هذه بعضُ الذكريات، والمشاهد، والانطباعات، والمشاعر الشخصية، التي واكب بعضُها منظرًا لصُورة التقطتها من البيئة والطبيعة العُمانية، أو ذكرى من التاريخ والتراث الثقافي انطبعت في الذاكرة والوجدان، أو تأثر وانطباع خاص تجاه موقف أو مشهد من الحياة، أو شذرات من رُؤى ونظرة مُتواضعة إلى المُستقبل، أو وجهة نظر ومُقترح في مجال الإدارة والتنمية الإنسانية.. هي اجتهادات مُتواضعة، من باب نقل المعرفة، وتبادل الأفكار والخبرات، وبهدف التعريف بتراثنا الثقافي (المعنوي، والمادي، والطبيعي)، ومنجزنا الحضاري.
الأربعاء، 28 نوفمبر 2018
الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018
ذاكرة
تجربة انتخابات مجلس الشورى مرت بمحطات مشرقة من تاريخ عُمان المعاصر، وقد واكبت بحق مراحل تطور التنمية الإنسانية في السلطنة، والقارئ الحصيف لهذه التجربة يجد إنها قد رسمت بحكمة ووعي مدروس، تتناسب مع كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع وتقدمه، وقد شقت هذه التجربة العُمانية طريقها بتطور وثبات راسخ في كل تفاصيلها التشريعية، والإجرائية، والتنظيمية، وكان لي اجتهاد متواضع في رصد تطورها في كتاب –بحكم معايشتي ومشاركتي في مراحلها الأولى- وعنونته "التسويق الانتخابي بوابة النجاح في الانتخابات.. إضاءات على تطور التجربة الانتخابات في سلطنة عُمان، صدرت طبعته الأولى في العام 2011م، والثانية في العام 2015م.
في عام 2007م كان لي شرف عضوية اللجنة الإعلامية الرئيسية لانتخابات مجلس الشورى للفترة السادسة على مستوى السلطنة، وكان التوجه حينها التسويق لتسجيل الناخبين في السجل الانتخابي بعد فترة من تدشينه مع تعميم حق المشاركة في الانتخابات في الفترة الخامسة، لتشمل جميع المواطنين ممن أكمل سن الحادية والعشرين من العمر وتتوافر الشروط القانونية، بعد ما كانت مقتصرة على فئات محددة في الفترات السابقة.
اقترحت حينها أن السجل الانتخابي يجب أن يصل للمواطن لا أن يصل المواطن ليطلب تسجيله في السجل، وهذه غاية وطنية تتطلب جهدا تسويقيا مكثفا للوصول إلى تحقيقها، وذلك ما حصل بالفعل في ظل الإمكانات المتاحة والوعي المجتمعي المتنامي والمتطور من مرحلة إلى أخرى، ومن أجل تحقيق ذلك فقد شكل فريقا –تشرفت بعضويته- زار مختلف محافظات السلطنة وولاياتها، والتقى بالناس مباشرة، وشرح لهم الأهداف والغايات من السجل الانتخابي، متخذا أسلوبا تسويقيا متقدما في توصيل الرؤية والرسالة والأهداف، وكان لذلك فاعلية ملموسة في ظل إمكانات تلك المرحلة.
هذا المساء شاهدت لقاء تلفزيونيا في برنامج "من عُمان" شرح فيه طريقة التسجيل في السجل الانتخابي ممن لم يتم قيده سابقا، وقد سعدت جدا بالتطور الكبير في استخدام التقنية الحديثة في عملية التسجيل في السجل الانتخابي، فقد اختصرت مراحل عديدة كانت معتمدة سابقا، فالسجل الانتخابي قد تم ربطه بالسجل المدني، أو بالرقم المدني لكل مواطن، فما على المواطن إلا نقرة زر من جهاز حاسوبه عبر الانترنت من أجل إتمام عملية تسجيله في السجل الانتخابي.
