومة، قطاعا خاصا، مُنظمات المُجتمع المدني، القطاع الأهلي، مُؤسسات تعليمية وأكاديمية، مفكرين وأدباء وإعلاميين- في بلادنا الغالية من أجل الاهتمام بموضُوع الابتكار لصناعة المُستقبل. ولا يقتصر ذلك على الصناعة فحسب، وإنما يجب أن يشمل مُختلف مجالات علوم المعرفة، بما فيها العلوم الإنسانية.
العالم اليوم في تنافس شديد، وشديد جدا من أجل الوُصُول إلى تحقيق التنمية والاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار كركيزة أساسية للانطلاق نحو المُستقبل بثبات وكفاءة وفاعلية وتميُّز.

رسمة.. مشاعر طفل



زَمان، كانتْ الاختبارات النهائية في المدارس تشمل كلَّ المواد؛ ومنها: مادة الرسم (التربية الفنية).
وأتذكَّر كان المعلِّم يأخذنا إلى الحدائق والمزارع، أي إلى الطبيعة،  لمُمارسة هذا الفن؛ حيث يترك الخيال للطالب للرسم في الطبيعة.
هَذِه الرسومات ضِمن اختبارات المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، وجدتها في ملفي المدرسي.
تذكَّروا هي رسُومات طالب وليس رسامًا محترفًا.. إنَّها ذاكرة طفل.

الاثنين، 10 نوفمبر 2014

أول صُورة


عِندَما أشرقتْ شمسُ النهضة المُباركة في عُمان عام 1970م، انتشرت دُور العلم في كل مكان بسرعة البرق، مدرسة هنا ومدرسة هُناك، المهم هو التعليم، حتى تحت ظل الشجر، أو تحت خيمة من قماش.
فالتعليم كان أهم اهتمامات جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ- مُنذ بداية عهده المُبارك؛ فهو يقول: لا بد أن يتعلم الجميع ليسعد بهم الوطن.
تهافتتْ الناس كتهافُت الظمآن على الماء، كل واحد منهم متأبِّط ذراع ابنه أو ابنته إلى دُور العلم. لا يتطلَّب التسجيل أيَّ ورقة أو شهادة ميلاد، المهم أن ينجح الطفل في إقناع المعلم أو مدير المدرسة بأنه مؤهل لدُخُول المدرسة.
ولعلَّ الطريقة الوحيدة لتقدير ذلك هي ملامسة يدك اليُمنى لأذنك المعاكسة لها بعد رفعها من أعلى الرأس، وإذا لم تنجح ترى تلك الأم أو الأب يترجَّى ذلك المعلم بأنْ يفعل شيئا من أجل أن يدخُل ذلك الطفل المدرسة. كان هُناك شوقٌ للتعليم بعد ما حُرِم منه الكثير من أبناء عُمان.
قِيل لأبِي: يتطلَّب أخذ صُورة لهذا الطفل ذي الملامح البريئة لملفه الدراسي. أُخِذتْ إلى أوَّل لقاء لي بالكاميرا، جهاز ضخم على شكل صُندُوق مُغطَّى بقماش أسود، وضع في الساحة المفتوحة بالقرب من الحصن، وبالضبط أمام العيادة الصحية القديمة، التي بُنيت في عهد ما قبل النهضة المُباركة (تمَّ إزالتها في أواخر الثمانينيات بعدما بُني مستشفى جديد في مكان جديد).
وُضِعت على كرسيٍّ خشبي أمام تلك الآلة المجهُولة، المسماة العكَّاسة. الخوف يتملَّك قلبي مُتسائلا: ما الذي يحدث؟ كان خيالي متعلقا بالمدرسة. أدخل ذلك الشخص الغريب رأسه في ذلك الثوب الأسود، يُناديني: هيا شوف سيدة قدام، انظر إلى العدسة ولا تفتح فمك، ولا تتحرك. بحماس.. ضَغطتُ على فمي بقوة، وبحلقتْ بنظرة طفولية مُتسمِّرا على ذلك الكرسي، وما إن سمعت نقرة تشغيل الكاميرا.. قيل لي: انتهينا.
بعد دقائق، تسلمنا أول صُورة ضوئية في حياتي. ما هذا؟! إني أبدو جميلا يا أبي، ولكن لِمَ فمي ظهر هكذا؟! تَرَاك ضغطتْ على مزابلك بقوة أيها الطفل المدلل.. ليس هذا مُهمًّا، المهم هيا إلى المدرسة.
درسنا على يدٍ كريمة من المعلمين العُمانيين وغير العُمانيين -جزاهم الله خيرا- في مدرسة من الخيام، كان موقعُها في الساحل مكان ملعب النادي حاليا، ثم انتقلنا بعد فترة بسيطة إلى مدرسة بُنيت بالأسمنت في طوي الجهامي بالمعلاة، وقد ظلَّت تلك المدرسة تُشكل ذاكرة جميلة لكثير من جيلي، حتى تمت إزالتها قبل سنوات، لتصبح أرضًا فضاء بلا ذاكرة.
ومُنذ ذلك اليوم، الذي أُخذِت فيه أول صُورة لي، أصبحتْ تلك اللحظات الجميلة لا تفارقني؛ الأمر الذي أدَّى إلى تعلقي بصديقة اسمها كاميرا التصوير.
هَكَذا إذن تبدُو صُورتي الأولى في ملفِّي الدراسي، عند دُخُولي أول مدرسة في بلدي، مع بداية العهد الجديد في عُمان، التي اسمها مدرسة راشد بن الوليد في ولاية قُريات.

السبت، 8 نوفمبر 2014

قائد حكيم




"إنَّ أرض عُمان وأهلها في القلب والخاطر".
اللَّهم لك الحمد والشكر بأنْ أنعمتَ علينا بقائد حكيم، جعل من عُمان دولة عصرية، تتفيأ ظلال المجد والعزة والفخار.
مسيرة النهضة المُباركة تحت قيادته الحكيمة تخطو خطوات مُتواصلة بثبات نحو مُستقبل مشرق بإذن الله.

شكرًا

بالأمس، كُنت في جامع السلطان قابُوس الأكبر، وكان من بين الحاضرين سعادة السفير الإيراني، كان ودودًا يتحدَّث العربية بطلاقة.
سألتُه: لمَ أنت هُنا؟ أجابني: جئتُ لكي أسجد سجدة شكر وأدعو لجلالة السلطان مع إخواني العُمانيين.
وعبَّر عن محبَّته لعُمان وجلالة السلطان، وكان مُمتنًّا لدور جلالة السلطان في تحقيق السلام في العالم. كل الشكر لسعادة السفير على هذه المشاعر الطيبة.

