مساء يوم الثلاثاء الماضي، الرابع من نوفمبر
المجيد، كُنت مُستغرقا في قراءة مُتواصلة لساعات متأخرة من الليل، لكتاب خطب حضرة
صاحب الجلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم، الصادر عن وزارة الإعلام؛ وذلك بهدف
مُراجعة اقتباسات وومضات من خطب جلالته، ضمَّنتها في كتاب صدر لي عام 2013م بعُنوان
"ملامح من تطوُّر النظام الإداري في سلطنة عُمان"؛ حيث أفردتُ فصلًا في
هذا الكتاب أسميته "ومضات إدارية من النطق السامي لجلالة السلطان قابُوس بن
سعيد المُعظم"، حاولتُ فيه تقصِّي بعض المفاهيم الإدارية ضمن كلمات جلالة
السلطان المُعظم، وكذلك ما يتعلَّق بتطوُّر النظام الإداري في السلطنة، الذي يعد
أحد المُرتكزات الأساسية للتنمية في سلطنة عُمان، وأعمل حاليا على إصدار هذا
الكتاب من جديد مع بداية العام المقبل، إذا أسعفتنا ظرُوف الحياة وكان للعمر بقية.
تأمَّلتُ كثيرا في خُطب جلالة السلطان المُعظم؛ فالقارئ
لها يُمكنه أن يتابع نهضة عُمان الحديثة في مجالاتها المُتعددة مُنذ تأسيسها في العام
1970م وحتى اليوم، وهي أيضًا تنبضُ بإحساس القائد الملهم والمخلِّص لوطنه وشعبه
وأمته، وتؤكِّد على وضوح الرؤية لجلالة السلطان المُعظم، وعمق رسالته، وصدق أهدافه
للبناء والتنمية والرقي بالإنسان وتعظيم قدرات دولته.
والمُتمعِّن في عبارات تلك الخطب، يستنتج أنَّ جلالة
السلطان المُعظم كان ولا يزال يمتلك نظرة مُستقبلية لعُمان مُنذ بداية عهده، وتلك
النظرة لها أبعادٌ إستراتيجية لا يُمكن صياغتها إلا من قبل قائد حاذق، صاحب فكر
سياسي واجتماعي واقتصادي، وقد استوعبَ مُجمل القضايا والأوضاع المحيطة بالدولة
داخليا وخارجيا؛ سواءً كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية.
بعدما انتهيت من قراءة ذلك الكتاب، كتبتُ مقالا
مُتواضعا عبَّرت فيه عن أهم السمات الإنسانية في خطب جلالة السلطان المُعظم عندما
يُخاطب شعبه بأرقى العبارات والكلمات، وتطرَّقت أيضًا إلى مشاعر الفرح التي عمَّت
عُمان من أقصاها إلى أقصاها بعد تناقُل خبر توليه مقاليد الحكم في الثالث والعشرين
من يوليو المجيد عام 1970م.
وأشرتُ إلى الجُهُود الكبيرة، والمشاق والظرُوف
الصعبة التي تحملها جلالة السلطان في بداية عهده؛ من أجل نشر خيرات التنمية وسعادة
الإنسان العُماني، مُتسلِّحا بعزيمة وإصرار لكي يحقق النجاح رغم كل العراقيل
والعقبات، وبتلاحُم صادق من قبل شعبه الوفي. كما انتابتني بعض مشاعر الاشتياق
والقلق مصحُوبة بأمل مشرق، فسردتُها في جُمل نثرية، وتجدون ذلك المقال وتلك الجمل
النثرية منشورة في هذه الصفحة في نفس يوم كتابتها.
باشرتُ عملي في صباح اليوم التالي كواحدٍ من أبناء
هذا الوطن، كُنت مُستغرقا في ذلك الصباح البهيِّ في إنجاز المهام بكلِّ مشاعر الحب
والولاء، وفجأة وإذا بالاتصالات تنهالُ من كلِّ مكان يُبشِّرون بخبر سعيد. لا أستطيع
وصف تلك المشاعر الإنسانية التي شاهدتها من قبل العُمانيين وغير العُمانيين، حين
بثَّت وسائل الإعلام خطابَ جلالة السلطان المُعظم، الجميع كان مُتسمِّرا لسماع
كلمة بعد كلمة، وقلوب الجميع تنبض مسرعة كأنه ضخ فيها الدم من جديد.
