قرية وادعة في أحضان الجبال الشواهق الراسيات، أكسبتها هيبة المكان، وعنفوان الشموخ، والقدرة على التكيف والصمود.. سكنها الإنسان القديم منذ الأزل، وبإصراره وتحديه وصبره استطاع أن يروِّض تلك الطبيعة القاسية لخدمته.. نحت الصخر بيديه، فتفجَّر ينابيع خير وخصب، فأجرى الأفلاج في سواقيها الحجرية.. أفلاج: القرح والدار والزام والنبز والعرف، تغدق بمياه رَقْرَاقة عذبة فرات، تنساب من جبالها الشوامخ لتسقي الروابي الخضراء، فيما روافد أوديتها: حيوف وحوان وبوعمامة، وشراج: الثبان والمخرج وخب عرف، وعيون الفرضة وجبة الحزكة والغيل، تتسلسل مياهها كموسيقى عذبة بين فوالق الصخور، مُندفعة في جمالٍ بهيٍّ من قمم وسفوح جبالها الشماء، في مشهد يأخذ بمجامع الألباب.
تحرُسها تلك السلسلة من الأكمات الصخرية بألوانها البهية المبهجة للنفوس والخواطر، فيما تقفُ حصاة السنقيعة، وكهف السوقة، وكهف العيص، وحزكة، وجبل المنقص شواهد بيئية حية على تراثها الطبيعي والجيولوجي، وثرائها بالحياة الفطرية المتنوعة.. تختزنُ في عمقها حكايات وأساطير الأيام والأحداث، ولو استُنْطِقتْ لسردتْ المجلدات بالميثولوجيا الثقافية في حياة الإنسان القديمة.
استثمرَ الإنسانُ وَفْرَة هذه المياه فزرع النخيل الباسقات، والأشجار الشامخات في عنان السماء، فأجادتْ بخيراتها الوفيرة.. أرضها خصبة، فكلما جادت السماء بغيث منهمر، اهتزَّت الأرض وربت، فأخضرَّت وأعشبت، وأينعت ثمارا طيبةً مباركة.
ومع رذاذِ الغيثِ، تُزهرُ مُدِرَّة اللفغ الحمراء بنبات الرعد، مبتهجة بهبة السماء، فتنبت الكمأة أو فطر الفقع الجبلي والصحراوي، كنسيج طريٍّ يُولد من رحم الأرض، فيزهو المكان بأريجها وجمالها الأخاذ، فتتسابق أيادي النساء والرجال والأطفال فتقطفها بفرح وحب، فتتهافت عليها الطلبات، وحدانا وركبانا، من مُختلف مدن عُمان ودول الخليج العربي، لتنعم بطعمها اللذيذ، ومذاقها الشهي.
هذه المقومات الطبيعية والسياحية المخفيَّة بين الجبال، هي اليوم بحاجة إلى لفتة كريمة من الجهات المختصة في الدولة، ولعلَّ إيجاد الحلول المُستدامة لطريقها الجبلي والترابي الوعر، هو أهم استثمار في مقومات تلك القرية الجميلة.. فالاستثمار في الطريق المؤدِّي إلى المكان هو استثمارٌ أيضًا في الإنسان، ووسيلة مُهمَّة لتحقيق أمنهِ وراحتهِ وتنمية مُقدَّراته، بما يُسهم أيضًا في تعزيز ارتباطه وتعلقه بذاكرة المكان.
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.