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

إنها فعلا فرحة وطن

مساء يوم الثلاثاء الماضي، الرابع من نوفمبر المجيد، كُنت مُستغرقا في قراءة مُتواصلة لساعات متأخرة من الليل، لكتاب خطب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم، الصادر عن وزارة الإعلام؛ وذلك بهدف مُراجعة اقتباسات وومضات من خطب جلالته، ضمَّنتها في كتاب صدر لي عام 2013م بعُنوان "ملامح من تطوُّر النظام الإداري في سلطنة عُمان"؛ حيث أفردتُ فصلًا في هذا الكتاب أسميته "ومضات إدارية من النطق السامي لجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم"، حاولتُ فيه تقصِّي بعض المفاهيم الإدارية ضمن كلمات جلالة السلطان المُعظم، وكذلك ما يتعلَّق بتطوُّر النظام الإداري في السلطنة، الذي يعد أحد المُرتكزات الأساسية للتنمية في سلطنة عُمان، وأعمل حاليا على إصدار هذا الكتاب من جديد مع بداية العام المقبل، إذا أسعفتنا ظرُوف الحياة وكان للعمر بقية.
تأمَّلتُ كثيرا في خُطب جلالة السلطان المُعظم؛ فالقارئ لها يُمكنه أن يتابع نهضة عُمان الحديثة في مجالاتها المُتعددة مُنذ تأسيسها في العام 1970م وحتى اليوم، وهي أيضًا تنبضُ بإحساس القائد الملهم والمخلِّص لوطنه وشعبه وأمته، وتؤكِّد على وضوح الرؤية لجلالة السلطان المُعظم، وعمق رسالته، وصدق أهدافه للبناء والتنمية والرقي بالإنسان وتعظيم قدرات دولته.
والمُتمعِّن في عبارات تلك الخطب، يستنتج أنَّ جلالة السلطان المُعظم كان ولا يزال يمتلك نظرة مُستقبلية لعُمان مُنذ بداية عهده، وتلك النظرة لها أبعادٌ إستراتيجية لا يُمكن صياغتها إلا من قبل قائد حاذق، صاحب فكر سياسي واجتماعي واقتصادي، وقد استوعبَ مُجمل القضايا والأوضاع المحيطة بالدولة داخليا وخارجيا؛ سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية.
بعدما انتهيت من قراءة ذلك الكتاب، كتبتُ مقالا مُتواضعا عبَّرت فيه عن أهم السمات الإنسانية في خطب جلالة السلطان المُعظم عندما يُخاطب شعبه بأرقى العبارات والكلمات، وتطرَّقت أيضًا إلى مشاعر الفرح التي عمَّت عُمان من أقصاها إلى أقصاها بعد تناقُل خبر توليه مقاليد الحكم في الثالث والعشرين من يوليو المجيد عام 1970م.
وأشرتُ إلى الجُهُود الكبيرة، والمشاق والظرُوف الصعبة التي تحملها جلالة السلطان في بداية عهده؛ من أجل نشر خيرات التنمية وسعادة الإنسان العُماني، مُتسلِّحا بعزيمة وإصرار لكي يحقق النجاح رغم كل العراقيل والعقبات، وبتلاحُم صادق من قبل شعبه الوفي. كما انتابتني بعض مشاعر الاشتياق والقلق مصحُوبة بأمل مشرق، فسردتُها في جُمل نثرية، وتجدون ذلك المقال وتلك الجمل النثرية منشورة في هذه الصفحة في نفس يوم كتابتها.
باشرتُ عملي في صباح اليوم التالي كواحدٍ من أبناء هذا الوطن، كُنت مُستغرقا في ذلك الصباح البهيِّ في إنجاز المهام بكلِّ مشاعر الحب والولاء، وفجأة وإذا بالاتصالات تنهالُ من كلِّ مكان يُبشِّرون بخبر سعيد. لا أستطيع وصف تلك المشاعر الإنسانية التي شاهدتها من قبل العُمانيين وغير العُمانيين، حين بثَّت وسائل الإعلام خطابَ جلالة السلطان المُعظم، الجميع كان مُتسمِّرا لسماع كلمة بعد كلمة، وقلوب الجميع تنبض مسرعة كأنه ضخ فيها الدم من جديد.
خرجتُ من العمل، وإذا الشوارع مليئة بمسيرات الفرح، لا تجد شخصًا في الشارع إلا والابتسامة تملأ محيَّاه، مشاعر لقاء أب بأولاده بعد غياب. يُبهرك ذلك الطفل ذو السبع السنوات، الذي يستوقفك ليهديك علما أو صُورة لصاحب الجلالة، وعندما تسأله: لماذا هذا؟ يرد عليك: بابا قابُوس بخير، وطلعت صُورته في التليفزيُون. تفخَر كثيرا بجيل هذا اليوم وهم يخرجون من صفوفهم بعد سماعهم الخبر من أجل أداء سجدة شكر، والقيام بتأدية تحية العلم وترديد السلام السلطاني.
ما تسمعُه من كلمات مُعبِّرة من قبل الناس في حق جلالة السلطان يجعلك تبكي، خاصة من كبار السن الذين عايشوا سنوات ما قبل النهضة المُباركة وما بعدها، وأدركًوا قيمة النعمة التي يعيشها الجميع اليوم، مُقارنة بأيام صعبة وحالكة، يقول أحدهم: يا ولدي، لم نعرف طعم الراحة إلا في عهد جلالة السلطان، مدارس في كل مكان، مستشفيات عديدة، شوارع فسيحة تربط عُمان من أولها إلى آخرها، وسائل اتصالات للجميع، الكهرباء والمياه في كل منزل، مساعدات للفقراء والمحتاجين... وغيرها الكثير من الخدمات، وقبل كل شيء تحقيق العدل والأمن والأمان والاستقرار المُجتمعي، وهذا كل شيء في الحياة.
جميعُ المصلِّين في مساجد عُمان وجوامعها يُؤدون سجدة شكر لصحة جلالة السلطان، وترتجُّ تلك الجوامع بكلمة "آمين" بعد قراءة الدعاء لجلالة السلطان من قبل أئمة المساجد، وآلاف الذبائح نُحِرت من أجل رؤية جلالة السلطان بصحة وعافية.
على ماذا يدلُّ هذا؟ إنَّه الحب والتقدير والاحترام الذي يُكنه أهل عُمان الكرام الأوفياء لقائدهم وباني مجدهم؛ فقد أحبهم وأحبوه، وقدَّرهم وقدروه، ويُدرك العُمانيون تماما أن جلالة السلطان هو صِمام أمان لوحدة الصف، وترسيخ مبادئ وقيم الوحدة الوطنية والاجتماعية في عُمان.
هذه المشاعر السعيدة لم تقتصر على من يعيش على هذه الأرض الطيبة، بل تعدت حدود الوطن؛ فالعالم قد تفاعل مع الحدث إيجابيا، خاصة من قبل الأشقاء في دُول مجلس التعاوُن الخليجي والدول العربية المُختلفة، وهذا يعدُّ كرمًا منهم لما يكِنُّونه من تقدير لعُمان وقائدها المفدى.
فعُمان مُنذ بداية عهدها الجديد دولة ترتكز دوما على قيم العدل والسلام والمحبة في سياستها الخارجية، القائمة على الوضوح والحكمة والتعقل والهدوء والاتزان، وتتمني الخير للجميع، كما تبني مواقفها دائما بواقعية وحياد. لهذا؛ فعندما تنظر إلى خارطة العالم اليوم لا تجد دولة إلا وهي تربطها بعُمان علاقة محبة وصداقة واحترام متبادل.
الطلاب العُمانيون في الخارج لهم وقفة رائعة أيضا؛ فجميع وسائل التواصل الاجتماعي بثَّت مشاعرهم الصادقة بالفرح والسرور وتجديد الولاء لوطنهم وقائدهم، هكذا هم أبناء عُمان المخلصين دوما كِراما أوفياء.
خِطَاب جلالة السلطان المُعظم، يوم الأربعاء الماضي، مُدته أربع دقائق، لكنه حرَّك مشاعر ما يُقارب من أربعة ملايين من البشر على أرضها الطيبة، استطاعَ جلالة السلطان أنْ يمتلك قلوب شعبه بحكمة واقتدار، وبما حقَّقه من مُنجزات عظيمة شملتْ مُختلف جوانب التنمية الإنسانية في جميع ربوع عُمان، فقد استنهضَ الهِمم وحشد الطاقات، لأجل بناء دولة عصرية، ومن أجل راحة وكرامة الإنسان.. إنَّها فعلا فرحة وطن.

