الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

ذاكرة

تجربة انتخابات مجلس الشورى مرت بمحطات مشرقة من تاريخ عُمان المعاصر، وقد واكبت بحق مراحل تطور التنمية الإنسانية في السلطنة، والقارئ الحصيف لهذه التجربة يجد إنها قد رسمت بحكمة ووعي مدروس، تتناسب مع كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع وتقدمه، وقد شقت هذه التجربة العُمانية طريقها بتطور وثبات راسخ في كل تفاصيلها التشريعية، والإجرائية، والتنظيمية، وكان لي اجتهاد متواضع في رصد تطورها في كتاب –بحكم معايشتي ومشاركتي في مراحلها الأولى- وعنونته "التسويق الانتخابي بوابة النجاح في الانتخابات.. إضاءات على تطور التجربة الانتخابات في سلطنة عُمان، صدرت طبعته الأولى في العام 2011م، والثانية في العام 2015م.
في عام 2007م كان لي شرف عضوية اللجنة الإعلامية الرئيسية لانتخابات مجلس الشورى للفترة السادسة على مستوى السلطنة، وكان التوجه حينها التسويق لتسجيل الناخبين في السجل الانتخابي بعد فترة من تدشينه مع تعميم حق المشاركة في الانتخابات في الفترة الخامسة، لتشمل جميع المواطنين ممن أكمل سن الحادية والعشرين من العمر وتتوافر الشروط القانونية، بعد ما كانت مقتصرة على فئات محددة في الفترات السابقة.
اقترحت حينها أن السجل الانتخابي يجب أن يصل للمواطن لا أن يصل المواطن ليطلب تسجيله في السجل، وهذه غاية وطنية تتطلب جهدا تسويقيا مكثفا للوصول إلى تحقيقها، وذلك ما حصل بالفعل في ظل الإمكانات المتاحة والوعي المجتمعي المتنامي والمتطور من مرحلة إلى أخرى، ومن أجل تحقيق ذلك فقد شكل فريقا –تشرفت بعضويته- زار مختلف محافظات السلطنة وولاياتها، والتقى بالناس مباشرة، وشرح لهم الأهداف والغايات من السجل الانتخابي، متخذا أسلوبا تسويقيا متقدما في توصيل الرؤية والرسالة والأهداف، وكان لذلك فاعلية ملموسة في ظل إمكانات تلك المرحلة.
هذا المساء شاهدت لقاء تلفزيونيا في برنامج "من عُمان" شرح فيه طريقة التسجيل في السجل الانتخابي ممن لم يتم قيده سابقا، وقد سعدت جدا بالتطور الكبير في استخدام التقنية الحديثة في عملية التسجيل في السجل الانتخابي، فقد اختصرت مراحل عديدة كانت معتمدة سابقا، فالسجل الانتخابي قد تم ربطه بالسجل المدني، أو بالرقم المدني لكل مواطن، فما على المواطن إلا نقرة زر من جهاز حاسوبه عبر الانترنت من أجل إتمام عملية تسجيله في السجل الانتخابي.
إذا أمر التسجيل في السجل الانتخابي قد أصبح أكثر سهولة ويسرا، فلا حاجة إلى أوراق ولا وقت، أو تكليف أي شخص –خاصة من ينوي الترشح للانتخابات- لكي يقوم نيابة عنا بإنهاء عملية التسجيل، فهي عملية ميسرة يجب أن تكون نابعة من قناعة شخصية، وعن وعي وإدراك بقيمتها التاريخية، والحضارية، والوطنية، لأن الاختيار الأمثل لمن يمثل الوطن يحدده المواطن بنفسه، وهي أمانة عظيمة، يجب أن توضع في الشخص الجدير بحملها، ففيها مستقبل وطن وتقدم أمة. 
وأقول للذين يراودهم حلم الجلوس على مقعد مجلس الشورى ليمثل الوطن والمواطن، من المهم جدا أن يدرك المترشحون القادمون للانتخابات أن الناخب اليوم ليس الناخب في الأمس ثقافة ووعيا؛ ولهذا ينبغي عليهم التسويق لأنفسهم بصدق، وشفافية، ومسؤولية، والعمل على دراسة واقع الناس، والاقتراب منهم بتواضع، وتقدير، وحب، والتعرف على حاجاتهم، ورغباتهم، وميولهم، واتجاهاتهم بصورة تتسم برحابة الصدر، وسعة الأفق لطبيعة الناس وأنماط شخصياتهم المختلفة.
فالمترشح للانتخابات ينظر إليه اليوم كمنتج تسويقي؛ لما يمتلكه من قدرات وخبرات وتوجهات ومهارات وثقافة وفكر، وبما يتضمنه برنامجه الانتخابي من تطلعات يسعى إلى تحقيقها في ضوء احتياجات ورغبات الناس، وتكون معبرة عن آمالهم وطموحاتهم، ومنسجمة مع سياسات وتوجهات وإمكانات الدولة، وذلك وفق أسس منهجية وعلمية.
كما من المهم جدا أن يعي المترشح القادم أن عملية التواصل مع الناخبين لا تتطلبه الفترة التي تسبق يوم الانتخابات؛ وإنما هي عملية تراكمية، يجب أن تتواصل وتستمر قبل وبعد فوزه، لأن لولا الناخب لما استطاع الوصول إلى هذا المركز.
إذا التسويق الانتخابي القائم على الصدق، واحترام ثقافة وقيم المجتمع، هو بوابة مهمة للنجاح في الانتخابات. 
تمنياتي للعملية الانتخابية في بلادي النجاح والتقدم والازدهار، ولجميع من ينوي الترشح كل التوفيق والسداد، فتمثيل الوطن هو تكليف ومسؤولية، يقع على عاتق الناخب والمترشح معا، ولا يتحقق هذا الهدف الوطني السامي، إلا بالمبادرة، والمشاركة، وحسن الاختيار. والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.