الاثنين، 22 مارس 2021

مِنَ الذاكرة

 

هَذَا المقطع الصَّوتي للوالد ناصر بن عبدالله بن مُحمَّد البطاشي من قرية حيل الغاف، ضِمن قصيدة طويلة ألقاها في احتفال للولاية أمام الحصن القديم.. تم تسجيل هذا المقطع قبل 28 عاما، وبالتحديد في عام الشباب في العام 1993م، وذلك ضمن تغطية إعلامية قُمت بها، إبان تعاوني كمراسل للإذاعة وجريدة "عُمان" خلال تلك الفترة.
ناصر البطاشي.. شخصية مُتواضعة وخدومة ومحبُوبة، وحظي بتقدير واحترام الناس، له صَوْت جميل في إلقاء القصائد، خاصة تلك التي ينظمها في مختلف المناسبات.. اجتهد في حياته بتعليم القرآن في نطاق قريته، وعُرِف عنه أيضًا اهتمامه بالطب الشعبي وعلاج بعض الأمراض، خاصة الجلدية منها.. نسأل الله له الرحمة والمغفرة.

السبت، 20 مارس 2021

حياة

رحابة ألوان المساء

التسويق الجغرافي

قَبْل أيام، تابعتُ حسابَ أحد الشخصيات العربية، التي زَارت عُمان؛ حيث بثَّ على حسابه الإلكتروني مجموعة من الصُّور المرئية، وتحدَّث من خلالها عن انطباعاته عما شاهده في زيارته لمختلف محافظات السلطنة، وقد تداولتْ تلك المقاطع بشكل واسع على مُختلف منصَّات التواصل الاجتماعي. وبالأمس أيضًا، تابعتُ الوصلات المرئية الجميلة، التي بثَّها الدكتور مُحمَّد المحروقي أثناء مشاركته في رياضة المشي في إحدى القرى القديمة في ولاية إزكي.. أمكنة عظيمة بحق، تستحق الاهتمام والتعريف بها.
ولاياتُ السلطنة قَاطِبة، تمتلكُ ثروة بيئية وطبيعية هائلة، وكنوز ثقافية وتاريخية مُبهِرة، تحتاج إلى من يُوقِظ فيها حركة ونشاط الاستثمار بطريقة صحيحة.
أخذتْ بعضَ الدول بمفهوم جديد للتسويق يُسمَّى بـ"التسويق الجغرافي"، والذي يُؤكِّد أهمية استخدام البيانات والمعلومات المتعلقة بالخصائص الجغرافية والطبيعية والثقافية والسكانية، وربطها بالإستراتيجية التسويقية، وبالرسائل الترويجية للمكان أو المنتج.
وهذا ما ندعُو أن تأخذ به المؤسسات المعنية بالترويج والتسويق لمنتجاتنا السياحية في عُمان، وهذا الدَّور أيضًا من المُهم أن تلعبه سفارات السلطنة في الخارج؛ عليها مسؤولية تكاملية في تحقيق هذا الهدف.

شذرة إدارية

المُبادرات وحل المُشكلات يجب أن يكونا من القريبين منها؛ لأنهم أقدر من غيرهم على حلها، أو تغيير مسارها، أو تصحيحها.

الخميس، 18 مارس 2021

الجَزَر العُماني

يتميَّز الجزرُ العُماني بلونه الأشهل الجميل، وطعمه الطيب، كان يزرع في مُختلف قرى وبلدان عُمان بكثرة.. لم يعد هذا الصِّنف موجودًا في الأسواق كثيرا، بسبب غزو صنف جديد مستورد مكانه، لونه جزعي أصفر، له وزن أكبر.
أرجُو الالتفات إلى هذا الصنف العُماني القديم، والعمل على الإكثار منه.