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

يوم مجيد

قبل انتشارِ وسائل الاتصال الحديثة التي نَنْعم بها هذا الزمان، كانت الوسيلة الوحيدة للاتصال هي البرقية، والبرقية: عبارة عن جهاز لاسلكي يربط مكاتب الولاة في مُختلف ولايات السلطنة بالرئاسة وبمركز الإدارة في العاصمة مسقط، ويطلق على الذي يعمل على هذا الجهاز السحري "مخابر البرقية"؛ فهو يتولى إرسال واستقبال الرسائل عبر هذا الجهاز، وعادة ما تكُون عباراتها مختصرة، وفيها أيضًا بعض الرسائل المشفَّرة، وأوراق البرقية لها طابع خاص وتقسيمات محددة، ولها لون خاص أيضًا يميزها.
عَبْر هذا الجهاز بُثَّ وانتشر خبر تولي جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه، ومتعه بالصحة والعافية- مقاليد الحكم في السلطنة يوم الثالث والعشرين من يوليو المجيد عام 1970م، زُفَّ هذا الخبر عبر مكاتب الولاة، ومن ثمَّ انتشر الخبر في جميع القرى والبلدان عبر الرسائل المكتوبة والشفهية.
عمَّت حينها الفرحة جميع أرجاء عُمان من أقصاها إلى أقصاها، استبشارا بعهد جديد، وانطلق الجميع في عفوية للاحتفال بهذا اليوم السعيد؛ فأُقيمت الأفراح وأُطلقت المدافع، وهزَّت السماء طلقات البنادق فرحًا وغِبطة من قبل جميع المُواطنين، واستمرَّت الأفراح أيامًا عديدة أمام الحصن في كل ولاية.
تلهَّف الجميع للقاء القائد والاستماع إليه للتعرُّف على مُستقبل البلاد؛ فخاطبهم بكلمات بدأها: "إني أعدكم".. كَمْ لهذه الكلمة من تأثير على النفس، وما تحمله من دلالات عظيمة على حكمة القيادة. لم يقل: عليكم، أو أفرض عليكم، بل قال: "إني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحُكُومة عصرية". ويضيف جلالته في نفس الخطاب: "سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمُستقبل أفضل".
فِي خطاب جلالته الثاني بعد توليه زمام الأمور في السلطنة، عند وُصُوله إلى مسقط العامرة قادِما من صلالة المجد، افتَتَح خطابه أيضًا بقوله: "إننا نُعَاهدكم بأنَّنا سنقوم بواجبنا تجاه شعب وطننا العزيز". داعيا جلالته بضرُورة التعاوُن بين الحُكُومة والشعب، مُشبِّها جلالته ذلك التعاوُن كالجسد الواحد إذا لم يقم عضو منه بواجبه اختلَّت بقية الأجزاء في ذلك الجسد.. هكذا هُم القادة العظماء، يحملون دوما رسالة ورؤية تجاه تحمل المسؤُولية تجاه شعوبهم.
المُتمعِّن والقارئ لخطب جلالة السلطان المُعظم، يجد أنَّ جلالته دائما يُخاطب شعبه بكلمات راقية: "شعبنا العزيز"، "شعبنا الكريم"، "أيها المُواطنون"، "أيها الإخوة المُواطنون"، "أيها الإخوة الكرام"، "أيها المُواطنون الأعزاء"، "أيها الشعب الأبي"، "أيها المُواطنون الكرام".. تلك الافتتاحيات لها دلالة على تقدير وحب جلالته للمُواطنين.
تواصلتْ خُطب جلالة السلطان المُعظم في مناسبات عدة، يرسم من خلالها رؤيته الحكيمة لمسار التنمية في السلطنة، ومن ثمَّ تعمل الحُكُومة بتعاوُن وجُهُود مشتركة مع كافة شركاء التنمية على تحويلها إلى إستراتيجيات وبرامج وخطط ومشاريع تنموية شملتْ كافة المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإنسانية.
وعِنْدَما نتأمَّل في إنجازات النهضة المُباركة مُنذ العام 1970م، التي عمادُها ومحورُها الإنسان العُماني صناعة وصياغة، نجد أنها مرت بمراحل مُختلفة من التطوير والتجديد، وفي إطار من التدرج المنطقي والعقلاني، الذي يراعي ظرُوف الزمان وواقع المُجتمع وثوابته الراسخة، ومُعطيات الحاضر والرؤية المُستقبلية للتنمية، مع الحفاظ على مُرتكزات وإنجازات الماضي والتراث العُماني العريق.
عَمل جلالة السلطان المُعظم بإخلاصٍ وتفانٍ وصبرٍ من أجل خدمة عُمان وأهلها الكرام، والمُتمعِّن في المشاهد والصور لجولات جلالة السلطان المُعظم في الولايات العُمانية، مُنذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، ليبُهره ذلك الجهد والمُثابرة والتفاني والتضحية، التي قام بها جلالته من أجل نشر خيرات التنمية في جميع ربوع عُمان، فتجد جلالته ينتقل من مكان إلى آخر من أجل سعادة الإنسان العُماني، رغم صُعوبة التضاريس في ذلك الزمان، لعدم توافر الطرق كما هي عليه اليوم، وقد وعد جلالته شعبه فوفَّى.
هكذا.. وتتواصل مسيرة التنمية الإنسانية في عُمان بثبات؛ فهي ترتكز دوما على تحقيق السلام في توجيه سياستها الداخلية والخارجية؛ لتدخل مرحلة جديدة من البناء والتطوير والتجديد لدولة حديثة وعصرية.
وهي تقفُ اليوم بشموخٍ وكبرياءٍ لمواجهة كافة التحديات؛ وذلك من خلال جُهُود مُتواصلة، ورؤية واضحة، ورسالة سامية، وغايات وأهداف نبيلة لخدمة هذه الأمة؛ من أجل مُستقبل مشرق لأبناء عُمان، وبناء تنمية شاملة تواكب العصر الذي يعيشون فيه.
ومِنَ الواجب الوطني في هذه المرحلة الحالية والمُستقبلية: بذل المزيد من الجهد والعطاء، والعمل الجاد، والمُثابرة والإخلاص والصبر؛ من أجل خدمة ونهضة عُمان؛ وذلك من خلال تلاحم قوي بين كافة أطراف صناعة التنمية الإنسانية، وبإرادة راسخة، وعزم أكيد، وهِمَّة عالية من قبل جميع أبناء هذا الوطن العزيز؛ بهدف تحقيق المزيد من التقدم والرخاء والنماء والإنجازات المشرقة للتنمية المُستدامة في ظل قيادتنا الحكيمة.
فَرَعَى الله مسيرة النهضة المُباركة، وكل عام وعُمان وقائدها المفدى بألف خير.

