الجمعة، 29 يونيو 2018

للصُورة حديث

راشد الصلتي.. حكاية إنسان

القهوة التي ظلَّت تقري الضيوف لأكثر من ثلاثة عقود دُون انقطاع.
راشد الصلتي.. مُزارع بسيط، اتَّخذ من ضباب مسكنا له بعد وادي العربيين، أسَّس مزرعة له في موقع يسمى الرويضة، مع بداية النهضة المُباركة. والاسم "الرويضة" هو تصغير للروضة، فتصغير الأشياء ظاهرة صوتية في اللهجة الدارجة عندنا؛ تحبُّبا وتواضعا.
نَحَت راشد وزوجته الصَّخر بيده، وغرس الشجر والنخل، حتى أصبحت تعانق السماء، كانت مزرعته استراحة لعابر الطريق بين قُريات والقرى الشرقية وطيوي وصور، وشكلت شجرة الصبارة في مزرعته بتفرعاتها العظيمة -والتي ما زالت غزيرة العطاء حتى الآن- سبلة مشرعة للعابرين.
راشد هذا مع كلِّ صباح يحمل معه إلى المسجد الصغير المجاور لمزرعته صحنًا مليئًا بالتمر أو الرطب من إنتاج تلك المزرعة، مع دلَّة القهوة العدينية، تُعدها زوجته مع إشراقة فجر كل يوم.. هكذا كان عادته يوميا.
المار بذلك المسجد، يجد صحنَ التمر ودلة القهوة مُشرَعة أمامه على مدخل المسجد، فما إن ينتهي المصلي من صلاته، يأخذ ما تيسَّر له من ضيافة، تجد هذا في كل وقت وحين دُون انقطاع.
اليوم، زُرت الرويضة، فوجدتها روضة غناء، فقد غُيِّر اسمها من الرويضة إلى الروضة، والمسجد الذي عهدتُه صغيرا أصبح واسعًا ومتجددا، كان همِّي أن أرى راشد، فلما رأيت ابنه، قال: أبي اليوم أصبح مُقعَدًا من المرض، لكنَّ وصيته وعادته حافظنا عليها، فخصَّصنا غُرفة بجانب المسجد الجديد، سمَّينَاها غرفة القهوة.
صليت في المسجد، ثم ولِجنا جميعًا إلى تلك الغُرفة، فرأيتُ العادة مُستمرة كما هي؛ مُنذ رؤيتي لها أول مرة في الثمانينيات، تخيَّلت حينها راشد، وملامح بره وتطوعه لخدمة عابري الطريق، بتواضُع وقناعة الإنسان

درجة الحرارة في قريات

تداولتْ وسائل التواصل الاجتماعي، أمس، خبرا صحفيًّا، نقلا عن واشنطن بوست الأمريكية، حول تسجيل أعلى درجة حرارة صُغرى على وجه الأرض، وكانت في مدينة قُريات في سلطنة عُمان.
أنا الآن في قُريات، وبالتحديد في شاطئ الأبيض في بمة؛ كما يحلو للأوربيين تسميته لجمال رماله البيضاء، ودرجة الحرارة الكُبرى 32، والجو معتدل ومُنعش.

إنَّه البحر

أنا والبحر.. لعلَّ التأمُّل في جماله، والحديث إليه؛ منجاة من مآسي وهموم الحياة.

روعة التضاريس

الإنسان العُماني مُنذ القدم استهوَى التحدي مع التضاريس والطبيعة؛ فسخرها وطوعها لخدمته، مهما كانت قسوتها ومصاعبها؛ لهذا تجد الواحات والمدرجات الزراعية على قمم وسفوح تلك الجبال الشاهقة.
قُرَى تعب وحريمة ووسال، من القرى التي تتجلى فيها ملامح قوة الإنسان العُماني المحب لأرضه، فهي قرى تتموضَع على جبال سلماة الشاهقة، تلك الجبال القاسية التي جذبتْ يومًا اهتمام الإنجليزي "مايلز"، وذكرها في رسائله ومؤلفاته، قد شكَّلت على مرِّ التاريخ عناصر استقرار للكثير من سُكان تلك القرى، الوارفة بالجمال والسكينة والهدوء، والمشرقة بروعة التضاريس.
الزائر لتلك الواحات والأمكنة يجدُها متفرقة في قمم الجبال؛ حيث نحت الإنسان العُماني الصخر بيده، ومد فيها سواقي الأفلاج وقنوات الري، وزرع النخل والأشجار والرمان، حتى أصبحت تعانق السحاب.
الصَّاعد قِمم تلك الجبال تأخُذه الدهشة والمتعة، حول أسرار تلك الجبال، التي ما زالت تُتحفنا بالجديد، مع كل زيارة، وتجديد اللقاء والذكريات.

عمق.. القابعة في أحضان الجبال

 
اليوم، قُمت بزيارة خاطفة لقرية عمق الجميلة، كانت زيارتي الأولى لها في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، تجددت الذكريات معها اليوم، ووجدتُ الكثيرَ من معالمها قد وصلته الحداثة والتغيير، وسُكانها ينعمون بثمار النهضة المُباركة، وما ينقُصها فقط سفلتة الطريق وبعض الخدمات.. لعل في القريب؛ سيكُون لي وقفة مع هذه القرية الآسرة بالجمال؛ فهي بحق تحفة تضاريسية وسياحية في عُمان، تستحق الاهتمام.