الدارات/ الدارة

 

امتداداتٌ صخريَّة وجبليَّة نحو البحر.. علامات بحرية للصيادين، ومقاعد وفيرة للتأمل، ولعشاق البحر والمغرمين بالطبيعة.. هي حاضنة البحر عند فورة غضبه؛ فعلى أديمها يهدأ ويسكن، وعلى صخورها الملساء تنام أمواجه العاتية، فتعود حينها إلى العمق بسكينة وهدوء، وعلى صخورها أيضًا تتماهي الأسطورة مع مشاعر الألم والفرح.. لها مُسمَّيات قديمة، تحمل دلالات لفظية ومعنوية ومكانية، وقد اجتهدتُ منذ سنوات في توثيق مسمياتها، فهي مُسطَّرة في الطبعة الثانية من كتاب "قريَّات.. ملامح من التراث الزراعي والبحري"، ابتداءً من حَصَاة العين، المتاخمة لرأس بوداود العظيم، وحتى "مكلا بر" على ضفاف فنس الرائعة الجمال.
الصُّور والمَشَاهد المُرفقة هي زيارة مسائية للشريط الساحلي، المتاخم للساحل والحاجر، بدأتها من لجري ثم اللمسة فالحمرا، وصولا للشط.. مواقع فريدة للتأمل والتمتع بالجمال.
تِلْك المواقع شكَّلت يومًا ذاكرة إنسانية قديمة، يعود تاريخها لما قبل الميلاد.. تعبق برائحة البخور وطعم الحلوى؛ حيث فنون المالد والزفة والتنجيليه، تتردَّد مُوسيقاها في لجري، فيما يزف جبل السعتري نسمات مفرح الجبال الزكية، ليسعد بها الكائنات، لتختلط مع نسيم هبوب الكوس والشمالي المنعشة في مشهد مهيب.

الثلاثاء، 16 مارس 2021

شذرات إدارية

أمام الإدارة هَدَفَان أساسيَّان حتى نصفها بالتميُّز والنجاح؛ هما: تحقيق الكفاءة والفعالية؛ فتحقيق الأول دون الثاني يعني أنَّ هناك خللًا في استثمار واستخدام الموارد.
فلا يكُون الأداء فعَّالًا حتى يكون كفأ، ولكن يمكن أن يكون الأداء كفأ وليس فعالًا.

الأحد، 14 مارس 2021

متحف الطبيعة.. وادي ضيقة

 

