الأربعاء، 23 يوليو 2014

هَكذا هم القادة العظماء


نَشَرت جريدة "عُمان"، هذا اليوم، مجمُوعة من الصُّور النادرة لجلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- تعود لحقبة بداية النهضة المُباركة.
هَذه الصُّورة لها من المعاني والدلالات لمعنى القيادة، وهي تعبِّر كثيرا عن مدى الجُهُود المخلصة التي بذلها جلالة السلطان المُعظم من أجل خدمة هذا الوطن، وعمله الدءوب لتوفير الحياة الكريمة للإنسان العُماني. هكذا هم القادة العظماء، الذين سيُخلِّدهم التاريخ بأحرف من نور، يعملون من أجل رفعة وطن ورُقي أمة.
التنمية الإنسانية التي نعيشُها ونُشاهدها اليوم في مُختلف مجالات الحياة، لم تأتِ بضربة حظ، وإنما تحققت بعمل جاد، ومُثابرة أكيدة، وصبر تام، ورؤية واضحة، ورسالة سامية، وأهداف نبيلة، وبخطط طموحة، رسمها وخطَّها جلالة السلطان المُعظم، وتلاحم وتجاوب معها بصدق وإخلاص شعبُه الوفي؛ من أجل بناء مُؤسسات الدولة العصرية.
الأمرُ الذي يَجْعَل أمام الشباب العُماني مسؤُولية كبيرة للحفاظ على هذه المُنجزات والمكتسبات الوطنية، والعمل على تقديم المزيد من الجهد والعطاء؛ من أجل خدمة وطنهم ومُجتمعهم دُون كلل أو ملل.
اللَّهم في هذه الساعة المُباركة، احفظ جلالة السلطان المُعظم، ومتِّعه بالصحة والعافية والعمر المديد، واحفظ اللَّهم بلادَنا عُمان وأهلها الكرام. وكُل عام وأنتم بخير؛ بمناسبة يوم النهضة المُباركة، وحلول عيد الفطر المُبارك.

العوده إلى الطبيعة

يدعُو الكثيرُ من عُلماء التغذية إلى العودة للطبيعة في الغذاء، خاصة في ظلِّ التسارُع في مجال الصناعات الغذائية، وانتشار المعالجات الكيميائية للكثير من المأكولات.
قديمًا، كانتْ الزراعة في عُمان لا تعرف أبدًا الأسمدة الكيميائية، أو المبيدات الحشرية. اليوم، تَرِدُنا خُضراوات وفواكه لا تجد لها ذلك الطعم أو الشكل أو الحجم الذي عهدناه.
قديمًا كانتْ الأواني المستخدَمة في المطبخ هي أوانٍ تقليدية، أغلبها مصنُوع من الفخار. اليوم، هُناك آلاف من الأنواع من الأواني، وقد تهافتَت الناسُ على استخدامها دُون معرفة عواقبها.
قَبل أيام، نبَّهَتْ هيئة حماية المُستهلك لخطورة استخدام الألمنيوم، أو ورق القصدير، في عملية الطبخ، وفي الحقيقة استخدام الألمنيوم قد شاع في شتى مجالات الطبخ، أو تغليف الأطعمة، خاصة في المطاعم.
قديمًا، كان يُلف لحم الشواء -خاصة في مناسبة الأعياد- في أوراق الموز، وأوراق شجرة اللبان، أو الشوع، ومن ثمَّ يُوضع في ظرف مصنُوع من سعف النخيل، وعند استخراجه من الفرن أو التنور، تجد تلك الرائحة النفاثة والطعم اللذيذ للحم. اليوم، يتهافت الجميع على وضع اللحم في أوراق القصدير؛ حيث يعتقد الكثير بأنَّ ذلك أسهل وأنظف.
حتَّى الحناء، كانتْ مُكوناته طبيعية؛ وهي: أوراق الحناء سواءً كانت خضراء أو يابسة ومطحونة، وتُعجَن بالماء والليمون، ويتمُّ تخضيب الأرجل والأيدي بالحناء، أو يستخدم على شكل عجينة وتُلف بأوراق البيذام، ويتمُّ تحضيره بأيدٍ عُمانية، وتجدُ له رائحة طيِّبة تظل عالقة في الجسم لأيام. أما اليوم، فهُناك معالجات كيميائية للحناء بهدف إضفاء اللون الداكن للحناء، حتى تجد لها رائحة غير طبيعية، وقد نبَّهت الجهات المعنية -مُنذ فترة طويلة- لخطورة ذلك، إلا أنَّ هذا المنتج لا يزال موجودا ويتداول بين الناس.
ما نبَّهت إليه هيئة حماية المُستهلك يُشكل أهمية كبيرة على صحة الإنسان، ومن المُهم جدًّا أن يقوم الإعلام بتبنِّي مثل هذه النصائح؛ لتوجيه وتثقيف الناس وإرشادهم؛ لأنَّ ذلك فيه منفعة وصحة المُجتمع.

الماء

عُلماء يُثبتون أنَّ شُرب الماء فيه علاج سريع للتوتر والقلق، والشعور بالراحة، وله إسهام فعَّال في التخلص من الوزن الزائد، وتجديد أنسجة البشرة، والتمتُّع بإنتاجية أفضل في العمل.
فكلُّ خلية في جسم الإنسان تحتاج إلى الماء. ويحتل الماء 90% من الدماغ، وأكثر من 80% في الدم، ويدخل في تركيب كافة أنسجة وأعضاء جسم الإنسان.
ولهذا؛ يُنصح بشُرب كمية كافية من الماء.. "وجعلنا من الماء كل شيء حي" صدق الله العظيم.

معلومة مهمة


معلومة مُهمة

قديمًا، كُنا نشاهد العلاج بالماء عند العُمانيين؛ وذلك بقراءة بعض آيات القرآن الكريم والأدعية في إناء من الماء، ويُطلب من المريض الاستحمام به أو شربه، ويسمَّى ذلك "التبطولة".
قرأتُ، مُؤخرا، دراسة يابانية قام بها الباحث الياباني الدكتُور إيموتو، خرج منها باكتشاف مُذهل، وهو أنَّ الماء يتأثَّر بمُحيطه الخارجي، وأن الكلمات الإيجابية لها تأثير كبير على ذرات المياه.
ويقول أحد الباحثين إنَّ أكثر من 70% من جسم الإنسان ماء؛ لهذا هو يتأثر إيجابا وسلبًا بالكلام السلبي أو الإيجابي.
العُمانيون لهم السَّبق في اكتشاف ذلك، ولكن لم يحظَ ذلك بالاهتمام المطلوب، وها هُو العِلم الحديث يُثبت صِحَّة ذلك التوجه القديم.. سبحان الله.

تأمُّلات

نبيُّ الله سليمان -عليه السلام- رغم مكانته وهيبته، استوقفته نملة فوقف لها وكلَّمها. قمَّة في التواضع، ورُقي في تحمل المسؤولية، ومدرسة قرآنية في تعلم القيادة.
قصَّة طائر الهُدهد مع نبي الله سليمان -عليه السلام- مدرسة مُهمة في أهمية المبادرة، ووضوح الأهداف.
فإذَا ما كانتْ الرُّؤية واضحة، والأهداف مُحدَّدة، فإنَّ تحقيقها سيكُون أمرًا مُؤكدًا.

شكرًا

أودُّ التقدم بالشكر والتقدير إلى الجمعية العُمانية لذوي الإعاقة السمعية؛ على دعوتهم الكريمة لحضور حفل الإفطار، الذي أُقيم مساء أمس، تحت رعاية معالي الشيخ خالد بن عُمر المرهون وزير الخدمة المدنية.. كل الشكر والتقدير لجميع الداعمين لهذه الجمعية الفتية.
لَقَد سعدتُ كثيرًا بتواضُع معالي الوزير، الذي فتح قلبه للاستماع إلى الأخوة أعضاء الجمعية من ذوي الإعاقة السمعية، ومُشَاركتهم هذا اليوم الجميل.. وفَّقه الله؛ فهو نِعْم الرجل الإنسان.

