تُمثل المرحلة الأولى للتنمية في عُمان في الفترة
من العام 1970م إلى عام 1974م، والتي يُمكن أن نُطلق عليها مرحلة التأسيس والتكوين
لبناء الدولة العصرية. وقد ركزت هذه المرحلة على التسريع في تكوين البنية الأساسية
للتنمية، وتوفير الخدمات الأساسية للمُواطنين كالتعليم والصحة والكهرباء والمياه
والمواصلات، إضافة إلى مواجهة كافة التحديات بتسامح وواقعية، وبحكمة وعقلانية، وبُعد
نظر ورُؤى سديدة بما يُحقق مبدأ الوحدة الوطنية.
وكذلك الانفتاح على العالم الخارجي بتوسيع نطاق
علاقات السلطنة مع مُختلف الدول الشقيقة والصديقة والمُنظمات الدولية، وتأكيد
الانتماء العربي والإسلامي، وذلك على أسس متينة وراسخة، ترتكزُ على مبادئ العدل والسلام
والتعاوُن المشترك والاحترام المُتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير،
والالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية، والعمل على حل الخلافات الدولية بالحُوار
والحكمة، وعلى أساس مبدأ لا ضرر ولا ضرار. كما استطاعت السلطنة من خلال مُفاوضات
هادئة وعقلانية وواقعية إنهاء كافة الخلافات العالقة بشأن الحدود البحرية والبرية
مع كافة جيرانها، وقدمت بذلك أُنمُوذجًا راقيًا في تحسين وتطوير علاقاتها مع كافة
دُول العالم.
كما تُمثل المرحلة الأولى من عُمر النهضة
المُباركة البداية الحقيقية للتشريعات الحديثة في سلطنة عُمان، وذلك من خلال
صُدُور أول مجمُوعة من القوانين التي تحكم العلاقات الإنسانية والأنشطة المُختلفة
في الدولة وترسيخ مبادئ الحق والعدالة، إضافة لوضع قواعد راسخة لتنظيم مسيرة العمل
الوطني في البلاد، وتجلى ذلك في إنشاء أهم مكونات السُلطة التنفيذية للجهاز
الإداري للدولة، والتي تُمثلت في: تشكيل مجلس للوزراء، وتأسيس العديد من الوحدات
الحُكُومية، وتطوير أجهزة الدولة ووظائفها المُختلفة (المدنية، والأمنية، والعسكرية)،
وركزت هذه المرحلة أيضًا على استيعاب الموارد البشرية العُمانية، وتأهيلها لتحمل
مسؤُولية التخطيط والبناء.
وفي العام 1975م، بدأت النهضة المُباركة مرحلتها
الثانية في طريق تحقيق التنمية الإنسانية، والتي يمكن أن نطلق عليها مرحلة التطوير
والتحديث النوعي والتخطيط المنهجي للتنمية. وإدراكًا لأهمية وُجُود جهاز إداري
عصري وقوي، وقادر على إدارة مسيرة التنمية الإنسانية في البلاد بصُورة تتفق مع
رؤية جلالة السلطان المُعظم لبناء حُكُومة عصرية، فقد أصدر جلالته مرسُوما سلطانيا
في شهر يناير من عام 1975م، الذي قضى بتشكيل لجنة للنظر في تنظيم الجهاز الإداري
للدولة، والتي كُلفت أيضًا بإعادة النظر في قوانين الخدمة المدنية، وتنظيم الجهاز
الإداري للدولة، وتحديد اختصاصات الوزارات والدوائر الحُكُومية.
وتكللت أعمالُ هذه اللجنة بصُدُور قانُون تنظيم
الجهاز الإداري للدولة بموجب المرسُوم السلطاني رقم 26/75، وهو أول قانُون عصري يُعنى
بتحديد اختصاصات أجهزة السُلطة التنفيذية، والقواعد القانُونية التي يعمل بموجبها
الجهاز الإداري للدولة في السلطنة، واستنادًا لهذا القانُون صدرت العديد من
القوانين الجديدة، واستحدثت مجمُوعة من التشريعات وتم تعديل قوانين قائمة. وتلك
اللجنة أيضًا هي التي صاغت أول قانُون للخدمة المدنية لسنة 1975م، والذي حقق
مشاركة فاعلة في التنمية البشرية وإدارة رأس المال الفكري في البلاد بكفاءة
وفعالية.
كما ركزت مسيرة النهضة المُباركة مُنذ العام 1976م
على الأخذ بمبدأ التخطيط الإستراتيجي الذي يمثل الأداة الرئيسية لبناء الدولة
العصرية وإرساء دعائم التنمية على أسس علمية، وفي هذا الإطار صدر قانُون التنمية
الاقتصادية لسنة 1975م، وعملت السلطنة على وضع الخُطط الخمسية للتنمية، التي بدأت
ملامحها الأولى للسنوات (1976-1980)، وهي أول خُطة خمسية عرفتها السلطنة في
تاريخها القديم والحديث، وذلك وفق مُرتكزات وأهداف محددة، يتم صياغتها من واقع وظرُوف
المُجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
وقد اتخذت السلطنة في هذا الإطار العديد من جوانب
التطوير والتحديث والتغيير في مسار التنمية الشاملة، بالإضافة إلى تكملة مشرُوعات
وبرامج البنية الأساسية للدولة العصرية، وعملت على بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع
وشريك أساسي في تحقيق التنمية الشاملة بجانب الحُكُومة والقطاعات الأهلية. كما
اتسعت أنشطة الدولة في تقديم مُختلف الخدمات للمُواطنين، وذلك وفق خطوات مدروسة
تقوم على المُثابرة والجدية في العمل ومعرفة مُتطلبات الواقع المعاش، والأخذ
بمعايير التحليل والتقييم المُستمر لتلك الأنشطة بهدف التطوير والتحسين لمُستوى
الأداء في مسيرة التنمية الإنسانية المُستدامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.