مشاعر من القلب

سيسطع نور شمسك الكون بهاء...
وستمتد خيراتك كل شبر من الأرض عطاء...
وستتفيأ الأنفس السماكين فرحا...
وستلهج القلوب المشتاقة حمدا...
وستتكحلُ العيون بنور وجهك بهجة...
وسترفع الأكف إلى السماء شكرا...
وسيبقى العهد والوفاء متواصلا...
وستستمر إنجازات عهدك وعدا...
وستهفو الطيور إلى أعشاشها شوقا...
وسيستمع الكون إلى كلماتكم عزا...
وستفتح السماء بخيراتها استجابة...
وسيكتب عهدكم بمداد الأرض تبرا...
وسترفرف راية مجدك في العلياء خفاقة...
وسيحل العالم في بلادي كرما...
وسيبقى السلام في مُجتمعنا راسخا...
وستتواصل المسيرة إلى الأمام مؤكدا...
وسينهل المخلصون من معين فكركم حبا...
وسيسود التوازن في الحياة دوما...
وستلهث القلوب بحبك الأبدي زمانا...
وسينشد الأطفال بحبك الأبوي نشيدا...
وسترفع هامات الرجال إلى العلياء فخرا...
وسيصنع شباب عهدكم المُستقبل مؤكدا...
وسيبتهل الجميع إلى المولى تضرعا...
بأن يحفظ الرب من في القلوب قد سكن.

الجمعة، 31 أكتوبر 2014

السبت، 25 أكتوبر 2014

كلمات مضيئة

"إنَّ معالم سياستنا الداخلية والخارجية واضحة؛ فنحن مع البناء والتعمير والتنمية الشاملة المُستدامة في الداخل، ومع الصداقة والسلام والعدالة والوئام والتعايش والتفاهم والحُوار الإيجابي البنَّاء في الخارج. هكذا بدأنا، وهكذا نحن الآن، وسوف نظل -بإذن الله- كذلك، راجين للبشرية جمعاء الخير والازدهار، والأمن والاستقرار، والتعاوُن على إقامة ميزان الحق والعدل".
"إنَّ تحديات المُستقبل كثيرة وكبيرة. والفكر المستنير، والثقافة الواعية، والمهارات التقنية الراقية، هي الأدوات الفاعلة التي يمكن بها مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها".
"إنَّ الأمن والاستقرار نعمة من نعم الله -تبارك وتعالى- على الدول والشعُوب؛ ففي ظلهما يُمكن للأمة أن تتفرغ للبناء والتطوير في مُختلف مجالات الحياة، وأن توجه كل طاقاتها المعنوية والمادية نحو توفير أسباب الرفاه والرخاء والتقدم للمُجتمع.
كما أنَّ مواهب الفرد، وقدراته الإبداعية: الفكرية، والعلمية، والأدبية، والفنية، لا تنطلق ولا تنمو ولا تزدهر إلا في ظل شعوره بالأمن، وباستقرار حياته وحياة أسرته وذويه ومواطنيه؛ لذلك كان من أهم واجبات الدولة قديما وحديثا كفالة الأمن وضمان الاستقرار حتى يتفرغ المُجتمع بكل فئاته، وفي طمأنينة وهدوء بال، للعمل والإنتاج والإنشاء والتعمير.

أمَّا إذا اضطرب حبل الأمن، واهتزت أركان الاستقرار، فإن نتيجة ذلك سوف تكُون الفوضى والخراب والدمار للأمة وللفرد، على حدٍّ سواء. وهذا أمرٌ مشاهد، وواقع ملموس، لا يتطلب كثيرا من الشرح والتوضيح".
قابُوس بن سعيد
سلطان عُمان 
 