الثلاثاء، 22 يوليو 2014

التسويق الانتخابي

في العام 2011م، أصدرتُ رسالة مُتواضعة ومختصرة عنونتها "التسويق الانتخابي: بوابة النجاح في الانتخابات"، وقد جاءتْ فكرة هذه الدراسة بعد صُدُور المرسُوم السلطاني رقم 39/2011، والذي بمُوجبه دخلتْ تجربة انتخابات مجلس الشورى إلى مرحلة نوعية في المُمارسة الديمُقراطية؛ حيث تمَّ تعزيز مُستوى أداء مجلس عُمان (مجلس الشورى، مجلس الدولة)، وتوسعة الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس الشورى.
قُلت في نفسي: من المُهم جدًّا أن تواكب هذه النقلة النوعية في الاختصاصات، نقلة نوعية أيضًا في عملية اختيار أو انتخاب أعضاء مجلس الشورى من قِبل الهيئة الانتخابية، ومن المُهم جدًّا أيضًا أن يصل إلى المجلس كفاءات وقدرات يُعوَّل عليها في عملية صناعة وصياغة التشريعات العصرية، ضمن مسيرة تنموية إنسانية شاملة ومُستدامة، رَسَم معالمَها قائد البلاد المفدى -حفظه اللهُ ورعاه ومتعه بالصحة والعافية، مُنذ انطلاقة عهده المُبارك عام 1970م، والتي شملتْ عُمان من أقصاها إلى أقصاها، وفي شتى مجالات الحياة.
لهذا؛ عكفتُ أيامًا وليالي للخروج بدراسة مبسَّطة وسهلة في المحتوى والمضمُون والخطاب، وفي اللغة والمفردات، يُمكن أن تكُون في مُتناول جميع المترشِّحين للانتخابات، وقد نَفَعتنِي كثيرا الحصيلة العلمية والمعرفية المُتواضعة في فترة دراستي للمرحلة الجامعية الأولى والثانية، إضافة لاطلاعي على بعض تجارب الدول العربية والأجنبية؛ سواءً من خلال الزيارة والاطلاع المباشر، أو القراءة والاطلاع والاستفادة من الخبرات والمعارف الضمنية لبعض الأساتذة والأصدقاء.
أضِف إلى ذلك أنني عاصرتُ وعشتُ تجربة تطوُّر مفهُوم الشورى في السلطنة مُنذ بداية عهد النهضة المُباركة؛ سواءً كان ذلك في المُمارسة المُجتمعية؛ كَوْن الشورى منهج الحياة الاجتماعية لدى الإنسان العُماني أو في إطارها المؤسسي، الذي أخَذ مبدأ التدرُّج المنطقي والمدروس في إنشاء المُؤسسات التي تُعنى بالشورى وآليات اختيار أعضائها، وفق القيم والثوابت العُمانية، وتطوُّر المُجتمع وتقدُّمه في شتى مجالات الحياة: الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية.
كَمَا كانت لي مُشاركة مُتواضعة في عِدَّة لجان، عَنِيَت بعملية تنظيم الانتخابات مُنذ بداية عهدها، وأذكر أنه في العام 2007م كُنت عضوًا في اللجنة الإعلامية الرئيسية للانتخابات للفترة السادسة، وكان حينها التوجه هو زيادة قاعدة المقيَّدين في السجل الانتخابي، وطالبتُ حينها بأن السجل الانتخابي يجب أن يصل إلى المُواطن، ولا ينتظر المُواطن الوُصُول إلى مواقع اللجان من أجل تسجيل اسمه.
وَقَد عملت اللجنة الإعلامية جاهدةً، ضمن إستراتيجية مدروسة وواعية، لبث الوعي وتثقيف الرأي العام لأهمية المُشاركة في الانتخابات، وشُكل منها فريق طاف جميع ولايات السلطنة لهذا الغرض، إضافة إلى الإصدارات الإعلامية والتوعوية العديدة، التي أخذتْ في مجملها طرائق عصرية، واستخدمت كافة وسائل الاتصال والإعلام، وقد نَجَحَت اللجنة في مُهمتها؛ فقد حقق السجل الانتخابي زيادة مُضطردة في عدد الناخبين تزيد على 50% عن المرحلة الخامسة للانتخابات، وبمُشاركة فعلية زادت على 63% في عملية التصويت.
المُهم، لقد أصدرت تلك الدراسة في كتاب عام 2011م، حمل عُنوان نفس عُنوان الدراسة: "التسويق الانتخابي: بوابة النجاح في الانتخابات"، كان حجمُه صغيرًا يُمكن أن يحمله القارئ في أي مكان، ويُمكن أن يتصفَّحه حتى في مكان انتظار، أو أثناء تنقله وسفره، بلغةٍ سهلةٍ جدًّا تتناسب مع كافة المُستويات الثقافية، تطرَّقت فيه إلى أهمية التسويق في حياة الإنسان، وركَّزت فيه على كيف يمكن أن يسوق المترشح أو المرشح نفسه للانتخابات.
المُرشح للانتخابات هو بمثابة مُنتج بما يتميَّز به من صفات شخصية وغير شخصية؛ سواءً كانت مُؤهلاته العلمية وخبراته العملية وصفاته القيادية، أو بما يحمله من برامج وأفكار ورُؤى وقدرات شخصية في الاتصال والحُوار والإقناع، ومشاركات مُجتمعية فاعلة.
فعمليَّة خَوْض الانتخابات في هذا الزمن تحتاج بالفعل إلى جُهُود تسويقية؛ فعملية الترشح للانتخابات ليست أمرًا تشريفيًّا، بقدر ما هي أمر تكليفي ثقيل التبعة والمسؤولية أمام الله والمُجتمع والوطن والأمة، كما أنَّ الناخب اليوم ليس الناخب في الأمس، خاصة في ظل الوعي المُجتمعي المتنامي، وعملية الانتخابات هي عملية تراكمية يجب أن تتطور من مرحلة إلى أخرى.
تَضمَّن الكتاب أيضًا: التخطيط المنهجي للحملات الانتخابية وإدارتها بطريقة علمية، وأساليب الاتصال المناسبة والمؤثِّرة في ضوء مُتطلبات وتوجهات المُجتمع المحلي، والتحديات التي يُمكن أن يواجهها المرشح في مسيرته الانتخابية، خاصة بالنسبة للمرأة.
كَمَا لخَّصت تجربة تطور الانتخابات في السلطنة عبر مراحلها المُختلفة، مُنذ إنشاء المُؤسسات المعنية بالشورى في عُمان؛ ليتعرف المترشح على هذه التجربة بصُورة وافية، ويستخلص منها رؤيته ورسالته وأهدافه التسويقية في الانتخابات؛ من خلال تجارب من سبقه في الانتخابات.
الكِتَاب طبعتُه على نفقتِي الخاصَّة، وبحلة جاذبة، وبغلاف وأوراق مريحة وذات جودة عالية، وزَّعته على الكثير من المترشحين على مُستوى ولايات السلطنة مجانًا، واقتنتْ وزارة الداخلية منه مجمُوعة من النُّسخ، كما اقتنت وزارة التنمية الاجتماعية بعض النسخ من أجل توزيعها في الندوات والملتقيات التي عقدتها للمترشحات؛ بهدف تفعيل دورة المرأة العُمانية في مجال الانتخابات.
هذه الأيام هُناك حِرَاك مُجتمعي من أجل الاستعداد لانتخابات مجلس الشورى القادمة، زارني وتحدَّث معي بعض الأخوة الراغبين في التقدم لخوض انتخابات المجلس القادمة، وقد أشاد جميعهم مشكُورين بمحتوى الكتاب، وتأثيره في نشر ثقافة التسويق في مجال الانتخابات، وهي سابقة في عُمان، كما أكد لي أحد المحبين أثناء زيارته لي، قبل أيام، ليمهد طريق ترشحه ودعمه التسويقي، والكتاب مُتوافر في كثير من المكتبات العامة في السلطنة، وكذلك في خارجها، يُمكن الاطلاع عليه.
هُناك نيَّة لديَّ لإعادة طباعة هذا الكتاب من جديد، خاصة وأنَّ الانتخابات القادمة سيُنظِّمها أول قانُون للانتخابات في عُمان، والذي صَدَر مُؤخرا بمُوجب مرسُوم سلطاني من لدن جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- ولهذا، ستكون المسؤُولية كبيرة على المُواطنين في قادم الأيام من أجل اختيار الشخص المناسب لتمثيلهم في مجلس الشورى، الشخص الذي يتمُّ اختياره يجب أن يتحلَّى بأمانة عظيمة؛ ألا وهي: رفعة شأن الأمة والوطن، وتقدم مسيرته التنموية الإنسانية الشاملة.
لهذا، وقبل إقدام الشخص لترشيح نفسه، يجب عليه إعداد نفسه لهذه الخطوة، ويسأل نفسه: هل هو جدير بحمل هذه الأمانة؟
فالتسويق الانتخابي -القائم على: الصدق، والشفافية، والمسؤولية، والاحترام المتبادل، ودراسة واقع الناس، والاقتراب منهم، والاستماع إليهم بتواضع وتقدير وحب، والتعرف على حاجاتهم، ورغباتهم، وميولهم، واتجاهاتهم بصُورة تتَّسم برحابة الصدر، وسعة الأفق لطبيعة الناس، وأنماط شخصياتهم المُختلفة- هو البوابة الحقيقية للنجاح في الانتخابات.

