الجمعة، 30 يوليو 2021

شواطئ نقية في عُمان

خدمة الكهرباء وأهميتها

نشكُر هيئة تنظيم الخدمات العامة على القرار المُهم الذي اتَّخذته بعدم قطع خدمة الكهرباء عن أي مُشترك، وهو تجاوبٌ سريعٌ لمَطَالب المواطنين، خاصَّة في ظل ظروف هذا الصَّيف الحارق.
من جانب آخر، ينظُر الكثير من علماء المال والاقتصاد إلى أنَّ الكهرباء تعد من بين أهم العناصر المساعدة للإنتاج، إلى جانب رأس المال الفكري، ورأس المال المادي، والموارد الطبيعية الأخرى.
فكلَّما كانت أسعار الكهرباء مرتفعة، أدَّى ذلك لزيادة تكلفة الإنتاج والاستثمار، وخلق صعوبة في التوسع التجاري والصناعي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وفي الوقت ذاته، سوف يُسهم ذلك أيضًا في ارتفاع واسع في أسعار السلع والخدمات، إضافة لتأثير مباشر على القوة الشرائية للمستهلك، وبمرور الوقت سوف نُواجه مُؤشِّرا مرتفعا للتضخم.
لهذا؛ ندعو الجهات المعنية في الدولة إلى مُرَاجَعة مُهمِّة للتعرفة الجديدة للكهرباء والمياه؛ بحيث تراعِي الظروف الحقيقية للمواطنين والمقيمين، مع نظرة واقعية للدورة الاقتصادية، التي تشهدها السلطنة ودول العالم أجمع.

الاثنين، 19 يوليو 2021

جهود مُباركة

تحيَّة شكر وتقدير وامتنان لقوات السلطان المسلحة.. عظيمة تلك الجهود التي يقدمها هؤلاء البواسل في مثل هذه الظروف الطارئة.. نسأل الله أن يحفظهم ذخرا وفخرا وعزا للوطن وخدمة الإنسان في عُمان.

تحية لجهود هؤلاء الأبطال

 

عِنْدَما داهَم إعصار "جونو"، مُنذ سنوات، بعضَ مدن عُمان، كانت تجربة أعطتْ دروسا لمعنى التلاحم الوطني، وعندما تَرى أبناء عُمان جميعهم على قلب واحد في مواجهة ظرُوف مناخية مُشَابِهة، فإنَّ الأمرَ يجعلك تشعر بالفخر والاعتزاز.
استقبِلوا خَيْرات السماء بالبِشْر وبالحَمد، والشُّكر والدعاء؛ فهي من المؤكّد تحملُ الخير الكثير.. حَفِظ الله الجميع.