زيارتي إلى وادي الصلحة

عُرِفتْ الصلحة قديمًا كمستوطنة بشرية، يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد، لم تَعُد هذه المقابر الدائرية الشكل، وآثار سوقها القديم باقية اليوم، فقد تناثرت جميعا مع رياح النسيان وعدم الاهتمام، بينما مغارتها "حاكة الصلحة" لا تزال تبُوح بأسرار عمقها، وحكاياتها الميثولوجية العجيبة والغريبة، ضمن أساطير عديدة للمكان.
هكذا أيضًا واديها "وادي الصلحة" يعجُّ جمالًا وتنوُّعًا جيولوجيًّا عجيبًا، فهو صنو وادي مجلاص في الغزارة والثراء بالمياه العذبة الفرات؛ فهما يلتقيان ويتحدان في سيل جارف على ضفاف الحاجر، ليعانقا بحر عُمان والمحيط الأزرق، عبر خور أو لسان بحري، باهر بالروعة والجمال.
هذا اليوم.. كانت لي زيارة لهذا الوادي، بقصد الوصول إلى نبع ماء، يسمى "قطَّار" يقع على طرفه الجنوبي، وهو عبارة عن قطرات ماء متساقطة من حافة جبل جيري، ضمن روافد جبل السعتري الأشم، مُشكِّلة رؤية بصرية جميلة للمكان.
مَشِيتُ مسافةً طويلةً في بطن هذا الوادي، إلا أنَّ وعورته الشديدة، وارتفاع حرارة الجو، قد حالت من إتمام المهمة وتحقيق الهدف، على أمل معاودة الزيارة للمكان مرة أخرى في ظروف أفضل.
ولكنَّ التأمُّل في ذلك الجمال الطبيعي والرباني، قد أنسانِي ذلك التعب والنصب، فكلما أحسستُ بلسع حرارة الجو، جلست تحت شجرة سدر خضراء، فتجود عليَّ بنسمات لطيفة، وتكرِّمني بأجمل ثمارها، تجد النبق عناقيد دانية في أغصانها الوارفة، فما يُميز هذا الوادي أشجاره المتنوعة على طول امتداده، إضافة لتلك الجنادل الضخمة في تشكيلاتها وألوانها وتكويناتها الرائعة الجمال، وكذلك هي التصدُّعات والكهوف الجبلية على ضفتيه.
وفي طريق عودتي، استرحتُ تَحت ظل سِدرة، فارتويت ببعض من الماء من قنينة كنت أحملها معي، وتناولتُ نبقًا سكريًّا من أغصان تلك السدرة الكريمة، فسكبت على جذرها الممتد في الرمل بعض الماء، كرد للجميل والإحسان.
بعدها.. همَمتُ بالمشي في طريق العودة، وإذا بحجرة صغيرة تنسلُّ من قمة الجبل، لتصل إلى عُمق الوادي، مدوية بصوت مُفاجئ، عند سماعي لذلك الصوت تحرَّكتْ الذاكرة إلى حكاية قديمة.
فكانَ قديمًا صَيْد الغزلان والوعول والطيور متاحًا للجميع، ويستغل القناصة في ذلك نبع الماء للصيد في تلك الموائل الطبيعية، حيث كانت تلك الحيوانات والطيور مكان تجمعها للورد، فما إن رصد ذلك القناص بندقيته للصيد، وإذا بالحجارة تنهال عليه من كل صوب، فدخله الخوف والرعب بأنَّ هناك مخلوقات خفية تحرس ذلك المكان، فانتشرتْ الحكاية وتداولت بين الناس، فسلمت تلك الحيوانات والطيور في حينها من الصيد، فقد كان جائرا ومؤثرا على حياة ذلك الوادي الفطرية، لهذا تجدها اليوم نشيطة، تعيش بأمن وسلام.
أعُود إلى زيارتي للوادي.. فقد كان صوت تلك الحصاة التي سقطت من أعلى الجبل مفاجأة طيبة، فبعد استقرارها في بطن الوادي، عقبها مباشرة صوت مناداة: مَنْ أنت؟ هل لوحدك هُنا؟ رفعتُ نظري إلى الجبل، فإذا بشابٍ يافع يُطل على بطن الوادي من حافة جبل السعتري العظيم.
تَنَاشدنَا العلوم والأخبار من بعيد، فتعرَّفت عليه، فهو أحد أبناء الوالد عبدالله الشنوي، أحد سكان المكان وروَّاده منذ القدم، وهو شخصية بدوية معروفه لدى الجميع، كان والدي يثق فيه، فيبتاع منه عسل الطويقي، المشهور بجودته العالية، لكون مصدره الجبال ورحيق الطبيعة.
سألته: من أين أتيت؟ فقال: كنت قاصدًا وادي الرحبة لحاجة وغرض، وقد أتممتُ مُهمتي، وها أنا في طريق عودتي إلى البيت، فودَّعته.
كُنتُ أنظُر إليه، فهو يعدو كالغزال في حركته وسرعة مشيه، فقلت حينها: الإنسان دوما تسري فيه روح المكان، وقوة الطبيعة، وملامح البيئة التي يعيش فيها؛ لهذا تجده مُرتبطا ومُتمسِّكا بالمكان، مهما كانت الظروف والأحوال.

