الأربعاء، 31 يناير 2018

إعلامُنا.. عهدٌ يتجدَّد

يُشكل الإعلام في هذا الزمن أحد الأركان الأساسية لنهضة وتنمية الأمة؛ فهو غاية ووسيلة مُهمة في غرس القيم ورُقي الفكر وسموِّ الوجدان، ويلعَب دورا مُؤثرا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز اللحمة الوطنية وتنوير المُجتمع، ومَعِينًا في الجوانب الفكرية والتوعوية والتوجيهية والترفيهية، وفي مُختلف الجوانب الإنسانية، وله مُسَاهَمة فَاعِلة في زرع المحبَّة والسلام، وتكوين الصورة الذهنية والفكرية المُشرِقة لحاضِر ومُستقبل الدول؛ فهو انعكاسٌ للمُستوى الحضاري والثقافي والمعرفي للإنسان في أي مكان.
الذي يتذكَّر ويُقارن ما بين الفترة ما قبل 1970م وما بعدها، يُدرِك تماما النقلة الكَميَّة والنوعية للإعلام العُماني، ويستشعرُ جَسَامة ذلك الجهد والعمل الدؤوب الذي بُذِل لتطوير هذا القطاع الحيوي في البلاد. فقبل العام 1970م، لم يَكُن هُناك إعلام يُذكر وفق مفهُومه المُعاصر؛ فكان الإعلام والتواصل الاجتماعي المباشر هو الوسيلة لنقل الأخبار وتبادل الأفكار والمعلُومات. لهذا؛ فكانت الأسواق والملتقيات الإنسانية والاجتماعية هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي يتلقَّى من خلالها الناس كلَّ ما يهمُّ بلادهم وحياتهم؛ لهذا لعبت ما تُسمى "النهمة" أو "الدعوة"، ووسيلة "الطارش" والمساءلة عن العلوم، الدَّور الرئيس لتوصيل الرسائل والأخبار.
ومَع انطلاقةِ النهضةِ المُباركة في العام 1970م، كانتْ الانطلاقة الحقيقية للإعلام المُعاصر؛ فكانت الإذاعة والتليفزيُون والجرائد والمجلات؛ فانطلقت جميعًا في تكامُل وتعاوُن مع مُختلف المُؤسسات لبناء عُمان الحديثة؛ فكان نبراسُها رؤية إستراتيجية حكيمة خطَّها قائد البلاد المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- فوجَّهَها بمقولة خالدة، بقوله: "في الداخل والخارج، لا بد من كلمة صادقة، من خبر صحيح، من صُورة مشرفة تنقل ما يدور على أرض عُماننا الحبيبة وتعكس الأعمال الجسام والآمال الكبار لشعبنا. هذه الكلمة الصادقة، وذلك الخبر الصحيح، يدخُلان إلى بيتنا وبيوت غيرنا دون إثارة ولا تهويل، بدون ضجة ولا إزعاج، نحن نريد أن نعرف أنفسنا ويعرفنا العالم، كما نحن تماما، ويهمنا كثيرا أن يعرف المُواطن العُماني بالذات ملامح مسيرته الظافرة التي حققها بعزمه وإرادته، وتعاوُنه مع حكومته؛ فهو أولا وأخيرا جهاز إعلامي حي تؤيده الإنجازات العظيمة التي يراها بأم عينيه على ساحة وطنه الغالي".
فكَان الإعلامُ كما أراد له سلطاننا المُعظم، وها نحن نجني ثماره بفخر واعتزاز؛ فهو إعلامٌ شعاره دومًا الواقعية والاتزان، وتقديم الخبر والمعلومة بصدق وحياد، وبلا تهويل أو إزعاج، أو شطط أو انحياز؛ فلم ينجرف يومًا مع هذا السيل الجارف من الإعلام عبر الفضاء، والمتقلِّب في كل يوم هو في توجه وشأن وتحركه الأهواء.
لِهَذا؛ يُسعدنا جميعًا أن نسمع كلمات الإشادة بتطور الإعلام العُماني، وما حقَّقه من مُنجزات عظيمة على الصعيديْن: الداخلي والخارجي؛ فهو بحق الذِّراع اليُمنى للثقافة والتنمية في عُمان.
عِنْدَمَا سأل أحد الإعلاميين معالي الدكتُور وزير الإعلام -وفقه الله- عن: ما هو المبدأ الذي يجب أن تُراعيه جميع المُؤسسات الإعلامية في عملها وتوجهها؟ فأجابه بكلمات بسيطة وقصيرة، ولكن لها معانٍ عميقة وسامية، فقال: "المبدأ هو عُمان، كُلنا نُعبِّر عن عُمان بطريقتنا.. نُعبِّر عن هذا الحب الكبير بقضايا بلادنا عبر مُؤسساتنا الإعلامية بشكل عام، وبطاقات إبداعية شبابية عُمانية.. أن ننطلقَ إلى العالم عبر مساحات عُمانية شابة مُبدعة، ترتقِي بالعمل الإعلامي، وتقدم عُمان في أبهى صورها..".
الإعلاميون، وهم يحتفلُون هذا المساء بملتقى الأسرة الإعلامية، فهم بحق يستحقون كل التقدير والشكر والثناء. وحيث إنَّ الاحتفالات هي استراحة ومُراجعة للمنجَز، من أجل شحذ الهمم للانطلاق نحو المُستقبل؛ فإننا نُبَارك لكل المكرَّمين من رواد الصحافة العُمانية، ونهنِّئ جميع الفائزين في مسابقة الإجادة الإعلامية، وممَّن حظوا بجوائز إعلامية عربية وعالمية.
وفِي الوقت ذاته، أعود وأذكِّر بمُقترح قديم تقدَّمتُ به من زمان: لقد حان الوقت لأن يُسْرَد هذا التاريخ الإعلامي في متحف، يحمل اسم متحف الإعلام العُماني، يكُون مقرُّه وزارة الإعلام أو أي مكان آخر، يُعْرَض من خلاله تاريخ وتطور الإعلام العُماني بمُختلف وسائله: المرئية، والمسموعة، والمقروءة، والإلكترُوني، ويحتوي على نماذج من الصُّحُف والمجلات مُنذ نشأتها، وكذلك يضم بعض الأفلام التوثيقية والتسجيلية القديمة، وبعض المعدات المستخدمة في وسائل الإعلام.
هذا المتحف من وجهة نظري، سيكُون له شأن لتوثيق مسيرة مُهمة للإعلام العُماني، وسيكُون مرجعًا للباحثين وطلاب الجامعات، وكذلك يحفظ حُقُوق جُهُود وتاريخ المؤسِّسين للإعلام في عُمان، عبر تاريخها المشرق.
وفَّق الله الإعلام العُماني وإدارته الواعية، وكل العاملين فيه، إلى ما فيه الخير، ورُقي بلادنا الغالية عُمان. فإعلامُنا.. عهد يتجدد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.