قَبل أكثر من شهر، كُنتُ في زيارة إلى مكتبة
المعرفة -التابعة لديوان البلاط السلطاني- والتي تقعُ بسيح المالح بولاية مطرح،
هذه المكتبة تتَّسم بمزايا كثيرة من حيث التنظيم والخدمات التي تقدمها لمرتاديها،
وكذلك بتصميمها وموقعها الفريد في وسط المدينة، ولكون هذه المكتبة تُواصِل عملها
في الفترة المسائية من الرابعة وحتى التاسعة مساءً، تجدها قبلة للزوار، لا سيما من
فئة الشباب وطلاب الجامعات، وأتمنَّى أن يكُون مثلها في جميع ولايات السلطنة.
ومُصَادَفةً، زار المكتبة في ذلك اليوم فريقٌ من
التليفزيُون العُماني، الفريق يتكوَّن من الشباب المتحمِّس للعمل وأداء الرسالة،
يعملون بروح واحدة من أجل إتمام مهمتهم، تحدَّثوا معي بأنهم يعملون على إجراء بعض
المُقابلات لبرنامج سيُبث لاحقا، وبالتزامن مع انعقاد الندوة الوطنية "التعليم
في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل". طريقة المُقابلة ليست كحُوار بين
مذيع وضيف، وإنما الفريق التليفزيُوني يحمل معه مجمُوعة من الأسئلة مُدوَّنة في
هاتف أحد أعضاء الفريق، وما على الضيف إلا الإجابة عن هذه الأسئلة أمام الكاميرا!
المُهم، اطَّلعت على تلك الأسئلة، فهي تحمل مضامين
مُهمة جدًّا، تتعلق بتطوير التعليم، وفلسفة التعليم، وجوانب عديدة تحتاج إلى حلقات
لمناقشتها، وارتأيتُ حينَها أنْ تُجْرَى هذه المُقابلة مع أحد الشباب، طالما أنها تتعلق
بالمُستقبل، واقترحتُ للفريق أن يجروا اللقاء مع أحد الطلاب الجامعيين المرتادين
للمكتبة، وهذا ما تم بالفعل.
وجميعُنا تابعَ -خلال اليومين الماضيين- فعاليات
الندوة الوطنية "التعليم في سلطنة عُمان: الطريق إلى المُستقبل"، بمُشاركة
واسعة من قِبل الجهات المعنية بالتعليم؛ وعلى رأسها: مجلس التعليم، الذي تم إنشاؤه
بموجب المرسُوم السلطاني رقم 2012/48، والمعنيُّ بوضع الإستراتيجيات ورسم السياسات
العامة للتعليم بمُختلف أنواعه، ومراحله، ومتابعة وتقويم جودته.
لقد سعدتُ جدًّا بدعوة مجمُوعة من الطلاب، وأعضاء
اللجنة الوطنية للشباب، ومُنظمات المُجتمع المدني والقطاعين الخاص والأهلي... وغيرهم
من أطياف المُجتمع لحضور هذه الندوة؛ بهدف إطلاع المُجتمع على توجُّهات الحُكُومة
في تطوير التعليم، والاستماع إلى مداخلاتهم ومُقترحاتهم بتركيز، وسعدتُ أكثر بأنَّ
الإعلام كان مُتفاعِلا بكفاءة وفاعلية مع الحدث، خاصة الإذاعة؛ لتبصير الرأي العام
بما يحدث في الندوة، والتعريف بتوجهات الدولة بشأن إستراتيجية التعليم.
التعليم مُنذ بداية العام 1970م كان أحد
الاهتمامات الرئيسية لقائد البلاد المفدَّى؛ لما له من أهمية في بناء الإنسان، وتكوين
شخصيته، وتنمية معارفه واتجاهاته وقيمه، وكذلك يُعد ذلك ركيزة أساسية للتنمية، ولتقدم
وتطوُّر الوطن؛ فجلالته -حفظه اللهُ- القائل في العام 1970م: "إن تعليم شعبنا
وتدريبه يجب أن يبدأ بأسرع وقت ممكن؛ لكي يصبح في الإمكان، في المدى الأبعد، حُكم
البلاد بالعُمانيين للعُمانيين"، وقد شهدتْ السلطنة بالفعل في فترة
السبعينيات نقلةً كَمية، وسرعة هائلة، في نشر المدارس؛ بهدف إتاحة فُرصة التعليم
للجميع؛ فالمهم هو التعليم.
ومع بداية الخُطة الخمسية الأولى عام 1976م، شَهِد
التعليم أيضًا نقلةً كميةً ونوعية، وفُتحتْ مَسَارات فنية وتقنية للتعليم، وتمَّ
إنشاء بعض المعاهد كالمعهد الزراعي بنزوى، ومعاهد المعلمين، والمعهد الإسلامي، والمدارس
الثانوية التجارية، ومعاهد التدريب المهني، وكانتْ تستقبل مُخرجات الإعدادية
العامة، إضافة لوُجُود التعليم العام الثانوي والتعليم الجامعي.
وَقَد تُوِّج التعليم بإنشاء جامعة السلطان قابُوس
في العام 1986م، تلاها إنشاء العديد من الكُليات والمعاهد التي تُعنى بالتعليم
التقني والمهني، وكذلك إنشاء العديد من الكُليات والجامعات الخاصة.
وعَلَى مدار خطط التنمية في السلطنة، تمَّ وضع التعليم
ضمن أحد الأولويات الرئيسية لمسيرة التنمية الإنسانية في عُمان، ولا شك أنَّ هُناك
الكثير من التحديات التي يُواجهها التعليم اليوم، وقد نبَّه جلالة السلطان المُعظم
-حفظه اللهُ ورعاه- إلى هذا الأمر في خطابه أمام مجلس عُمان بتاريخ 12 نوفمبر
2012م، ودعا إلى مُراجعة سياسات التعليم، وخططه، وبرامجه، وتطويرها بما يواكب
المتغيرات.
ومُوَاجهة تحديات التعليم اليوم هي بحاجة لوقفة
جادة ومدروسة وفق أسس علمية ومنهجية، ليس من قبل الحُكُومة فقط، بل هي مسؤُولية
مشتركة، يشتركُ فيها كافة شركاء التنمية (الحُكُومة، والقطاع الخاص، والقطاع
الأهلي).
مَحَاور الندوة حملتْ الكثيرَ من التطلعات المُجتمعية
لتطوير التعليم؛ لمواكبة التطوُّرات المتلاحقة والمُستمرة للتكنُولُوجيا والعلوم
واقتصاديات المعرفة، ولعلَّ وُجُود قانُون عصري للتعليم ينظم هذه المنظُومة
المُجتمعية سيُعزِّز هذا الجانب، كما أنَّ توحيد جهة الإشراف على قطاع التعليم،
وإعادة هيكلته ومساراته وجودته، والأخذ بمبادئ حوكمة التعليم، والتركيز على التعليم؛
بهدف صناعة المعرفة سيكُون له أثر إيجابي في الارتقاء بالتعليم، ومخرجاته، وصناعة
المُستقبل.
شُكرًا من القلب لمجلس التعليم، ولوسائل الإعلام
المُختلفة، على مثل هذه الجُهُود الوطنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.