هَذِهِ الأَشْجَار الكَثِيفَة المُتراصَّة، التِي تَعْتَصِر أَغْصَانها بالخُضْرَة اليَانِعة فِي هَذَا الصَّيف المُنعِش بالخَيْرَات، لَهَا ذَاكِرة إِنسانيَّة قَدِيمَة، مَلِيئَة بالحُزن والألَم، قَد لَا يُدرِك قِيمتَها ومَكَانتَها وتَارِيخَها جِيلُ هَذَا اليَوم، الذِي يَنْعَم بأرقَى الخَدَمَات الصِّحيَّة طَوَال عُمرِه.. كلُّ غُصنٍ مِن هَذِه الأشجَار بمَثَابَة سِجلٍ تَاريخيٍّ، يَنطِق بذَاكِرة إنسَان، كَان المَرَض يَنْهَش أَعضَاء جِسمِه حَتَّى المَوْت.
تُسمَّى هَذِه الأشجَار «غَاف المَرضَى»، وكَانَت قَبل العَام 1970م بمَثَابة مَكَان نَائِي يَبعُد عَن المَدِينَة، والمرضَى هُم الأَشخَاص الذِين ابتَلَاهُم اللهُ بأمرَاضٍ مُعدِية كالجُدِري والجُذَام والسُّل، والوَاحِد مِنهُم كَان يُسمَّى بالدَّارِجَة «مَرضِي»؛ حَيْث لَم تَكُن أيَّامها سُبل العِلَاج مُتوفِّرة، كَمَا هِي عَليهِ اليَوْم، وإنَّمَا العِلَاج الشَّعبِي هُو السَّبِيل الوَحِيد للنَّجَاة مِنَ المَرَض.. كَانَت السُّفن الرَّاسِية فِي المِينَاء مِن مُختَلف البُلدَان، هِي إِحدَى أَسْبَاب انتِشَار مِثل هَذِه الأمرَاض بَيْن النَّاس؛ حَيثُ كَانَت تَنتَقِل الكَثِير مِنَ الأَمرَاض عَبْر الرُّكاب.
كَانَت هَذِه الأَشجَار المُورِقة حِينَها بمَثَابة المَحجَر الصِّحي لِمَن يُعَانِي مِن مَرَض مُعدٍ، لبُعدِها عَن حَرَكة السُّكان؛ فكَان يُؤتَى بالمَرِيض، ويُترَك وَحِيدًا تَحْت ظِلِّها، ويتمُّ تَزويدِه بالطَّعَام والشَّرَاب فِي مَوَاعِين خَاصَّة، تَكُون بجَانِبِهم طَوَال الأيَّام، ويَظلُّ ذَلِك المَرِيض تَحْت هَذِه الأَشجَار إِلى مَا شَاء قَدر الله، عَافِية؛ أو حتَّى يَحِين أَجلُه المُقدَّر.
فِي بِدَاية الثَّمانينيَّات مِنَ القرنِ المُنصَرِم كُنُت مُوظَّفا فِي مَكْتَب الوَالِي، كَانَت طَبِيعَة عَمَلي استِقبَال طَلَبات النَّاس واحتِياجَاتِهم مِنَ الخَدَمات، ثُمَّ نَعملَ عَلى دِرَاستها وتَحويلِها إلى الجِهَات المُختَّصة بالدَّولَة، دَخَل عَلينَا يَومًا مِمَّن ابتَلاه اللهُ بهَذَا المَرَض فِي تِلك الفَترَة مَا قَبل السَّبعينيَّات، مَا زَالَت آثَار المَرَض تَبدُو ظَاهِرة عَلى أَعْضَاء جِسمِه، فكَانَت لَه حَاجَة، فقَصَد مَكْتَب الوَالِي بهَدَف مُسَاعَدته فِي قَضَائِها، كُنت فِي مَكتَبي، فَإِذَا أُشَاهِد العَسْكَر يَتَراكَضُون هَربًا مِنَ الرَّجُل؛ خَوفًا وخَشيةً مِمَّا فِيه ويُعَانِيه، فعَلِمتُ بالأَمر، وسَألتُ نَفسِي حِينَها: هَذَا الرَّجُل قَد تَرَك مَكَانه النَّائِي مِن أَجْل حَاجة، قَد تَكُون مُلحَّة، فلمَاذَا نَترُكُه؟ ذَهَبتُ إليهِ بنَفْسِي مُستَعِينًا بالله، واستَلمتُ طَلَبَه، ثُمَّ اتَّخذتُ بشَأنِه مَا يَقتَضِيهِ وَاجبُ الوَظِيفة، ثُمَّ عُدت إِليهِ وسلَّمته مُعَامَلته كَامِلة، رَأيتُ عَلَى وَجْهِه مَلَامِح فَرَح لا تُوصَف، عَلَى الرَّغم مِن مُعَانَاة المَرَض، حَمدتُ حِينَهَا الله عَلَى نِعمَة الصِّحَة، ومُنجَزَات نَهضَتِنا المُبَارَكة التِي تَحقَّقت فِي هَذَا القِطَاع.
