عندما شرعتْ الشركة المنفذة لمشروع ميناء الصيد البحري عملها في ساحل قُريَّات مع بداية تسعينيات القرن المنصرم، احتار مديرها الإنجليزي في اختيار الجبل الذي ستقتلع منه الصخور، لكي تستخدم في عمليات الردم والبناء ولكاسرات الأمواج. كنت حينها موظفا في مكتب الوالي، فوقع الاختيار على جبل يقع بالقرب من دغمر، من مكان يسمى "النجمية"؛ اقتلعت منه صخور جبلية غاية في الجمال، استخدمت في ردميات ميناء الصيد البحري، الذي كان عبارة عن شاطيء رملي ومجرى مائي للخور.
حافظت تلك الشركة على جمالية مسار ذلك الجبل وتكويناته، بقدر ما تستطيع في عملياتها الفنية والمحجرية، عندما تنظر إلى ذلك الجبل لم ترى فيه أي تشويه في جماله، من دقة عملية قطع الصخور. كانت تلك الصخور يكسوها لونٌ بني، ولكن طبيعة البيئة التي نقلت إليها جعلتها تتأقلم مع الظروف الجديدة، فكلما غمرتها مياه البحر وجدتها خضراء مائلة إلى اللون الرمادي، وعندما ينحسر عنها الماء تكسبها أصداف البحر (الدوك) لونا أبيض يشع بالجمال.
وفي السنوات الأخيرة، نبتت بين هذه الصخور الجميلة شجيرات رائعة المنظر من أشجار الغاف، تذكرنا بأصل بيئتها الطبيعية التي نقلت منها، بعضها حنى عودها الغض ريح الشمال والنعشي، تجاه اليابسة مقبلة للأرض، وكأنها تقول: "إذا هبت الريح، فكل الكائنات تنحني لها وتطيع".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.