الأربعاء، 8 يونيو 2022

"مباروكي".. فاكهة السوق القديم وبهجته

ظلَّ "مباروكي" وفيا لسوق قريَّات القديم، طوال حياته، لا ينقطع عنه، فما إن يغيب حتى يظهر من جديد في أروقة السوق، أحبَّ الناس في السوق وأحبُّوه وقدَّروه، لم يستخف به أحد من مرتادي السوق، لكونه يعاني من مرض نفسي أو جنون، فمهما كانت تصرفاته وأفعاله، فهو بهجة السوق أينما حل.
يقطع المسافات الطوال من ولاية صور في شرقية عُمان ليصل إلى ولاية قريَّات، يهوى أن يقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام، لا يكل ولا يمل ولا يتعب من المشي، خطواته سريعة كأنه غزال.
كان مميزا في طريقة لباسه، وفي لهجته وطريقة كلامه، على لسانه تنساب الطرفة عذبة، والبسمة صادقة، والأخبار سعيدة، يمتلك بنية مخيالية رائعة خارجة عن المألوف، فيسرد أجمل الحكايات، كان قادرا على امتاع مستمعيه بمشاعر مرهفة دون أن يعي ذلك، أو أن مستمعيه هم لا يعوا ذلك، كان لا يعبأ بما يدور حوله من هموم الحياة ومنغصاتها، كان سعيدا دائما لا يشكو من شيء، فصدق المثل القائل: إن المجانين في نعيم.
فأول ما يصل "مباروكي" إلى السوق القديم، حتى يدخل دكان الوالد الشيخ سالم بن سعيد البلوشي -رحمه الله- فيحتل مقعده أمام مكتبه، كان الشيخ سالم البلوشي محبا للناس، منشرح الصدر، واسع البال، كثير الاحتمال، كريم الخصال، لكل من زاره ولفاه، فيرحب به ويكرمه غاية الإكرام، فيضل "مباروكي" متأملا الوجوه في السوق، وفي حديث متواصل مع من حضر إلى الدكان، حتى يحل المساء.
عندها يحل "مباروكي" ضيفا مع الشيخ سالم في بيته، فقد خصص له غرفة، يأوي إليها متى ما حَلّ زائرا لسوق قريَّات، كان -رحمه الله- يوصي أولاده أن يكرموه وأن لا يشعروه بنقص في أي شيء، فتوفر له كل سبل الراحة والأمان، فيعيش إنسانا معززا مكرما كأنه بين أهله، حتى يقرر هو بنفسة العودة إلى دياره في صور.
ذات يوم زار "مباروكي" قريَّات، فجال في سوقها ومعالمها، فودع الأحباب والأصحاب من معارفه في سوق قريَّات القديم بطريقته، فقرر العودة من حيث أتي، فظل يمشي ويمشي كعادته بخطوات سريعة، فإذا بسيارة غشيمة تدهسه على الطريق، فشهق شهقة ترددت في الأرجاء، ففارقت روحه جسده، ليودع مبارك أو "مباروكي" -كما يلقب- الحياة، فحزن عليه الجميع، لقلبه النقي، وروحة المتجددة الصافية، ومشاعره الطيبة المرحة، ففقد سوق قريَّات أيقونة باذخة الجمال من ذاكرته الذهبية.
نسأل الله له الرحمة الواسعة في هذه الأيام المباركة.
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.