السبت، 13 مارس 2021

حكايتي مع وادي ضِيقة

هذا المساء، كان لي جولة إلى المزارع، فتعمَّقت مشيًا في مجرى وادي ضيقة باتجاه الخبيل؛ فبدأ مسيري من ضفاف الوادي بجانب الحصن ومسيلة الرينز، ومسيلة القياض، كانت خطة مسيري بهدف توثيق أحد المعالم الطبيعية، يسمى "المراجل"، أخبرني عنه أحد كبار السن منذ سنوات طويلة، وهو نحتٌ في حجارة الوادي الملساء على شكل مراجل، وكأنها قد أُعِدَّت للتو للطبخ.
كان صُدفة أن ألتقي سعادة السفير الروسي وحرمه في ذلك المكان؛ فكان بيننا حديثٌ عن طبيعة المكان وجماله وملاحظاته؛ فهو يتحدث العربية بطلاقة، وقد قَطعَا مسافة مشيًا للتمتع بهذا الفج العميق والمعلم الجغرافي الرهيب، أكبرتُ فيهما هذا الحماس على رغم كبر سنهما.
بعد توديعهما، واصلتُ مشواري في عمق الوادي، وبحيث أني قد عبرت هذا الممر المائي قبل أكثر من ثلاثين عاما بالسيارة، فقد هالني التغيُّر الطبيعي لملامح جغرافية المكان ومعالمه؛ الأمر الذي حال من مواصلة المشي فيه لمسافة أطول.
وفي طريقي، وقفتُ مُتأمِّلا لذلك المجرى المائي الجميل، وتذكرت حينها قصتي وحكايتي مع المكان في أول زيارة له مع فريق إعلامي، كان ذلك منذ سنوات طويلة، ولكن تبقى للمكان جمال ذاكرته، مهما تعاقبت الأعوام، كتبت عن الحكاية في العام 2013م، وها أنا أعيد نشرها من جديد، مع صور حديثة للمكان:
في التسعينيات من القرن الماضي، قمت -ومعي بعض الضيوف الإعلاميين- بزيارة إلى وادي ضيقة في مهمة إعلامية؛ حيث كنت حينها مراسلا للإذاعة والتليفزيون وجريدة "عُمان". ونظرًا لما سمعته عن روعة الممر المائي لوادي ضيقة الذي يربط بلدة المزارع ببلدة حيل الغاف ومن ثم دغمر، اقترحتُ على ضيوفي استخدام هذا الممر للوصول إلى المزارع، وكان حينها ذلك الممر يتمتع بتواجد مستمر للمياه، وفي غير موسم للمطر.
ولهذا الممر تاريخٌ عريقٌ، وذكريات عديدة، وأحداث متعددة؛ حيث كان شريانا اقتصاديًّا لداخل عُمان، عبر سوق وموانئ قريَّات ومسقط ومطرح، لا سيما لتجارة التمور والليمون العُماني وغيرها من المنتجات، فهو يختصر المسافات للتنقل عبر المشي والدواب.
كان الأوروبيون يطلقون على هذا الممر بهوة الشيطان؛ لعمقه وخطورته وتكويناته الصخرية الحادة؛ حيث تجتاحه السيول بصورة دائمة. المهم، وددتُ تعريف ضيوفي بهذا الممر؛ حرصا مني لتسويق الولاية إعلاميا.
استخدمنا سيارة ذات دفع رباعي لعبور هذا الممر؛ حيث بدأنا من مدخل حيل الغاف، ومن ثم الوصول إلى الخبيل جنوب حيل الغاف، وهو منخفض يقع بين جبلين، ويعتبر منتجعا سياحيا لما يتميز به من سحر الطبيعة وجمال البيئة ونقاء الجو وصفاء المياه، وفيه تجد على حواف الجبل آثارَ فلج حيل الغاف القديم، كما يمكنك تتبع مسار الفلج الحالي؛ فمنبعه الرئيسي من الخبيل.
وبعد الاستراحة والاستمتاع بالطبيعة، واصلنا السير في اتجاه المزارع: الجبال الشاهقة لهذا الممر المائي وبيئة المكان تأسر القلب وتريح النفس، وتثير التأمل والتفكر في قدرة الخالق: تضاريس جبلية روعة في المنظر، ومياه تنساب بهدوء، وأشجار مظلة على حواف المجرى.
جميع ضيوفي في قمَّة السعادة بهذه الرحلة؛ فهم لأول مرة يشاهدون هذه المناظر الخلابة، وأنا أيضًا كذلك لأول مرة أسلك هذا الممر، وكنت أخاطب نفسي بأن الأوروبيين وصفوا هذا الممر بهوة الشيطان، وهذا وصف لا يليق بهكذا منظر؛ فأكيد أن هناك سببًا أو قلقًا ما من هذا الممر، فهم يشاهدونه من سفنهم في أعماق البحر، وعلى الرغم من بعده عن البحر، إلا أنه أحدث لهم رُعبا من الاقتراب منه؛ فهو في حقيقته معجزة الله في أرضه، ويستحق أن يطلق عليه "منحة الله للإنسان".
بعدما قطعنا المسافة -وهي ليست بالطويلة- تَبادر لنا من بعيد حصن المزارع على ربوة جبلية، ويطل على الممر المائي لوادي ضيقة في اتجاه حيل الغاف. كُنت أقود السيارة، ومُستمتعا جدًّا بقيادتها وقوة تحملها لعبور هذا الممر الصعب، فلم يبق لنا إلا وقت بسيط ونصل إلى عمق المزارع، وفي ذلك الحين صادفنا مسطحًا مائيا من الجبل إلى الجبل، وفي الوقت ذاته عبرت من جانبنا سيارة قادمة من المزارع في اتجاه الخبيل، تبادلنا التحية من بعيد، ومرَّت تلك السيارة في وجهتها بسلام، بعد أن أفسحتُ لها المجال بالتزامي ناحية اليمين من الشارع.
