هذا المساء، كان لي زيارة للشركة المكلفة بتصميم
المشرُوع السياحي بولاية قُريات، المالكة له "شركة قُريات للتطوير"، وقد
جمعني لقاء بالباحث الرئيسي للدراسة الخاصة بالجدوى الاجتماعية للمشرُوع، الفرنسي
الشاب المُهندس توماس، وبحضور الأستاذ المصري المُهندس عبدالرحمن، وقد تفاجأت في
هذا اللقاء بوُجُود الطبعة الثانية من كتاب "قُريات.. عراقة التاريخ وروعة
الطبيعة" على طاولة المُهندس الفرنسي، الذي استُقدم مُؤخرا لإعداد دراسة
متكاملة حول تأثير المشرُوع على الجانب الاجتماعي والثقافي والبيئة المحيطة به،
بتوجيه وطلب من وزارة السياحة.
فبَادَرنِي عن سعادته بهذا اللقاء، الذي تم
الترتيب له مُنذ فترة، على أثر اتصال هاتفي تلقيته من الشركة، وتم تأجيله لمزيد من
التأمل والتأكد. فبعد أن أهديته الطبعة الثالثة من ذلك الكتاب، حاول بحماس شديد
طرح مجمُوعة من الأسئلة، تركزت في مجملها على الجدوى الاجتماعية للمشرُوع،
وتوقعاتي لمدى تقبل المُجتمع له، والقيمة المضافة المتوقعة له، التي سيحدثها على
اقتصاد الوُلاية وتأثيره على التراث الثقافي والاجتماعي للولاية.
وقبل أنْ أُجيبه، طلبتُ منه أن يشرح لي عن ماهية
هذا المشرُوع؟ ومدى استيعابه هو للتراث الثقافي والطبيعي للمكان والبيئة المحيطة
بالمشرُوع؟ خاصة وأنَّه لم يسبق له العيش في عُمان، فكان الرجل صريحا ومتعاوُنا
ومتحمسا لإنجاز مهمته، التي حدد نهايتها شهر سبتمبر من هذا العام، حيث يتطلب منه
تسليم ملف الدراسة المكلف بها. فبادلته حينها بنفس التوجه والاهتمام والمشاعر، حرصا
مني على قيمة المشرُوع اقتصاديا واجتماعيا، إضافة لما يمثله من قيمة مضافة لاقتصاد
الوطن.
وبمبادرة شخصية مني، تم في بداية العام 2012م
تقديم دراسة لإنشاء شركة أهلية تحمل اسم "شركة قُريات للاستثمار والتطوير
السياحي"، هدفها الاستثمار في العديد من المشاريع الاقتصادية والخدمية والاجتماعية
بالوُلاية، بما فيها إقامة الفنادق والمشاريع السياحية، وبرأس مال يُسهم فيه جميع أبناء
الوُلاية، إلا أن الفكرة ظلت محل أخذ وعطاء بين هذا وذاك، حتى برز هذا المشرُوع
الرائد إلى حيز الوجود، وهو ما أسعدني جدا؛ لأنَّ اسم الشركة المنفِّذة لهذا
المشرُوع وأهدافه كان قريبا من الاسم والأهداف في ذلك المُقترح -والحمد لله- وتلك
الفكرة منشورة على صفحتِي، لمن أراد التعرف على تفاصيلها، وهي مُطبَّقة اليوم
بنجاح في عدد من ولايات السلطنة، وقد زُرت بعضها، والتقيت بمجالس إداراتها، وتسير
بوتيرة متسارعة في النماء والتطوير.. وفَّقهم الله.
أعُود لمُقابلة اليوم.. فشركة قُريات للتطوير
وشركاء آخرين، هي شركة ستتولى تطوير جزء من الشريط الساحلي المطل على البحر
مُباشرة بساحل قُريات؛ وذلك من خلال إقامة مجمُوعة من الفنادق والمشاريع السياحية
والخدمية والترفيهية والسكنية الواعدة، وذلك على مساحة تصل إلى أكثر من مليون متر
مربع، وتضم أيضًا حدائق ومتنزهات وملعبا للجولف، ومشاريع ترفيهية وخدمية أخرى،
ويتوقع أن تستقطب المجمعات السياحية المتكاملة أكثر من عشرة آلاف نسمة من عُمان،
ومُقيمين من خارجها أيضا.
وبحيث أن المشرُوع قد أصبح واقعا، والدراسة تتعلق
بتأثيرات المشرُوع -سلبا وإيجابا- على الجانب الاجتماعي والثقافي للمُجتمع المحلي
في الحاضر والمُستقبل، فقد ركزت في نقاشي على الجوانب التالية:
1- المشرُوع من الناحية الاقتصادية ستكُون له قيمة
مضافة للاقتصاد الكلي والجزئي، وسيسهم بلا شك في خلق فُرص عمل لأبناء الوُلاية،
وسيكُون له حراك اقتصادي نشط على مُستوى الوُلاية، لا سيما فيما يتعلق بقطاع
الخدمات واللوجستيات.
