في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ومع حصولي على رخصة سياقة السيارة، كانت لي أول زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتحديد إلى إمارة دبي.
كنت مرافقا للصديق والأخ راشد الفزاري، حيث كان يمتلك شاحنة نقل كبيرة، كان يعمل في استيراد الثلج والتمور، وكذلك في مجال استيراد الديزل وسياجات أو شبك المزارع والأثاث... وغيرها من الأدوات الكهربائية والإلكترونية.
كان حينها أيضًا سيدي الوالد لديه محلا تجاريا على الشارع العام، لممارسة بعض الأنشطة التجارية في مجال المواد الغذائية ومواد البناء والأثاث والأدوات الكهربائية والإلكترونية، فكنا نستورد بعضها من دبي عن طريق الأخ راشد الفزاري.
في ذلك الوقت كان الشارع المؤدي إلى دبي يتكون من حارتين ومظلم، فكلما تعب راشد الفزاري من السياقة، توليت عنه مهام السياقة، على الرغم من صعوبة ذلك، فكان بمثابة تعلم وتأمل لتلك الطرقات الطويلة.
كنا نقضي الليل ونبات في بيت والده في قرية مخيليف بولاية صحم، ثم نقصد ونشوم إلى دولة الإمارات مع بزوغ الفجر، فتمضي علينا عدة أيام هناك في دبي لإنهاء عمليات شراء البضاعة وتحميلها، وكان مكان إقامتنا في دبي بفندق عُمان.
وبعد ما فتح صديقنا راشد محله التجاري، توسعت تجارته، فكنت وأصدقاء عونا له في العمليات الحسابية وتسجيل مشتريات العملاء، من بينهم: سالم بن عبدالله السلماني وسالم بن زايد الوهيبي -رحمه الله- وغيرهم، لم نكن نتقاضى منه مقابل، وإنما ذلك بحكم الصداقة وصلة الرحم التي تربطنا مع والدته –رحمها الله.
مع زيارتي المتكررة للإمارات، هالني ذلك التطور الكبير والمتسارع الذي تشهده مدنها الجميلة، كانت حكمة وإرادة الشيخ زايد -رحمه الله- قد نقلت بالإمارات إلى مصاف الدول الراقية والمتقدمة في مجال الخدمات والبنية التحتية، كان قائدا استثنائيا في عالمنا العربي.
في العام 2011م، كنت في دورة تدريبة في المملكة المتحدة، ومع عطلة عيد الميلاد في شتاء قارس، تقرر عودتنا إلى السلطنة لقضاء تلك الإجازة في عُمان، على أن نعود بعد الإجازة لمواصلة مهامنا التدريبية، كان حجزنا على متن طيران الاتحاد، ومع نزولنا في مطار أبوظبي الدولي، ولا يخلو من ذكاء تسويقي، سمح لنا قضاء بعض الوقت في المطار لتغيير الطائرة، تمهيدا للسفر إلى مسقط، كان مطار أبوظبي بمثابة مدينة عالمية، والتجول في معالمه بمثابة سياحة بحد ذاتها، كانت كلمات الشيخ زايد –رحمه الله- المرسومة بعناية فائقة على جدران قاعات المطار، لها وقع إنساني ووطني على الإنسان، فهو المؤسس الحكيم للإمارات الحديثة.
معالم المطار، أخذت منا وقتا في التجوال والتأمل، ومع وصول وقت رحلة العودة إلى مسقط، توجهنا إلى البوابة المحددة لنا مسبقا في بطاقة ركوب الطائرة، فقيل لنا: قد تم تغيير مكان إقلاع الطائرة من المطار الجديد إلى المطار القديم، لكون الطائرة التي سوف تقلنا تكون أقل حجما، نظرا لقلة الركاب، وكان الوقت حينها بعد منتصف الليل، وكنا مرهقين ومتعبين من رحلتنا الطويلة من لندن إلى أبو ظبي، فهرعنا نجري لنلحق الطائرة في مربضها في المطار القديم.
ومع وصولنا إلى البوابة، وركوبنا للحافلة، التي سوف توصلنا إلى مدرج الطائرة، عبرنا عن استيائنا لما حدث من تضارب في تحديد مكان صعودنا للطائرة، أقلتنا الطائرة في أمن وراحة، ووصلنا بحمد الله إلى مطار مسقط بسلام مع بزوغ الفجر، فقضينا الإجازة في وطننا ومع أهلنا في بهجة وسرور.
بعد انتهاء مدة الإجازة المقررة، عدنا إلى لندن لنواصل المشوار، فكان سفرنا أيضًا على طيران الاتحاد، فنزلنا مدينة أبو ظبي الجميلة، وأثناء استراحتنا في قاعة المطار، في انتظار المناداة علينا لركوب الطائرة، قيل لنا أنا والصديق والأخ راشد الريامي: عليكما الانتظار قليلا حتى يصعد جميع الركاب إلى داخل الطائرة، عندما سمعت هذا الكلام، ساورني بعض الشكوك من هذا الأمر، فقلت في نفسي: لعلهم انزعجوا من عتاب المحب للمحب، وما هي إلا دقائق فإذا بطاقم الطائرة ينادينا بابتسامة وترحيب، للصعود إلى الطائرة، فقيل لنا حينها: لقد تم ترقية درجة سفركم من الدرجة السياحية إلى الدرجة الأولى في الطائرة، فشعرنا حينها بقيمة خدمة العملاء.
القارئ الحصيف للتاريخ الثقافي والاجتماعي والسياسي بين سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمتأمل بعمق في حجم التبادل التجاري بين عُمان والإمارات، يجد ملامح قوة ومتانة وأهمية العلاقة الأخوية والاقتصادية بين البلدين والشعبين الشقيقين.
لقد أثلج صدري الاستقبال الاستثنائي المهيب لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق –حفظه الله ورعاه- لأخيه ضيف عُمان الكبير الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، فيحق بنا كمواطنين أن نفخر بما تحقق بين بلدينا، وأن نعمل في المستقبل على تطوير هذه العلاقة الخاصة والأخوية وتفعيلها، خاصة في المجال الثقافي والاستثمار الاقتصادي، وبما يحقق رؤية وتطلعات قيادتنا الحكيمة، وآمال المواطنين في كلا البلدين.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.