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

مناظر من بلادي



من الذكريات

زُرت الهند في تسعينيات القرن الماضي، كانتْ رحلتي الأولى إلى مدينة كوتشي، أو كوتشن، التابعة لولاية كيرالا، قاصدا مدينة إنجمالي لمُقابلة الدكتُور توني، الطبيب المعروف عند أهل قُريات والكثير من العُمانيين. كانت تلك الرحلة أول سفرة لي إلى الهند؛ ولهذا سألت كثيرا، وجمعت معلُومات وفيرة عن المنطقة، وطبيعة التعامل مع سُكانها، مُنذ الوُصُول إلى المطار حتى مُقابلة الدكتُور توني في مستشفى إنجمالي، والذي فيما أعتقد تدعمه الكنيسة المسيحية في تلك الديار.
ولاية كيرالا بالهند لها موقع فريد على المحيط الهندي، وكانت محط أنظار الكثير من العرب، خاصة العُمانيين مُنذ قديم الزمان؛ بهدف تبادل التجارة وصناعة السفن وللسياحة أيضًا؛ حيث تشتهر بمناظرها الخلابة الخضراء، وبأشجار جوز الهند (النارجيل) الباسقة، وكذلك بزراعة الشاي، والكثير من الأشجار والنباتات التي لا تُعد ولا تُحصى.
قبل سفرنا، سمعتُ عن رجلٍ هنديٍّ اسمه ناير، سبق له وأن عمل في السلطنة، وبعد رجوعه إلى بلاده أصبح يخدم كلَّ عُماني يزور كيرالا؛ حيث يتولى الترجمة وتقديم الخدمات اللوجستية للمسافرين العُمانيين، مُقابل ما يُحسنون عليه دُون أي شروط. وصلنا المطار، وأنهينا إجراءات السفر بسهولة ويسر، ومن ثمَّ استقللنا سيارة الأجرة بقصد السكن في أحد الفنادق، وما إنْ دخلنا غرفة الفندق إذا بأحد الأشخاص يطرق علينا الباب! من أنت؟ نسأله. يجيب: أنا ناير، مُصَاحَبة بهزة من رأسه. دخل علينا ناير، وسمع قصة مجيئنا إلى تلك الديار. كما سمعنا منه أيضًا قصة وجوده في عُمان، والأعمال التي اشتغلها، والولايات والقرى التي عمل فيها في عُمان، ودائما يردِّد كلمة: "موه فايدة.. موه فايدة". المهم، اقترح علينا أن نذهب إلى الدكتُور توني في منزله؛ حيث اعتاد أن يقابل بعض المرضى في عيادة فتحها في منزله الخاص؛ لمساعدة أهل بلدته، وبرسوم رمزية.
ذهبنا إلى الدكتُور توني في منزله، وبإجراءات بسيطة قابلناه وعملنا الفحوصات الأولية، وفي الوقت ذاته، قام بتحويلنا إلى المستشفى للترقيد في اليوم التالي لإجراء عملية في العيون لأحد مُرافقينا من الأسرة. الدكتُور توني هذا أحد أشهر أطباء العيون في كيرالا، ووجدنا الكثير من العُمانيين يُعالجون معه، وهو يعمل من الساعة السابعة صباحا وحتى المساء، مُتنقلا من مستشفى إلى آخر لإجراء العمليات، ومن ثمَّ يعاود عمله في عيادة منزله حتى ساعات متأخرة من الليل.
لم أسمع منه يومًا يشتكي من تعب أو ملل؛ فهو مُحب لمهنته، ومُخلص لها. سألته مرة: لماذا لا تُسافر إلى دولة خليجية للعمل هُناك؟ أجابني: ولماذا أسافر وأنا أشعر براحة في بلدي، وبسعادة في خدمة وطني وأهلي، ودخلي هُنا يُضَاعف ما أحصل عليه من هُناك. سمعت اليوم عن الدكتُور توني بأنَّه يملك أحد أكبر المستشفيات لطب العيون في الهند، وورَّث مهنته إلى أحد أبنائه.
المُهم، أخذَنَا ناير في اليوم التالي إلى مستشفى إنجمالي للعيون، وتمَّ تخصيص غرفة لنا، وجدنا الغُرفة مُتواضِعة جدًّا تتكون من سرير خشبي عادي وأثاث بسيط، لا تُوجد تلك الأجهزة التي اعتدنا عليها في الكثير من المستشفيات. وبالمصادفة، وجدنا في المستشفى الكثير من العُمانيين، ومن أهل ولايتنا أيضًا، شعرنا بالارتياح والسكينة في ظل وجودهم.
كما أنَّ ناير كان مُخلِصا في خدمة الجميع، يحضر لنا الأكل والحليب الطازج مع كل وجبة، ولا يُغادِرنا إلا في المساء، وكان يرافق المريض حتى داخل غرفة العمليات، بل وجدته يومًا لابسا ثياب المستشفى من أجل تهدئة مريض شعر ببعض التعب النفسي عند دُخُوله لإجراء العملية.
جميع غُرف المستشفى مُعلَّق فيها الصليب؛ لكون جميع من يعمل فيه من الديانة المسيحية، والمستشفى أيضًا تحت إشراف الكنيسة، ويتلقَّى الدعم منها؛ من أجل مساعدة الضعفاء من سُكان كيرالا ومدينة كوتشن على وجه الخصوص، ودائمًا ما تسمع ترانيم صلوات الممرضات مع الغروب بصوتهن الخافت الجميل.
أخذ يومًا أحد المسلمين من أهل الخليج المرقَّدين في المستشفى الصليب من جدار الغُرفة، ووضعه في الحمام، بحجة أنه مسلم، ويريد أن يصلي في الغُرفة، كُنت أتوقع أن يتم لومه من قبل إدارة المستشفى، إلا أنَّ أمرا من هذا لم يحدث؛ من شدة احترامهم للمسلمين.
سُكان كيرالا يعيشون في سلام مُجتمعي غريب؛ فهم على الرغم من اختلاف اللغات واللهجات والديانات لديهم، إلا أنهم يعيشون في تفاهم وتسامح، لا تجد له مثيلًا في العالم، الكلُّ في شغله وهو حرٌّ في توجهاته ومُعتقداته، لديهم كثافة سُكانية من المسلمين تصل إلى 20% من نسبة السكان، وهم يُؤدُّون عباداتهم بحُرية كاملة في مساجدهم، المنتشرة في أنحاء مُختلفة من كيرالا.
في كيرالا الجميع يجب أن يعمل لكي يُوفر لقمة العيش لأهله وأسرته؛ المرأة عندهم تكد وتكدح في أعمالٍ بعضُها شاقٌّ جدا، حتى في مهنة البناء تجدها موجودة، المهم عندهم العمل. دخلتُ مرة مصنعا في قرية من كيرالا، وجدتهم يزرون الماء باليد بطريقة تقليدية من بئر مفتوحة، ويتم تعبئة زجاجات بالماء، وتضغط على آلة على أنها مياه غازية، المهم عندهم أن يعملوا، وهم أيضًا حريصون جدا على تعليم أولادهم بكل طريقة.
أخذَنَا ناير يوما في نزهة بمدينة كوتشن الجميلة، وكَم من سعادة غمرتني وأنا أشاهد لوحة بنك عُمان الدولي على واجهة أحد المراكز التجارية الكبيرة بمركز المدينة، إنَّه اسم عُمان الغالية، هذا الاسم التجاري للبنك تم تغييره للأسف الشديد بعد اندماج البنك مع بنك HSBC، ليحمل اسمه الجديد، وشعُرت حينها بغصة كبيرة، حتى دفتر وبطاقة حسابي البنكي معهم لا يزال يحمل الاسم القديم، ولم أبدله حتى الآن بالاسم الجديد على الرغم من مطالبتهم بذلك.
على العُموم، صديقنا ناير هذا لا يمُت بصلة إلى الإسلام، إلا أن سلوكه وأمانته جعلت الكثير من العُمانيين يثقون فيه ويحبونه، حتى إنَّ أحدهم سلمه محفظة نقوده، وفيها الآلاف قبل دُخُوله للعملية، وكان حينها وحيدا دُون مرافق، وعندما صحا من العملية وجد ناير على رأسه ساهرًا على خدمته، وحافظا لماله.
يقول ناير إنَّه مُحب لعُمان كثيرا، حتى إنَّه يسجل اسم كل عُماني يزور كوتشن في سجل يحمله في جيبه، مُتفاخرا بأنه يعرف فلان وفلان وفلان من عُمان، وللأسف الشديد علمت مُؤخرا أن ناير قد تُوفِّي؛ وذلك قضاء الله وقدره.
رِحْلَتي الثانية كانتْ إلى مومباي الهندية، لم أشعر بذلك الارتياح عند زيارتي لها كما شعرته في كوتشن الجميلة، مومباي كثيرة الازدحام والتلوث أيضًا، إلا أنها مركز اقتصادي وتجاري مهم في الهند.
كان مقصدُنا لها أيضًا لغرض الاستشفاء، وقد لمسنا مُساعدة طيبة من قِبل قنصلية السلطنة في مومباي، كان حينَها الأخ سعيد السلماني على رأس القنصلية هُناك، وهو بالمناسبة أحد أبناء ولاية قُريات، وكان خدُوما للجميع.
وأثناء هذه الرحلة إلى مومباي، استوقفني رجل كبير في السن من أهل الخليج، جالسا أمام أحد المحلات التجارية، جلستُ بجانبه وتبادلنا الأحاديث والذكريات، فوجدته صاحب حِكمة وخِبرة في الحياة، وسألني عن هدف زيارتي للهند، فأجبته: أنا برفقة والدي من أجل العلاج. حدثني عن سبب زيارته للهند قائلا إنَّ سبب وجوده هنا من أجل متابعة بعض الأوقاف لأهله في الهند، وقال لي أيضا: يا ولدي، لديَّ كلمة لك. قلت: له تفضل الوالد. قال: شباب الخليج مُسرفون وغير مُبالِين بعواقب الدهر والأمور، لم يحسوا بتعب الأيام، همُّهم الرفاهية فقط. وأضاف: الرجل عليه بالأرض، والمرأة عليها بالذهب، في ادخار المال. فهي أفضل استثمار للشباب، وقبل كل شيء تمسُّكهم بالعلم والدين والأخلاق والقيم، مُمتدحا أهل عُمان كثيرا.
كانتْ إقامتنا في مومباي في فندق الخليج، بمنطقة تُسمى كولابا، وأثناء فترة إقامتنا في الفندق تعرَّفت أيضًا على أحد المُقيمين، شاب من أهل الخليج، دائما ما يرتدي ملابس أهل البنجاب الواسعة الفضفاضة، يوما شاهدتُ تجمعا كبيرا خارج الفندق حول هذا الرجل؛ الأمر الذي وصل حدَّ الاعتداء عليه بالضرب، وقد علمتُ لاحقا أنه يقوم ببيع تأشيرات عمل مُقابل مبالغ كبيرة، ومن ثمَّ لا يوفي بوعده.
حينها فكَّرت بناير في كيرالا، ومدى أمانته وخدمته للعُمانيين والخليجيين بصفة عامة، وقارنتُه بهذا الخليجي الذي يُوهِم الفقراء بالعمل، ويمتص أموالهم بوجه غير حق، فوجدتُ بينهما بونا شاسعا.. ودُمتُم سالمين.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