النظام السياسي والإدري في عُمان من أعرق الأنظمة في العالم

في العام 2010م، صدر لي كتاب بعُنوان "المُوجز المُفيد في الإدارة المُعاصرة: تجربة التطوير الإداري في سلطنة عُمان أُنمُوذجا"؛ رصدتُ فيه بمُوجز مُفيد مفهُوم الإدارة المُعاصرة ومدارسها المُختلفة، وتطورها التاريخي، وأبرزتُ أهم المفاهيم والاتجاهات الإدارية المُعاصرة.
ثم توسَّعتُ في دراسة تفصيلية عن التطور الإداري في السلطنة، عبر تاريخها المشرق، وركَّزت على التطور الذي يشهده النظام المُعاصر للنظام الإداري في السلطنة في هذا العهد المُبارك؛ وذلك بهدف رفد المكتبة العُمانية والعربية في هذا المجال، والتعريف بأهمية وعراقة ومكانة النظام الإداري في السلطنة، وما حقَّقه من مُنجزات حضارية، إضافة لتبصير الناشئة بأهمية المُحافظة على مُنجزاته العظيمة، والعمل على تطويره.
في العام 2013م، صدر لي كتاب بعُنوان: "ملامح من تطور النظام الإداري في سلطنة عُمان"، وهو كان أحد فصول الكتاب السابق، توسَّعتُ فيه بصُورة تفصيلية عن تاريخ الإدارة في عُمان وسماتها المشرقة؛ فالفكر والنظام الإداري في عُمان يعدُّ من أعرق الأنظمة الإدارية في العالم العربي والإسلامي، وحتى على مُستوى العالم أيضا، وقد أثبتَ ذلك من خلال الممارسات والتوجهات والدلائل التاريخية لتاريخ النظام الإداري في عُمان.
وفي العام 2014م، صدر لي أيضًا كتاب بعُنوان: "الإدارة المحلية وتطبيقاتها في سلطنة عُمان"، وهو أيضًا كان أحد الفصول من الكتابين السابقين، وكان هذا الكتاب أكثرَ تخصُّصية في مجال الإدارة المحلية، وركَّز على تطورها عبر الحقب الزمنية المُتعاقبة في تاريخ عُمان القديم والحديث، ولكونها لها ارتباطٌ وثيق بالإنسان العُماني وأداة فاعلة لتنمية المُجتمع.
فالإدارة المحلية في عُمان ترتكزُ على عُمق تاريخي، ولها مُنجزات حضارية، وقامتْ على قواعد وأسس ومبادئ عُمانية، وقيم إنسانية عامة، وقدَّم الكتاب بعضَ الرُؤى والمُقترحات من أجل تطوير تطبيقاتها، بما يتوافق مع مُتطلبات التطور الفكري والتحديات المُعاصرة في مجال تقديم الخدمات، والاتجاه نحو التركيز على التنمية الاجتماعية، وأن تقوم على المُشاركة المُجتمعية في صناعة واتخاذ القرارات المحلية، وفق مُرتكزات وتوجُّهات إستراتيجية التنمية الاجتماعية والاقتصادية المُستدامة والفاعلة في السلطنة.. نسألُ الله التوفيق والسداد، والله من وراء القصد.

العلاقات العامة وأهميتها

عام 2000م، عملتُ جاهدًا على إعداد دراسة مُتواضعة عن أهمية العلاقات العامة في مُؤسساتنا العامة والخاصة، وقد طبعتُ هذه الدراسة في كتيب، وحرصتُ أن يَصِل إلى جميع المُؤسسات؛ سعيًا لتطوير هذا المفهُوم بطريقة حضارية.
أبرزتُ فيه العمقَ التاريخيَّ للعلاقات العامة في عُمان، وأهميتها في الإدارة المُعاصرة؛ من أجل خدمة العُملاء أو الجماهير الداخلية والخارجية لأي منظمة (حُكُومية، قطاعا خاصا، مُنظمات المُجتمع المدني)، وهو حصيلة دراسة مكتبية وواقعية، وخبرة عملية كمدير للعلاقات العامة لمدة تزيد على تسع سنوات.
قبل أشهُر تفاجأت باتصال من أحد الباحثين في جامعة السلطان قابُوس -كرمًا منه- يطلُب نسخة من الكتاب، وبادرتُ فورا بتسليمه نسخة من الكتاب.
كلَّمني بأنه مُهتم بدراسة بحثية في هذا المجال، مُفيدا بأنَّ الكتاب هو أول إصدار عُماني اهتم بالعلاقات العامة في عُمان.

من الذكريات

مِنْ ذكريات مصر أيضًا: كُنَّا في محطة الرمل، أنا وصديقي العُماني، دخلنَا فرعَ البنك الوطني العُماني، وخردنا الفلوس، وأخذنا سيارة الأجرة.
الأجرة عشرة جنيهات إلى مكان السكن، وما إن نزلنا وإذا بصاحب التاكسي يطلُب أكثر من عشرين، صاحبي رد عليه: ما نديك إلا عشرة، وهذا حقُّك. عسَّف وعصَّب صاحب التاكسي مُصرًّا على العشرين، وإلا نروح الشرطة.
قُلت للصاحب: عطيه عشرين والله يعوض، ردَّ: ما يذوق إلا العشرة فقط، حاولنَا إقناع صاحب التاكسي، إلا أنه مُصر على العشرين، بعد جدال أصرَّ صاحبي على الذهاب للشرطة، وركبنا مع صاحب التكاسي ونحن نضحك.
مرَّ بنا صاحب التاكسي وهو مُزمجِر، لعلَّ نقتنع بأن نعطيه العشرين، وهدَّدنا بأنه سيختطفنا، قُلنا: نحن معاك. ترجَّينا الرجال يذهب بنا إلى مركز الشرطه، إلا وهو يُدخلنا في سِكك غريبة، حاول أن يثنينا أن نتجاوب معه، مفيش فايدة.
في النهاية، وقف على جانب، وقال: هاتوا العشرة، وانزلوا بسرعة. نزلنا وهاتك من كلام شمال ويمين، قُلت لصاحبي: وين نحن؟ سألنا المارة، قالوا لنا: أنتم غرب العصافرة. رجعنا مشي، وقلت لصاحبي: نحن في مخابينا آلاف الجنيهات تو صرفناها من البنك الوطني العُماني، وهو طالب عشرين، ولو جَمع لنا أهل حتته وضربونا وأخذوا منا الفلوس كلها بيبرد بطنك.. ضحكنا، ودقيناها صيم إلى ميامي والمنتزه.

