وفقَ الدارجة القديمة لدينا، نُطلق الطوي على البئر، وعلى ما ترويه مياهها من ضواحي زراعية في محيطها المكاني؛ وذلك من باب تعميم الجزء على الكل.
وتسمَّى البئر بالطوي؛ لأنها تطوى جدرانها بالحصى بطريقة عجيبة، لا تخلو من فن وهندسة وفكر وابتكار وإبداع.
طوي اسكندر؛ كانت تكسوها نخيل الخنيزي والبوسلا، فيما طوي العناكية -المقابلة لها- معروفة بنخيل القدمي والخمري، وما أدراك ما خمري العناكية، كجودة وطعم وكثافة إنتاج.
طوي اسكندر هي مَرْتع طفولتنا، نأتي إليها مع الصباح الباكر للرقاط، وكذلك للعب لعبة "طلوع النخيل"؛ لكون كرب نخيلها صلبا وقويا، يحفِّز الصغار على تسلق النخلة بسهولة ويُسر، شرحتُ طريقة لعب لعبة "طلوع النخيل" وفوائدها الصحية والفكرية في الطبعة الثالثة من كتاب "قُريَّات.. عراقة التاريخ وروعة الطبيعة".
تلك اللعبة الجميلة، التي اخترعها وصمَّمها الآباء بطريقة إبداعية، لها هدف غير مباشر أيضًا، وهو غرس حب الأرض والنخلة في وعي ووجدان الشباب. ومما يميزها أيضًا أنَّ الفائز في اللعبة يفوز معه الفريق الذي تسلق معه النخيل، بعد قفزه من أعلى جذع النخلة، لتلامس رجله الأرض، ويعانق جسده تِبر التراب، وقوله: "عني وعن رباعتي"؛ بهدف بثِّ روح التعاون والتعاضد بين الجميع.
كانتْ طيور الغربان تَعْشَق نخيل القدمي العوانة في طوي العناكية؛ فهي نقطة تجمُّعها في الصباح الباكر، ومع حلول المساء تسمع نعيقها من مسافة بعيدة، للتخاطُب والحديث مع بعضها عن هموم الحياة وحوادثها، كان نعيقُها كأنه سيمفونية موسيقية تعزفها الغربان لتبهج المكان.
ما يُميِّز طوي العناكية أيضًا أشجار الغاف المعمِّرة في محيطها المكاني؛ فهي خضراء وارفة الظلال، غزتها اليوم السناجب من حيث لا ندري.
لم تعد طوي اسكندر كما كانت، كذلك هي طوي العناكية، ذهبتْ تلك الغملة من النخيل السامقة والأشجار الباسقة، وذهبَ معها أيضًا نعيق الغربان، وما تبقَّى منها تَسْمعُ لها صوتًا حزينًا، كأنه بكاء الحنين.
كتبه: صالح بن سليمان الفارسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.