إذا أمر التسجيل في السجل الانتخابي قد أصبح أكثر سهولة ويسرا، فلا حاجة إلى أوراق ولا وقت، أو تكليف أي شخص –خاصة من ينوي الترشح للانتخابات- لكي يقوم نيابة عنا بإنهاء عملية التسجيل، فهي عملية ميسرة يجب أن تكون نابعة من قناعة شخصية، وعن وعي وإدراك بقيمتها التاريخية، والحضارية، والوطنية، لأن الاختيار الأمثل لمن يمثل الوطن يحدده المواطن بنفسه، وهي أمانة عظيمة، يجب أن توضع في الشخص الجدير بحملها، ففيها مستقبل وطن وتقدم أمة.
وأقول للذين يراودهم حلم الجلوس على مقعد مجلس الشورى ليمثل الوطن والمواطن، من المهم جدا أن يدرك المترشحون القادمون للانتخابات أن الناخب اليوم ليس الناخب في الأمس ثقافة ووعيا؛ ولهذا ينبغي عليهم التسويق لأنفسهم بصدق، وشفافية، ومسؤولية، والعمل على دراسة واقع الناس، والاقتراب منهم بتواضع، وتقدير، وحب، والتعرف على حاجاتهم، ورغباتهم، وميولهم، واتجاهاتهم بصورة تتسم برحابة الصدر، وسعة الأفق لطبيعة الناس وأنماط شخصياتهم المختلفة.
فالمترشح للانتخابات ينظر إليه اليوم كمنتج تسويقي؛ لما يمتلكه من قدرات وخبرات وتوجهات ومهارات وثقافة وفكر، وبما يتضمنه برنامجه الانتخابي من تطلعات يسعى إلى تحقيقها في ضوء احتياجات ورغبات الناس، وتكون معبرة عن آمالهم وطموحاتهم، ومنسجمة مع سياسات وتوجهات وإمكانات الدولة، وذلك وفق أسس منهجية وعلمية.
كما من المهم جدا أن يعي المترشح القادم أن عملية التواصل مع الناخبين لا تتطلبه الفترة التي تسبق يوم الانتخابات؛ وإنما هي عملية تراكمية، يجب أن تتواصل وتستمر قبل وبعد فوزه، لأن لولا الناخب لما استطاع الوصول إلى هذا المركز.
إذا التسويق الانتخابي القائم على الصدق، واحترام ثقافة وقيم المجتمع، هو بوابة مهمة للنجاح في الانتخابات.
تمنياتي للعملية الانتخابية في بلادي النجاح والتقدم والازدهار، ولجميع من ينوي الترشح كل التوفيق والسداد، فتمثيل الوطن هو تكليف ومسؤولية، يقع على عاتق الناخب والمترشح معا، ولا يتحقق هذا الهدف الوطني السامي، إلا بالمبادرة، والمشاركة، وحسن الاختيار. والله من وراء القصد.
الاثنين، 26 نوفمبر 2018
اليابان التي أبهرت العالم
خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية في أواخر عام 1945م منهارة تماما
اقتصاديا، حيث دمرت أغلب مصانعها وبنيتها التحتية، أضف إلى افتقارها للموارد
الطبيعية، ولكن ماذا فعلت اليابان بعد تلك الحرب التي أكلت الأخضر واليابس؟
اليابان عندما وقع لها
ما وقع في تلك الحرب الطاحنة، لم تسخر آلتها الإعلامية والمجتمعية في السب والشتم
والتباكي على الماضي، وإنما سخرت العلماء والمراكز البحثية في دراسة الأسباب التي
أدت باليابان إلى هذا الوضع، ونظرت إلى المستقبل، وعملت على تسخير كل
الإمكانيات لديها لجعل شعوب العالم صديقة لليابان ومحبة لمنتجاتها.
