الخميس، 23 أكتوبر 2025

شخصيات لا تغيب عن الذاكرة

وَثَّق الدكتور عبدالله بن عباس بن أحمد، رئيس بلدية مسقط السابق، تجربته القيادية والإدارية الثرية بالإنجاز والتميز في كتاب صدر قبل فترة. تستحق هذه التجربة، المليئة بالتفاصيل، القراءة والمتابعة، ويمكن الاستفادة من إيجابياتها في تطوير العمل البلدي بمختلف محافظات سلطنة عُمان ؛ إذ قدم هذا الرجل خدمات جليلة للبلدية، وله خصائص إدارية ينبغي للجميع الاستفادة منها، وعلى رأسها ما يُعرف اليوم بـ"الإدارة بالتجوال"؛ فهو يتميز بتطبيق هذا المفهوم في إدارته، وله نجاحات باهرة غير خافية على الجميع في هذا المجال.
لقد عاصرتُ وتابعتُ تجربة هذا الرجل الوفي لوطنه، والمخلص لسلطانه، والمحب لعمله ومجتمعه. ومن الذكريات التي عاصرتُها لهذه الشخصية القيادية العاشقة للعمل الميداني، أنه عندما صدر قرار تبعية بلدية قريات إلى بلدية مسقط عام 1991م، وكان المهندس الدكتور عبدالله بن عباس رئيسها حينذاك، كان أول مشروع ينفذه هو حديقة الشهباري. وعندما اجتمع به الأهالي للمطالبة بحديقة أكبر، تجاوب معهم فكان متنزه البحيرة، ومتنزه الصيرة، ومتنزه هوية نجم، ومشروع السوق القديم، وغيرها من مشاريع البلدية.
وعندما وقع الحادث الذي ألمّ بالفريق المُعاين لمسار طريق جبال سلماة وتعب، والذي كان يرأسه نائبه الأستاذ حسين سعيد -رحمه الله- ومعه الوالي وعدد من المديرين العامين، وكنتُ ضمنهم، وجدنا عبدالله عباس في الموقع والميدان في الساعة السابعة صباح اليوم التالي ليطمئن على سلامة الجميع. وبفضل جهوده وتعاونِه وتفهُّمِه لمعاناة السكان، تم شق ذلك الطريق رغم وعورته وصعوبته. كما كان لعبدالله عباس دور رئيسي في شق طريق وعر لقرية سوقة وغيرها من القرى الجبلية. عندما يزور الولاية في أيام عمله، قد تجده في مقر البلدية في الصباح الباكر، يستمع للناس بتواضع وينظر في مطالبهم بمحبة.
ومن الذكريات الجميلة التي نحتفظ بها لهذا الرجل الطيب، تلك التي تعود إلى فترة عضويتي في مجلس إدارة نادي قريَّات. ذهبنا -أنا وبعض أعضاء مجلس الإدارة- إلى مكتبه برفقة مواطنين من ولاية السيب، وذلك لطلب رصف ملعب لكرة اليد والطائرة في المبنى القديم للنادي بالساحل، فقد استقبلنا الرجل بابتهاج وترحاب.
فبادر المواطنون بشرح مشكلة تخص البلدية في السيب، حيث قالوا: "لقد زرناك سابقاً ووعدتنا بمعاينة الموقع، ولكن لم يتصل بنا الموظف المختص من مكتبكم حتى الآن لتحديد موعد الزيارة". رد عليهم الرجل قائلاً: "أنا شخصياً وقفت على المكان، وتم حل الإشكالية على الفور"، غادروا مكتبه مبتهجين ومسرورين.
وعندما حان دورنا لعرض مطلبنا، سألنا: «لماذا لم تتحدثوا بخصوص هذا المطلب إلى مدير البلدية؟». شرحنا له ما حدث، فبادر بالاتصال بمدير البلدية هاتفياً، وتحدث معه بلهجة حاسمة حول مشاريع متأخرة زارها بنفسه في قرى الولاية، ثم أمر فوراً بتلبية مطالب النادي. سلّمنا الرجل رسالتنا باليد بعد أن علّق عليها، لتوصيلها إلى بلدية قريَّات، فتم إنجاز مطلبنا في غضون أسبوع.
وخلال فترة إعصار "جونو"، زار المهندس عبدالله بن عباس، رئيس بلدية مسقط، الولاية عدة مرات. وقد أبدى موقفاً مشرفاً وسريعاً، يُشكر عليه، حيث سخر كافة خدمات ومعدات البلدية لإعادة الخدمات إلى قرى الولاية. كما كان له موقف إنساني لا يُنسى في قُرى الولاية المتضررة؛ إذ أمر عضو مجلس البلدي ممثل الولاية بشراء مواد تموينية بمبلغ كبير لمساعدة المتضررين من الإعصار. وهذا القرار، الذي أُرى أنه يندرج ضمن ما يُعرف بـ«القرارات الموقفية أو الظرفية» في علم الإدارة وإدارة الأزمات، كان قراراً جريئاً ومُهماً.
لاحقًا، بذل جهدًا جيدًا في متابعة تنفيذ البلدية لعدد من الجسور والعبارات والحمايات على الطرق الرئيسية، بهدف حماية الطرق ومرافقها وتفادي انقطاع حركة المرور أثناء هطول الأمطار وسيول الأودية. شمل ذلك إنشاء عدة جسور في دغمر على مجرى وادي ضيقة، وتنفيذ حمايات في مواقع عدة على مسار وادي المسفاة ووادي مجلاص. كما كانت له جهود ملموسة فيما يتعلق ببناء المساكن التي خصصتها الدولة للمتضررين من الإعصار، حيث مثّلت هذه المساكن نقلة نوعية في حياة سكانها بعد انتقالهم إليها.
نُوجّه كلمة شكر وتقدير لهذه الشخصية الوطنية، ونسأل الله أن يوفقه في حياته ويمتعه بالصحة والعافية.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.