صدور كتاب "الفن الإسلامي في عُمان"


صَدَر، مُؤخرا، عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ووزارة التراث والثقافة، كتاب "الفن الإسلامي في عُمان"، وهو ترجمة لكتاب صدر سابقًا باللغة الإنجليزية، من تأليف الدكتُور عبدالرحمن السالمي رئيس تحرير مجلة "التسامح"/"التفاهم" العُمانية، والدكتُور هاينز جوبيه، والدكتُور لورنز كورن، ومن ترجمة الدكتُور هلال بن سعيد الحجري.
يضمُّ الكتاب بين دفتيه 385 صفحة من الحجم الكبير، ويتكون من 13 فصلا، وطُبِع في طبعة أنيقة بالألوان.
الكتاب تضمَّن كلمة لصاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، ومعالي الشيخ عبدالله بن مُحمد السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، وهو مُحاولة جادة للتأمل في الموروث الإسلامي في الفن العُماني.
عرَّف المؤلفون الفن بأنَّه نشاط إنساني يُشكل البيئة على نحو واع وفق معايير جمالية؛ لذلك فإنَّ أي إبداع إنساني من أجل الجمال يمكن أن نسميه فنا.
الكتاب يعدُّ تحفة فنية وعلمية تستحقُّ الاقتناء والقراءة.

خطو رائدة

توجُّه وزارة التعليم العالي بالسلطنة نحو إنشاء المجالس الاستشارية الطلابية بالجامعات الحُكُومية والخاصة، وتطبيق لائحة مُوحَّدة لتنظيم هذه المجالس يعدُّ تقدما حضاريا تجاه غرس قيم ومبادئ الشورى لدى الشباب.
سيكُون لهكذا تنظيم تأثيرٌ إيجابيٌّ تجاه رفد كفاءات شبابية ذات تعليم عال للمجالس المنتخبة في المُستقبل. خُطوَة رائد تُشكَر عليها وزارة التعليم العالي.
ونأمَل من وزارة التربية والتعليم أخذ مثل هذه المبادرة في تشكيل مجالس صفية ومدرسية في المدارس، بطريقةٍ تتناسب مع فكر وقدرات الطلاب في كل مرحلة تعليمية.

السبت، 18 أكتوبر 2014

روعة التصاميم للمباني العُمانية القديمة



أثاث الصفة قديمًا


من مُكونات الأثاث في الصفة (الحجرة أو الغُرفة) في المنزل القديم: الكاتلي (الكرفاية أو السرير)، يُفرَش عليها منام وشادر والغطاء (لحاف) يسمى بُرنوص، وتُرفع على السرير البشانة أو الناموسية؛ للحماية من البعوض والحشرات أثناء النوم.
كَذلك هُناك الحصير أو زولية، ودكي (مساند)، يُوضَع على الدكية وسادة، وعلى الوسادة سمبوسة مثلثة الشكل، كانت تُحْشَى الدكي والوسائد والمنام (الدوشج) بزهور شجرة تُسمى "الرا"، أو بالقطن.
هُناك أيضًا المندوس، أو السحارة، لحفظ مُتعلقات المرأة من: ملابس، وعطور، ودهان، ومكاحل، وصبغة، إضافة إلى المنظرة أو جامة (مرآة). أما ملابس الرجل، فتحفظ في السحارة، أو يتم تعليقها في الوتد.
ويتمُّ تزيين الصفة بسجادات ومرايا فيها رسوم، بعضُها تُسمى البراق أو طاووس، وهي مُستوردة ولها منظر بديع، إضافة إلى المراش والصحون التي يتم صفها بطريقة فنية في الروازن.

الخميس، 16 أكتوبر 2014

نبتة خضراء



وجدتْ لنفسها منفذًا لتعيش وتسعد بالحياة مهما كانت صلابة الصَّخر.

المنجور


هذا هو المنجور: أداة خشبية قديمة تُستخدم في الزاجرة، وهي وسيلة لرفع المياه من الآبار المفتوحة، لها صَوْت شجي أثناء دورانها، وهي صناعة عُمانية واختراع عُماني قديم، قبل اختراع مكاين (مضخات) بو هنشين الهندية، وبوثلاثة اللندنية، التي تشتغل على الديزل.
مِن أدوات الزاجرة: الدلو، والرشا، والمنجور، فيما يتولى الثور صعودا وهبوطا في الخب مُهمة جرِّ الدلو المحمَّل بالماء من الطوي.