بل رحبت بأحد أفراد الدولة التي دكتها بالقنبلة النووية، المهندس الأمريكي
الملقب بأبو الجودة "ويليام ديمنغ" (صاحب الابتكارات في تطوير الإنتاج
في الحرب العالمية الثانية،التي كانت نتائجها قاسية على اليابان) لتبني نظريته
لتحسين الإنتاجية، وتحقيق الجودة، بما يلبي تطلعات ورغبات العميل أو المستهلك،
بعدما تم تجاهله من قبل الشركات الأمريكية، بل اليابان نفسها خصصت جائزة باسمه،
تمنح للشركات الرائدة في الابتكار وإدارة الجودة الشاملة.
اليابانيون استثمروا في الرأس المال الفكري والمجتمعي، ووظفوا تراثهم
الثقافي والقيم اليابانية في مجال الإدارة والإنتاج، ولعل ما يسمى بحلقات الجودة،
خير دليل على ذلك، فبهذا الأسلوب ابهروا العالم، بل الشركات الأمريكية نفسها أصبحت
تتسابق اليوم إلى استقطاب المناهج اليابانية في مجال الجودة وإدارة الابتكار.
لتصبح اليابان اليوم من بين أكبر الدول الرائدة اقتصاديا، يقول أحد مدراء
الشركات اليابانية عن جدوى طرح منتجات جديدة بصورة مستمرة: إن لم أبتكر وأبدع
فسأصبح تابعا، وأنا أريد أن أكون قائدا لا تابعا
الأربعاء، 21 نوفمبر 2018
الاثنين، 19 نوفمبر 2018
الأحد، 18 نوفمبر 2018
شريط الذاكرة
قبل أكثر من ثلاثة وعشرون عاما.. هذه كلمة ألقيتها بمناسبة تكريم مجموعة من المجيدين، وكذلك تكريم نخبة من الفنانين، نجوم التمثيل والغناء في عُمان، الذين جمعهم عمل فني رائع، غنائي ودرامي، حكى قصة إنسان ومكان، وذلك بمناسبة وطنية عزيزة على قلوبنا جميعا...
السبت، 17 نوفمبر 2018
بمناسبة العيد الوطني المجيد
"إنَّ أرض عُمان
وأهلهَا في القلب والخاطر".
اللَّهم لكَ الحمد والشكر بأنْ أنعمتَ علينا بقائد حكيم، جعل من عُمان
دولة عصرية تتفيَّأ ظلالَ المجد والعزة والفخار.
مسيرةُ النهضةِ المباركة تَحت قيادته الحكيمة تخطُو خُطوات مُتواصلة
بثباتٍ نحو مستقبلٍ مُشرقٍ بإذن الله.. حَفِظ الله عُمان، وقائدها المُلهم الوفِي،
وأهلها الكرام.. وكل عام وأنتم في خَيْر وصِحَّة وسلام.
الاحتفالَات.. استراحةٌ وانطلاقةٌ للمُستقبل
اعتدنَا في قريَّات أنْ يُقام احتفالٌ جماهيريٌّ وخطابيٌّ أمام حِصن
الولاية بمناسبة العيد الوطني المجيد؛ حيث كان يُطلب من كلِّ رئيس مُؤسسة حكومية
بالولاية التحدُّث عن مُنجزات مُؤسسته وخططها المستقبلية، كانتْ حينها تعتبرُ
وسيلةً تسويقيةً وإعلاميةً فاعلة لبرامج التنمية لتلك المؤسسات.
وفِي بداية الثمانينيَّات من القرن الماضي، كُنتُ ضِمن مجموعة من الشباب
نعملُ لتجهيزِ ساحةِ الحفل وتزيينها بالأعلام، وبعبارات كتابيَّة في حبِّ الوطن
وسلطانه، كانتْ الأعلامُ تُظلل المكان بطريقة فنية مبدعة، كانتْ هُناك العديد من
الأقواس تحملُ عبارات وطنية تُغرس على الشارع الرئيسيِّ بأشكالٍ جميلة ومتنوعة، يُسهم
بها القطاع الخاص.