2- من الضرُوري أن تكُون هُناك دراسة مسايرة لهذه الدراسة،
حول مدى تأثير المشرُوع على البيئة والتراث الطبيعي للمكان؛ بحيث يكُون المشرُوع
صديقا لتلك البيئة ومحفزا على تنميتها، وضرُورة التعرف على نوعية الأشجار
والنباتات في التراث الطبيعي للمكان، والتي من المتوقع تأثرها بأعمال الردم
والتسويات، والعمل على الاحتفاظ بمصادرها ومُكوناتها وتنميتها، ومحاولة إعادة
نقلها أو زراعتها في المتنزهات والحدائق والمساحات الخضراء في المجمعات السياحية
للمشرُوع.
3- من المُهم أن تكُون مواصفات بناء المشرُوع
يراعي الجوانب الجمالية للبيئة، ومخاطر مجاري الأودية وتقلبات المناخ والطقس، خاصة
بعد إزالة تلك الرمال والكثبان الرملية، التي -ومنذ آلاف السنين- كانت تُشكل حاجزا
طبيعيا عن تداخل مياه الأودية والبحر إلى القرى السكنية والزراعية المجاورة للمكان.
4- حسب علمي أنَّ وزارة البيئة والشؤون المناخية
قد حددت مساحة من الأرض مجاورة للمشرُوع، لتكون محمية أو حديقة طبيعية، لهذا من
الضرُوري أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار عند تصميم المشرُوع وتنفيذه، للمُحافظة على
التراث الثقافي الطبيعي، والعمل على إضافة قيمة مضافة لتنمية تلك المساحة؛ وذلك
بمساهمة المشرُوع أو الشركة في تنمية تلك البيئة ومُكوناتها الطبيعية.
5- من المتوقع أن يستقطب المشرُوع ثقافات جديدة،
وسيحدث تغييرات في جوانب عديدة لحياة الناس، ولكن الوُلاية بحكم تركيبتها السكانية
هي ذات تنوع ثقافي مُنسجم ومتداخل مُنذ القدم، ويمكن الحد من التأثيرات السلبية
المتوقعة على التراث الثقافي، طالما وضعت الأمور في الأطر الصحيحة، التي تراعي
التراث الثقافي والاجتماعي للمُجتمع.
6- لا يجب أن تكُون هُناك عزلة بين المشاريع السياحية
وبيئة المُجتمع؛ فالشاطئ يجب أن يكُون عاما، ومتاحا لجميع سُكان الوُلاية دُون أية
تحديد أو خصوصية؛ كونه كان -ولا يزال- يخدم قطاعا كبيرا من الصيادين، ويُشكل مُتنفسا
طبيعيا وترفيهيا للسكان، ومن الضرُوري أن تكُون هُناك علاقة تكاملية بين أهداف
المشرُوع واحتياجات المُجتمع وثقافته، لا سيما الأساسية منها.
7- ضرُورة التسويق الصحيح للمشرُوع، وتبصير
المُجتمع المحلي بأهميته وأهدافه؛ من خلال لقاءات مُتواصلة مع المُجتمع؛ لضمان
دعمهم ومساندتهم للمشرُوع خلال وبعد فترة تنفيذه.
8- يجب أن يُسهم المشرُوع في إقامة مشاريع تنموية
وترفيهية لخدمة البيئة والمُجتمع المحلي، وأصحاب الحرف والمهن، لا سيما المشتغلين
في مهنة صيد الأسماك.
9- أهمية المُحافظة على التراث الطبيعي والإنساني
لخور الملح القريب من المشرُوع، والذي يعُود تاريخه إلى الألف الثالث والرابع قبل
الميلاد، وضرُورة مساهمة المشرُوع في تنميته، ودعم العاملين فيه.
وفي الختام، أكَّدت للمُكلف بالدراسة ضرُورة أن
تكُون الدراسة معتمدة على الواقع والدراسة الميدانية وتحمل المسؤُولية الاجتماعية،
وضرُورة اللقاء بالناس ومعرفة رؤيتهم، مع تضمين الدراسة بالأرقام والإحصاءات من
مصادرها الصحيحة، وقد اقترحت عليه مجمُوعة من النقاط والخطوط العملية لتحقيق ذلك،
مُتمنيا للشركة والقائمين عليها التوفيق والسداد لخدمة الوطن والمُجتمع والبيئة.. والله
ولي التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.