الأربعاء، 27 يونيو 2018

كتاب "الكنز في التاريخ"

الباحث العُماني عبدالكريم بن عبدالله البلوشي أصدرَ كتابا بعُنوان "الكنز في التاريخ"، أهداني -كرمًا- نسخة منه؛ تناول فيه جوانب عديدة تتعلق بالجُغرافيا والتاريخ في الجزيرة العربية.
ما شدَّ انتباهي في الكتاب تتبُّع الكاتب للموانئ على امتداد ساحل الأحقاف (الممتد من حضرموت وحتى محوت في عُمان)، وخارجها في الجزيرة العربية، وربطَ تسميات المدن والموانئ المنتهية بحرف التاء بفترة قوم نوح عليه السلام؛ منها: حضرموت، ضلكوت، رخيوت، محوت، صرفت، عرفت، ريسوت، قلهات وقُريات.. وغيرها. وفي الكتاب تفاصيل أخرى تستحق القراءة.
شُكرًا للباحث العُماني الأخ عبدالكريم على هديته القيمة.

الثلاثاء، 26 يونيو 2018

كتاب "الإسلام من الثابت إلى المتغير"

بكُل سُرور، استلمتُ مُؤخرا نسخة من كتاب "الإسلام من الثابت إلى المتغير" للأستاذ الأكاديمي والباحث العراقي القدير المُقيم في لندن الدكتُور هادي حسن حمودي، والكتاب في طبعته الأولى هي صادرة عن Samson Publisher في لندن، وتوزيع دار العلم في بيروت.
والمؤلف له مؤلفات وموسوعات عديدة في اللغة والتاريخ ومُختلف ضروب المعرفة، وكذلك مجمُوعة كبيرة من البحوث والمقالات المنشورة بمُختلف اللغات، كما له مُساهمة فاعلة وطيبة يُشكر عليها في تحقيق بعض الكتب المُهمة في التاريخ العُماني، وأيضًا إصدارات فكرية عن نهضة عُمان الحديثة.
الكتاب الموسوم "الإسلام من الثابت إلى المتغير" يضمُّ بين دفتيه أكثر من ثلاثمائة صفحة من الحجم المُتوسط، وصُمِّم غلافه بطريقة بديعة ومعبرة؛ حيث نحت عُنوانه في كُتل سحابية بيضاء، سابحة في سماء زرقاء، وقد أخذت كلمة "الإسلام" بروزًا أكثر في العُنوان، ويحيط بها إضاءة متدرجة، يرسلها القمر من علٍ في مراحل أطواره المتغيرة في شكله المرئي، والثابت في شكله الحقيقي، بدءًا من مرحلة الهلال؛ فالتربيع، والبدر، وانتهاءً بمرحلة المُحاق.
وتلك التغيرات في حقيقتها هي مسألة متوقفة على المواقع وحِدَّة وقوة النظر إلى الزاوية أو الجهة المضاءة من القمر، وعلى ضوئها تحدد درجة الإدراك والفهم لتلك العلاقة الكونية بين حركة الأجرام السماوية، القائمة بين الشمس والأرض والقمر... وغيرها من النجوم والكواكب.
كَمَا يضمُّ الجزء الأكبر من واجهة الغلاف صفحات مفتوحة من القرآن الكريم، وكأنها وضعت على شاشة مرئية، يظهر منها بريق ساطع، تضيء حبات المسبحة بلونها البني الفاتح على جانب المصحف. بينما جاء ظهر الغلاف على شكل أرضية سماوية، تسطع من زواياها شمس مشرقة، تبدد تلك الظلمة والغيوم الكثيفة، التي تحيط بجبال راسية وشاهقة وأودية سحيقة.
افتَتح الباحث كتابه بآيات كريمة من سورة إبراهيم، توحي بأهمية الكلمة الطيبة، وتأثيرها على النفس الإنسانية، ثم قدم تمهيدا للكتاب، مُؤكدا أن الإسلام بمبادئه العامة وقواعده الكلية الملاذ الذي ينبغي أن يلوذ المسلمون لمعرفة ما يعمهم ويهمهم من شؤون؛ مما يدعونا إلى أن ندرسه بموضُوعية وعلمية، لمعرفة تأثيره في جوانب الحياة المُعاصرة كافة.
مُحذِّرا الباحث من خطورة ظاهرة الغلو والتطرف على التقدم والتطور والحياة عموما؛ سواءً كان ذلك التطرف والغلو دينيا، أو أيديولوجيا، أو غير ذلك، مُؤكدا ضرُورة وأهمية تناول مثل هذه الظواهر في بحوثنا المُعاصرة، وهو ما تطرق إليه ضمن سياق أجزاء بحثه، حيث بيَّن دور مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية في مُعالجة هذه الظاهرة وعلاقتها في مُجريات حياتنا المُعاصرة، مُجيبا عن عدد من الأسئلة في هذا الإطار، داعيا إلى بناء علاقات سليمة مع سائر الناس، والمُشاركة الفعالة في صياغة الحضارة. كما قدم الباحث في بداية صفحات الكتاب شرحا لمعاني ودلالات بعض المُصطلحات الواردة في البحث؛ الأمر الذي ساعد على استيعاب محتوى الكتاب، وفهم منهجية الباحث وتوجهاته الفكرية.
الكِتَاب في خطته تم تقسيمه إلى ستة فصول؛ تناول الفصل الأول: بحث العلاقة بين الروح والمادة، التي هي قائمة في حقيقتها وواقعها على التفاعل والتكامل. والفصل الثاني: تطرق فيه الباحث إلى كيفية تعامل الذات مع الآخر المُختلف، في ضوء مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية. وفي الفصل الثالث: ناقش الباحث مسألة التعامل مع الآخر في ظل التحولات والتغيرات العالمية في الرُؤى والمفاهيم والتطبيقات، وتوافقها مع مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية، فحمل عُنوان الفصل: "الإسلام والتحولات العالمية المُعاصرة".
وتناول الفصل الرابع موضُوع "الإسلام وتطور المُجتمعات البشرية"، مؤكدا أنَّ الإسلام قد جاء لينشر السلام بين جميع الأمم والشعُوب، ويقضي على مظاهر التخلف ومظاهره. وركَّز الفصل الخامس من هذا الكتاب على موضُوع "الإسلام ومفهُوم الحياة والمُواطنة"؛ فالحياة في المنظور الإسلامي مُقدَّسة، وقائمة على فلسفة الاستخلاف؛ لأن الإنسان قد خُلق ليعمر الأرض خليفة لله فيها، وذلك بالاعتماد على العلم النافع والعمل الصالح، والترابط بين الناس، ومراعاة علاقة الإنسان مع الآخر وحسن تعامله معه، في ظل العيش المشترك بينهما من أهم مبادئ المُواطنة، وهي مُرتبطة بصُورة أساسية ببناء الإنسان، وتقوم على بذل الجهد بكل إخلاص وصدق ونزاهة من أجل المجمُوع، وبالولاء للبلاد واختياراتها التطورية.
وتطرَّق الفصل السادس والأخير من البحث إلى موضُوع ترشيد الإسلام للعلاقة بين المُكونات الاجتماعية للدولة: ما بين الحاكمين والمحُكُومين، حسب المُصطلحات الإسلامية ذاتها، وحمل الفصل عُنوان: "الإسلام والعلاقات بين السُلطة والشعب". واختتم الباحث كتابه بمُوجز للاهتمامات الأساسية لما جاء في محتويات الكتاب، مُؤكدا على نتيجة مُهمة: أنَّ الإسلام على صلة وثيقة بالواقع، بالمُجتمع، بالبيئة، بالزمان والمكان والإنسان.