مِنَ الذكريات طَلَب الوالي مِنِّي في ذلك المساء الجميل، أنْ أتحدَّث لتَجْرِبة
جاهزيَّة جِهاز مُكبِّر الصوت، مُعلنًا أنَّ مكتب الوالي قد أتمَّ استعداده
للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، كانَ عُمري حِينها لا يتجاوز الخامسة عشرة، وقفتُ
أمامَ الميكرفون وتحدثت بطريقة عفوية، ولا أدري ماذا قُلت من شِدَّة رهبة
الميكرفون؛ الأمر الذي وضعتُه تحدِّيا للتغلب عليه في المستقبل، وهذا ما حدث ولله
الحمد.
فِي اليَوم التَّالي، استقبلنا طُلاب المدارس في مسيرةٍ طويلةٍ وهم
ينشدون عِبارات بحبِّ وطنهم وسلطانهم، وهناك نشيد كان المعلمون العرب يُلقِّوننا
إياه في السبعينيات، يبدأ: "بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي".
عَادةً ما يتضمَّن الحفل فقرات للفنون الشعبية، وقصائد شعرية مُعبِّرة،
ومُشاركة من شباب النادي، وهم يَرتَدُون ملابسَهم الرياضية، ويكون موقعُهم في
الوقوف أمام طلاب المدارس، يَحملُون الرايات والأعلام وشعار النادي.
وعَلى مَدَى ثلاثة أيام تستمرُّ الاحتفالات، كُنَّا نطبعُ برامج احتفالات
الولاية بالعيد الوطني المجيد على أوراقٍ حريرية تُسمَّى "استنسل"، ومن
ثمَّ نُدخلها في آلةٍ تنسخُ كمية كبيرة من الأوراق، يتمُّ توزيعها على المواطنين
في جميع قرى الولاية، ويكلف بعض الشباب للإعلانِ عن مواقيت ومواقع الاحتفالات؛ من
خلال سيارة تَطُوف القرى والحواري؛ حيث يَقرأ البرنامج في مُكبِّر صوت مُتحرك.
وعَادةً ما يكُون برنامج الاحتفال: في صباح اليوم الأول أمام الحصن، وفي
عَصر ذلك اليوم الاستعراضات الطلابية ومُسابقات رياضية. وفي صباح اليوم التالي
مهرجان بحري يتخلَّله سباق للقوارب التقليدية، وفي المساء حفلٌ مسرحيٌّ لطلاب
المدارس، وفي مَسَاء اليوم الثاني حفلٌ فنيٌّ لشباب النادي.
تِلْكَ الاحتفالات تحضُرها جماهير غفيرة، ويُعدُّ لها جيدًا، وتشعرُ
أيامها بأنَّ هُناك لُحمة مُتعاونة تكسوها وتغمُرها روح وطنية فرحًا ببهجة العيد.
اليَوْم، تغيَّرتْ وسائل التعبير عن الفرح، وكذلك هي الأمكنة، لكنْ تبقَى
تلك الأيام والأمكِنة عَالقة في الذاكرة، والاحتفالات الوطنية هي بحق استراحةٌ وتَذكُّر
للمنجز، ومن ثمَّ الانطلاق إلى المستقبل بثباتٍ وعزيمة وصَبر.
