يُشكل الإعلامُ -بمُختلف وسائلة- اليوم، أداةً
فاعلة وجبَّارة في تشكيل وجدان وفكر أفراد المُجتمع، ويعمل بكفاءة غير مسبوقة على
خلق صُورة ذهنية لدى الناس عن الواقع الذي يعيشونه؛ وذلك بحُكم وسائل التواصل
والتكنُولُوجيا الحديثة. هذا الكمُّ الهائل من وسائل وشبكات الاتصال والتواصل جعلتْ
من العالم قرية صغيرة؛ حيث يمكنك التعرف على كل ما يدور في دُول العالم لحظة بلحظة.
ولكنْ: هل كل ما يتم تداوله في هذه الوسائل
الإعلامية صحيح وصادق؟ وهل كل ما يُكتب مُفيد ويخدم توجُّهات الإنسان وقيمه
الكونية؟
لهذا؛ من المُهم جدًّا الوقوف بتأمل على ما يدور
في هذه الوسائل الإعلامية، وكيفية التعامل معها، والمهم جدًّا أن يكُون هُناك توجُّه
مُجتمعي ومؤسسي من أجل تسخير هذه الوسائل لخدمة الإنسان والتنمية، وتبادل المعارف
والحُوار المُجتمعي الهادف، خاصة بين الأجيال؛ لأنَّ ذلك هو الوسيلة الوحيدة للوُصُول
إلى نقطة تلاقي في الرُؤى من أجل صناعة المُستقبل.
كَمَا أن إدراج التربية الإعلامية والمعلُوماتية
ضمن المناهج التعليمية أصبح مطلبًا مُهمًّا ومُلحًّا اليوم؛ فهي وسيلة مُهمة في
تثقيف الأجيال على أهمية التعاطي مع مُختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية
والمعلُوماتية، بطريقة تُسهم في التعامل بإيجابية مع كافة التحديات التي تواجه
العالم اليوم، والعمل على تفادي سلبياتها بطريقة واقعية.
وإِدْرَاج مثل هذه المواد التعليمية في المناهج
الدراسية تنادي به اليوم العديد من الدول المُتقدمة، وقد عملتْ الكثيرُ منها على
تدريس الطلاب في مُختلف مراحلهم الدراسية مبادئ الإعلام وتبادل المعلُومات، وتعمل
على تبصير الناشئة لأهم الإيجابيات والسلبيات للإعلام الجديد.
هُناك من يُنادِي بما يُعرَف اليوم بحُرية الإعلام؛
لهذا تجد لكل من هب ودب يعمل على هَوَاه في تأسيس صُحف إلكترُونية، دُون أي قيود
أو احترام للمبادئ والقيم المُجتمعية، والكثير منها للأسف لها أهداف في إدارة بعض
الصراعات الفكرية والمُجتمعية، وتخدم توجهات أصحابها الشخصية، والكثير مِمَّا
تطرحه يقوم على انفعالات ذاتية، وردات فعل سريعة، دُون أن تتمعَّن في حقائق الأمور
من مصادرها الحقيقية.
التقيتُ، مُنذ فترة، بأحد المهتمِّين ومديري
التحرير لمثل هذه الصحُف، وعندما سألته عن مدى التزام الصحُف الإلكترُونية بأسس
ومبادئ وقيم وأخلاق وميثاق الإعلام؟ قال لي: للأسف، هذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر
في الكثير من التشريعات والقوانين التي تُنظِّم مسيرة العمل الإعلامي في السلطنة،
مِن المُهم جدًّا أن تَخْضَع مثل هذه الصحُف الإلكترُونية إلى قوانين النشر كأي
صحيفة أخرى.
حُرية الإعلام يجب أن تقوم على المسؤُولية الاجتماعية،
وبما يتَّفق مع توجهات التنمية؛ فالحُرية المطلقة للإعلام تعني تشجيع الفوضى، وهذا
له عواقب سيئة على المُجتمع، وتماسكه، والمُحافظة على قيمه وتراثه ومكانته الفكرية؛
لهذا من المُهم جدًّا إدارته بصُورة صحيحة؛ بحيث يراعي قيم ومكانة المُجتمعات، وتوجهاتها
الثقافية والمعرفية، وعلاقاتها الدولية والإنسانية.
يجب أنْ نُدرك أنَّ وسائل الإعلام -على اختلافها- مؤثرة
جدًّا في الرأي العام؛ سواءً كان ذلك الرأي العام السياسي، أو الاجتماعي، أو
الاقتصادي، أو الثقافي، وبما في ذلك أيضًا الرأي العام الداخلي أو الخارجي؛ لهذا
من المُهم جدا التركيز على ما تنشره وسائل الإعلام.
ليس فقط في البرامج الحُوارية، ونشرات الأخبار، والوسائل
المكتوبة، وإنما تلك المسلسلات والفقرات الترفيهية والفواصل الإعلانية، فكلُّ
عبارة أو كلمة تُنشَر عبر وسائل الإعلام يجب أن يُحْسَب لها ألف حساب؛ لما لها من
وقع وتأثير على الإنسان، وفق مرجعيته: الثقافية، والفكرية، والاجتماعية، وتوجهاته
ومعتقداته.
كما أنَّ الإعلام، اليوم، أيضًا يعدُّ وسيلة مُهمة
لكافة المُؤسسات بمُختلف أغراضها وتوجهاتها، بما فيها مُنظمات المُجتمع المدني
والقطاع الخاص والقطاع الأهلي والمُجتمعي؛ بهدف التعريف برؤيتها وإيصال رسالتها
وأهدافها، وكذلك من خلاله يُمكن قياس الرأي العام، والتعرف على الصورة الذهنية لدى
المتعاملين معها عمَّا تقدمه من خدمات في المحيط الذي تعمل فيه؛ فالإعلام يعدُّ
لدى المُؤسسات المتطورة وسيلة مُهمة يُمكن من خلاله بناء العديد من الإستراتيجيات
التطويرية لخدماتها.
سلطنة عُمان، والحمد لله، مُنذ بداية النهضة
المُباركة، قامت على إعلام واقعي ومتوازن، يَرْسِم دائما صُورة متزنة ومشرفة عن
السلطنة، ولقد كان لقائد البلاد المفدى -حفظه اللهُ ورعاه- رؤية إستراتيجية
للإعلام؛ فهو يقول: "في الداخل والخارج، لا بد من كلمة صادقة، من خبرٍ صحيح،
من صُورة مُشرِّفة، تنقل ما يدور على أرض عُماننا الحبيبة، وتعكس الأعمال الجسام، والآمال
الكبار لشعبنا.. هذه الكلمة الصادقة، وذلك الخبر الصحيح، يدخلان إلى بيتنا وبيوت
غيرنا دون إثارة ولا تهويل، دون ضجة ولا إزعاج، نحن نريد أن نعرف أنفسنا ويعرفنا
العالم، كما نحن تماما، ويهمُّنا كثيرا أن يعرف المُواطن العُماني بالذات ملامح
مسيرته الظافرة التي حقَّقها بعزمه وإرادته، وتعاوُنه مع حكومته، فهو أولا وأخيرا
جهاز إعلامي حي، تؤيده الإنجازات العظيمة التي يَرَاها بأم عينيه على ساحة وطنه
الغالي".
هَذِه الكلمات الذهبية يجب أن يَعِيَها كلُّ من
يتعاطى اليوم مع وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام الاجتماعي؛ فهي رؤية ونظرة حضارية،
وفكر مستنير لما يجب أن يقوم به الإعلام في مُختلف الأزمان والأمكنة.. فهل نحن
بالفعل سائرون على هذا النهج؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.