السبت، 23 يونيو 2018

تجلِّيات المساء

إبحار تحت ظلال المساء

مناشدة ورجاء

فِي ظل ما تشهده بعض الأمكنة التي تتكاثر فيها الحياة الفطرية كالغزلان والوعول من محل شديد وقلة من توافر المياه السطحية الجارية.. أرجو من وزارة البيئة والشؤون المناخية، تكليف الفرق الميدانية الحارسة لهذه الحيوانات البرية من الاعتداءات البشرية، أن تنشئ نقاطا للمياه في أماكن عيشها؛ فالأمر فيه من الصعوبة والمُعاناة الشديدة على هذه الحيوانات والطيور الجميلة في هذا الصيف القائظ.

الجمعة، 22 يونيو 2018

جمال الطبيعة في سكونها

الشاطئ الأبيض (White Beach).. هكذا السياح الأوروبيون يطلقون عليه. شاطئ تكسوه رمال بيضاء ناعمة، مشبعة بالسيليكا المضيئة (الكوارتز)؛ لها ملمس يدغدغ المشاعر والأحاسيس. يتسم بالسكينة والهدوء. ملهم للتفكر والتأمل والاسترخاء. تكتسيه شجيرات خضراء مزهرة على الدوام. يمتد على ساحل بحري في بمة (الحيل). تتلاقي فيه زرقة البحر بزرقة السماء. لا يخلو يوما من زائر أو سائح. يقصده الكثير من بلدان بعيدة. فهو حريٌّ بالاهتمام والاستثمار.

رجاء

اتركُوا سواقي الأفلاج مشرعة دُون تسقيف أمام الحيوانات والطيور وهوام الأرض، كما عهدناها مُنذ القدم، فحُجة تسقيفها بأن السياح يستخدمونها بطريقة غير صحيحة ليس عذرا.

الخميس، 21 يونيو 2018

للمنظر سكينة وهدوء


الخمري

مِن أنواع النخيل النادرة في عُمان: نخلة الخمري، رُطبها بارد قليل السكر، وتمرُها أيضًا له ميزة خاصة، لعل اسمها اشتُق من لون رطبها الخمري الداكن.. لم تعُد هذه النخلة تلقَى ذلك الاهتمام، مقارنة بالأصناف الأخرى، ولكن لها تاريخ موغل بالعطاء.

