الأطفال هم بهجة الحياة، ونور الأرض، وأقمار
السماء، وأمل المُستقبل.. في ليلة مُقمِرة يتجلَّى فيها ضِيَاء القمر بصَفاء بياضه،
ونقاء أشعَّته على الكَون، احتفل أطفال عُمان هذا المساء بيوم ليلة النصف من
رمضان، وهي عادةٌ عُمانيةٌ قديمة تُقام في عدد من مدن وقرى عُمان، تُسمى "القرنقشوه".
ومِثل هذا الاحتفال في بهجته، يُقام أيضًا في عددٍ
من الدول العربية ودول الخليج العربي والعراق، ولكنْ بطُرق ومُسمَّيات مُختلفة،
لكنها تصبُّ جميعها في بهجة الأطفال، وبركات هذا الشهر الفضيل.
فقد كَانتْ ليلة جميلة ورائعة، اتَّسمَت بجمال
وبهاء وبراءة الأطفال، الذين حرَّكوا في مشاعرنا ذِكريات قديمة لا تُنسى، وحنينًا
لأيام الطفولة والصِّبا، فهم أرواح طاهرة تمشِي على الأرض، يعيشون أبهى وأنقى
وأصفى المشاعر الإنسانية.
فكانتْ فرحتُهم، اليوم، بهذه المناسبة الجميلة
فرحتيْن؛ الأولى: بيوم عظيم سنتفيَّأ ظلاله بعد أيام، إنَّه يوم النهضة المُباركة،
والذي يُصادِف الثالث والعشرين من يوليو المجيد من كل عام؛ فيحقُّ لهم الفرح بهذه
المناسبة؛ لأنَّهم وُلِدوا في عهد مُبارك، اهتمَّ بهم، وقدَّر مكانتهم مُنذ
تكوينهم ورؤيتهم الأولى للحياة، ووفَّر لهم سبل الحياة الكريمة؛ فهم يحظون بخدمات
راقية حفظت لهم حُقُوقهم وقدرهم ومكانتهم.
والفرحة الثانية: بيوم انتصاف الشهر الكريم، شهر
الخير والبركات والأجر العظيم، شهرٌ أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار؛
فهم بطريقتهم العفوية والطفولية يُذكِّرون الناس أن الأيام تطوى سريعا، وعليهم
المبادرة بفعل الخير وحسن العمل.. إنَّها رسالة عظيمة من أطفال اليوم.
كَمْ كُنتم يا أطفال عُمان مُبهِرين بحُبكم لوطنكم
وتقاليدكم. كم كنتم رائعين بمحافظتكم على زيِّكم الوطني، وأنتم ترتدون أبهى وأجمل
ملابسكم العُمانية.
لقد أدخلتُم البهجة والسعادة على آبائكم وأمهاتكم
وجيرانكم بضحكاتكم البريئة، وابتساماتكم الصافية، ومواقفكم الفكاهية، وبتلك الكلمات
الرائعة التي ترددونها: "قرنقشوه.. قرنقشوه يوناس.. أعطونا بيسة وحلواه".
كم كانت تلك النَّغمات الصادرة من أفواهكم رائعة
ومؤثرة على النفس. كم كان صَوت تلك الحصاتين بيديكم التي تطرقُونها أو تقرعُونها جميلة
كأنها سيمفونية الحب والسلام والعطاء بلا حدود.
كم أنتم أهل خير ودعوة عندما ذكرتم الناس بالكرم
والسخاء والصدقة وأنتم تردِّدون كلمات عذبة: "دوس دوس.. طلع غوازيك من
المندوس.. حارة حارة.. طلع غوازيك من السحارة.. كيت كيت.. طلع غوازيك من الباكيت".
كَم هي كلماتكم مُؤثِّرة تُلامس الفكر والوجدان
والمشاعر، وأنتم تردِّدون كلمات الشكر لكل صاحب بيت يستقبلكم بترحاب، ويقدِّم لكم
الهدايا الجميلة من حلويات وعُملات نقدية ومكسرات: "الله يخلي راعي البيت
العود.. راعي القت والشوران.. راعي القت والبطيخ.. قدام بيتكم وادي.. جاكم الخير
متبادي".
كَم كَانت كلمات العتاب التي تصدر من حناجركم لمن
لم يُؤدِّ الواجب تِجاهكم يقشعرُّ منها البدن، وأنتم ترددون بمرح ومزاح وعزة نفس: "صينية
فوق صينية.. راعيت البيت جنية".
كَم كُنتم رائعين في اجتماعكم بعد رحلة التطواف
على بيوت الأهل والجيران لتقسيم ما حصدتُم من هدايا بشفافية وعدالة فيما بينكم، دُون
أي تمييز بين ذكر أو أنثى، أو طفل غني أو طفل فقير.
لَقد أثبتُّم يا أطفال عُمان أنَّ الفرحة والبهجة،
والسعادة، ونقاء السريرة وصفاء النفس، هي مصدركم، وأنَّ الأمل والخير هو في
مُستقبلكم، بارك الله فيكم، وفيمن عمل على تربيتكم التربية الصالحة.
اللَّهم احفظ أبناء وبنات عُمان، وارزقهم الصحة
والعافية والعلم النافع، واجعلهم معولَ بناء وخَيْر لوطنهم، ومُجتمعهم، وأمتهم، وأهلهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.