السلام الاجتماعي

السلام الاجتماعي الذي نعيشُه في ظل النهضة المُباركة، يستند إلى تاريخ عريق صاغَه الآباء والأجداد، وإلى حضارة إنسانية مُوغِلة في التاريخ، قامتْ على مبادئ وقيم إنسانية، سطَّرها العُمانيون بأحرف من نور.
فعندما نتأمَّل ونتمعَّن في عُهود وكُتب الإمام الصلت بن مالك الخروصي (851م-886م)، والإمام ناصر بن مرشد اليعربي، والإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي...وغيرهم إلى ولاتهم وقادتهم في مُختلف ميادين العمل، والكثير منها منشورة ضمن الموسوعة التاريخية "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان"، للعلامة المحقِّق الشيخ نور الدين عبدالله بن حميد السالمي. نجد أنها قد اشتملتْ على الكثير من المبادئ المهمة في الإدارة، وصفات القيادة، وتفويض السلطة، وتحديد المسؤُولية، وحتمية المساءلة، وتركز على كيفية التعامل مع الناس، وضمان حُقُوقهم وكرامتهم وحريتهم، وضرُورة الاستماع إليهم والمساواة بين أفراد المُجتمع دُون تمييز، والأخذ بمبدأ التسامح وإثبات العدل، وأعطتْ قواعد مُهمة للحرب والسلام، والتعامل مع الأعداء. وقدَّمت دروسًا راقية في تطبيق مبدأ المُشاركة والأخذ بمبدأ اللامركزية الإدارية في تقديم الخدمات.
وهي بحق مبادئ تاريخية تُؤكد رُقي الفكر والريادة العُمانية في مجال الإدارة، والأخذ بمبادئ حُقُوق الإنسان مُنذ قديم الزمان، والتي يُؤكد عليها اليوم عُلماء الإدارة المُعاصرة والقانُون، وهي مَبَادئ سامية سبقت ما يُعرف اليوم بالإعلان العالمي لحُقُوق الإنسان، الذي تم إقراره في العاشر من ديسمبر 1948م.
نَسأله سُبحانه وتعالى أنْ يُديم نِعمة السلام الاجتماعي علينا، بفضل القيادة المُباركة الكريمة والحكيمة لجلالة السلطان المُعظم، متَّعه الله بالصحة والعافية، ووعي ورقي فكر أهل عُمان الكرام.. فالسُّلام في عُمان هو هدف إستراتيجي، وأحد المبادئ المُهمة الموجِّهة للسياسة العُمانية داخليا وخارجيا.

روح الأمل

الأمة العربية والإسلامية تمرُّ بمرحلة عصيبة وفارقة في تاريخها، هُناك من الفُرقة والعصبيات والتوجُّهات التي عملت على التفريق والتباعد بين أبناء الأمة، ونجحتْ في تأجيج الصراع والخصومات بين الثقافات والحضارات، ونبذتْ عنها مبادئ وقيم السلام والمحبة، والتسامح والتفاهم، وفهم الرأي الآخر والتعايش المشترك واحترام الإنسان.
اليوم، في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ الأمة العربية، لا بد أن تتكاتف الجُهُود من قبل الجميع، من كُتَّاب وخطباء، وقيادات مُجتمعية، ومثقفين وإعلاميين؛ من أجل بثِّ روح الأمل والتفاؤل والثقة بين أفراد المُجتمع بطريقة إيجابية، خاصة في هذه الأيام المُباركة.

الصحة 2050

أَصْدَرت وزارة الصحة، مُؤخرا، كتابا مهما بعُنوان "الأطلس الصحي"، يتضمن النظرة المُستقبلية للنظام الصحي في السلطنة (الصحة 2050).
الأطلس الصحي يَحْوِي العديد من المؤشرات والمعلُومات، التي تعتبر استقراءً علميًّا للمُستقبل، وما يحمله من توقعات ومتغيرات تتطلب منا أن نكون مُستعدين لمواجهتها بالأدوات والوسائل العلمية الحديثة.
ويتضمَّن الأطلس الصحي أعدادَ المُؤسسات الصحية، وتوزيعها على مُحافظات وولايات السلطنة، وأعداد الموارد البشرية المتوقع احتياجها، والأجهزة الطبية التي يُتوقع أن يحتاجها النظام الصحي.
لقد سعدتُ كثيرا بهذا التوجُّه العلمي للتخطيط الإستراتيجي في وزارة الصحة، وهي دعوة للمُؤسسات الأخرى للأخذ بهذا التوجه المهم؛ فهو وسيلة لجعل مُتَّخذي القرار والرأي العام أمام الواقع من أجل كسب الدعم والمساندة، وتحقيق المُشاركة والتكامل لصناعة المُستقبل.
كُلِّي أمل أن تتمكَّن وزارة الصحة من تحقيق الطمُوحات المتوقعة للنظام الصحي في السلطنة، والعمل على الارتقاء بالنظام الصحي للأفضل والأجود؛ بما يُلبي توقعات واحتياجات المُواطنين.

الثلاجة

المُعدَّات والأجهزة الإلكترُونية زمان كانتْ أكثر جَوْدة وخِدمة، مُقارنة ما تصدِّره لنا الشركات الأجنبية حاليًا، وتعدُّ نعمة التبريد هي نعمة كبيرة تستحقُّ الشكر لمن اخترعها.
زَمان، كان تبريد مياه الشرب عن طريق مَوَاد محلية تُصنع من الطين كالجحلة والحب والخرس، ولها فاعلية كبيرة، مقارنة بظرُوف المعيشة في ذلك الوقت.
في بداية السبعينيات، دخلتْ علينا الثلاجات، وكانتْ بعدد محدُود جدا، أذكر أنَّ والدي -وباقتراح من أخي الأكبر- اشترى لنا ثلاجة، وحسب ما أتذكر من نوع آرستون، أو اسم قريب من هذا، تلك الثلاجة من أوائل الثلاجات التي تدخُل قريتنا؛ لهذا كانت محل استغراب من الكثير حول طريقة عملها وتشغيلها.
لم تكُن الكهرباء قد وصلتْ إلى بلدتنا في ذلك الوقت بعد، إلا أن تلك الثلاجة لها خاصِّيتين؛ فهي تعمل بالكهرباء وكذلك بالكيروسين (حل تراب)؛ وذلك من خلال شُعلة يتم إيقادها في طرف خزان لها صفاء ولون أزرق جميل عند اشتعالها، ومن خلالها تتسرَّب الحرارة إلى أنابيب مليئة بالغاز، وعن طريق الحرارة تعمل تلك الثلاجة.
كان لتلك الثلاجة تبريد غير عادي؛ لهذا خدمت أسرتنا وجيراننا بتزويدنا بالماء البارد، كُنَّا نملأها بأوعية وزجاجات مياه عادية، كنا نأتي بها من الآبار أو الموارد على الحمير، وفي شهر رمضان كان الطَّلب على المياه الباردة أكثر، ويتم بالحجز.
هذه الثلاجة لها خاصية التجميد أيضا؛ فكنت أصنع مثلجات الآيسكريم المحلي على شكل مُكعَّبات صغيرة، وهو عبارة عن ماء وفيمتو، أو مرطبات خاصة من نوع الكراش لونه أصفر بطعم البرتقال؛ فبعد رجُوعي من المدرسة، أذهب بتلك المكعبات لبيعها على طالبات الفترة المسائية، كانتْ المدرسة لا يُحيط بها سور؛ حيث أقف في الخارج، ويتم بيع الآيسكريم اللذيذ من خلال الشباك في الفسحة، أو الاستراحة المدرسية، كان الإقبال كبيرًا على الآيسكريم، خاصة وأنَّه دخيل علينا في شكله وطعمه، وكثيرًا ما أقوم ببيعه في السوق أيضًا.
بعد دُخُول المرطِّبات فتحنا محلًا تجاريًّا، وتلك الثلاجة هي الوسيلة لتبريد المشروبات الغازية: الآرسي والكراش والسفن آب، كانت زجاجات المشروبات الغازية مُختلفة في شكلها وحجمها، ويتطلَّب إعادتها للشركة ليتم تعبئتها مرة أخرى، كان لها طَعم مُختلف، خاصة بعد الأكل تجد ذلك الغاز يخرج من البطون بصَوت غريب، وكثيرًا ما يتعمَّد المتذوق لطعم الآرسي التجشؤ، حتى يُؤكد استمتاعه بهذا المشروب الغريب.
المهم.. هذه الثلاجة استمرَّت معنا عند دُخُول الكهرباء إلى بلدتنا في العام 1979م، لا أذكُر إن قمنا بعمل صيانة لها مُنذ بداية السبعينيات وحتى التسعينيات؛ حيث قرَّرنا تقديمها هدية لأحد الأصدقاء ممن يسكن القرى النائية، وهي لا تزال بقواها وتعمل بجودة عالية، ودائما ما نطلق عليها ثلاجة ولايتية؛ أي: قوية.

