الخميس، 30 نوفمبر 2017

سِدرة مسجد السوق

شجرة مُعمِّرة مُنذ مئات السنين؛ ذاكرة إنسان ومكان.. تحت ظلها استراحة للكائنات، كانت يومًا معملا لوشارة البدانة والهواري، من تحت ظلها تزف البدانة بعد أن يضع القلاف لمساته الأخيرة على الدقل والسكان، يحمل البدن على أكتاف الرجال وسط زفة من الفرح والغناء، كأنَّ عريسًا يُزف في يوم عرسه.. وما إن تلامس ألواح البدن ظهر اللواسي المدعوكة بالودك والشحم، وتبلل ألواحه -المدعوكة بالصل والنورة- ملوحة البحر، يأخذ السكوني مكانه، ويعلي النهام بصوته الشجي "أوه يا مال"، فيما يتكتف النوخذة سباعيته ملوِّحا بيدية، معلنا رفع الشراع، وبداية الموسم والسفر نحو العالي، بحفظ الواحد المنان.. بعد أنْ ملأ البحارة الخن باللوما العُماني، والفندال، والمريمبو، والزيتون، والبيذام، والفُرصاد، وحطب السمر، وقلات القت، والملح القُرياتي، والنورة القُرياتية، والتُشيريه، والمالح، والعوال، وأمبا الحلقوم والكبد والخوخ والدودي (أمبا قُريات)... تقف هذه السدرة اليوم وحيدة تقاوم قسوة الزمن وشيخوخة العمر، وعلى الرغم من ذلك فهي تفوح عطرا من زهرها الفواح؛ لتعطينا نبقا حلوَ المذاق عمَّا قريب، فها أنا أسرد حكايتها ليتذكرها ويحافظ عليها الأجيال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.