أَرجُو المُحَافَظة عَلَى هَذِه الأَشْجَار؛ لِمَا لَهَا مِن قِيمَة طَبِيعيَّة، وذَاكِرَة إنسَانيَّة.
تُسمَّى هَذِه الأشجَار «غَاف المَرضَى»، وكَانَت قَبل العَام 1970م بمَثَابة مَكَان نَائِي يَبعُد عَن المَدِينَة، والمرضَى هُم الأَشخَاص الذِين ابتَلَاهُم اللهُ بأمرَاضٍ مُعدِية كالجُدِري والجُذَام والسُّل، والوَاحِد مِنهُم كَان يُسمَّى بالدَّارِجَة «مَرضِي»؛ حَيْث لَم تَكُن أيَّامها سُبل العِلَاج مُتوفِّرة، كَمَا هِي عَليهِ اليَوْم، وإنَّمَا العِلَاج الشَّعبِي هُو السَّبِيل الوَحِيد للنَّجَاة مِنَ المَرَض.. كَانَت السُّفن الرَّاسِية فِي المِينَاء مِن مُختَلف البُلدَان، هِي إِحدَى أَسْبَاب انتِشَار مِثل هَذِه الأمرَاض بَيْن النَّاس؛ حَيثُ كَانَت تَنتَقِل الكَثِير مِنَ الأَمرَاض عَبْر الرُّكاب.
كَانَت هَذِه الأَشجَار المُورِقة حِينَها بمَثَابة المَحجَر الصِّحي لِمَن يُعَانِي مِن مَرَض مُعدٍ، لبُعدِها عَن حَرَكة السُّكان؛ فكَان يُؤتَى بالمَرِيض، ويُترَك وَحِيدًا تَحْت ظِلِّها، ويتمُّ تَزويدِه بالطَّعَام والشَّرَاب فِي مَوَاعِين خَاصَّة، تَكُون بجَانِبِهم طَوَال الأيَّام، ويَظلُّ ذَلِك المَرِيض تَحْت هَذِه الأَشجَار إِلى مَا شَاء قَدر الله، عَافِية؛ أو حتَّى يَحِين أَجلُه المُقدَّر.
فِي بِدَاية الثَّمانينيَّات مِنَ القرنِ المُنصَرِم كُنُت مُوظَّفا فِي مَكْتَب الوَالِي، كَانَت طَبِيعَة عَمَلي استِقبَال طَلَبات النَّاس واحتِياجَاتِهم مِنَ الخَدَمات، ثُمَّ نَعملَ عَلى دِرَاستها وتَحويلِها إلى الجِهَات المُختَّصة بالدَّولَة، دَخَل عَلينَا يَومًا مِمَّن ابتَلاه اللهُ بهَذَا المَرَض فِي تِلك الفَترَة مَا قَبل السَّبعينيَّات، مَا زَالَت آثَار المَرَض تَبدُو ظَاهِرة عَلى أَعْضَاء جِسمِه، فكَانَت لَه حَاجَة، فقَصَد مَكْتَب الوَالِي بهَدَف مُسَاعَدته فِي قَضَائِها، كُنت فِي مَكتَبي، فَإِذَا أُشَاهِد العَسْكَر يَتَراكَضُون هَربًا مِنَ الرَّجُل؛ خَوفًا وخَشيةً مِمَّا فِيه ويُعَانِيه، فعَلِمتُ بالأَمر، وسَألتُ نَفسِي حِينَها: هَذَا الرَّجُل قَد تَرَك مَكَانه النَّائِي مِن أَجْل حَاجة، قَد تَكُون مُلحَّة، فلمَاذَا نَترُكُه؟ ذَهَبتُ إليهِ بنَفْسِي مُستَعِينًا بالله، واستَلمتُ طَلَبَه، ثُمَّ اتَّخذتُ بشَأنِه مَا يَقتَضِيهِ وَاجبُ الوَظِيفة، ثُمَّ عُدت إِليهِ وسلَّمته مُعَامَلته كَامِلة، رَأيتُ عَلَى وَجْهِه مَلَامِح فَرَح لا تُوصَف، عَلَى الرَّغم مِن مُعَانَاة المَرَض، حَمدتُ حِينَهَا الله عَلَى نِعمَة الصِّحَة، ومُنجَزَات نَهضَتِنا المُبَارَكة التِي تَحقَّقت فِي هَذَا القِطَاع.
أَرجُو المُحَافَظة عَلَى هَذِه الأَشْجَار؛ لِمَا لَهَا مِن قِيمَة طَبِيعيَّة، وذَاكِرَة إنسَانيَّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.