وَاصَلْنا المسير في نفس الاتجاه وسط المياه، وكنا نَحسبها أنها مياهًا ليست بذات عُمق، ونحن نتقدَّم إذا بالسيارة تزداد تعمُّقا في المياه، أدرتُ قوَّة الدفع الرباعي بالسيارة، وإذا بالسيارة تغطس أكثر، قُلت في نفسي لا بد أنَّ هناك حصاة كبيرة تمنع السيارة من عدم الاندفاع إلى الأمام، ضغطتُ بقوة رجلي على دواسة المحرك، وغيَّرت غيار السيارة إلى رقم واحد، لا زالت السيارة تقاوم النهوض، ولكن المياه كانت هي الأقوى.
أصبحتْ المياه تُحَاصِرنا من جميع الاتجاهات، والسيارة بدأت مُقدمتها تغطس في عمق المياه، جميع من معي كان خائفًا، وأنا أحاول تهدئة الموقف، وبث الثقة بالخروج بسلام، إضافة لمحاولة الضغط على السيارة من أجل نهوضها والابتعاد عن المكان، ولكن الأمر كان صعبًا؛ حيث اتَّضح أن هناك حفرة عميقة وأصبحنا على حوافها، فغمرت المياه السيارة، وطلبت من ضيوفي الخروج من النوافذ فورا حرصًا على سلامتهم.
حاولتْ السيارة المقاومة للخروج من الموقف، إلا أنَّ المياه تداخلت في كل أجزائها.. تألَّمتُ كثيرًا لما أصابَ ضيوفي، ودعوت ربِّي كثيرًا بأن يُخرجنا من هذا الموقف، كان خروجنا قبل الظهيرة، وها ذا المساء بدأ يُسدل الستار على نهاية النهار، المكان كان مُوحِشًا، والمياه تُشكِّل أكثر خطرًا، وكان حينها سد وادي ضيقة غير موجود، فأي زيادة في منسوب الوادي لا ملجأ لنا إلا الله؛ فالجبال على جانبينا شاهقة، ونحن في وسط ممر مائي نَجْهَل عمقه، والاتصالات غير متوفرة لدينا.
بعد تَفكِير، رأيتُ من المناسب أنْ أمشي إلى وسط قرية المزارع من أجل طلب المساعدة؛ فبعد فترة من المشي وسط المياه والصخور، استطعتُ الوصول إلى بلدة الجزير بالمزارع، ووجدتُ من سكانها كلَّ ترحيب بحُكم معرفتي بهم، وقرَّر أحد الأخوة التبرع بسيارته ذات الدفع الرباعي للوصول إلى مكان السيارة الخاصة بنا ومحاولة إخراجها من تلك الحفرة.
وبعد جهدٍ كبيرٍ، وبحُكم خبرة أهل البلد بظروف الطريق، استطعنا إخراج السيارة من الحفرة، وقيل لنا إنَّنا سلكنا الطريق الخطأ؛ حيث كان ينبغي لنا الالتزام بجهة اليسار، فهو المكان الصالح لسير السيارات، والجانب الآخر جزء عميق من المياه، لكنَّني تجاهلت ذلك بحكم عدم خبرتي بالمكان، ولكي أتيح للسيارة القادمة العبور، فهي الأحق بذلك الاتجاه.
حاولتُ تشغيلَ السيارة بمُساعدة الجميع، ولكن لا فائدة؛ فالمياه دخلت في كل شيء، والأمر جد خطير، والضيوف بدأوا يقلقون كثيرا لتأخرهم عن أهلهم في مسقط، كان لديَّ إصرارٌ وإرادة على إنهاء هذا الموقف بسلام، شكرتُ الأخوة الكرماء أهل المزارع على ما قاموا به من مساعدة لإخراج السيارة من المياه، وبعدها توجَّهتُ إلى قريَّات من أجل وضع حل للموقف.
كُنتُ أسمع بمهارة شابين عُمانيين -يُقال لهما أولاد الرندي (علي ويحيى)- مُتخصِّصيْن في إصلاح وصيانة السيارات، وعلى الرغم من عدم تعلمهما، إلا أنَّ خبرتهما في مجالهما تساوي من يحمل أعلى الشهادات، تحدَّثتُ معهما عما حصل، وبالفور تجاوبا معي من أجل إخراج السيارة بأي طريقة، واتصلنا بسعيد الشيرازي وهو عُماني ومكانيكي قديم أيضًا، فرحب بالمساعدة وأخذنا سيارته الرافعة، فإذا لم نقدر على إصلاح السيارة وتشغيلها، نرفعها بالرافعة وإخراجها من ذلك المكان.
وَصَلنا حيث السيارة، وبعد مُحاولات استطاع العُمانيان أنْ يُدِيرا السيارة بطريقة غريبة؛ حيث أوصلا علبة كُنا قد ملأناها بالوقود من خلال أنبوب إلى مُحرِّك السيارة، بعد أن فصلا الأنبوب الذي يربط خزان الوقود بالمحرك؛ وذلك نظرًا لامتلاء واختلاط الوقود بالمياه في الخزان، فكُنت متعجبًا من المهارة التي قاما بها.. شَكرتهما كثيرًا، وطلبتُ منهما قيادة السيارة؛ فأحدهما السائق والآخر يُمسِك بيدة تلك العلبة التي تزود المحرك بالوقود.
وَصلنا قريَّات في منتصف الليل، بعد مُعاناة منذ الصباح، ودَّعتُ ضيوفي، وتمنيتُ لهم رحلةً موفقة، وشكرتُ ربِّي كثيرًا على نعمة النجاة من هذا الموقف. وها أنا أسردها لأول مرة من أجل أخذ العِبْرَة، خاصة ونحن نعيش هذه الأيام سقوطَ أمطارٍ غزيرة، وجريان العديد من الأودية في بعض ولايات السلطنة؛ فمجارِي الأودية وتجمُّعات المياه لا يمكن التساهُل بها أو الدخول فيها، مهما كانت قوة السيارة ومهارة من يقودها.