ندوة من أجل تطوير التعليم

قَبل أكثر من شهر، كُنتُ في زيارة إلى مكتبة المعرفة -التابعة لديوان البلاط السلطاني- والتي تقعُ بسيح المالح بولاية مطرح، هذه المكتبة تتَّسم بمزايا كثيرة من حيث التنظيم والخدمات التي تقدمها لمرتاديها، وكذلك بتصميمها وموقعها الفريد في وسط المدينة، ولكون هذه المكتبة تُواصِل عملها في الفترة المسائية من الرابعة وحتى التاسعة مساءً، تجدها قبلة للزوار، لا سيما من فئة الشباب وطلاب الجامعات، وأتمنَّى أن يكُون مثلها في جميع ولايات السلطنة.
ومُصَادَفةً، زار المكتبة في ذلك اليوم فريقٌ من التليفزيُون العُماني، الفريق يتكوَّن من الشباب المتحمِّس للعمل وأداء الرسالة، يعملون بروح واحدة من أجل إتمام مهمتهم، تحدَّثوا معي بأنهم يعملون على إجراء بعض المُقابلات لبرنامج سيُبث لاحقا، وبالتزامن مع انعقاد الندوة الوطنية "التعليم في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل". طريقة المُقابلة ليست كحُوار بين مذيع وضيف، وإنما الفريق التليفزيُوني يحمل معه مجمُوعة من الأسئلة مُدوَّنة في هاتف أحد أعضاء الفريق، وما على الضيف إلا الإجابة عن هذه الأسئلة أمام الكاميرا!
المُهم، اطَّلعت على تلك الأسئلة، فهي تحمل مضامين مُهمة جدًّا، تتعلق بتطوير التعليم، وفلسفة التعليم، وجوانب عديدة تحتاج إلى حلقات لمناقشتها، وارتأيتُ حينَها أنْ تُجْرَى هذه المُقابلة مع أحد الشباب، طالما أنها تتعلق بالمُستقبل، واقترحتُ للفريق أن يجروا اللقاء مع أحد الطلاب الجامعيين المرتادين للمكتبة، وهذا ما تم بالفعل.
وجميعُنا تابعَ -خلال اليومين الماضيين- فعاليات الندوة الوطنية "التعليم في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل"، بمُشاركة واسعة من قِبل الجهات المعنية بالتعليم؛ وعلى رأسها: مجلس التعليم، الذي تم إنشاؤه بموجب المرسُوم السلطاني رقم 2012/48، والمعنيُّ بوضع الإستراتيجيات ورسم السياسات العامة للتعليم بمُختلف أنواعه، ومراحله، ومتابعة وتقويم جودته.
لقد سعدتُ جدًّا بدعوة مجمُوعة من الطلاب، وأعضاء اللجنة الوطنية للشباب، ومُنظمات المُجتمع المدني والقطاعين الخاص والأهلي... وغيرهم من أطياف المُجتمع لحضور هذه الندوة؛ بهدف إطلاع المُجتمع على توجُّهات الحُكُومة في تطوير التعليم، والاستماع إلى مداخلاتهم ومُقترحاتهم بتركيز، وسعدتُ أكثر بأنَّ الإعلام كان مُتفاعِلا بكفاءة وفاعلية مع الحدث، خاصة الإذاعة؛ لتبصير الرأي العام بما يحدث في الندوة، والتعريف بتوجهات الدولة بشأن إستراتيجية التعليم.
التعليم مُنذ بداية العام 1970م كان أحد الاهتمامات الرئيسية لقائد البلاد المفدَّى؛ لما له من أهمية في بناء الإنسان، وتكوين شخصيته، وتنمية معارفه واتجاهاته وقيمه، وكذلك يُعد ذلك ركيزة أساسية للتنمية، ولتقدم وتطوُّر الوطن؛ فجلالته -حفظه اللهُ- القائل في العام 1970م: "إن تعليم شعبنا وتدريبه يجب أن يبدأ بأسرع وقت ممكن؛ لكي يصبح في الإمكان، في المدى الأبعد، حُكم البلاد بالعُمانيين للعُمانيين"، وقد شهدتْ السلطنة بالفعل في فترة السبعينيات نقلةً كَمية، وسرعة هائلة، في نشر المدارس؛ بهدف إتاحة فُرصة التعليم للجميع؛ فالمهم هو التعليم.
ومع بداية الخُطة الخمسية الأولى عام 1976م، شَهِد التعليم أيضًا نقلةً كميةً ونوعية، وفُتحتْ مَسَارات فنية وتقنية للتعليم، وتمَّ إنشاء بعض المعاهد كالمعهد الزراعي بنزوى، ومعاهد المعلمين، والمعهد الإسلامي، والمدارس الثانوية التجارية، ومعاهد التدريب المهني، وكانتْ تستقبل مُخرجات الإعدادية العامة، إضافة لوُجُود التعليم العام الثانوي والتعليم الجامعي.
وَقَد تُوِّج التعليم بإنشاء جامعة السلطان قابُوس في العام 1986م، تلاها إنشاء العديد من الكُليات والمعاهد التي تُعنى بالتعليم التقني والمهني، وكذلك إنشاء العديد من الكُليات والجامعات الخاصة.
وعَلَى مدار خطط التنمية في السلطنة، تمَّ وضع التعليم ضمن أحد الأولويات الرئيسية لمسيرة التنمية الإنسانية في عُمان، ولا شك أنَّ هُناك الكثير من التحديات التي يُواجهها التعليم اليوم، وقد نبَّه جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- إلى هذا الأمر في خطابه أمام مجلس عُمان بتاريخ 12 نوفمبر 2012م، ودعا إلى مُراجعة سياسات التعليم، وخططه، وبرامجه، وتطويرها بما يواكب المتغيرات.
ومُوَاجهة تحديات التعليم اليوم هي بحاجة لوقفة جادة ومدروسة وفق أسس علمية ومنهجية، ليس من قبل الحُكُومة فقط، بل هي مسؤُولية مشتركة، يشتركُ فيها كافة شركاء التنمية (الحُكُومة، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي).
مَحَاور الندوة حملتْ الكثيرَ من التطلعات المُجتمعية لتطوير التعليم؛ لمواكبة التطوُّرات المتلاحقة والمُستمرة للتكنُولُوجيا والعلوم واقتصاديات المعرفة، ولعلَّ وُجُود قانُون عصري للتعليم ينظم هذه المنظُومة المُجتمعية سيُعزِّز هذا الجانب، كما أنَّ توحيد جهة الإشراف على قطاع التعليم، وإعادة هيكلته ومساراته وجودته، والأخذ بمبادئ حوكمة التعليم، والتركيز على التعليم؛ بهدف صناعة المعرفة سيكُون له أثر إيجابي في الارتقاء بالتعليم، ومخرجاته، وصناعة المُستقبل.
شُكرًا من القلب لمجلس التعليم، ولوسائل الإعلام المُختلفة، على مثل هذه الجُهُود الوطنية.

