البَحر بمِساحته الشاسعة، وأفقه الممتد، وزرقته
الواسعة، وجماله الأخَّاذ، وأمواجه المتلاطمة، الناصعة ببياض لونها كأنها بلُّورات
من الثلج المتراكمة، تتدحرجُ بسكينة إلى البر لتسكن مع أول ملامسة لها للأرض
اليابسة؛ حيث تتعانق الماء بالرمال والصخور عازفة سيمفونية البحر، لتملأ الكَوْن
بسُكون أبدي، يخلد فيها الإنسان وكائنات البحر إلى الهدوء والسكينة وراحة البال
والفكر.
القمر يُرسِل أشعته الذهبية إلى الماء لتنعكس إلى
فضاء الكون فتضيء الأفق، فيما نسيم البحر يلفُّ المكان بهدوء مُتناهٍ، يرسم ملامح
حب أبدي خالد للجالسين على الرمال الفضية الناعمة.
تلمس تلك الرمال لتشعُر بدفء وبرودة، ترسلها
شرايين القلب عبر قشعريرة دافئة إلى كلِّ أجزاء الجسم، فتُلامس المشاعر والوجدان.
تخُاطب البحر بذكريات جميلة مرَّت ومآسٍ حدثتْ، وتنظر إلى الفضاء الصافي؛ حيث النجوم
تتلألأ كأنها حبَّات من الخرز الفضية، مصفوفة بدقة مُتناهية، تتحرَّك في فضاء
الكون بانسجام تام، وبدقة مُتناهية، يوحي إليك كم هذا الكون دقيقا في حركته
الدائبة.
*****
تَسْمَع صوت الموج وهو يتكسَّر أمام صلابة الأرض
والصخور بهدوء، مُحدِثا نغمات جميلة لم تعرفها آلات الموسيقى الحديثة، مَوجة بعد موجة
لا تتوقَّف أبدا، تتأمَّل كم هذا البحر فيه من الأسرار الكبيرة، والمخلوقات
الكثيرة، تجذبك تلك الومضات الفسفورية المضيئة مع نهاية كل موجة على سطح الرمال
الناعمة، تتأمَّل في هذا الكون بهدوء وسكينة، تجعلك تقول شِعرا وكلامًا مُسترسلا، بعيدا
عن الحواجز والقواعد اللغوية.
*****
تتأمَّل تلك القلعة الرابضة على قِمَّة نتوء صخري
في وسط البحر، ضياء القمر قد أكسبها رونقا جميلا، مُشكِّلة مركز قوة وهيبة للمكان،
يُبهرك تصميمها المعماري الفريد، تنظر إليها بشموخ لتوحي إليك بقصص وبطولات مجيدة،
سطَّرها لنا التاريخ بأحرف من ذهب ونور، هكذا كانوا الآباء والأجداد، أصحاب همة
ونشاط وفكر متقد دءوب.
*****
الطيور هي أيضًا تعيش فرحًا باكتمال القمر، ترقُص
طربا وفرحا؛ حيث الأمان والسكينة والهدوء، بيئة فريدة وفَّرتها لها طبيعة المكان،
تصدر بين الحين والآخر تغريدات بصوت هادئ حتى لا تُزعج المارين، تلف بأجنحتها
عصافيرها الصغار، تُطعمها بقبلة طعامًا خزَّنته في معدتها مُنذ الصباح، تُعطِي تلك
الطيور درسًا، كيف هو حنان الأمومة.
*****
تَخْرُج سرطانات الرمل والطين من جُحورها، تلتطم
بموج البحر، تجري مُسرعة نحو الرمال الرطبة، تحفُر في الرمل بيوتا كأنها كُرات
مكتسية بلون الرمل المبلل بالماء، تنظر إلى تلك البيوت الرملية للشناجيب تجدها
ممتدة في نظام غريب.
*****
المَوْج يُرسِل بالماء إلى مسافة أطول من اليابسة،
الماء يغطي بيوت الشناجيب، يكْسَر تلك التلال الصغيرة من الرمل، ويُغلق فتحاتها، مُعلِنا
أنَّ ماء البحر سيغطي المكان، وسيزيل آثار الكائنات مع كل موجة ممتدة.
*****
يتأهَّب الجميعُ للمغادرة وتسجيل الذكريات؛
استعدادًا ليمد البحر سطوته على المكان، ولأنَّ القمر قد أوشك على الغروب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.