من ذكريات الدراسة

في بداية الألفية الثانية، درستُ ضمن مُتطلبات مرحلة الماجستير مادة اسمها "الاستثمار المُتقدم"، على يد الأستاذ الكبير الدكتُور منير إبراهيم هندي أحد كبار عُلماء الإدارة والاقتصاد في جمهورية مصر العربية، وله سُمعة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان كثيرة. كانت دُفعتنا تضمُّ مجمُوعة كبيرة من الأخوة العرب، خاصة من دُول الخليج العربي وليبيا ومصر.. وغيرها.
الدكتُور -حفظه اللهُ- اتَّصف بالشدة والغلظة في تعامله مع الطلاب، وذلك من باب الجدية في إيصال المعرفة؛ لهذا تجد جميع الطلاب حاضرين قبل بدء المُحاضرة بربع ساعة أو أكثر؛ فمن المستحيل دُخُول المُحاضرة بعد دُخُوله.
كانتْ له نظريات في الاستثمار والفكر الحديث في الهندسة المالية باستخدام التوريق والمشتقات، وله في ذلك مجلدات عديدة، تناولت مُختلف جوانب الإدارة والاستثمار، وكثيرٌ من نظرياته خاصة بما يتعلق بالرهن العقاري، والتي رأيتُ أنَّ بلدي يُمكن الاستفادة منها، فلخصتها بعد عودتي، وقدمتها لعدد من المسؤولين.
الكثيرُ من الطلاب يتحاشُون الصدام معه، أو مُخالفة توجهاته في فترة إلقاء محاضراته. يُحكى لنا أنَّ طالبة مصرية تعثَّرت معه في مادة، وقد أصرَّ على ترسيبها رغم مكانتها الاجتماعية، بل قِيل لنا إنَّ عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية في ذلك الوقت، كلمه في أحد الطلاب، ولم يُلبي رغبته، حتى إنَّه ألزم أحد الطلاب الخليجيين بحضور جميع مُحاضراته من بلده في الخليج أسبوعيًّا، ولأكثر من أربعة أشهر، بعد أن انتهتْ بعثته، حتى تمكَّن إنهاء مادته لينهي مُتطلبات تخرجه.
في يوم، أتى بنا لمُحاضرة في يوم الجمعة، وما إن دخل الفصل وجَّه الجميع للاستعداد لاختبار نهاية الفصل في يوم حدَّده؛ حيث يقضي نظام الكلية أن الدكتُور لديه حُرية تحديد موعد الامتحانات. في ذلك اليوم الذي حدَّده صادف وُجُود اختبار لمادة أخرى؛ لهذا فقد استاء الجميع من هذا الموعد، وقام كل واحد يقدم الآخر للتحدث مع الدكتُور لإمكانية إقناعه بتأجيل موعد الاختبار. كانتْ له هَيْبة غير عادية، وفي النهاية أجمع الجميع على ترشيحي للتحدث معه باسم جميع الطلاب.
على الرغم من أنَّ جميع الطلاب العُمانيين كانوا مُستعدين ومُتقبِّلين لموعد الدكتُور، إلا أنَّه ونزولا عند رغبة الجميع تضامنًا معهم، وقبلتُ تفويضهم للتحدث مع الدكتُور. استأذنت الدكتُور للتحدُّث معه، وبكل أدب واحترام طرحت فكرة الزملاء وطلبهم، وما إن سمع كلمة تأجيل الامتحان لفترة لاحقة، وإلا بالدكتُور ينهال علينا بالكلام غضبًا، وعباراته كلها توحِي بعدم اكتراثنا لأهمية العلم.
الجميع لَزم الصمت، ولم يتحدَّث واحد منهم لدعم مَوْقِفي، بقيتُ أيضًا أنا صامتا أستمع للدكتور وهو ينهال علينا جميعًا بالكلام، وكل كلامه على حقِّ على الرغم من جراحته، قُلت في خاطري: أكيد ستكون العاقبة وخيمة من هذا الكلام، وبدأ يَشْرَح ويشرح ويشرح، تفاعلنا معه بكل احترام وتقدير.
ارتَفَع صَوْت أذان الجمعة، الكلُّ ينهس أو يَهْمِس للثاني لتنبيه الدكتُور بموعد صلاة الجمعة، إلا أنَّه لم يُعجز واحد منهم التحدث معه، وأخذ يشرح ويشرح ويسأل. فجأة، انتابتْ الدكتُور شكعة أو شكة في صدره، وما إنَّ أحس بهذا الألم، تفوَّه بكلمة طيبة، بقوله: "أكيد هذا التنبيه لأجل موعد الصلاة"، أمرنا بالذهاب للصلاة، إلا أنه اشترط ما إن تنتهي الصلاة، يجب على الجميع التواجد في الفصل لتكملة المُحاضرة.
أثناء خروجنا من الفصل، وأثناء صُعودنا في المصعد، سألني الدكتُور: من أين أنت يا ابني؟ قلت له: من عُمان. وما إن سمع كلمة عُمان، حتى ابتهجتْ سريرته وأشرق وجهُه، وأخذ يُثنِي على عُمان وأهلها المحترمين، وقال لي: "تقديرا لك، سأوافق على تأجيل الامتحان إلى أيِّ وقت تتفقون عليه"، وما إن سمع الزملاء هذه الكلمة، وإلا والفرح يعم الجميع.
حَفِظ الله الدكتُور منير هندي، وجَزَاه الله خيرَ الجزاء، فقد كان نِعْم المعلم في احترام قيمة العلم والوقت.

الاثنين، 21 يوليو 2014

كل شيء له قيمة

المُحافظة على النِّعمة واجبٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ وإنسانيٌّ؛ فجيلُ اليوم -والحمد لله- يَنْعم بخيرات وفيرة؛ حيث لم يحظَ من سبقهم بجزء بسيط منها، وحقيقة تُقال بأنَّ الأقدمين مِنَّا كانوا أكثر حرصًا على قيمة الأشياء؛ فقد عملوا بجدٍّ وحرصٍ للمُحافظة واستثمار واستغلال كل شيء يقع بين أيديهم؛ إدراكًا للقيمة المضافة لها.
زمان، لا يُوجد شيء ذو قيمة يُرمى أبدا، حتى بقايا الطعام كانت تحرص الأسر على تقديمها للحيوانات، لا يُمكن أن يُرمى في القمامة أو مكبِّ النفايات (كُنَّا نسميها كساحة)، بقايا العيش أو الأرز أو الخبز تُجمع في العزاف، وتُقدَّم وجبة رئيسية للأغنام.
حتى الفلح (نوى التمر) لا يُرمى، وإنما يتمُّ تجميعه ويُطبخ ويُقدم للأبقار وتسمَّى مغبرة، شُحوم الذبائح التي تأنَف منها بعض النساء، تُحفظ بعد طبخها مع الجزع -أي: الكركم- وبعض البهارات في إناء فخاري وتُسمى "تقلية"، وتستخدم في الطبخ لشُهور بدلًا من الزيوت، حتى أمعاء الحيوانات (الكرش والمصارين) يتم تنظيفها وتُطبخ وتُسمى معاصيب، خاصَّة مع العرسية والترشة والمرق، ويتم طي المصارين بطريقة فنية وجذابة، ولها فوائد غذائية كبيرة لمن لا يعرفها.
بقايا الأسماك وعظامها لا تُرمى أيضًا، وإنما يتم استخدامها كسماد للأشجار، أو تطبخ وتقدَّم للأبقار والثيران مع المغبرة، وهي مُفيدة، كذلك الأسماك الصغيرة، والتي تُسمى القاشع، تقدم كوجبة أو تُطعم بها الأبقار وهي مُغذِّية تساعد على زيادة إدرار الحليب.
جُلود الحيوانات لا تُرمَى أيضًا، وإنما تُستخدم في صناعات عديدة؛ أهمها: صناعة الطبول، والوطية، أو النعال، وكذلك في صناعة يهاب أو ممخاض اللبن، أو سعن للماء، أو جاعد يُوضع على الحمار ليجلس عليه الراكب، وكذلك لصناعة الحلس الذي يُوضع على ظهر الحمار، صوف الحيوانات لا يُرمى أيضًا، وإنما يُستخدم في إنتاج العديد من المنسوجات.
أذكر في سن طفولتي كانت الحلوى تحفظ في أوعية خوصية تُسمى التغليفة لها شكل جميل، وبعدما نزلت في السوق علب الزيوت الصغيرة، وانتشرت بكثرة، قام الكثير من أصحاب المحلات بإعادة تدوير تلك العلب لاستخدامها كأوعية للحلوى، إضافة لأوعية فخارية.
وكذلك هي أكياس الأسمنت، كان يتم جمعُها، ويصنع منها أكياس قرطاسية، بعد تشكيلها بطريقة فنية، ويتمُّ لصق أطرافها ببقايا الطحين القديم بعد طبخه على النار، ويتمُّ بيعها على أصحاب المحلات التجارية بالكميات؛ حيث كان حينها لم يعرف السوق معنى الأكياس البلاستيكية الموجودة الآن، وكان ذلك التصرف بمثابة نوع من الإبداع في إعادة التدوير، واسثمار تلك الأدوات.
حتى مُخلفات النايلون كانت لا تُرمى، وإنما كان يُصنع منها بعض الألعاب على شكل سيارات؛ وذلك بقصِّ جزء منها، وتشكيله كإطارات، وتزين حوافها بنقوش جميلة؛ حيث لم نعرف حينها معنى الألعاب المستوردة التي ينعم بها أطفالنا اليوم؛ فقد كُنا نعتمد على أنفسنا في صناعة ألعاب لنا. مُخلَّفات النخيل أيضًا يتم إعادة تدويرها، فما من جزء من النخلة وإلا وله استخدام: الكرب، والخوص، والزور، والليف، والجذوع، والعساوة... وغيرها، كلها لها استخدامات عديدة.
دَعْوة بأنْ ننظُر جيدًا لكل شيء بإيجابية؛ فما من شيء في الوُجُود إلا وله قيمة، وعلينا أيضًا أن نقدِّر قيمة النعم.