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

التخطيط

مِنَ المُهم جدًّا أن يَبدأ التخطيط من قاعدة المُجتمع، ومن ثمَّ تعمل المُؤسسات على صياغته في إستراتيجيات وبرامج وخطط، في ضوء الإمكانات المادية والبشرية المتاحة.

التجديف بالسفية الإنتاجية

خَلْق جوِّ المنافسة -سواءً في مجال الإنتاج، أو تقديم الخدمات، أو تقديم الأفكار التطويرية وإنهاء الاحتكار- هو مَدْعَاة للإبداع والتطوير، وإثارة روح التحدي وخفض التكاليف، وتقديم مُنتجات سلعية وخدمية تُلبي توقعات العُملاء.
لقد حَان الوقت أن تُوْكَل مهمات التجديف بالسفينة الإنتاجية إلى قوى فاعلة في المُجتمع؛ تتُمثل في القطاعين الخاص والأهلي، بجانب الحُكُومة التي تتولَّى زمام القيادة والتوجيه، ورسم السياسات والإستراتيجيات التوجيهية للتنمية.
وهُنَا أودُّ ذِكر مقولة حكيمة لجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- حين قال: "إنَّ نجاح أية تنمية، وإنجازها لمقاصدها، إنما هو عمل مشترك بين أطراف ثلاثة: الحُكُومة، والقطاع الخاص، والمُواطنين، وعلى كلِّ طرف من هذه الأطراف أن يتحمل واجباته بروح المسؤُولية، التي لا تَرْقَى الأمم في درجات التقدم والتطور إلا إذا تحلت بها، ولا تهوى في دركات التخلف والتأخر إلا إذا تخلت عنها".

الجمعة، 10 أكتوبر 2014

المزارع الفاتنة


حَيثُ تتجلَّى الطبيعة ببهاء جمالها الأخاذ.. المزارع الفاتنة.. حيث الخضرة والماء وحسن الجمال الطبيعي.. حيث الألوان البهية والتربة النقية والجبال الشماء.. حيث النخيل الباسقة والظلال الوارفة والمياه المتدفقة عبر سدِّها المنيع.. حيث المياه التي تعزف دوما سيمفونية الحب الخالد.. حيث رفرفة العصافير وهديل الحمام وهبات النسيم.. حيث سُكون الكون وهدوء الطبيعة.. إنَّها المزارع الفاتنة.

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

خاطرة


البَحر بمِساحته الشاسعة، وأفقه الممتد، وزرقته الواسعة، وجماله الأخَّاذ، وأمواجه المتلاطمة، الناصعة ببياض لونها كأنها بلُّورات من الثلج المتراكمة، تتدحرجُ بسكينة إلى البر لتسكن مع أول ملامسة لها للأرض اليابسة؛ حيث تتعانق الماء بالرمال والصخور عازفة سيمفونية البحر، لتملأ الكَوْن بسُكون أبدي، يخلد فيها الإنسان وكائنات البحر إلى الهدوء والسكينة وراحة البال والفكر.
القمر يُرسِل أشعته الذهبية إلى الماء لتنعكس إلى فضاء الكون فتضيء الأفق، فيما نسيم البحر يلفُّ المكان بهدوء مُتناهٍ، يرسم ملامح حب أبدي خالد للجالسين على الرمال الفضية الناعمة.
تلمس تلك الرمال لتشعُر بدفء وبرودة، ترسلها شرايين القلب عبر قشعريرة دافئة إلى كلِّ أجزاء الجسم، فتُلامس المشاعر والوجدان. تخُاطب البحر بذكريات جميلة مرَّت ومآسٍ حدثتْ، وتنظر إلى الفضاء الصافي؛ حيث النجوم تتلألأ كأنها حبَّات من الخرز الفضية، مصفوفة بدقة مُتناهية، تتحرَّك في فضاء الكون بانسجام تام، وبدقة مُتناهية، يوحي إليك كم هذا الكون دقيقا في حركته الدائبة.
*****
تَسْمَع صوت الموج وهو يتكسَّر أمام صلابة الأرض والصخور بهدوء، مُحدِثا نغمات جميلة لم تعرفها آلات الموسيقى الحديثة، مَوجة بعد موجة لا تتوقَّف أبدا، تتأمَّل كم هذا البحر فيه من الأسرار الكبيرة، والمخلوقات الكثيرة، تجذبك تلك الومضات الفسفورية المضيئة مع نهاية كل موجة على سطح الرمال الناعمة، تتأمَّل في هذا الكون بهدوء وسكينة، تجعلك تقول شِعرا وكلامًا مُسترسلا، بعيدا عن الحواجز والقواعد اللغوية.
*****
تتأمَّل تلك القلعة الرابضة على قِمَّة نتوء صخري في وسط البحر، ضياء القمر قد أكسبها رونقا جميلا، مُشكِّلة مركز قوة وهيبة للمكان، يُبهرك تصميمها المعماري الفريد، تنظر إليها بشموخ لتوحي إليك بقصص وبطولات مجيدة، سطَّرها لنا التاريخ بأحرف من ذهب ونور، هكذا كانوا الآباء والأجداد، أصحاب همة ونشاط وفكر متقد دءوب.
*****
الطيور هي أيضًا تعيش فرحًا باكتمال القمر، ترقُص طربا وفرحا؛ حيث الأمان والسكينة والهدوء، بيئة فريدة وفَّرتها لها طبيعة المكان، تصدر بين الحين والآخر تغريدات بصوت هادئ حتى لا تُزعج المارين، تلف بأجنحتها عصافيرها الصغار، تُطعمها بقبلة طعامًا خزَّنته في معدتها مُنذ الصباح، تُعطِي تلك الطيور درسًا، كيف هو حنان الأمومة.
*****
تَخْرُج سرطانات الرمل والطين من جُحورها، تلتطم بموج البحر، تجري مُسرعة نحو الرمال الرطبة، تحفُر في الرمل بيوتا كأنها كُرات مكتسية بلون الرمل المبلل بالماء، تنظر إلى تلك البيوت الرملية للشناجيب تجدها ممتدة في نظام غريب.
*****
المَوْج يُرسِل بالماء إلى مسافة أطول من اليابسة، الماء يغطي بيوت الشناجيب، يكْسَر تلك التلال الصغيرة من الرمل، ويُغلق فتحاتها، مُعلِنا أنَّ ماء البحر سيغطي المكان، وسيزيل آثار الكائنات مع كل موجة ممتدة.
*****
يتأهَّب الجميعُ للمغادرة وتسجيل الذكريات؛ استعدادًا ليمد البحر سطوته على المكان، ولأنَّ القمر قد أوشك على الغروب.