اللهم في هذا اليوم المبارك.. أيِّده بنور حكمتك

اللهم في هذا اليوم المبارك.. أَسْبِغ عليه عظيم رحمتك

الأحد، 18 يوليو 2021

ذاكرة صورة

هَذِه الصُّورة تعود لما قبل ثلاثين عاما تقريبًا، وبالتحديد إلى العام 1991م، التقطتُها في جامع السلطان قابوس في قريَّات، وهي لها مكانة خاصة عندي؛ لأنها تضم وتذكِّرنا بشخصيات عزيزة، لم تَعُد بين ظهرانينا اليوم.
وكانتْ بمُناسبة أداء صلاة عيد الفطر المبارك، وهي المرة الأولى في تاريخ قريَّات التي تُؤدَّى فيها صلاة العيد خارج مصلى العيد في وادي مجلاص بقرية المعلاة؛ حيث جَرَى العرف منذ القِدَم أن يؤدي الوالي والقاضي صلاة العيد في هذا المصلى.
لماذا تم نقل صلاة العيد إلى الجامع في ذلك العام؟ وما هي الدواعي التي أدت لاتخاذ هذا القرار في حينه؟
في تلك الأيام شهدتْ الولاية هطولَ أمطار وسيول غزيرة؛ الأمر الذي أدَّى لتأثر مُصلى العيد والطرق المؤدية إليه بتلك السيول، وكان من المتعذَّر تهيئته في تلك الظروف؛ فاتَّخذ الوالي حينها قرارَ نقل الصلاة إلى الجامع، وكان الوالي حينها الشيخ حمد بن عبدالله بن سعيد الجابري-رحمه الله- وكُنت حينها أعمل موظفا في مكتب الوالي.
في البداية، لم يتقبَّل ويستوعب الكثيرُ هذا القرار، لأنه سيلغي عُرفًا قديمًا ومتوارثًا، ولأعذار أخرى مختلفة. ولتفادي هذا الموقف، قام الوالي في ليلة العيد، وكُنت معه، بزيارة بعض المراجع الاجتماعية لتوضيح مُعطيات اتخاذ هذا القرار؛ فواجهنا صعوبة شديدة في إقناعهم، خاصة كِبَار السن، فخرجتُ حينها بنتيجة: "إنَّ ارتباط الإنسان ببيئته وعاداته وقيمه المتوارثة، ومدى تعلُّقه بالمكان، تحكمه عوامل عاطفية ونفسية، يصعُب تغييرها في لحظة، وعملية تغييرها وتجديدها تظل بحاجة إلى ذكاء عاطفي واجتماعي ونفسي، قبل صدور أي قرار إداري".
ومن جانب آخر، جَرَت العادة أيضًا عندنا أنه بعد الانتهاء من شعائر الصلاة، يخرُج الجميع من المخرج في مسيرة، مشيًا على الأقدام، ويتقدَّمهم الوالي حتى الوصول إلى الحصن القديم، وفي ذلك ما يُعزِّز القيم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية أيضًا بمناسبة العيد. وكان قديمًا يتم إطلاق المدفع مع وصول المسيرة إلى الحصن ترحيبًا بالمشاركين، وجرتْ العادة أيضًا أن تَصْحَب تلك المسيرة البشرية الأخوية الرائعة فرقُ الفنون الشعبية، ولها في ذلك تنظيمٌ وعُرف يُنظِّم سيرها وموقع تواجدها في تلك المسيرة؛ فبعضها تكون في مقدمة المسيرة والأخرى في نهايتها.
وعادةً، تؤدي تلك الفرق الشعبية فنونَ الرزحة والعازي أثناء المسيرة، ومع وصول المسيرة إلى الحصن وبعد إطلاق المدفع، تلتحم تلك الجموع معًا، ويُؤدَّى حينها فن العازي، فيستقبل الوالي المهنئين في ذلك الصباح حتى قرب الظهر، ويتناول الجميع الحلوى والقهوة في جوٍّ اجتماعي حميم، ثم تُواصل فرقة فنون الرزحة أهازيجها في الفترة المسائية أمام الحصن، طوال الثلاثة الأيام الأولى للعيد، فيما يستقبل الوالي المهنئين بالعيد في الفترة المسائية، طوال أيام العيد الثلاثة أمام الحصن كذلك.
ولفنون الرزحة جمالياتها الفنية، وهي أيضا وسيلة للتعبير عن الرأي ولو رمزا بطريقة غير مباشرة، وأثناء سيرنا في تلك المسيرة كالعادة، كنا نسمع نواحي ومقاصب تُرتجل مباشرة، وفيها من العِتَاب الشديد على كسر قاعدة العرف القديم بتغيير مكان صلاة العيد، كان الوالي يستمع وينظر إليَّ باستغراب، فهمستُ له بأنَّ الأمر يبدو طبيعيًّا، وأنَّ الموقف يتطلَّب نوعًا من التغاضي والتغافل والصفح عن الهفوات، ومن ثم يمكن التفكير في معالجته لاحقا بهدوء.
في العيد الذي تَلى ذلك العيد، أُعِيدت الصلاة إلى مُصلى العيد في المصلى القديم، بعد أن تمَّت تهيئته للصلاة، وقبل يوم العيد تمَّ التواصل مع عقيد (رئيس) فرقة فنون الرزحة، التي تُصَاحب المسيرة بعد صلاة العيد، فأهداه الوالي دست حلوى تكريمًا له؛ فقال له: "لا نريد إلا مقاصب ونواحي (قصائد فنون الرزحة) في حب الوطن والسلطان"، فابتسم الجميع بتقدير واحترام.
تكرَّر المشهد بعد أعوام، إلا أنَّ القناعات كانت قد تغيَّرت واختلفتْ بتغيُّر الأعوام والأيام والأحوال؛ فالبشر بطبيعتهم مُختلفون: ثقافيًّا، ونفسيًّا، وفكريًّا، وفي مستوى إدراكهم وتفكيرهم ونظرتهم وتقديرهم للأمور، وتلك حكمةُ الله في خلقه.
كتبه صالح بن سليمان الفارسي