السبت، 19 يوليو 2014

إرادة الإنسان

إنجازات المقاومة في فلسطين، مهما كانت نتائجها، فقد وضعت موازين القوى المتصارعة أمام حقائق جديدة.. إنَّها إرادة الإنسان، التي لا يُمكن أن تقهرها أي قوة مادية أبدا.
الفلسطينيون أيضًا نجحُوا بجدارة في إدارة معركتهم الإعلامية عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، بعد أن خَذَلهم الإعلام العربي.

نعم.. تستحق الحياة

غزَّة تستحقُ الحياة أيُّها العالم.. الأطفال والنساء والضعفاء لديهم حُلم يجب أن يتحقق. أشجار الزيتون تغرس جذورها في الأرض لتُعلِّمنا معنى الثبات، تلوح بأغصانها للمارة مُنشِدة ترانيم السلام.
غزة تستحق الحياة أيُّها العالم.. دماء الشهداء، أشلاء الأطفال، دموع الأمهات رمز شُموخ لحب الوطن. زغاريد الزوجات تملأ الفضاء في وداع حبيب منتظر.
غزة تستحق الحياة أيها العالم.. الأرض تُجلجل غضبا لهذا الصمت الذي عمَّ كوننا العربي دُون أي اعتبار. إلا أنَّ هُناك ثمة أمل ليتحقق الحلم، ستُثبت الأيام معنى الصمود؛ ففي غزة شموخ الجبال، وعلى هاماتها ستُصنع المعجزات، وعلى أرضها سيتحقق الحلم.. نعم، فغزة تستحق الحياة.

23 يوليو المجيد


يُعتبر يوم 23 يوليو من العام 1970م أحد الأيام التاريخية المجيدة في عُمان؛ حيث أعاد لعُمان مكانتها الحضارية بين الأمم، وبدأتْ من خلاله نهضة حديثة، وتنمية شاملة من أجل الإنسان العُماني، الذي هو أيضًا أداتها وصانعها.
وقد حَرص قائد هذه النهضة المُباركة جلالة السلطان قابُوس بن سعيد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- على تهيئة كافة الظرُوف: السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية؛ من أجل بناء الإنسان، وتحقيق الإنجازات العظام، والتي أسهمت في تغيير وجه الحياة في عُمان، وإعادة أمجادها التاريخية المشرقة.
واستطاعتْ السلطنة، بفضل حكمة ورؤية جلالة السلطان المُعظم، مُواجهة كافة التحديات بتسامح وواقعية، وبحكمة وعقلانية، وبُعد نظر ورُؤى سديدة، بما يُحقِّق مبدأ الوحدة الوطنية، والسلم الاجتماعي، والسلام الفكري، والانطلاق إلى صِناعة المُستقبل بمُشاركة كافة المُواطنين.
وَقَد أخذتْ السلطنة بمبدأ السلام كهدفٍ إستراتيجيٍّ لتوجيه سياساتها الداخلية والخارجية، وعملتْ بجد ومُثابرة وبهِمة عالية، ووفق خطط مدروسة وواقعية، وبرؤية واضحة على تحقيق تنمية اجتماعية وإنسانية شملت كافة مجالات الحياة.
تهنئة من القلب إلى القلب لكم أيُّها الأصدقاء بمُناسبة بداية العشر الأواخر من شهر رمضان المُبارك، الذي فِيه ليلة خير من ألف شهر، وبمناسبة حُلُول يوم النهضة المُباركة، سائلين المولى -عزَّ وجل- أن يديم نعمة الأمن والرخاء على بلادنا الغالية، والصحة والعافية والعمر المديد على جلالة السلطان المُعظم، وأن يجعله ذخرا وفخرا لعُمان وشعبها الكريم.

نزوى



جمال الطبيعة في مُحافظة ظفار


للصورة كلام




دمعة طفل

أَيْن الضَّمير الإنساني فيما يحدُث في غَزة الصامدة؟ أطفال في عمر الزهور يودِّعون أصدقاءً لهم بعد أن حوَّلتهم أسلحة الدمار إلى أشلاء، ألا يُوجَد في هذا العالم من رشيد يدعو لوقف هذا النزيف في فلسطين الجريحة؟

دمعة شهيد



دمعة من مُقلتيك تفيض في جنان الخلد. ورُوحك بين يدي البارئ أرحم من خنوع البشر.. رخصت دموع الأطفال في هذا الزمن، ماذا أنتم فاعلون أيها العرب؟ ماذا تنتظرون أيها المتشدِّقون بالضمير الإنساني؟ أين هيئة الأمم وأمينها العام القابع في مكتبه الزجاجي من دمعة هذه الطفلة؟ خرجت دمعتها من مُقلتيها مع خروج رُوحها حَسْرَة على ضمير البشر، مُتيقنة بأنَّ هُناك ربًّا موُجُودًا سيتولى تصريف الأمور.. إليه الملجأ دَوْمًا في كل شيء دُون الحاجة إلى كل البشر.

الأسواق الشعبية

الأسواق الشعبية في عُمان لها قيمة اجتماعية كبيرة؛ فهي بالإضافة إلى نشاطها التجاري والاقتصادي بمثابة ملتقى اجتماعي، وتُسهم كثيرا في تبادل الأخبار والمعلُومات ونقل المعرفة؛ حيث يلتقي الكبار بالشباب في جوٍّ يسودُه التعاوُن والصفاء.
اليوم، المراكز التجارية الكبيرة في طريقها إلى القضاء على مثل هذه الأسواق؛ لهذا من المُهم جدًّا العمل على تطوير الأسواق القديمة بما يتناسب مع مُتطلبات العصر، ويحافظ على قيمتها التاريخية؛ سواءً من حيث طريقة البناء والتصاميم، أو طريقة تقديم خدمة البيع والشراء، وتوافر الخدمات.

رُقي الإدارة

الشَّيخ عبدالله بن حميد السالمي أورد في كتابه الموسوعي "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان" مجمُوعةً من العُهُود والرسائل لحكام عُمان، وُجِّهت لعُمَّالهم في الولايات العُمانية.
المُتمعِّن في تلك العهود والمخاطبات -والتي تعود إلى قرون عديدة- يستنتجُ أنَّ هُناك توجهات وأساليب مُتقدمة في مجال الإدارة طبقها العُمانيون في إدارة الدولة والمُجتمع، ترتكز جميعها على مبادئ وقيم نبيلة وجوانب إنسانية راقية، وتدعُو جميعها أيضًا إلى التسامح والمساواة وإثبات العدل، والتعايش والتفاهم الاجتماعي بين أفراد المُجتمع.
واستخدمت أسلوب اللامركزية الإدارية في تقديم الخدمات، وعملت بمبدأ تفويض السُلطة، وتحديد المسؤُولية، وحتمية المساءلة.
تِلك التوجُّهات تعدُّ بمثابة تطوُّر حضاري سبقت الكثير من المدارس الحديثة في مجال الإدارة العامة.