خرجتُ من العمل، وإذا الشوارع مليئة بمسيرات
الفرح، لا تجد شخصًا في الشارع إلا والابتسامة تملأ محيَّاه، مشاعر لقاء أب
بأولاده بعد غياب. يُبهرك ذلك الطفل ذو السبع السنوات، الذي يستوقفك ليهديك علما
أو صُورة لصاحب الجلالة، وعندما تسأله: لماذا هذا؟ يرد عليك: بابا قابُوس بخير،
وطلعت صُورته في التليفزيُون. تفخَر كثيرا بجيل هذا اليوم وهم يخرجون من صفوفهم
بعد سماعهم الخبر من أجل أداء سجدة شكر، والقيام بتأدية تحية العلم وترديد السلام
السلطاني.
ما تسمعُه من كلمات مُعبِّرة من قبل الناس في حق
جلالة السلطان يجعلك تبكي، خاصة من كبار السن الذين عايشوا سنوات ما قبل النهضة
المُباركة وما بعدها، وأدركًوا قيمة النعمة التي يعيشها الجميع اليوم، مُقارنة
بأيام صعبة وحالكة، يقول أحدهم: يا ولدي، لم نعرف طعم الراحة إلا في عهد جلالة
السلطان، مدارس في كل مكان، مستشفيات عديدة، شوارع فسيحة تربط عُمان من أولها إلى
آخرها، وسائل اتصالات للجميع، الكهرباء والمياه في كل منزل، مساعدات للفقراء
والمحتاجين... وغيرها الكثير من الخدمات، وقبل كل شيء تحقيق العدل والأمن والأمان
والاستقرار المُجتمعي، وهذا كل شيء في الحياة.
جميعُ المصلِّين في مساجد عُمان وجوامعها يُؤدون
سجدة شكر لصحة جلالة السلطان، وترتجُّ تلك الجوامع بكلمة "آمين" بعد قراءة
الدعاء لجلالة السلطان من قبل أئمة المساجد، وآلاف الذبائح نُحِرت من أجل رؤية
جلالة السلطان بصحة وعافية.
على ماذا يدلُّ هذا؟ إنَّه الحب والتقدير والاحترام
الذي يُكنه أهل عُمان الكرام الأوفياء لقائدهم وباني مجدهم؛ فقد أحبهم وأحبوه، وقدَّرهم
وقدروه، ويُدرك العُمانيون تماما أن جلالة السلطان هو صِمام أمان لوحدة الصف، وترسيخ
مبادئ وقيم الوحدة الوطنية والاجتماعية في عُمان.
هذه المشاعر السعيدة لم تقتصر على من يعيش على هذه
الأرض الطيبة، بل تعدت حدود الوطن؛ فالعالم قد تفاعل مع الحدث إيجابيا، خاصة من
قبل الأشقاء في دُول مجلس التعاوُن الخليجي والدول العربية المُختلفة، وهذا يعدُّ
كرمًا منهم لما يكِنُّونه من تقدير لعُمان وقائدها المفدى.
فعُمان مُنذ بداية عهدها الجديد دولة ترتكز دوما
على قيم العدل والسلام والمحبة في سياستها الخارجية، القائمة على الوضوح والحكمة
والتعقل والهدوء والاتزان، وتتمني الخير للجميع، كما تبني مواقفها دائما بواقعية
وحياد. لهذا؛ فعندما تنظر إلى خارطة العالم اليوم لا تجد دولة إلا وهي تربطها
بعُمان علاقة محبة وصداقة واحترام متبادل.
الطلاب العُمانيون في الخارج لهم وقفة رائعة أيضا؛
فجميع وسائل التواصل الاجتماعي بثَّت مشاعرهم الصادقة بالفرح والسرور وتجديد
الولاء لوطنهم وقائدهم، هكذا هم أبناء عُمان المخلصين دوما كِراما أوفياء.
خِطَاب جلالة السلطان المُعظم، يوم الأربعاء
الماضي، مُدته أربع دقائق، لكنه حرَّك مشاعر ما يُقارب من أربعة ملايين من البشر
على أرضها الطيبة، استطاعَ جلالة السلطان أنْ يمتلك قلوب شعبه بحكمة واقتدار، وبما
حقَّقه من مُنجزات عظيمة شملتْ مُختلف جوانب التنمية الإنسانية في جميع ربوع
عُمان، فقد استنهضَ الهِمم وحشد الطاقات، لأجل بناء دولة عصرية، ومن أجل راحة وكرامة
الإنسان.. إنَّها فعلا فرحة وطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.