يَسأل صديقَه: سيستم؟
أجابه: قبل أيام طيحنا الضاحية، ورامينا، وبذرنا
القت.
قال له: بعده حر.
رد عليه: تراه دخلت الثلاثين، وتعتبر هذه مائة
الشتاء.
قال له: هذا الزمان تغيَّر. ذيك الأيام مثل هذا
الوقت برودة.
أجابه: ترى الأمور تغيرت.. شتاء زمان يختلف عن
شتاء اليوم. ما تشوف المكاين والليتات وهدير المكيفات وزعيق السيارات، كلها حرارة
في حرارة.. راح زمان الصردة.
انتقل الحديث عن الماء، وكيف الطويان وحال الماء
فيها، ومدى تأثيرها بالملوحة، ومواضيع عديدة شيقة.
كانتْ تلك سوالف جلوسي، اليوم، مع من يمتلكون خبرة
الحياة.
المهم كان حديثهم عن مَوْسم زراعة القت، هكذا نُسمِّيه
محليا.
والقت هو البرسيم.. والقت كلمة عربية فصيحة حسب ما
قرأت.
زمان، يُقال عنه عرق الفضة لدخله الوفير، مقارنة
بتكاليفه، وله نوعان: صوري وحولي، والحولي يعمر مدة أطول وهو أيضًا أكثر جودة،
ويباع القت حتى الآن بالوزن أو بالربطة لأهميته، وعليه إقبال كبير.
وعندَما تُقطع أعواد القت يُسمَّى ذلك بـ"الجزاز"،
ويتم جزاز القَتْ بالمِجَز، وعندما تخضر أعواد القت من جديد يسمى ذلك "نضار".
ويزرع القت عادة في الجلب ومفردها جلبة، وهي عبارة
عن قطعة من الأرض مُربعة أو مستطيلة الشكل، يحيط بها دك صغير من التراب في أضلاعها
الأربعة يسمى "وعب"، عادة يزرع في جانبيه الفجل أو البازري، وتسقَى
الجلب من خلال ساقية من التراب تُسمى "عامد"، وفتحة الماء في الجلبة
تُسمى "صوار".
وعَادةً، يتم هياسة الأرض قبل تقسيمها إلى جلب،
وعملية التقسيم لها طريقة فنية؛ تبدأ أولا بقراز الضاحية، وذلك بآلة تُسمى
المقراز، وهو قطعة خشبية في وسطها عمود خشبي، وفي جانبها الآخر حبلٌ مُثبت في
حلقات حديدية بجانبي تلك القطعة، ويقوم شخصان بالعمل على تلك الآلة بوضع خطوط
تقسيم الأرض؛ فالأول يُمسك العمود والآخر يمسك الحبل، وهكذا يتم ترسيم خطوط
الساقية أو العامد وخطوط الجلب.
وبعد تقسيم الأرض، تبدأ عملية المراماة (تسوية
الأرض) بأداة حديدية تُسمى "الشفطة"، وبعد التسوية يتم نشح بذر القت،
ولها طريقة لا يجيدها إلا ذوو الخبرة، وبعد نضار القت يتم إزالة الحشائش ويُسمى
ذلك "يحش القت"، وذلك بآلة تُسمى "المحلة".
وزراعة القت لها طقوس ومواعيد محددة، وكذلك عند
جزازه، تتجلى فيها روح التعاوُن وتبادل الخبرات والمعارف بين المزارعين، وتشهد
أيام زراعته حركة دؤوبة بين أفراد الأسرة، صغارا وكبارا؛ فالأطفال عليهم حراسة
القت في بداية التسيس (الزراعة) حتى لا تأكل الطيور البذور، ويسمَّى ذلك "ينعج
الطير"، ويستخدم في ذلك جرس أو صوت علبة حديدية (قوطي) أو المقلاع أو النشاب، وهناك من يصنع دمية على شكل إنسان، تسمى "فزاعة"، تصنع وتشكل من جريد النخل وقديم الملابس، تغرس وسط ضاحية القت، لإيهام الطير بوقوف إنسان، خاصة إذا ما حركتها الريح.
والنساء والرجال أيضا عليهم السقي والجزاز وخراطة البذر، وكذلك عليهم مُهمة الدواسة في الجنور؛ أي: فصل بذور القت من السنابل؛ وذلك في نهاية الموسم في فصل الصيف.
قال عن القت أحد الفلاحين العُمانيين:
من خاف من نوب الزمان وعضه... فليزرع القت النظير
بأرضه.
في كل شهر منه تأتي غلة... تُغنيك عن دين البخيل
وقرضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.