الجمعة، 18 يوليو 2014

السفافير

السفافير: مُصطلح كان يُطلق على الوافدين لسوق قُريات القديم، وهم عبارة عن مجمُوعات بشرية تزُور السوق للتبضع بمُختلف السلع، خاصة الأسماك، يأتُون على الحمير على شكل أفواج من الولايات والقرى المجاورة للولاية، ويقضُون أيَّامًا بالقرب من السوق تحت الأشجار وفي مساكن مؤقتة كالخيم والعرشان.
كلمة السفافير قد تكُون مُشتقة من السفر؛ فالوُصُول إلى مركز الوُلاية قديما يُعد سفرا شاقا بمقياس الزمن والمسافة في ذلك الزمان؛ حيث يقضُون أيامًا للتنقل بين الجبال والأودية للوُصُول إلى السوق، الذي اشتهر بنشاطه التجاري الواسع.
للسفافير عادات، يكفِي تجمُّعهم وتعاوُنهم، فله دلالات إنسانية عظيمة، وعند قُدومهم تشعُر بوُجُود نشاط غير عادي في مكان إقامتهم.
فهُم يُمارسون بعض المهن والحرف التقليدية، ويعملُون على شيِّ الأسماك كوجبة رئيسية لهم، كما يعملون على جمع أمعاء الأسماك (الغيضان) ويطبخُونها مع بعض البهارات، وعلى رأسها الكركم (الجزع) كوجبة ويسمُّونها مغلاي، ويأكلونها مع التمر أو الرز (العيش) أو خبز الرخال.
السفافير أثناء قدُومهم للسوق يعرِضون مُنتجاتهم الحرفية في سوق الوُلاية، وعندما يُقرِّرون العودة إلى ديارهم يحملون معهم الأسماك المملَّحة، أو الأسماك المشوية كزادٍ لهم، إضافة إلى مُختلف السلع والمنتوجات.
اليوم، لم نَعُد نُشَاهد السفافير ولا الحمير، بفضل سُهُولة المواصلات، والحمد لله.. وأصبحتْ مُفردة السفافير غير مُتدَاولة في قاموس لهجتنا المحلية.

الخميس، 17 يوليو 2014

البحر


عِنَاقُ أمواج البحر لليابسة.. إنَّها علاقة حب أبدية.

ألوان

ألوانٌ تُبهج النفس.. ورُود في كلِّ مكان.. أريجٌ يفوح في فضاء الكون.. لوحة طبيعية مرسُومة بحرص شديد، على أرض وارفة الظلال.. وردة فوق أخرى كبُسَاط طويل.

بريكس

توجُّه دُول التجمُّع الدولي المسمى "بريكس" -وهي: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا- لإنشاء بنك عالمي جديد لخدمة التنمية، يُشكل منافسًا قويًّا للبنك الدولي وصُندُوق النقد الدولي، وتوجُّه القطب الواحد في تسيير اقتصاديات وسياسات العالم.

أطفال فلسطين

رَيَاحين تلهُو ببراءة على رمال البحر، يلعبون في مرح من أجل سعادة والديهم.. ثمَّة قراصنة في العمق، على سفينة مُلوَّثة بدم الأبرياء، يحملون أداة القتل وسفك الدماء. الأطفال يرقبون تلك السفينة اللعينة، لا يألون لها أي اعتبار؛ إدراكًا منهم بأنها سفينة غاصبة.. يُواصلون لعبهم في الرمال، يُجسمون كل ما طرأ على بالهم. الكلُّ يحلم بأن يعيش في وطن، الكل يحلم بأن يعم السلام كل البشر. يدٌ حمقاء تخطف تلك البراءة الجميلة، يدٌ حمقاء تخطف حلم تلك الزهور، يدٌ قاسية لا تعرف الرحمة، يدٌ لا تُقدِّر معنى الطفولة.. تتناقل وسائل الإعلام تلك المشاهد، ولكن للأسف... أصبحتْ قلوب البشر قاسية كالحجر.

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

الجبال


التَّكوينات الجيولوجية لجبال السلطنة لها ميزة فريدة، قد لا تجد مثيلًا لها في محيطنا الإقليمي.. هُناك من السُّياح الذين يقصدون السلطنة من أجل الاستمتاع بمنظر هذه الجبال المتباينة في الألوان فقط.

ذاكرة

مِن هُنا كانت البداية، مِن هُنا كانت الانطلاقة، مِن هُنا بدأ البناء، مِن هُنا عمَّ الخير كافة الأرجاء، مِن هُنا إشراقة نور... هُنا ذاكرة لا تُنسى.

تطويع البيئة

فَالِقٌ صخري، ومن خلاله تتدفق مياه وادي المسفاه، ومن تحت هذه الجنادل والصخور الضخمة تنبُع مياه فلج المسفاه ليروي الحدائق المعلَّقة والأشجار الباسقة في عنان السماء.. هكذا هو الإنسان العُماني، صاحب فكرٍ وابتكارٍ، طوَّع البيئة لخدمته رغم صُعُوبتها.

السبت، 12 يوليو 2014

صُورة


امتداد لا ينتهي..

بهجة الأطفال

الأطفال هم بهجة الحياة، ونور الأرض، وأقمار السماء، وأمل المُستقبل.. في ليلة مُقمِرة يتجلَّى فيها ضِيَاء القمر بصَفاء بياضه، ونقاء أشعَّته على الكَون، احتفل أطفال عُمان هذا المساء بيوم ليلة النصف من رمضان، وهي عادةٌ عُمانيةٌ قديمة تُقام في عدد من مدن وقرى عُمان، تُسمى "القرنقشوه".
ومِثل هذا الاحتفال في بهجته، يُقام أيضًا في عددٍ من الدول العربية ودول الخليج العربي والعراق، ولكنْ بطُرق ومُسمَّيات مُختلفة، لكنها تصبُّ جميعها في بهجة الأطفال، وبركات هذا الشهر الفضيل.
فقد كَانتْ ليلة جميلة ورائعة، اتَّسمَت بجمال وبهاء وبراءة الأطفال، الذين حرَّكوا في مشاعرنا ذِكريات قديمة لا تُنسى، وحنينًا لأيام الطفولة والصِّبا، فهم أرواح طاهرة تمشِي على الأرض، يعيشون أبهى وأنقى وأصفى المشاعر الإنسانية.
فكانتْ فرحتُهم، اليوم، بهذه المناسبة الجميلة فرحتيْن؛ الأولى: بيوم عظيم سنتفيَّأ ظلاله بعد أيام، إنَّه يوم النهضة المُباركة، والذي يُصادِف الثالث والعشرين من يوليو المجيد من كل عام؛ فيحقُّ لهم الفرح بهذه المناسبة؛ لأنَّهم وُلِدوا في عهد مُبارك، اهتمَّ بهم، وقدَّر مكانتهم مُنذ تكوينهم ورؤيتهم الأولى للحياة، ووفَّر لهم سبل الحياة الكريمة؛ فهم يحظون بخدمات راقية حفظت لهم حُقُوقهم وقدرهم ومكانتهم.
والفرحة الثانية: بيوم انتصاف الشهر الكريم، شهر الخير والبركات والأجر العظيم، شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار؛ فهم بطريقتهم العفوية والطفولية يُذكِّرون الناس أن الأيام تطوى سريعا، وعليهم المبادرة بفعل الخير وحسن العمل.. إنَّها رسالة عظيمة من أطفال اليوم.
كَمْ كُنتم يا أطفال عُمان مُبهِرين بحُبكم لوطنكم وتقاليدكم. كم كنتم رائعين بمحافظتكم على زيِّكم الوطني، وأنتم ترتدون أبهى وأجمل ملابسكم العُمانية.
لقد أدخلتُم البهجة والسعادة على آبائكم وأمهاتكم وجيرانكم بضحكاتكم البريئة، وابتساماتكم الصافية، ومواقفكم الفكاهية، وبتلك الكلمات الرائعة التي ترددونها: "قرنقشوه.. قرنقشوه يوناس.. أعطونا بيسة وحلواه".
كم كانت تلك النَّغمات الصادرة من أفواهكم رائعة ومؤثرة على النفس. كم كان صَوت تلك الحصاتين بيديكم التي تطرقُونها أو تقرعُونها جميلة كأنها سيمفونية الحب والسلام والعطاء بلا حدود.
كم أنتم أهل خير ودعوة عندما ذكرتم الناس بالكرم والسخاء والصدقة وأنتم تردِّدون كلمات عذبة: "دوس دوس.. طلع غوازيك من المندوس.. حارة حارة.. طلع غوازيك من السحارة.. كيت كيت.. طلع غوازيك من الباكيت".
كَم هي كلماتكم مُؤثِّرة تُلامس الفكر والوجدان والمشاعر، وأنتم تردِّدون كلمات الشكر لكل صاحب بيت يستقبلكم بترحاب، ويقدِّم لكم الهدايا الجميلة من حلويات وعُملات نقدية ومكسرات: "الله يخلي راعي البيت العود.. راعي القت والشوران.. راعي القت والبطيخ.. قدام بيتكم وادي.. جاكم الخير متبادي".
كَم كَانت كلمات العتاب التي تصدر من حناجركم لمن لم يُؤدِّ الواجب تِجاهكم يقشعرُّ منها البدن، وأنتم ترددون بمرح ومزاح وعزة نفس: "صينية فوق صينية.. راعيت البيت جنية".
كَم كُنتم رائعين في اجتماعكم بعد رحلة التطواف على بيوت الأهل والجيران لتقسيم ما حصدتُم من هدايا بشفافية وعدالة فيما بينكم، دُون أي تمييز بين ذكر أو أنثى، أو طفل غني أو طفل فقير.
لَقد أثبتُّم يا أطفال عُمان أنَّ الفرحة والبهجة، والسعادة، ونقاء السريرة وصفاء النفس، هي مصدركم، وأنَّ الأمل والخير هو في مُستقبلكم، بارك الله فيكم، وفيمن عمل على تربيتكم التربية الصالحة.
اللَّهم احفظ أبناء وبنات عُمان، وارزقهم الصحة والعافية والعلم النافع، واجعلهم معولَ بناء وخَيْر لوطنهم، ومُجتمعهم، وأمتهم، وأهلهم.

