الجمعة، 29 يونيو 2018

راشد الصلتي.. حكاية إنسان

القهوة التي ظلَّت تقري الضيوف لأكثر من ثلاثة عقود دُون انقطاع.
راشد الصلتي.. مُزارع بسيط، اتَّخذ من ضباب مسكنا له بعد وادي العربيين، أسَّس مزرعة له في موقع يسمى الرويضة، مع بداية النهضة المُباركة. والاسم "الرويضة" هو تصغير للروضة، فتصغير الأشياء ظاهرة صوتية في اللهجة الدارجة عندنا؛ تحبُّبا وتواضعا.
نَحَت راشد وزوجته الصَّخر بيده، وغرس الشجر والنخل، حتى أصبحت تعانق السماء، كانت مزرعته استراحة لعابر الطريق بين قُريات والقرى الشرقية وطيوي وصور، وشكلت شجرة الصبارة في مزرعته بتفرعاتها العظيمة -والتي ما زالت غزيرة العطاء حتى الآن- سبلة مشرعة للعابرين.
راشد هذا مع كلِّ صباح يحمل معه إلى المسجد الصغير المجاور لمزرعته صحنًا مليئًا بالتمر أو الرطب من إنتاج تلك المزرعة، مع دلَّة القهوة العدينية، تُعدها زوجته مع إشراقة فجر كل يوم.. هكذا كان عادته يوميا.
المار بذلك المسجد، يجد صحنَ التمر ودلة القهوة مُشرَعة أمامه على مدخل المسجد، فما إن ينتهي المصلي من صلاته، يأخذ ما تيسَّر له من ضيافة، تجد هذا في كل وقت وحين دُون انقطاع.
اليوم، زُرت الرويضة، فوجدتها روضة غناء، فقد غُيِّر اسمها من الرويضة إلى الروضة، والمسجد الذي عهدتُه صغيرا أصبح واسعًا ومتجددا، كان همِّي أن أرى راشد، فلما رأيت ابنه، قال: أبي اليوم أصبح مُقعَدًا من المرض، لكنَّ وصيته وعادته حافظنا عليها، فخصَّصنا غُرفة بجانب المسجد الجديد، سمَّينَاها غرفة القهوة.
صليت في المسجد، ثم ولِجنا جميعًا إلى تلك الغُرفة، فرأيتُ العادة مُستمرة كما هي؛ مُنذ رؤيتي لها أول مرة في الثمانينيات، تخيَّلت حينها راشد، وملامح بره وتطوعه لخدمة عابري الطريق، بتواضُع وقناعة الإنسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.