بكُل سُرور، استلمتُ مُؤخرا نسخة من كتاب
"الإسلام من الثابت إلى المتغير" للأستاذ الأكاديمي والباحث العراقي
القدير المُقيم في لندن الدكتُور هادي حسن حمودي، والكتاب في طبعته الأولى هي
صادرة عن Samson Publisher في
لندن، وتوزيع دار العلم في بيروت.
والمؤلف له مؤلفات وموسوعات عديدة في اللغة
والتاريخ ومُختلف ضروب المعرفة، وكذلك مجمُوعة كبيرة من البحوث والمقالات المنشورة
بمُختلف اللغات، كما له مُساهمة فاعلة وطيبة يُشكر عليها في تحقيق بعض الكتب
المُهمة في التاريخ العُماني، وأيضًا إصدارات فكرية عن نهضة عُمان الحديثة.
الكتاب الموسوم "الإسلام من الثابت إلى
المتغير" يضمُّ بين دفتيه أكثر من ثلاثمائة صفحة من الحجم المُتوسط، وصُمِّم
غلافه بطريقة بديعة ومعبرة؛ حيث نحت عُنوانه في كُتل سحابية بيضاء، سابحة في سماء
زرقاء، وقد أخذت كلمة "الإسلام" بروزًا أكثر في العُنوان، ويحيط بها
إضاءة متدرجة، يرسلها القمر من علٍ في مراحل أطواره المتغيرة في شكله المرئي،
والثابت في شكله الحقيقي، بدءًا من مرحلة الهلال؛ فالتربيع، والبدر، وانتهاءً
بمرحلة المُحاق.
وتلك التغيرات في حقيقتها هي مسألة متوقفة على
المواقع وحِدَّة وقوة النظر إلى الزاوية أو الجهة المضاءة من القمر، وعلى ضوئها
تحدد درجة الإدراك والفهم لتلك العلاقة الكونية بين حركة الأجرام السماوية،
القائمة بين الشمس والأرض والقمر... وغيرها من النجوم والكواكب.
كَمَا يضمُّ الجزء الأكبر من واجهة الغلاف صفحات
مفتوحة من القرآن الكريم، وكأنها وضعت على شاشة مرئية، يظهر منها بريق ساطع، تضيء
حبات المسبحة بلونها البني الفاتح على جانب المصحف. بينما جاء ظهر الغلاف على شكل أرضية
سماوية، تسطع من زواياها شمس مشرقة، تبدد تلك الظلمة والغيوم الكثيفة، التي تحيط
بجبال راسية وشاهقة وأودية سحيقة.
افتَتح الباحث كتابه بآيات كريمة من سورة إبراهيم،
توحي بأهمية الكلمة الطيبة، وتأثيرها على النفس الإنسانية، ثم قدم تمهيدا للكتاب،
مُؤكدا أن الإسلام بمبادئه العامة وقواعده الكلية الملاذ الذي ينبغي أن يلوذ
المسلمون لمعرفة ما يعمهم ويهمهم من شؤون؛ مما يدعونا إلى أن ندرسه بموضُوعية
وعلمية، لمعرفة تأثيره في جوانب الحياة المُعاصرة كافة.
مُحذِّرا الباحث من خطورة ظاهرة الغلو والتطرف على
التقدم والتطور والحياة عموما؛ سواءً كان ذلك التطرف والغلو دينيا، أو أيديولوجيا،
أو غير ذلك، مُؤكدا ضرُورة وأهمية تناول مثل هذه الظواهر في بحوثنا المُعاصرة، وهو
ما تطرق إليه ضمن سياق أجزاء بحثه، حيث بيَّن دور مبادئ الإسلام العامة وقواعده
الكلية في مُعالجة هذه الظاهرة وعلاقتها في مُجريات حياتنا المُعاصرة، مُجيبا عن عدد
من الأسئلة في هذا الإطار، داعيا إلى بناء علاقات سليمة مع سائر الناس، والمُشاركة
الفعالة في صياغة الحضارة. كما قدم الباحث في بداية صفحات الكتاب شرحا لمعاني
ودلالات بعض المُصطلحات الواردة في البحث؛ الأمر الذي ساعد على استيعاب محتوى
الكتاب، وفهم منهجية الباحث وتوجهاته الفكرية.
الكِتَاب في خطته تم تقسيمه إلى ستة فصول؛ تناول
الفصل الأول: بحث العلاقة بين الروح والمادة، التي هي قائمة في حقيقتها وواقعها
على التفاعل والتكامل. والفصل الثاني: تطرق فيه الباحث إلى كيفية تعامل الذات مع
الآخر المُختلف، في ضوء مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية. وفي الفصل الثالث:
ناقش الباحث مسألة التعامل مع الآخر في ظل التحولات والتغيرات العالمية في الرُؤى
والمفاهيم والتطبيقات، وتوافقها مع مبادئ الإسلام العامة وقواعده الكلية، فحمل عُنوان
الفصل: "الإسلام والتحولات العالمية المُعاصرة".
وتناول الفصل الرابع موضُوع "الإسلام وتطور
المُجتمعات البشرية"، مؤكدا أنَّ الإسلام قد جاء لينشر السلام بين جميع الأمم
والشعُوب، ويقضي على مظاهر التخلف ومظاهره. وركَّز الفصل الخامس من هذا الكتاب على
موضُوع "الإسلام ومفهُوم الحياة والمُواطنة"؛ فالحياة في المنظور
الإسلامي مُقدَّسة، وقائمة على فلسفة الاستخلاف؛ لأن الإنسان قد خُلق ليعمر الأرض
خليفة لله فيها، وذلك بالاعتماد على العلم النافع والعمل الصالح، والترابط بين
الناس، ومراعاة علاقة الإنسان مع الآخر وحسن تعامله معه، في ظل العيش المشترك
بينهما من أهم مبادئ المُواطنة، وهي مُرتبطة بصُورة أساسية ببناء الإنسان، وتقوم
على بذل الجهد بكل إخلاص وصدق ونزاهة من أجل المجمُوع، وبالولاء للبلاد
واختياراتها التطورية.
وتطرَّق الفصل السادس والأخير من البحث إلى موضُوع
ترشيد الإسلام للعلاقة بين المُكونات الاجتماعية للدولة: ما بين الحاكمين
والمحُكُومين، حسب المُصطلحات الإسلامية ذاتها، وحمل الفصل عُنوان: "الإسلام
والعلاقات بين السُلطة والشعب". واختتم الباحث كتابه بمُوجز للاهتمامات الأساسية
لما جاء في محتويات الكتاب، مُؤكدا على نتيجة مُهمة: أنَّ الإسلام على صلة وثيقة
بالواقع، بالمُجتمع، بالبيئة، بالزمان والمكان والإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.