المشرُوع السياحي في ولاية قريات

هذا المساء، كان لي زيارة للشركة المكلفة بتصميم المشرُوع السياحي بولاية قُريات، المالكة له "شركة قُريات للتطوير"، وقد جمعني لقاء بالباحث الرئيسي للدراسة الخاصة بالجدوى الاجتماعية للمشرُوع، الفرنسي الشاب المُهندس توماس، وبحضور الأستاذ المصري المُهندس عبدالرحمن، وقد تفاجأت في هذا اللقاء بوُجُود الطبعة الثانية من كتاب "قُريات.. عراقة التاريخ وروعة الطبيعة" على طاولة المُهندس الفرنسي، الذي استُقدم مُؤخرا لإعداد دراسة متكاملة حول تأثير المشرُوع على الجانب الاجتماعي والثقافي والبيئة المحيطة به، بتوجيه وطلب من وزارة السياحة.
فبَادَرنِي عن سعادته بهذا اللقاء، الذي تم الترتيب له مُنذ فترة، على أثر اتصال هاتفي تلقيته من الشركة، وتم تأجيله لمزيد من التأمل والتأكد. فبعد أن أهديته الطبعة الثالثة من ذلك الكتاب، حاول بحماس شديد طرح مجمُوعة من الأسئلة، تركزت في مجملها على الجدوى الاجتماعية للمشرُوع، وتوقعاتي لمدى تقبل المُجتمع له، والقيمة المضافة المتوقعة له، التي سيحدثها على اقتصاد الوُلاية وتأثيره على التراث الثقافي والاجتماعي للولاية.
وقبل أنْ أُجيبه، طلبتُ منه أن يشرح لي عن ماهية هذا المشرُوع؟ ومدى استيعابه هو للتراث الثقافي والطبيعي للمكان والبيئة المحيطة بالمشرُوع؟ خاصة وأنَّه لم يسبق له العيش في عُمان، فكان الرجل صريحا ومتعاوُنا ومتحمسا لإنجاز مهمته، التي حدد نهايتها شهر سبتمبر من هذا العام، حيث يتطلب منه تسليم ملف الدراسة المكلف بها. فبادلته حينها بنفس التوجه والاهتمام والمشاعر، حرصا مني على قيمة المشرُوع اقتصاديا واجتماعيا، إضافة لما يمثله من قيمة مضافة لاقتصاد الوطن.
وبمبادرة شخصية مني، تم في بداية العام 2012م تقديم دراسة لإنشاء شركة أهلية تحمل اسم "شركة قُريات للاستثمار والتطوير السياحي"، هدفها الاستثمار في العديد من المشاريع الاقتصادية والخدمية والاجتماعية بالوُلاية، بما فيها إقامة الفنادق والمشاريع السياحية، وبرأس مال يُسهم فيه جميع أبناء الوُلاية، إلا أن الفكرة ظلت محل أخذ وعطاء بين هذا وذاك، حتى برز هذا المشرُوع الرائد إلى حيز الوجود، وهو ما أسعدني جدا؛ لأنَّ اسم الشركة المنفِّذة لهذا المشرُوع وأهدافه كان قريبا من الاسم والأهداف في ذلك المُقترح -والحمد لله- وتلك الفكرة منشورة على صفحتِي، لمن أراد التعرف على تفاصيلها، وهي مُطبَّقة اليوم بنجاح في عدد من ولايات السلطنة، وقد زُرت بعضها، والتقيت بمجالس إداراتها، وتسير بوتيرة متسارعة في النماء والتطوير.. وفَّقهم الله.
أعُود لمُقابلة اليوم.. فشركة قُريات للتطوير وشركاء آخرين، هي شركة ستتولى تطوير جزء من الشريط الساحلي المطل على البحر مُباشرة بساحل قُريات؛ وذلك من خلال إقامة مجمُوعة من الفنادق والمشاريع السياحية والخدمية والترفيهية والسكنية الواعدة، وذلك على مساحة تصل إلى أكثر من مليون متر مربع، وتضم أيضًا حدائق ومتنزهات وملعبا للجولف، ومشاريع ترفيهية وخدمية أخرى، ويتوقع أن تستقطب المجمعات السياحية المتكاملة أكثر من عشرة آلاف نسمة من عُمان، ومُقيمين من خارجها أيضا.
وبحيث أن المشرُوع قد أصبح واقعا، والدراسة تتعلق بتأثيرات المشرُوع -سلبا وإيجابا- على الجانب الاجتماعي والثقافي للمُجتمع المحلي في الحاضر والمُستقبل، فقد ركزت في نقاشي على الجوانب التالية:
