المُتَأمِّل فِي حَرَكة الكَوْن الذِي نَعيشُ فِيهِ، يَجِد أنَّه قَائِمٌ أسَاسًا عَلَى عَمَليَّة التَّكَامُل، وهَذَا التَّكامُل قَائمٌ أيضًا على مُرتَكَزٍ أسَاسيٍّ وهُو النِّظَام، كَلٌّ يُؤدِّي دَورَه وِفقَ مَسِير مُحدَّد، بِلَا مُسَابَقة، ولا تَعدِيَ، ولا تَزَاحُم، وإِنَّما تَكامُل وتَعَاون مِن أَجْل تَحقِيق هَدَف مُشتُرك وغَايَة وَاحِدة.
الكَثِير مِن عُلمَاء الإِدَارَة وفُقهَاء القَانُون فِي هَذَا العَصْر يُؤكِّدُون على مَنهَج جَدِيد ضِمنَ تَوجُّهَات المَدَارِس الإدَاريَّة فِي الفِكْر الإدَاريِّ الحَدِيث؛ بِمَا يُسمَّى بمَدْرَسة النُّظم، وَهِي فِي حَقِيقتِها مَدْرَسة إسلَاميَّة أَصِيلَة تَغافَلنَا عَنهَا كَثِيرًا، ورَكَّز عَليهَا الغَرْب، واستَفَاد مِنهَا أيَّمَا استِفَادة، وهَذَا الفِكْر يَقُوم عَلى أنَّ أيَّ كِيَان فِي الحَيَاة هو عِبَارة عَن عَنَاصِر مُتَرابِطة ومُتَدَاخِلة ومُتَفَاعِلة فِي بَعضِها البَعْض، تَسعَى جَميعُها لتَحقِيق هَدَفٍ مُشتَرَك، وإنْ تَفَاعَل أيُّ جُزءٍ مِن هَذِه العَنَاصِر (سلبًا أو إيجَابًا) سَيَكُون لَه تَأثيرٌ عَلَى كَافَّة العَنَاصِر الأخرَى المُكوِّنة لهَذَا الكِيَان؛ بمَعنَى أنَّ هَذَا التَّأثِير سَوف يَنعَكسُ أيضًا عَلَى النَّتَائج النِّهائيَّة لِهَذَا الكِيَان، وَلَا يَنجَح هَذَا الكِيَان فِي تَأدِية مُهمَّتِه إلَّا برُوح التَّعَاون والتَّكَامل بَيْن جَمِيع أجزَائِه.
ولتَقْرِيب هَذَا المَنهَج، نَنظُر مَثلًا إلى جِسم الإنسَان؛ فهُو خَيرُ مِثَال عَلى هَذَا التوجُّه؛ حَيثُ لَا يُمكِن أبدًا فَصْل دَوْر أيِّ جُزءٍ مِن جِسمِ الإنسانِ عَن غَيرِه، وإنَّمَا هِي عَمليَّة تَكَامليَّة مُستَمرَّة وِفقَ وَتِيرَة مُحدَّدة ونِظَام مُتقَن، يَعملُ بدِقَّة وتَنَاسُق وانسِجَام؛ فَإذِا اختلَّ جُزء مِنه تَأثَّر الكُل.