شَذَرات مُفيدة

1- من المُهم جدًّا تفعيل نظام الرقابة الوقائية، بدلًا من الاعتماد على الرقابة اللاحقة (الرقابة المستندية)؛ لأن ذلك مَدْعَاة لمنع وقوع الانحرافات عن الخُطة والأهداف.
ولا يتحقَّق ذلك إلا من خلال وُجُود معايير ومؤشرات قياس الأداء، إضافة إلى وُجُود نظام لمتابعة الأداء باستمرار، ومقارنته بالمعايير الموضُوعية وليست الشخصية. وإشراك الأفراد في تحديد هذه المعايير الموضُوعية والمؤشرات الواقعية هو أحد الأسباب الرئيسية لتحقيق الأهداف والتميز المؤسسي.
2- التمكين وغرس قيمة الرقابة الذاتية، بمعانيها الحقيقية وتوجهاتها السامية.. هي عَوامل مُهمة للنجاح والتميز المؤسسي.
3- الرقابة الإدارية التي تهدف لتصيُّد الأخطاء؛ بهدف توقيع العقوبات من أول خطأ؛ فهي بذلك تدعو لتجميد الفكر والتطوير والابتكار، وعدم التشجيع على تحمُّل المسؤولية في اتخاذ القرارات وكيفية التعامل مع مُتطلبات الموقف.
4- مُفكِّرو الإدارة وعُلماء النفس في الغرب وضعُوا نماذج للطبيعة البشرية، مُتضمِّنة لكافة أنواع الحاجات، وتدرُّجها، والمُحركة للدوافع والسلوك، إلا أنَّ الإسلامَ قد سبقهُم بقرون في ذلك، مع وُجُود الفارق في طريقة إشباع هذه الحاجات، وتحقيق الدوافع الإنسانية ضمن المنهج الإسلامي القويم عن غيره.
حيث وَازَن الإسلام بين مُتطلبات الإنسان: المادية، والجسدية، والروحية، والفكرية، والنفسية، في ظلِّ منهج واضح وفهم دقيق للحاجات الإنسانية؛ لأنه خليفة الله في الأرض، ومُطَالب بالجهاد البنائي وتحمُّل الأمانة الملقاة على عاتقه.
5- من المُهم جدًّا وُجُود نظرة شاملة لمُكونات التنظيم عند قياس الكفاءة وجودة الأداء وتحقيق التميز؛ فالنجاح في الإنجاز لا يُمكن قياسه من خلال وظيفة دُون أخرى، بل يتحدَّد بالأداء المتميز والمتوازن لجميع الوظائف الأخرى المُرتبطة معها، والتي تُشكل مجمُوعة متكاملة من النظام الكلي؛ بحيث كل منها يؤثر ويتأثر بالآخر؛ من خلال علاقة متشابكة ومتبادلة، وهي في الوقت عينه تُشكل نظامًا مفتوحًا يتفاعل بصُورة ديناميكية مع البيئة المحيطة، وتُمثل كل إنجازاتها انعكاسًا لتعاملها مع محيطها الخارجي والداخلي.
6- تعظيم الجانب الإنساني والاجتماعي في توجُّهات العملية الإدارية، هو بوابة النجاح لتحقيق المُنظمات -بمُختلف توجهاتها وأغراضها- لأهدافها.
7- الإنسانية تمرُّ اليوم بمرحلة مُتغيِّرة ومُتَسارِعة في شتَّى مجالات الحياة؛ فالتغيير والتطوير والتجديد خيارات إستراتيجية يجب التعامل معها لتحقيق الميزة التنافسية، ومواجهة إعصار العولمة، التي ألغت حدود المكان وقيود الحركة والاتصال.
والتغيير في حقيقته سُنة كونية، ولم يعُد ترفا فكريا، وقد فَطَر الله الإنسان على حب التغيير؛ فليس هُناك ما هو دائم إلا وجه الله تعالى.
8- التغيير والإصلاح والتطوير الإيجابي، لا يعني أن نبدأ من الصفر، وننسف كل ما أنجزه السابقون؛ فالتغيير سُنة كونية مُتجددة، وهو عملية تراكمية مُتواصلة ومُستمرة لا تتوقَّف، وتلك حكمة أرادها الله من أجل استمرارية إنجازات الحياة؛ فليس هُناك ما هو دائم إلا وجه الله تعالى.
لهذا؛ يجب على الأجيال المُتعاقبة احترام إنجازات من سبقهم، وأن يعملوا على تطويرها، وتكملة المشوار، وفق نُظُم وسلوكيات وقيم وأخلاق واتجاهات مؤسسية وشخصية، ترقى بالمنجز الحضاري للمُجتمع الذي يعيشون فيه.
فهدف التغيير ليس تغييبَ الآخر وتهميشَ مُنجزاته الفكرية والمادية، وإنَّما التغيير بهدف تَحقيق التميُّز في الأداء، والارتقاء بالمُنجزات، والعمل الصادق المبني على العلم والمعرفة، وبما يتواكَب مع ظرُوف العصر ومُتطلبات الناس وواقعهم، واحتياجاتهم الحالية والمُستقبلية.
9- أثبتتْ الكثيرُ من الدراسات العلمية أن من بين أسباب هجرة الموارد البشرية، وعدم استقرارها ورضاها الوظيفي، وخسارة الكثير من المُؤسسات لكفاءات وظيفية وخبرات متراكمة عملت على تأهيلها وصرفت الأموال على تكوينها وتدريبها، يعود في مجمله إلى ممارسات وسياسات إدارية لا تتوافق والنظرة الإنسانية للفكر البشري، وتقدير الإمكانات والقدرات الكامنة لدى رأس المال الفكري.
10- يُخبرني أحد الأساتذة بأنَّ هُناك دراسة أثبتت أنَّ الدول التي تفتقد للثروات الطبيعية والإمكانات المادية، هي أكثر الدول التي يتميز أفرادها بالابتكار والإبداع والتميز في مجال المعرفة والإدارة؛ كون ثرواتها ورأس مالها الوحيد هو عقول البشر.
وهِي عملتْ بكفاءة وفاعلية على الاستثمار في هذه الثروة بطريقة صحيحة؛ لهذا تتسيَّد هذه الدول العالم اليوم في مجال العلوم والتكنُولُوجيا والاقتصاد المعرفي.