الاثنين، 21 يوليو 2014

كل شيء له قيمة

المُحافظة على النِّعمة واجبٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ وإنسانيٌّ؛ فجيلُ اليوم -والحمد لله- يَنْعم بخيرات وفيرة؛ حيث لم يحظَ من سبقهم بجزء بسيط منها، وحقيقة تُقال بأنَّ الأقدمين مِنَّا كانوا أكثر حرصًا على قيمة الأشياء؛ فقد عملوا بجدٍّ وحرصٍ للمُحافظة واستثمار واستغلال كل شيء يقع بين أيديهم؛ إدراكًا للقيمة المضافة لها.
زمان، لا يُوجد شيء ذو قيمة يُرمى أبدا، حتى بقايا الطعام كانت تحرص الأسر على تقديمها للحيوانات، لا يُمكن أن يُرمى في القمامة أو مكبِّ النفايات (كُنَّا نسميها كساحة)، بقايا العيش أو الأرز أو الخبز تُجمع في العزاف، وتُقدَّم وجبة رئيسية للأغنام.
حتى الفلح (نوى التمر) لا يُرمى، وإنما يتمُّ تجميعه ويُطبخ ويُقدم للأبقار وتسمَّى مغبرة، شُحوم الذبائح التي تأنَف منها بعض النساء، تُحفظ بعد طبخها مع الجزع -أي: الكركم- وبعض البهارات في إناء فخاري وتُسمى "تقلية"، وتستخدم في الطبخ لشُهور بدلًا من الزيوت، حتى أمعاء الحيوانات (الكرش والمصارين) يتم تنظيفها وتُطبخ وتُسمى معاصيب، خاصَّة مع العرسية والترشة والمرق، ويتم طي المصارين بطريقة فنية وجذابة، ولها فوائد غذائية كبيرة لمن لا يعرفها.
بقايا الأسماك وعظامها لا تُرمى أيضًا، وإنما يتم استخدامها كسماد للأشجار، أو تطبخ وتقدَّم للأبقار والثيران مع المغبرة، وهي مُفيدة، كذلك الأسماك الصغيرة، والتي تُسمى القاشع، تقدم كوجبة أو تُطعم بها الأبقار وهي مُغذِّية تساعد على زيادة إدرار الحليب.
جُلود الحيوانات لا تُرمَى أيضًا، وإنما تُستخدم في صناعات عديدة؛ أهمها: صناعة الطبول، والوطية، أو النعال، وكذلك في صناعة يهاب أو ممخاض اللبن، أو سعن للماء، أو جاعد يُوضع على الحمار ليجلس عليه الراكب، وكذلك لصناعة الحلس الذي يُوضع على ظهر الحمار، صوف الحيوانات لا يُرمى أيضًا، وإنما يُستخدم في إنتاج العديد من المنسوجات.
أذكر في سن طفولتي كانت الحلوى تحفظ في أوعية خوصية تُسمى التغليفة لها شكل جميل، وبعدما نزلت في السوق علب الزيوت الصغيرة، وانتشرت بكثرة، قام الكثير من أصحاب المحلات بإعادة تدوير تلك العلب لاستخدامها كأوعية للحلوى، إضافة لأوعية فخارية.
وكذلك هي أكياس الأسمنت، كان يتم جمعُها، ويصنع منها أكياس قرطاسية، بعد تشكيلها بطريقة فنية، ويتمُّ لصق أطرافها ببقايا الطحين القديم بعد طبخه على النار، ويتمُّ بيعها على أصحاب المحلات التجارية بالكميات؛ حيث كان حينها لم يعرف السوق معنى الأكياس البلاستيكية الموجودة الآن، وكان ذلك التصرف بمثابة نوع من الإبداع في إعادة التدوير، واسثمار تلك الأدوات.
حتى مُخلفات النايلون كانت لا تُرمى، وإنما كان يُصنع منها بعض الألعاب على شكل سيارات؛ وذلك بقصِّ جزء منها، وتشكيله كإطارات، وتزين حوافها بنقوش جميلة؛ حيث لم نعرف حينها معنى الألعاب المستوردة التي ينعم بها أطفالنا اليوم؛ فقد كُنا نعتمد على أنفسنا في صناعة ألعاب لنا. مُخلَّفات النخيل أيضًا يتم إعادة تدويرها، فما من جزء من النخلة وإلا وله استخدام: الكرب، والخوص، والزور، والليف، والجذوع، والعساوة... وغيرها، كلها لها استخدامات عديدة.
دَعْوة بأنْ ننظُر جيدًا لكل شيء بإيجابية؛ فما من شيء في الوُجُود إلا وله قيمة، وعلينا أيضًا أن نقدِّر قيمة النعم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.