الجمعة، 16 نوفمبر 2018
ذَاكِرة
فِي صَبِيحَة العيدِ أستيقظُ مبكرًا، فأتأبَّط جهازَ التسجيل والكاميرا،
فأصِل إلى ساحة الحَفل أول الناس، وأدير مُكبِّر الصوت على أغاني الصفراوي
الوطنية، وغيره من المطربين الذين غنُّوا للوطن.. كُنَّا نعتمدُ على طلاب المدارس
في تقديم الحفل، فبرَز العديد مِنهم، ويأتي حسن البلوشي وسالم البلوشي... وغيرهما
مِمَّن كان لهم الصوت الإبداعي في ذلك. كُنتُ أقوم بالتغطية الإعلامية للحفل، أسجِّل
الكلمات والقصائد والفنون، وفي غمرةِ الاحتفال اقتنصُ فرصةً من الزمن لأذهب إلى
هاتف ثابت (لعدم وصول الهاتف المتنقِّل بعد) لكي أُرسِل رسالة قُريَّات للإذاعة،
ثمَّ أعودُ والحفل لا يزال مُستمرًا، وما إن ينتهي الحفل، ويعود المحتفلون إلى قُراهم،
وإذا بهم يَسمعُون فقرات حفلهم في المذياع وهم بَعد لم يَصِلوا بيوتهم، كان
بالنسبة لهم فرحة غامرة، وفي المَساء أتوجَّه لجريدة "عُمان" في مسقط
لتوصيل أخبار وصور الفرح في قُريَّات، كانتْ -ولا تزال- لُحمة مُجتمعية من
الابتهاج بحُبِّ الوطن والقائد، والكلُّ كان يُعبِّر عن مشاعر الحب والولاء
والسعادة بطريقته.
الخميس، 15 نوفمبر 2018
شريط الذاكرة
يعود هذا التسجيل إلى أكثر من ربع قرن، وبالتحديد في العام 1993م/ عام الشباب.. ذاكرة القرية التراثية بولاية قريات، تلك اللحمة المجتمعية والشبابية، العاشقة للثقافة والتراث، المحافظة على ذاكرة الإنسان والمكان.. شكلت فكرة تلك القرية نواة مهمة للقرية التراثية في مهرجان مسقط، منذ انطلاقته الأولى في العام 1998م، بحديقة القرم الطبيعية، حيث ما زالت تحافظ على ملامحها وجمالها البهي من سنة لأخرى، وحتى اليوم، وان تغيرت الوجوه، وتجددت الفقرات والفعاليات.. تحية محبة وتقدير لتلك الوجوه المشرقة، التي ما زالت تعطر ذكرياتنا.
الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018
مُجرَّد ذكريات
فِي شِتَاء لَيْس كالعَادة من العام 2011م، عِشتُ في مدينةٍ
بريطانيَّة لفترةٍ جميلةٍ من حَيَاتي، ومَع احتفالاتِ أعيادِ الميلادِ، عُدت إلى عُمان
في فترةِ أحداثٍ اجتاحتْ بَعْضَ الدول العربيَّة، مع خِضَم مُتغيِّرات عالميَّة لَيس
في وجهَتِها رؤيَّة ولا وُضُوح، قرَّرت حينَها -وبمعيَّتِي أحد الأصدقاء- العَوْدَة
إلى الوَطن في إجازةِ أعيادِ المِيلاد هُناك في بريطَانيا ثمَّ نعُود، لم أعتَد
اقتنَاء تذاكِرَ السَّفر على الدرجةِ الأولَى، أو رِجَال الأعمال في رَحَلاتي بالطَّائرة،
حتى وإنْ كانتْ طَبِيعَة السَّفر أو المُهمَّة تمنحُني ذلك، فهِي طَبِيعة في نَفْسِي
ورَغْبة؛ لهَذا لَم أذُق طَعْم خَدَمات الدَّرجة الأولى في حَيَاتي إلا مرَّات مَحدُودة
جدًّا، ولأسباب.