السبت، 17 يوليو 2021

ذاكرة صورة

تعُود هذه الصُّورة الفوتوغرافية إلى مَا قَبل أكثر من ربع قرن، وعلى مَتْن القارب الخشبي القديم الظاهر في الصورة، يعتليان بشموخ وفخر الصديقان: علي بن سالم البلوشي، وأحمد بن مبارك السناني، الفائزان بالمركز الأول في سباق قوارب الغادوف على مستوى قرى الولاية الواقعة على الساحل، ضِمْن مهرجان قريَّات البحري في بداية التسعينيات من القرن الماضي.
وعلى مدار سنوات طويلة، شكَّل البلوشي والسناني ثنائيًّا أخويًّا في رياضة البحر، ويُشار إليهما بالبنان مع كل سباق للقوارب التقليدية؛ لما لهما من خبرة ومعرفة واسعة بالبحر، ولقوِّتهما الجسمانية أيضًا بفضل الممارسة اليومية لنشاط البحر.
وكانت الجماهير الغفيرة التي تشهد هذا السباق البحري، وتتواجد على طول ساحل قريَّات الممتد، يرفعونهما على الأكتاف مع كل فوز، ويُزفَّان بالفنون الشعبية لدى وصولهما إلى شاطئ البحر.
فقد اعتدنا سنويًّا في قريَّات على إقامة المهرجان البحري في ساحل قريَّات، ضمن فعاليات وبرامج العيد الوطني المجيد، وكان يتضمَّن فعاليات بحرية، وسباقات تقليدية عديدة؛ منها: سباق لهواري الشراع، وسباق لقوارب وبدانة خشبية تجر بالغادوف والمجداف، إضافة للسباحة، مع فنون شعبية متنوعة، كفنون البحر والتنجيليه... وغيرها من الفنون، وكانت المنافسة حميمة وقوية بين قرى الولاية الساحلية، للظفر بجوائز هذه السباقات.
وفي العام 1993م، وبمناسبة عام الشباب العُماني، وبهدف المحافظة على تراثنا البحري العريق، وتعريف الأجيال المتعاقبة بأمجاده التليدة، بادرتُ حينها بتقديم مقترح -بصفتي رئيسا للجنة الثقافية والفنية بنادي قريَّات- إلى بعض المسؤولين بالهيئة العامة لأنشطة الشباب الرياضية والثقافية (حينذاك)، بنقل فكرة المهرجان البحري ليكون على مستوى أندية محافظة مسقط، وكان الصديق صالح بن خليفة الخصيبي -رحمه الله برحمته الواسعة- خيرَ من ساند ودعَّم هذه الفكرة لدى قيادات الهيئة، فتم اعتماد وقبول الفكرة، فتوسَّعت الفكرة لتكون مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية والتراثية، ومعرضًا لمنتجات الحرف التقليدية، ومعرضًا للفنون التشكيلية، تم الإعداد لها بحرفية، لتكون ضمن الأسبوع الشبابي لأندية محافظة مسقط في عام الشباب.
فشُكِّلت حينها لجنة شبابية لهذا الغرض، سُمِّيت "لجنة أندية محافظة مسقط"، ضمَّت ممثلين عن جميع أندية محافظة مسقط؛ من بينهم: الصديق سعيد بن مُحمَّد آل جمعة من نادي سداب (قبل دمجه)، والصديق زاهر بن ناصر الحسني من نادي بوشر، والصديق صالح بن مُحمَّد الفهدي من نادي السيب، والصديق عبدالله بن مزار الرئيسي من نادي الأهلي (قبل دمجه)، والصديق علي بن سعيد البوصافي من نادي البستان (قبل دمجه)، وكان معي في هذه اللجنة الصديق خليفة بن عبدالله الغماري من نادي قريَّات.