1- المشرُوع من الناحية الاقتصادية ستكُون له قيمة مضافة للاقتصاد الكلي والجزئي، وسيسهم بلا شك في خلق فُرص عمل لأبناء الوُلاية، وسيكُون له حراك اقتصادي نشط على مُستوى الوُلاية، لا سيما فيما يتعلق بقطاع الخدمات واللوجستيات.
2- من الضرُوري أن تكُون هُناك دراسة مسايرة لهذه الدراسة، حول مدى تأثير المشرُوع على البيئة والتراث الطبيعي للمكان؛ بحيث يكُون المشرُوع صديقا لتلك البيئة ومحفزا على تنميتها، وضرُورة التعرف على نوعية الأشجار والنباتات في التراث الطبيعي للمكان، والتي من المتوقع تأثرها بأعمال الردم والتسويات، والعمل على الاحتفاظ بمصادرها ومُكوناتها وتنميتها، ومحاولة إعادة نقلها أو زراعتها في المتنزهات والحدائق والمساحات الخضراء في المجمعات السياحية للمشرُوع.
3- من المُهم أن تكُون مواصفات بناء المشرُوع يراعي الجوانب الجمالية للبيئة، ومخاطر مجاري الأودية وتقلبات المناخ والطقس، خاصة بعد إزالة تلك الرمال والكثبان الرملية، التي -ومنذ آلاف السنين- كانت تُشكل حاجزا طبيعيا عن تداخل مياه الأودية والبحر إلى القرى السكنية والزراعية المجاورة للمكان.
4- حسب علمي أنَّ وزارة البيئة والشؤون المناخية قد حددت مساحة من الأرض مجاورة للمشرُوع، لتكون محمية أو حديقة طبيعية، لهذا من الضرُوري أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار عند تصميم المشرُوع وتنفيذه، للمُحافظة على التراث الثقافي الطبيعي، والعمل على إضافة قيمة مضافة لتنمية تلك المساحة؛ وذلك بمساهمة المشرُوع أو الشركة في تنمية تلك البيئة ومُكوناتها الطبيعية.
5- من المتوقع أن يستقطب المشرُوع ثقافات جديدة، وسيحدث تغييرات في جوانب عديدة لحياة الناس، ولكن الوُلاية بحكم تركيبتها السكانية هي ذات تنوع ثقافي مُنسجم ومتداخل مُنذ القدم، ويمكن الحد من التأثيرات السلبية المتوقعة على التراث الثقافي، طالما وضعت الأمور في الأطر الصحيحة، التي تراعي التراث الثقافي والاجتماعي للمُجتمع.
6- لا يجب أن تكُون هُناك عزلة بين المشاريع السياحية وبيئة المُجتمع؛ فالشاطئ يجب أن يكُون عاما، ومتاحا لجميع سُكان الوُلاية دُون أية تحديد أو خصوصية؛ كونه كان -ولا يزال- يخدم قطاعا كبيرا من الصيادين، ويُشكل مُتنفسا طبيعيا وترفيهيا للسكان، ومن الضرُوري أن تكُون هُناك علاقة تكاملية بين أهداف المشرُوع واحتياجات المُجتمع وثقافته، لا سيما الأساسية منها.
7- ضرُورة التسويق الصحيح للمشرُوع، وتبصير المُجتمع المحلي بأهميته وأهدافه؛ من خلال لقاءات مُتواصلة مع المُجتمع؛ لضمان دعمهم ومساندتهم للمشرُوع خلال وبعد فترة تنفيذه.
8- يجب أن يُسهم المشرُوع في إقامة مشاريع تنموية وترفيهية لخدمة البيئة والمُجتمع المحلي، وأصحاب الحرف والمهن، لا سيما المشتغلين في مهنة صيد الأسماك.
9- أهمية المُحافظة على التراث الطبيعي والإنساني لخور الملح القريب من المشرُوع، والذي يعُود تاريخه إلى الألف الثالث والرابع قبل الميلاد، وضرُورة مساهمة المشرُوع في تنميته، ودعم العاملين فيه.
وفي الختام، أكَّدت للمُكلف بالدراسة ضرُورة أن تكُون الدراسة معتمدة على الواقع والدراسة الميدانية وتحمل المسؤُولية الاجتماعية، وضرُورة اللقاء بالناس ومعرفة رؤيتهم، مع تضمين الدراسة بالأرقام والإحصاءات من مصادرها الصحيحة، وقد اقترحت عليه مجمُوعة من النقاط والخطوط العملية لتحقيق ذلك، مُتمنيا للشركة والقائمين عليها التوفيق والسداد لخدمة الوطن والمُجتمع والبيئة.. والله ولي التوفيق.