الأولَى: كانتْ في فترةِ دِرَاستِي الجامعيَّة الأولَى أثنَاء
عَوْدتَي من بَيرُوت عبر مَطار البحرين، ثُمَّ مَطار دُبي، ثم مَطار مَسقط، وكان ذَلِك
لمُدَّة دقائق مَحدُودة فقط، عَبْر طيران الخليج؛ وذَلِك قَبل بَيع أو التَّنازل
عن حِصَّة السَّلطنة فيها إلى دَولة خليجيَّة شَقِيقة، فعِند نُزُولنا في مَطار
البحرِين استأذنتُ طاقمَ الطائِرة بالنُّزول لبعَض الوقت للصَّلاة والتعرُّف على
المَطار، وعند عَوْدَتي إلى نَفس الطائرة وإذا بشخصيَّةٍ -قيل لي إنَّها رفيعة- من
دَولة شَقيقة خليجيَّة قد استحوذتْ على مِقعَدي في الطَّائرة بإذنٍ من طَاقِمها،
وهو شَابٌّ من سِنِّي، وتمَّ توجِيهِي حينَها من قِبل طَاقم الطائرة بالجُلوس في
المَقَاعد الخلفيَّة، والتي كانتْ مُخصَّصة في ذلك الوَقت للمدخنين، فرفضتُ حينَها
الجلوسَ هُناك، لأنَّ الدُّخان يُزعجني، وبعد حُوار مع طَاقم الطائرة، قال لي أحدُهم:
"الكَرَاسي كلها وَاحد، هُنا أو هُناك"، فقُلت له: "حسنًا، إذا كَان
هذا رأيك، وأنا لديَّ حَجز على هذا المقعَد من أوَّل رِحلة لي إلى آخر رِحلة، وكان
من الوَاجِب واللياقة أنْ تستأذِنُوني قَبل مَنحه لآخر، فأخذتُ نَفسي، وجلستُ في مَقَاعد
الدَّرجة الأولَى".
لم أتمتَّع بخَدَمات الدَّرجة الأولى إلا بعَرْض واحد: فُوطة
ساخنة أو بَارِدة لتدليك اليَد، فاخترتُ الفوطة السَّاخنة حينها، وعندَما شَاهد مَسؤول
الضِّيافة في الطَّائِرة وجُودي على كَرَاسي الدَّرجة الأولى، عِند مُرُوره على
الرُّكاب لحسَابهم قَبل الإقلاع، قال لي: "لِمَ أنت هُنا"؟! فدارَ
الحديثُ من جَدِيد عن مَا حدث.
فحَاوَل هو أيضًا أن يُقنعني بالعَودة إلى المَقَاعد الخلفيَّة؛
لأنَّ مقعَدي تمَّ منحُه لشخصيَّة أخرى، فقلتُ له: "تقُولون الكَرَاسي كلها وَاحد،
لماذا هَذا الكرسي إذن مُختَلِف؟!"، فقَال لِي: "هَذا كُرسي الدَّرجة
الأولى، وحجزُك على السياحيَّة"، فقلت حينها: "إذَن، أُحِب أن أعُود إلى
مقعدي المُثبت في تَذكرَة سَفَري مِن بِدَاية رِحلتي على هَذِه الطَّائرة"،
عندها استفسرَ قائدُ الطائرة عن سَبَب الحُوار وتأخِير الإقلاع، وعندَمَا عَرف
السبب، قرَّر حينَها أنَّ الحقَّ مَعِي، فتمَّت إعادتِي إلى مِقعدي، وَسْط تصفيقِ
وابتسامةِ وفَرح مِن الرُّكاب، فعرفتُ بعدَها أنَّ هُناك مُحاولات قد تمَّت أيضًا
لنقل آخرين من مَقَاعدهم إلى مَقَاعد أخرى.
