منقص بلدة منزوية بين شم الجبال، تتوسط قرى بمة وفنس وعمق في ولاية قريَّات، زرتها قبل أيام بصحبة الأخ والصديق ناصر الريامي، فقد مررت عليه للتحية والسلام في بيته بقرية حيل الغاف، فخرجنا معا لمعاينة بعض الآثار القديمة في حيل الغاف والتأمل في بساتينها الخضراء، فذكر لي زيارته لبلدة منقص، فقلت له هيا بنا نزور منقص مرة أخرى الآن.
خرجنا معا مع الظهيرة، فسلكنا الطريق السريع المتجه إلى القرى الجنوبية الشرقية للولاية، دخلنا محمية رأس الشجر، فاستقبلنا الأخ يوسف الغداني، فأصر أن يرافقنا ليعرفنا على قريته الجميلة، تعمقنا بالسيارة في فجاج وادي منقص، فهو يسيل بين جبال جيرية عالية، تنحدر سيوله من جهة قرية عمق، تشكيلات صخرية رائعة في تلك الجبال، لها ألوان ساحرة تأسر الألباب، مررنا بكهوف عديدة ولها حكايات قديمة.
في منقص حياة فطرية -حيوانية ونباتية- كثيرة ومتنوعة، تجد الغزلان بجمالها الأخاذ تنحدر من سفوح الجبال زرافات، تعيش فيها أيضًا الوعول والطيور البرية، وتمتاز بجو لطيف وممتع، يسكنها الهدوء، لا ضجيج ولا صوت في منقص إلا حفيف الريح وتغريدات الطيور.
من معالم منقص البيئية المهمة غار وجبل الملح، توقفنا نتأمل جمال ذلك الجبل، فأخذنا نتذوق ذرات الملح الطبيعي، فكان قديما يعتمد عليه لاستخراج الملح، ويمكن استثماره حاليا في مجال الصناعة والسياحة البيئية، ولعله الوحيد بمكوناته الرائعة في عُمان.
استثمر الإنسان القديم التجاويف والكهوف الجبلية للسكن، فتجد مجموعة من الآثار العمرانية تتناثر في سفوح الجبال، في أحد قمم الجبال تجد علامات صخرية، لها أسطورة قديمة في رفعها، قيل لنا: كانت تستخدم لقياس بداية فصول السنة، باستخدام تقنية حركة ظل الشمس على تلك الصخور، وهي تقنية متقدمة بمقياس ذلك الزمان، وفي منقص أيضًا واحة نخيل باسقة، يرويها نبع ماء جبلي.
منقص أحد الكنوز البيئية في ولاية قريَّات، تستحق أن تكون وجهة للسياحة البيئية والتأملية، ولمحبي الرياضة الجبلية.
بقلم صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.