هذه الأيام تَزْدَهر الأسواق برُطَب نخلة الخصاب؛ وهي آخر النخيل التي نختتم بها موسم القيظ إلى جانب نخلة الزبد... وغيرها من النخيل الوخرة.
قديما.. كان البيدار يشرع إلى جِداد أو صرم عذوق نخلة الخصاب؛ وهي في مرحلة البسر، خاصة في القرى الساحلية.
يتميَّز بِسر الخصاب بلونه وطعمه السكري اللذيذ، كما يقوم الباعة في الأسواق القديمة بتخميلِهِ في محلول ملحي، أو تعليق شماريخ عسقة الخصاب في مخزن مغلق، بهدف تحويل البسر إلى رطب، يُسمَّى حينها "رطب مخمل"، بينما الرُّطب الطازج المخروف من النخلة، يسمونه "رطب امبونة"، وهي ألفاظٌ قديمة، تعدُّ ميتة هذا الزمان لغياب استخدام طرائق تخميل البسر القديمة.
كان الباعة في السوق القديم، يرصُّون رُطَب الخصاب في صوانٍ كبيرة، بطريقة لا تخلو من فن وجمال، ويكيلونه في أكياس ورقية، البعضُ يُشكِّلها على شكل قُمع واسع القاعدة، وفي ذلك إبداع تسويقي جذاب.
كان الباعة أيضًا يُردِّدون في نداءاتهم على الرُّطب كلمات وجملًا نثرية متناسقة، لها لحن موسيقى مُؤثر، وقيمة تسويقية وأدبية راقية.
عِندَمَا شرعتُ في الطبعة الثانية من كتاب "قريَّات.. ملامح من التراث الزراعي والبحري"، حرصتُ على تناول ذاكرة السوق القديم في فصل مُستقل، ورصدتُ من خلاله الذاكرة الاقتصادية والثقافية للسوق ورواده، وكذلك أدواره الإعلامية، بمقياس وظروف ذلك الزمن، بما في ذلك نداءات الباعة كقيمة تسويقية وترويجية وثقافية وأدبية وفنية، وكنوع من الاتصال والتواصل والتفاعل الإنساني المباشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.