أعُود مرَّة أخرى إلى رِحلة بريطانيا في شِتَائها القَارِص
والمُزعِج في ذلك العام 2011م؛ حيثُ أغلقت الكَثِيرُ من المَطَارات والشَّوارع بسَبَب
مَوْجة صَقيع اجتاحتْ أوروبا، وكان حظُّنا سيئًا معهَا، ناهيك عن الأحدَاث التي
اجتاحتْ عَالمَنا العَرَبي، فقرَّرنا حينَها العَودة في إجازةٍ قَصِيرة، فحجَزنا
على طَيران "الاتحاد"، لأنَّه كان الأرخَص، فوصَلنا مطارَ أبو ظبي في سَاعات
مُتأخرة من الليل، على أنْ نركبَ طائرةٍ أصغَر حجمًا من الطائرة التي أقلَّتنا من
لندن؛ بسبب قلةِ عَدَد الرُّكاب المُتوجِّهين إلى مسقط، فقضَينا فَتْرة "الترانزيت"
فِي المَطار بعضَ الوقت للتسوُّق والتأمُّل في التفاصِيل، وأنا في طَبعِي أحبُّ مُشَاهدة
التفاصِيل والتعرُّف على مَعَالم المَكَان مهمَا كانت دَقِيقة، خاصَّة الجوانِب
الفنيَّة والجماليَّة منها، ومَا إنْ حَان وَقْت سَفَرِنا بدقائق، حتَّى توجَّهنا
إلى البوَّابة المُحدَّدة لنا في تَذكرة السَّفر، قِيل لنا حينَها إنَّ مكانَ
الطائرة قد تمَّ تغييرُه من المطَار الجَدِيد إلى القَدِيم، فإِذا بنَا نجرِي في سِبَاق
مع الزَّمن لكي نلحَق الطائرة، فوصَلنا فرَكِبنا البَاص لكي ينقلنَا إلى مَكَان وقُوف
الطَّائرة، فكانتْ المَسَافة مُتعِبة ومُزعِجة وبَعِيدة، فكُنا نلهَث من التَّعب،
وفي الوَقت ذاته عبَّرنا عن استيائِنا لِمَا حَدَث أمام الجميع بكلِّ حبٍّ وصَرَاحة،
فعُدنا إلى الوَطَن مع الفجَر بسَلام.
عند رِحلةِ عَودتنا إلى لَندن وَصلنا مَطار أبو ظبي مع الظُّهر،
فقِيل لنَا أنتُما العُمانيان -أنا وصَدِيقي- عليكُما الانتظار قليلًا حتى يَصْعَد
جميعُ الرُّكاب، وما إنْ حَان مَوْعِد صُعُودنا الطائرة، حتَّى قيل لنا بتِرحَاب
وكَرَم وابتِسَامة: "أنتُما ستكُونَان في مَقَاعد الدَّرجة الأولى"،
فكانتْ رِحلة مُمتِعة، وكراسي عَجِيبة وغَرِيبة، حتى التَّدليك فيها، ويُمكن طيُّها
لكي تَنام، وأكل ما لذَّ وطَاب، وتَرفِيه على آخر مَزَاج، فغفونا على أريكة
الأحلام، وإذا بِنا في مطار هِيثرو في لندن، فقُلت لصديقي: "رأيت كَيف كَان؟
فالحقُّ دائمًا لا يَغِيب.
الاثنين، 12 نوفمبر 2018
الأحد، 11 نوفمبر 2018
الجمعة، 9 نوفمبر 2018
التَّأقلم مع البيئَة
هذه صُخُور جبليَّة؛ اقتُلِعت من جبل بالقرب من دَغمر، من مَكان يُسمَّى "النجمية"،
استُخدمت في رَدْميات ميناء الصيد البحري بساحل قُريَّات في بداية التسعينيات من
القرن المنصرم. كان يَكسوها لونٌ بنيٌّ، ولكن طبيعة البيئة التي نُقلت إليها جعلتها
تتأقلم مع الظروف الجديدة، فكُلَّما غمرتها الماء وجدتها خَضْرَاء مائلة إلى اللون
الرمادي، وعندما يَنحَسِر عنها الماء تُكْسِبها أصداف البحر (الدوك) لونا أبيض يشعُّ
بالجمال.
الخميس، 8 نوفمبر 2018
الأربعاء، 7 نوفمبر 2018
الخميس، 1 نوفمبر 2018
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)