الجمعة، 12 مارس 2021

مِثعاب.. قطّار

 

فنون العمل.. موسيقى محفزة

 

في هذا الخانق الجبلي رَائِع الجمال، والفج العظيم لوادي ضيقة، بظلاله ونسائمه اللطيفة، وأشجاره المورقة، يمتدُّ فلج حيل الغاف، كشريان للحياة.
في امتداده أشبه كحبلٍ سُرِّي، يلتوي بين الجبل والوادي، ليبث الخضرة والجمال في ضواحي الحيل المنتجة وبساتينها الغناء، تكثُر في مساره تقنية الوقب أو الفرض، وغراق فلاح، وهي تقنيات عُمانية بحتة، معروفة منذ القدم في فنون وهندسة بناء الأفلاج القديمة، ولها وظائف مهمة، وتحمل مسميات وحكايات، سردتُها في كُتب أصدرتها عن قريَّات.
ومنَ الطَّرائف الجميلة عند تأسيس هذا الفلج، كما يرويها كبار السن، أنَّ صخرة جبلية كبيرة اعترضتْ مسار الفلج، فعجَزَ العمالُ عن تكسيرها، فدخلهم اليأس والتعب من مواصلة العمل، فما كان من مهندس الفلج إلا أن استعانَ بفنون العمل وموسيقاها؛ فهبَّ الجميعُ في حماس وفرح وقوة، حتى تمَّت المهمة.

لمباة الحلقوم

 
هَكَذا عُرِفت من بين آلاف أشجار المانجو في قرية حيل الغاف، الوادعة في أحضان الطبيعة الخضراء، لتميُّز ثمارها شكلًا وطعمًا، تجاور لمباة المصلى منذ مئات السنين على مدخل ضواحي السادسة الغناء.
تقفُ اليوم هذه الشجرة شامخة في عنان السماء، وأغصانها تلوح بمشاعر حزن لما أصابها من عوادي الزمان، حزينة لأن أغصانها لم تتزين بحلتها الذهبية لهذا الموسم كرفيقاتها.
أطرافُها قد بدا عليها اليبس، رغم مُجاورتها لساقية الفلج، الذي يغدُف من سمامه، الحمام "يكاكي" بصوت حزين أيضًا على غُصنِها، كيف لا وهي رفيقة عمر ممتد!
علاماتٌ مُهمة تطرحها هذه الشجرة النادرة، من الواجب الوقوف عليها ودراستها، فـ"أمبا الحيل" بتاريخه وذاكرته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لم يعد كما كان، ويستحق العناية والاهتمام.

الأربعاء، 10 مارس 2021

محطة من محطات الحياة

رحلة مع زملاء العمل بدائرة شؤون الموظفين بوزارة الداخلية في ثمانينيات القرن الماضي، كان حينها مدير الدائرة الأخ علي بن عبدالله العوذلي -رحمه الله.