استعانَ النادي حينها بفريق استشاري من أهل الخبرة والدراية بالبحر وفنونه؛ من بينهم: الأخوة علي بن سالم البلوشي ومحُمَّد بن سالم الحسني ومُحمَّد بن عبدالله السناني المعروف بود الصقر، ومُحمَّد بن علي المالكي، وسالم بن خميس الزهيمي -رحمه الله برحمته الواسعة- ومبارك بن مُحمَّد العامري -رحمه الله برحمته الواسعة- وناصر بن سعيد الفارسي وعبدالله بن سالم الرحبي... وغيرهم، فكُنا نجُوب الطرق بين مسقط وقريَّات في سياراتنا لحضور الاجتماعات واللقاءات؛ للاستعداد لهذا السباق الأول من نوعه؛ فتم تشكيل الفريق الذي يمثل الولاية من البحارة، وتم اختيار ذلك الفريق بعناية فائقة ومحترفة، وخاض حينها تمارين يومية حتى موعد السباق.
اشتكَى البعض من قدم ونقص عدد القوارب الخشبية المقرَّر المشاركة بها في هذا السباق، فقام بعض المخلصين من أبناء الولاية بالسفر إلى كيرلا في الهند لاستجلاب وشراء قوارب جديدة؛ لتوسيع قاعدة المشاركة وتمثيل النادي خير تمثيل، فكان لشباب الولاية مشاركة مجيدة ونتائج باهرة في هذا المهرجان.
وبعد انتهاء ذلك المهرجان البحري، الذي أقيم على شاطئ فندق البستان، تمَّ تهيئة المكان المناسب والمظلَّل لحفظ تلك القوارب الخشبية؛ وذلك في ساحة النادي القديم في الساحل، وكان هناك من يرعاها ويدعكها بالصل بين الحين والآخر، لتكون أكثر إشراقة وفاعلية في تمثيل الولاية بالسباقات البحرية.
وفي العام 1995م، وبمناسبة اليوبيل الفضي للسلطنة واحتفالات العيد الوطني المجيد، أسهمتْ مُحافظة مسقط بدعم وتنظيم المهرجان البحري بحلته الجديدة؛ فتوسعت فكرته ليكون على مستوى ولايات المحافظة، وأُوكِلت للشيخ خالد بن أحمد الأغبري والي قريَّات حينها، رئاسة اللجنة الرئيسية المنظمة للمهرجان البحري، وقد تشرَّفتُ بعضوية هذه اللجنة؛ فشمل المهرجان سباقات بحرية متنوعة، وفنونا شعبية، ومسيرة بحرية بسفن وقوارب تقليدية، كان على متنها فرق الفنون الشعبية من جميع ولايات المحافظة، وقد أقيم المهرجان على شاطئ فندق قصر البستان أيضًا.
فالتقيتُ حينها بالصديقين علي البلوشي وأحمد السناني، وقُلت لهما: ترى السباق ليس كما تعودتما عليه، فهو أكثر منافسة وقوة. فقالا: لا يُرضينا إلا تحقيق المركز الأول لقريَّات، فوفَّيَا بما وعدا.
ركنتْ تلك القوارب الجميلة بعدها في وَكْرِها في ساحة النادي القديم لسنوات طويلة، مُشتاقة لزُرقة البحر وحنان يد الصياد، ولمسات مساج زيت الصل، وبعد انتهاء عُضويتي في مجلس إدارة النادي، وتركي النادي بصَمْت لوجوه جديدة، لا أدري أين هي اليوم تلك القوارب الجميلة، التي لا تزال مُنجزاتها شَاخِصة في الذاكرة، وذكرياتها ومحبتها مغروسة في حنايا القلب والوجدان؟؟!!
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي

الجمعة، 16 يوليو 2021

قرية عمق في قريَّات


قرية وادعة في أحضان الجبال الشواهق الراسيات، أكسبتها هيبة المكان، وعنفوان الشموخ، والقدرة على التكيف والصمود.. سكنها الإنسان القديم منذ الأزل، وبإصراره وتحديه وصبره استطاع أن يروِّض تلك الطبيعة القاسية لخدمته.. نحت الصخر بيديه، فتفجَّر ينابيع خير وخصب، فأجرى الأفلاج في سواقيها الحجرية.. أفلاج: القرح والدار والزام والنبز والعرف، تغدق بمياه رَقْرَاقة عذبة فرات، تنساب من جبالها الشوامخ لتسقي الروابي الخضراء، فيما روافد أوديتها: حيوف وحوان وبوعمامة، وشراج: الثبان والمخرج وخب عرف، وعيون الفرضة وجبة الحزكة والغيل، تتسلسل مياهها كموسيقى عذبة بين فوالق الصخور، مُندفعة في جمالٍ بهيٍّ من قمم وسفوح جبالها الشماء، في مشهد يأخذ بمجامع الألباب.
تحرُسها تلك السلسلة من الأكمات الصخرية بألوانها البهية المبهجة للنفوس والخواطر، فيما تقفُ حصاة السنقيعة، وكهف السوقة، وكهف العيص، وحزكة، وجبل المنقص شواهد بيئية حية على تراثها الطبيعي والجيولوجي، وثرائها بالحياة الفطرية المتنوعة.. تختزنُ في عمقها حكايات وأساطير الأيام والأحداث، ولو استُنْطِقتْ لسردتْ المجلدات بالميثولوجيا الثقافية في حياة الإنسان القديمة.
استثمرَ الإنسانُ وَفْرَة هذه المياه فزرع النخيل الباسقات، والأشجار الشامخات في عنان السماء، فأجادتْ بخيراتها الوفيرة.. أرضها خصبة، فكلما جادت السماء بغيث منهمر، اهتزَّت الأرض وربت، فأخضرَّت وأعشبت، وأينعت ثمارا طيبةً مباركة.
ومع رذاذِ الغيثِ، تُزهرُ مُدِرَّة اللفغ الحمراء بنبات الرعد، مبتهجة بهبة السماء، فتنبت الكمأة أو فطر الفقع الجبلي والصحراوي، كنسيج طريٍّ يُولد من رحم الأرض، فيزهو المكان بأريجها وجمالها الأخاذ، فتتسابق أيادي النساء والرجال والأطفال فتقطفها بفرح وحب، فتتهافت عليها الطلبات، وحدانا وركبانا، من مُختلف مدن عُمان ودول الخليج العربي، لتنعم بطعمها اللذيذ، ومذاقها الشهي.
هذه المقومات الطبيعية والسياحية المخفيَّة بين الجبال، هي اليوم بحاجة إلى لفتة كريمة من الجهات المختصة في الدولة، ولعلَّ إيجاد الحلول المُستدامة لطريقها الجبلي والترابي الوعر، هو أهم استثمار في مقومات تلك القرية الجميلة.. فالاستثمار في الطريق المؤدِّي إلى المكان هو استثمارٌ أيضًا في الإنسان، ووسيلة مُهمَّة لتحقيق أمنهِ وراحتهِ وتنمية مُقدَّراته، بما يُسهم أيضًا في تعزيز ارتباطه وتعلقه بذاكرة المكان.
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي

الخميس، 15 يوليو 2021

ذاكرة صورة

فِي بداية تسعينيَّات القرنِ المُنصرم، تشرَّفتُ برئاسة اللجنة الثقافية والفنية بنادي قُريَّات، هي مَرحَلة جميلة من عُمري، سأكتبُ عنها يومًا من بابِ نَقل الخِبْرَات والمَعَارف، وتوثِيق المُنجزات.
كُنتُ حينَها حريصًا على التنويع في إقامة الأنشطة والفعاليات: الفنية، والثقافية، والاجتماعية؛ بحيث تُلبِّي كلَّ الرغبات والتوجهات والهوايات لجميع أفراد المجتمع، ليُصبِح النادي بَيتَ الجميع؛ وفقَ إستراتيجيَّات وخُطط مرسومة بعنايةٍ فائقة، اشترك في صياغتِها الجميع؛ لهذا تحقَّقتْ الرُّؤية، والرِّسالة، والأهداف، والغايات.
كَان المسرحُ ضِمن أولويَّات واهتمامات مجلس الإدارة؛ فهو يُشكِّل رسالة وحلقة مُتصلة ومُتَواصِلة أسَّسها الرُّواد وعُشاق المسرح منذ عَهدٍ قديم، وما نحنُ إلا مُكمِّلين للمسيرة.
لم تَكُن هُناك خشبة مُتكاملة للمسرح بالنادي، إلا غُرفَة صغيرة على الزَّاوية الشمالية الشرقية من المبنَى القديم في الساحل، وعندما توالتْ العُرُوض المسرحية والفنية لفرقة مسرح النادي، التي تشكَّلت نواتُها في تلك الفترة، أصبحتْ الحاجة مُلحَّة لوجود مسرح يلبِّي طموحات الشباب.
تَدَارَس مجلسُ الإدارة الأمر؛ فكانت ميزانيَّة النادي ومُخصَّصاته المالية حينها لا تَتَجَاوز أربعة آلاف ريال في السنة، تُصرف جميعُها لمصروفات الكهرباء والماء ولأنشطة النادي جميعًا، وكان للرياضة نصيبُ الأسد من الموازنة طبعًا.
فكَّرنا جميعًا؛ فقررنا حينهَا لا بُد من وُجُود مسرح؛ فكانت الخُطَّة: كما تمَّ إنشاء أول مَلعَب مُعشَّب في تاريخ النادي بالجهود الذاتية، يتمُّ أيضًا إنشاء المسرح الثابت لأبناء هذا النادي العريق بنفس الطريقة.
فشُمِّرتْ سواعدُ الجد؛ فكان الاتصال والتواصل بالمجتمع؛ فبَادَر الجميع بما يتوافر، فنهضَ المسرحُ بتلك الإمكانات البسيطة، وتوالتْ العروض المسرحية والفنية، ووقفَ على خشبته نجومُ المسرح في عُمان، خاصَّة أعضاء مسرح الشباب؛ حيث كان آخرهم المرحوم الفنان القدير سالم بهوان.
كَانت عيون المخرجُ العُمانيُّ المبدع عبدالكريم جواد على هذا المسرح؛ فكَان دعمُه وتشجيعُه لا يُنسى؛ فاختَار من نجومه من يَدْعَم أنشطة مسرح الشباب، والمسرحيات التي قام بإخراجها.
على خشبةِ هَذَا المسرح كانتْ مسرحية "أحلام تحققت"، التي صاغ جمالياتها الصديق سعيد الغزالي والصديق علي الجهضمي ورفاقهما، تِلك المسرحيَّة التي مثَّلت مُحافظة مسقط بمناسبة العيد الوطني المجيد في العام 1995م، والتي كَانتْ يومها على شَرَف كِبَار المسؤولين، وطلاب جامعة السلطان قابوس، وأساتذتها الكرام.
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي

الخميس، 1 يوليو 2021

وجهة نظر

مَا مِنْ أحد إلا وأكتوى بالأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها الإنسانية في مُختلف بقاع العالم؛ سواء كان ذلك على مُستوى الفرد أو المؤسسة.
الخُطُوات والمُبَادرات والبرامج التي تَعمل عليها السلطنة، ضمن توجُّهاتها لاحتواء الظروف الاقتصادية الراهنة، تسيرُ في الاتجاه الصحيح، وهي بحاجة لتسويقٍ أكثر احترافية، لتبصير الرأي العام، وخلق صورة ذهنية وفكرية أكثر واقعيَّة وإيجابيَّة لصناعة المستقبل.
فالخططُ القَصِيرة ومُتوسطة المدى للتنمية هي الأجدى نفعًا وتأثيرًا، للتعامل مع هكذا ظروف، خاصة في ظل المتغيرات السريعة والمتسارعة في مجال التكنولوجيا، وللحدِّ من تأثيرات تقلبات الدورة الاقتصادية للاقتصاد العالمي.
إنَّ الأوامرَ والتوجيهات السامية لمولانا جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في تنفيذ المشاريع التنموية في مختلف محافظات السلطنة، تُعتبر مُحفزات اقتصادية وتنموية مُهمَّة، سوف تُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وتعزيز التنمية الإنسانية (الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية) في السلطنة، وعلى الجهات التنفيذية بذل المزيد من الجهد في هذا الإطار.
ومِنَ المهم جدًّا أن تُسخِّر الحكومة مواردها (البشرية، والمالية) لكسر حِدَّة الركود أو الانكماش الاقتصادي؛ وذلك بتنفيذ المزيد من المشاريع التنموية، وزيادة الإنفاق الحكومي، بما يُساعد على نمو حركة الاقتصاد الكلي، مع ضرورة التفكير الجدي في التقليل من فرض الضرائب والرسوم، والتفكير في إلغاء بعضها، وعلى رأسها تعرفة الكهرباء والماء الجديدة، وضريبة القيمة المضافة؛ فهي أكثر جدوى في فرضها عندما يكُون الاقتصاد في حالة الانتعاش.
فعُلماء الاقتصاد والاجتماع يربطُون الاستهلاك بنشاط الاقتصاد والرفاه الاجتماعي؛ فهو أحد أركان البنيان الاقتصادي في أي بلد، فكلما زاد الطلب الكلي على السلع والخدمات زاد الإنتاج، ومعه تزيد الاستثمارات، وتزيد فرص العمل.
هُنَاك أيضًا عَلَاقة بين الاستهلاك والدخل؛ لهذا فمِنَ المهمِّ جدًّا في فترة الانكماش والركود الاقتصادي تعزيز قيمة الدخل، حتى يستطيع المحافظة على قوَّة الطلب، وتعود العجلة الاقتصادية إلى الدوران، ومعها تتغيَّر الدورة الاقتصادية إلى الانتعاش من جديد.
لا خوفَ على الاقتصاد العُماني؛ فهو يقوم على قواعد ثابتة وراسخة، وهي دورة اقتصادية عالمية ستعبُر وتنتهي، طالما تضافرت وتكاملت الجهود، وسُخِّرت الموارد، وتعاون جميع شركاء التنمية من أجل تجاوزها بسلام.