العناية بالحيوان

يُؤكِّد الكثير من العُلماء على أنَّ هُناك أكثر من مليوني نوع من الحيوانات تعيش بيننا، والذي تعرف عليه الإنسان من هذه الحيوانات، واستفاد من خيراتها القليل القليل، وتلك الدواب تعيش في الأرض والفضاء كأممٍ لها نظامها وظرُوفها في الحياة، وهي جميعها مُسبِّحة لله، كما أخبرنا عنها القرآن الكريم: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ.."، وهي أيضًا مؤدِّية دورها الحيوي في خلق التوازن البيئي في هذه الحياة.
وهُناك سُوَر عديدة في القرآن الكريم سُمِّيت بأسماء حيوانات، وهُناك أيضًا آيات عديدة أشارت إلى العديد من الحشرات والحيوانات، وهي دلالة عظيمة على نعم الله على الإنسان بأن سخر له كل ما في هذا الكون.
ويُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول أهمية الرحمة بالحيوان: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش، مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر".
الإسلام يحُثنا دومًا على أن نتعامل مع كل هذه الكائنات الضعيفة بالرحمة؛ لهذا سُنَّت العديد من القوانين والأعراف القديمة التي تنظم علاقة الإنسان بالحيوان، وهي قائمة دومًا على الرحمة وإدراك أن كل شيء أو مخلوق له دور في هذه الحياة.
العُمانيون من الشعُوب العريقة التي أولت الحيوان جل العناية، وهُناك سنن وأعراف قديمة لدى العُمانيين تُسمى "سنة البر"، وأخرى تُسمى "سنة البحر"، تنظم كل صغيرة وكبيرة في التعامل مع الحيوان وطريقة استخدامه أو صيده، وهي تلقى الاحترام والتقدير من جيل إلى آخر حتى اليوم.
المتجول في جبال عُمان الثرية يجد الكثير من الحفر التي نحتها العُمانيون بأيديهم في الصخر؛ من أجل تجميع مياه المطر وتخزينها للاستفادة منها متى ما انقطع الغيث وجفت الأرض وانتشر المحل، تلك الحفر يسمونها بـ"الخرس" ولا يغطونها، رغم حاجتهم للماء، وإذا سألتهم لِمَ ذلك؟ يكُون الجواب: هُناك من يعيش بيننا، فلهم الحق علينا أيضًا للشرب، ويقولون أيضا: النهار حال ناس والليل حال الناس.. يقصدون بذلك أن هُناك من الهوام والدواب تأوي إلى تلك الأمكنة للورد أو الشرب متى ما هجعت الناس في الليل.
كما إذا رأوا قاطور أو قطار ماء من سفح جبل، أقاموا حوله حوضا لتجميعه لغرض أن تروي دواب الأرض من ذلك الماء، بل من اهتمامهم بالحيوان تجد هُناك من وقف أموالا لغرض تغذية وسقاية ورعاية الطيور والحيوانات.
وكان قديمًا إذا ما خرجوا إلى صلاة الاستسقاء، أخرجوا معهم البهائم، وحملوا معهم الأعلاف كالقت الأخضر وعوادم التمر كصدقة لتغذية وإطعام الحيوانات في ذلك اليوم؛ لطلب الرحمة والغيث من الله، وفي صيغة دعاء طلب نزول المطر أو الغيث يتوسلون بضعف البهائم الرتع، وجدْب المراعي.. رغبةً في رحمة الله.

ثراء

مَا يُميز لغتنا أو لهجتنا الدارجة الثراء في الألفاظ، ووصف الأشياء وفقا لشدتها وتغيرها؛ فمثلا شدة حرارة الجو لها أوصاف مُتعددة، منها: الغربي أو الصوري إذا كان حارًّا وجافًّا. الوعكة: إذا صاحَب الحرارة نوع من الرطوبة. الصهدة: إذا كانت الشمس في كبد السماء. كذلك: الوهرة، والوهجة، والزمة، والهدرة، والأزيب، والكوس، والنسناس.. وغيرها.

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

الرفق بالحيوان

من ملامح الرفق بالحيوان عند العُمانيين تلك اللمسات الإنسانية، المليئة بقيم الرحمة والعطف، عند تعاملهم مع الحيوان؛ فمثلا: كان قديما يعتمد في متح أو رفع المياه من الآبار العميقة على الأبقار، فيما يُسمى بالزاجرة؛ فكان صوت المنجور وسيلة مُهمة لتسلية الثور، وهو يجر تلك الدلو الضخمة المحملة بالمياه، كما يطربه صوت البيدار، وهو يترنم بأعذب الكلمات مدحا في ذلك الحيوان الأليف.
هَكَذا هي المرأة العُمانية أيضًا، عندما تلاقي شياهها بعد عودتها من المرعى، فتستقبلها بصوت موسيقِي ومفردات جميلة اعتادتْ عليها تلك الحيوانات مع كل مساء؛ فتتجمع حينها حول راعيها في علاقة حميمية عُنوانها الإحسان؛ حيث يُطعمها الراعي بيده من التمر والعلف.
وكذلك هي التعويبة: أغاني الرعاة في الفلاة، كانت تُشكل موسيقى قولية، لكي تطرب الحيوان ويستريح في مرعاه. كذا هي الجِمَال وهي تقطع الفيافي والجبال، تخب وتتهادى على أغاني التغرود، التي يتغنَّى بها الجمال بصوته العذب.
قديمًا أيضًا نادرًا ما تسمع كلمة "أعلاف" عند تقديمها للحيوانات؛ فاللفظة القديمة لما يقدم للحيوان هي: الطعام، يقال: أعطي الهوش طعام، أي قدم للماشية الأعلاف، والقت (البرسيم)، يُسمَّى بالدارجة أيضًا طعام، فكل ما يقدم من أعلاف خضراء تُسمى طعام، والوعاء الذي يعلف فيه الأبقار، ويصنع من جذع النخل، يسمى أيضًا مطعم.
وإذا أراد القصاب أن يُذكي أو يذبح حيوانًا، قدم له أولا الماء والطعام، ورش على ظهره بعض الملح، فبعد أن يأخذ الحيوان مبتغاه أو حاجته من الطعام والشراب، يقوم القصاب بما أمر به؛ حيث تتجلى حينها في تصرفه أعظم قيم الرفق بالحيوان.

