الأحد، 30 ديسمبر 2012

أهمية المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة

لقد شعُرتُ بالسعادة الغامرة بتوجيهات جلالة السلطان المُعظم -حفظه اللهُ ورعاه- لعقد ندوة في رحاب سيح الشامخات بولاية بُهلا، تُعنى بتنمية المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة، تُسلط الضوء على أهميتها ومُساهمتها في تحقيق النمو الاقتصادي، وقُدرتها على توفير فُرص عمل مُتجددة للباحثين عن عمل.
لقد سبقت لي الكتابة في هذا الموضُوع ضمن كتابي المُوجز -أسألُ الله أن ينفع به- في الإدارة المُعاصرة "تجربة التطوير الإداري في سلطنة عُمان أُنمُوذجا"، والذي صدر في العام 2010م؛ تناولتُ من خلاله جُهُود السلطنة تجاه دعم وتشجيع المشرُوعات الصغيرة، وطالبتُ بضرُورة زيادة الاهتمام بهذا القطاع المُهم في الاقتصاد الوطني.
وللتعريف بالمُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة، فقد اعتمدت وزارة التجارة والصناعة في عُمان، مُؤخرا، معايير خاصة في هذا الإطار؛ فهُناك المُؤسسات المُتناهية في الصغر، وهي: تلك الأنشطة الاقتصادية التي تُمارسها أي مُنشأة فردية، أو شركة يتراوح عددُ العاملين فيها ما بين واحد إلى أقل من خمسة أفراد، وتقل مبيعاتها السنوية عن 25000 ريال عُماني.
بينما تكُون المُؤسسات الصغيرة هي تلك التي يتراوح عدد العمالة فيها ما بين خمسة إلى تسعة أفراد، وتتراوح مبيعاتها السنوية ما بين 25000 إلى 250000 ريال عُماني. أما المُؤسسات المُتوسطة فهي التي يبلُغ عدد العاملين فيها من عشرة إلى تسعة وتسعين عاملا، وتتراوح مبيعاتها السنوية ما بين 250000 إلى 1500000 ريال عُماني.
وتُشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 95% من إجمالي المُؤسسات الاقتصادية في السلطنة هي مُؤسسات صغيرة ومُتوسطة؛ وذلك يُعد دلالة على أهمية هذه المُؤسسات في رفد الاقتصاد الوطني وخلق فُرص عمل للشباب. وكثير من دُول العالم جعلت من المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة في قمة أولوياتها ضمن خططها التنموية طويلة المدى؛ فهي تُمثل مُستقبل الاقتصاد العالمي، وعليها مسؤُولية وطنية تجاه استيعاب العمالة الوطنية، وتنشيط رُؤُوس الأموال، كما تُمثل مصدرًا خصبًا للأفكار الجديدة والابتكار، والتحسين المُستمر للخدمات، وخيرُ مثال على ذلك: الصين، وكوريا، وماليزيا.. وغيرها من الدول المُتقدمة.
والسلطنة -ومُنذ إشراقة فجر النهضة المُباركة- أدركت أهمية هذا الجانب، وإذا أمعنا النظر في الشركات الكبيرة والعملاقة في السلطنة، نجدُ أن بدايتها كانت شركة صغيرة أو مُتوسطة، وبتشجيع وتحفيز من الحُكُومة، وبمُثابرة واجتهاد وإخلاص من قبل أصحابها، أصبحت شركات لها كيان في الاقتصاد الوطني.
والقارئ والمُتمعن في أهداف الخطة الخمسية الثامنة، يجد أن هُناك توجهًا من قبل الحُكُومة إلى تكثيف الجُهُود المتصلة بتنمية المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة؛ وذلك من خلال العديد من الخطط والبرامج، وتوفير البنية الأساسية لنجاحها، وتشجيع الشركات الكُبرى على تعزيز ارتباطها بهذه المُؤسسات، من خلال زيادة طلبها على منتجات وخدمات المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة.
اليوم.. الأمر يحتاج إلى تضافُر وتعاوُن كافة قُوى المُجتمع (حُكُومة، والقطاع الخاص، والقطاع الأهلي، ومُنظمات المُجتمع المدني)؛ من أجل تنشيط وتفعيل وتشجيع المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة، ومن المهم بمكان تعزيز الفكر التنموي والاقتصادي ضمن المناهج الدراسية، والتركيز على الجانب التطبيقي لتنمية المهارات، وإكساب المعارف لطلاب المدارس والكُليات والجامعات.
كما من المُهم إنشاء هيئة عامة، أو وزارة، تُعنى بالمُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة؛ بحيث تكُون مسؤُولة بصفة مُباشرة عن وضع خطط إستراتيجية لتفعيل مثل هذه المُؤسسات، وتشجيع أفراد المُجتمع للاقبال عليها، إضافة إلى أهمية وُجُود مرجعية واحدة أو محطة واحدة فيما يتعلق بتقديم التمويل المالي والدعم الإداري والتنظيمي لمثل هذه المُؤسسات، بدلًا من تشتت الجُهُود، والإجراءات المُعقدة.
إنني على يقين بأن الندوة التي سوف تُعقد قريبًا لتنمية المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة، ستكُون لها نتائج إيجابية تجاه تنمية الاقتصاد الوطني، الذي نعول عليه جميعًا في تحقيق تنمية إنسانية مُستدامة وعادلة، بفضل قيادتنا الحكيمة.. وفق اللهُ الجميع لما فيه خير هذا الوطن. واللهُ من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.