قلب النخلة النابض

هُناك خَصَائص مشتركة بين النخلة والإنسان؛ من بينها: كل منهما له جذع ورأس، وإذا قطع رأس النخلة ماتت، ومنها الذكر والأنثى ، وللنخلة أيضًا قلب، ويتجسد ذلك في الجمارة، الذي نسميه بـ"الحجب"، ويقع في أعلى قمتها، وهو محاط بنوع خاص من الليف، لحمايته من أي أهتزاز، فإذا ما تعرضت النخلة لصدمة في قلبها ماتت.
العُمانيون يطلقون على السعف الذي ينمو في وسط رأس النخلة بالقلب، وهو من أجود أنواع الخوص لصناعة السفة، وخياطة أجود أنواع الأوعية الخوصية، خاصة تلك التي تحملها النساء كالجبة، فالتي تصنع من خوص القلب، هي الأغلى ثمنا والأجمل شكلا، لا يميزها عن غيرها إلا الخبير بشؤون النخلة.
وقديما، إذا ما سقطت النخلة، أو تم إسقاطها لهِرَم أصابها، تهافتت الناس على قلبها، فنزع الكرب والليف من قمتها، فنهش رأسها واستخرج قلبها "الحجب"؛ ففي طعمة لذة وطراوة لا تقاوم.

السبت، 16 يونيو 2018

شذرة في الإدارة

العُمانيون من أقدم شُعوب العالم تطبيقًا لما يعرف اليوم باللامركزية الإدارية، وشهد هذا النظام تطوُّرا ملحُوظا عبر التاريخ؛ بما يتوافق مع خصوصيتنا العُمانية.

الفَلْح

الفلح.. لفظة بلهجتنا الدارجة، نعني بها نوى أو بذرة التمر أو الرُّطب، وقد يكُون تسميتها بـ"الفلح" لكون الإنسان يفلحها بعدما يستلذ بطعم لحم الرطبة أو التمرة السكري، ولفظ الفلحة يتداوله الناس على نطاق واسع في حياتنا اليومية؛ فهي مُرتبطة مع كل وجبة أو جلسة أو دعوة؛ فالعُماني مُنذ القدم كان -ولا يزال- مُرتبطا بالتمر، أينما حل وارتحل، فلا تخلو ولا تحلو جلسة على مُستوى الأسرة، أو الأصدقاء، إلا بفردات من التمر، مع مذقة من اللبن، ورشفة من فنجان قهوة عدينية.
تِلك القطعة الصغيرة الصلبة، المستخرجة من وسط التمرة، المحاطة بغشاء خفيف جدا وشفاف، وذات الشكل المستطيل، واللون البني الداكن، والمدببة من الطرفين، ومحدبة الظهر، ومشقوقة أو محزوزة البطن في شكل أخدود ضيق ذي فلقتين، يتوسَّطه خيط رقيق، تحمل في مُكوناتها معجزات إلهية، تستحقُّ التفكر والتأمل، قبل التخلص منها؛ فتقسيماتها الجميلة البسيطة قد ذكرها القرآن الكريم في عدة آيات، كالقطمير، والفتيل، والنقير.
العُمانيون لا يُحبِّذون زراعة الفلح لاستزراع النخل، وذلك على عكس الأشجار والنباتات الأخرى؛ فهم مُنذ القدم يعتمدون على فسائل الصرم، التي تقتلع من أحضان النخل السامقة في عنان السماء؛ فهي أكثر ضمانا وجودة؛ كونها تحمل كافة صفات الأم من حيث نوعية الصنف وجودة الثمر.
لهذا؛ فإذا ما طلعت فسيلة نخل من فلحة أطلقوا عليها نبتة أو قش أو نشو؛ كونها مجهُولة الصنف والنوع، وقد يضاف إليها اسم المكان أو صاحبه، فيقولون: قش كذا، أو نشو كذا.
ولكِن ماذا كان يصنع الأقدمون بالفلح أو النوى؟ وهل كانوا يتخلصون منه كما نفعل نحن في هذا الزمان؟ وما أهميته الاقتصادية والغذائية في عصرنا هذا؟ هذا ما سوف أركز عليه في هذه السطور المُتواضعة.
الكثيرُ مِنَّا في هذا العصر ينظر إلى الفلح أو نوى التمر نظرة دونية؛ لهذا لا يعبأ الكثير منا من رميه بعد التمتع والانتهاء من أكل الرطبة أو التمرة، وللعلم ومن خلال تجربة شخصية تقدر وزن الفلحة أو النواة في المُتوسط ما يقارب من 15% من وزن الرطبة أو التمرة أو أكثر، مع اختلاف طفيف من نوع إلى آخر من أصناف التمور، ودرجة جودة وحجم كل ثمرة.
كما تقدِّر الإحصاءات أن إنتاج السلطنة من التمور يزيد على 316 ألف طن سنويًّا، ويقدر استهلاك الفرد العُماني من التمور بما يقارب 60 كيلوجراما في العام. إذن، نحن أمام كمية كبيرة من الفلح أو النوى، تقدر بما يقارب 48 ألف طن سنويًّا، هي اليوم مُهدرة دُون أي عائد غذائي أو اقتصادي يذكر.
يذكُر معالي الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي، في مُقابلة له مع موسى الفرعي وسالم العمري، على قناة الوصال، في شهر رمضان الفائت، حول ذكرياته إبان مشاركته في أحد المخيمات السلطانية عن المفاجأة التي وُضِعوا أمامها عندما قُدِّمت لهم قهوة، وطُلِب منهم معرفة نوع القهوة تلك؛ فاحتار الجميع في معرفتها، للذة طعمها، لتكون المفاجأة أن تلك القهوة هي من الفلح أو نوى التمر، بعد تحميسها وطحنها، واستخدامها كبودرة لصناعة القهوة، الخالية من الكافيين، ولذلك دلالة كافية على مدى الاهتمام بهذا المنتج.
كَمَا تذكُر كُتب التاريخ أنَّ أحد الصالحين العُمانيين، كان في رحلة سير مع جماعة له؛ فوصل بهم المجلس والمقام أن يستريحوا لتناول التمر والقهوة تحت ظل شجرة في بطن أحد الأودية، فكان كل من في المجلس يأكل التمرة، ويلفظ الفلح أو النوى ويدفعها أو يرميها يُمنة ويسرة على جانبيه، إلا ذلك الرجل الصالح؛ فكان يجمع الفلح في يده؛ فاستغرب الجمع من تصرفه، فسألوه عمَّا يفعله؟ فرد عليهم: أخشى أن ينبت من هذا الفلح صرما في بطن هذا الوادي، فيكبُر ويسد مجرى الماء، فيرجع السيل إلى بيوت الناس.
قديما، كانت كل قشور الفاكهة وبقايا الطعام لها قيمة، لأنها نعمة، فالفلح مثلا -بعد طحنه- كانت له استخدامات علاجية وغذائية عديدة في الطب الشعبي العُماني القديم، وهذا ما تؤكد عليه الكثير من الدراسات والأبحاث الحديثة اليوم، حول أهمية المُكونات العضوية والمعدنية لنوى التمر، وفائدته الصحية والغذائية؛ حيث أصبحت مُكوناته تدخل في الكثير من الصناعات الدوائية، وفي بعض مستحضرات التجميل، والمواد المستخدمة في المُحافظة على البشرة.
وقديمًا أيضًا، كان المزارعون هنا في عُمان يحرصون على إطعام ماشيتهم بعوادم التمر، وتسمَّى عندهم بـ"النفيعة"، بما فيها الفلح أو نوى التمر؛ فكثيرٌ منه كان يتم مقايضته بالوزن مع مربي الأبقار ببعض المُنتجات الزراعية والحيوانية أو بمُقابل من المال؛ فكان يخرس الفلح ويطبخ ويقدم للأبقار؛ بهدف تسمينها وزيادة إدرار حليبها، وكان له أثر وفاعلية كبيرة، تظهر بجلاء في طعم منتوجاتها، وكانت وجبة طعام الفلح المخلوط بغلاصم الأسماك وبعض قشار الفاكهة لا تُقدَّم إلا في وعاء جميل يتم نحته من جذع النخل، يسمى "المطعم"، وفي عملية نحته جماليات فنية لا تخلو من إبداع، حتى وإن قُدِّم فيه طعام للحيوان.
يَبْقَى السؤال الآن مطروحا: هل نحن سائرون على ذلك النهج، الذي كانت تقدر فيه مثل هذه النعمة، وتُستثمر مثل هذه الكميات الهائلة المهدرة من نوى التمر، كقيمة غذائية مضافة، وذات عائد اقتصادي مُستغل؟!

الجمعة، 15 يونيو 2018

رأس دغمر

رأس دغمر.. من هذه الحجارة الكلسية تتفتَّق عيون عذبة، تصب في البحر، وزاد نشاطها بعد إقامة سد وادي ضيقة، كان يشرب منها العابرون لبحر عُمان وللمحيط المجاور، ويزف إليها العرسان للتبرك بعذوبة مياهها.. في الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم حاول أحد الباحثين الأوروبيين أن يضع أنبوبا في فوهة إحدى تلك العيون، إلا أن اندفاع الماء كان أقوى من فكره، فتركت تلك العيون تصب ليل نهار، لتروي كائنات البحر، وتبث في النفوس جمال الطبيعة وسحرها.

كلمة شكر


أودُّ أنْ أشكُر الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيُون على جُهُودها الطيبة في تقديم تشكيلة من البرامج الهادفة طوال شهر رمضان المُبارك.
كَمَا أحيِّي فريق الإعداد والتمثيل والإخراج في مسلسل "حارة الأصحاب"، الذي بُذل فيه جهد كبير، مقارنة بالإمكانات المتاحة.
وعلى الرَّغم مِمَّا كُتب عنه -حسب متابعتي- إلا أن المسلسل حمل الكثير من الجوانب الإيجابية، التي تستحق الشكر والثناء. ولعلَّ على رأسها -من وجهة نظري- تلك اللمسة الجمالية للهجة القديمة، التي ظهر بها الممثلون، إضافة لظهور تلك الكوكبة المتناسقة للرواد مع الوجوه الجديدة والشابة، وقُدرة المخرج والكاتب على توظيف المكان لخدمة أحداث المسلسل وتتابعها، وإظهار جماليات الطبيعة الخارجية دونما تغيير.
الأمرُ الذي يَجعلنا نُطالب بإبقاء تلك المعالم الحية للحوائر القديمة؛ حتى وإن تطلَّب الأمر استثمارَ الهيئة أو شركات الإنتاج لتلك الأمكنة للمُستقبل.