في سبعينيات القرن المنصرم، عندما انتهت وزارة التربية والتعليم من بناء ثاني مدرسة بولاية قريات في الجنين -التي سميت بمدرسة راشد بن الوليد- تم نقل جميع الطلاب الذكور من المدرسة الأولى في المعلاة إلى هذه المدرسة، حيث تم تخصيص تلك المدرسة للبنات، فسميت بمدرسة رابعة العدوية، فكنا نسمى مدرسة المعلاة بالمدرسة القديمة، ومدرسة الجنين بالمدرسة الجديدة، كانت مدرستنا الجديدة مدرسة واسعة، في فضاء رملي رحب، تحيط بها مجموعة من أشجار الغاف الخضراء المعمرة.
ما يميز مدرستنا الجديدة وجود مرافق حديثة لم نعهدها في مدرستنا الأولى، فكانت الفصول تطل على فناء أمامي في جهتها الشمالية، تم استثماره كملعب لكرة اليد والسلة، ويتوسط ذلك الفناء أيضا خشبة للمسرح، وفي الجهة الجنوبية من الفصول، خصصت مساحة واسعة لملعب كرة القدم، كانت المدرسة حينها تعج بالأنشطة الطلابية، خاصة في مجال المسرح والرياضة، فطبيعة المناهج، وأسلوب وطرائق التدريس، والتعطش لكل جديد، جميعها تشجع وتحفز على ذلك.
في تلك الفترة كانت كرة القدم هي الرياضة "الترند" على مستوى المدرسة، ومع وجود ملاعب جديدة وواسعة في أفنية المدرسة، برزت رياضات جديدة لم نعهدها من قبل، استقطبت اهتمامات بعض طلاب المدرسة، كرياضة كرة اليد والسلة وتنس الطاولة وكرة الطائرة ورياضة الجمباز، ولطلاب المدرسة استعراضات رياضية متنوعة، ضمن برامج احتفالات الولاية بيوم العيد الوطني، وكان ثلة من اللاعبين بملابسهم الرياضية -يمثلون النادي- يتقدمون المسيرة الطلابية التي يقيمها طلاب المدرسة، التي تبدأ من المدرسة وتنتهي أمام الحصن، ومع وصولهم تبدأ برامج وفقرات الحفل، والذي كان يتضمن كلمات خطابية لرؤساء المصالح الحكومية، إضافة إلى فنون شعبية وقصائد شعرية.
في مدرستنا الجديدة في الجنين، برزت مواهب مبدعة في كرة اليد، كانت النواة الأولى لتشكيل أول فريق لكرة اليد في النادي فيما بعد، من بينهم: مصطفى البوسعيدي، وجمال الهوتي، ومحفوظ الفارسي، وناصر الحسني، وجمعة الغماري، وعلي الغزالي، وخميس العلوي، وعبدالله البلوشي، وطالب الشيرازي، ونبيل البوسعيدي، ومحمد السيابي، ومحمد البطاشي، وسليمان الفوري، وعبدالله الفارسي، ونادر البوسعيدي... وغيرهم، تميز هذا الفريق بالانسجام والتعاون، فكان شغفهم هو توسيع قاعدة كرة اليد في الولاية، فنجحوا في ذلك بتشجيع ودعم من النادي.
واصل الصديق وزميل المدرسة عبدالله بن خميس الفارسي، مشوار شغفه وعشقه لكرة اليد، فتدرج فيها من لاعب محترف يشار إليه بالبنان إلى مدرب متمكن وصانع للبطولات، مثل النادي في مواسم رياضية عديدة، وحقق -إلى جانب زملاء له- العديد من النتائج الطيبة، ضمن مشاركات النادي الرياضية على مسار تاريخه الذهبي.
وفي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، تم اختيار عبدالله الفارسي كلاعب أساسي، ضمن تشكيلة المنتخب الوطني لكرة اليد، لما يمتلكه من مهارات وقدرات رياضية، تؤهله لتمثيل السلطنة في مختلف المحافل الرياضية في كرة اليد، فمثل النادي والمنتخب بوفاء ومحبة وإخلاص، كما كانت له مشاركات رياضية وتدريبية، ضمن الفريق المشرف على اتحاد الشرطة الرياضي.
عبدالله الفارسي أيضا أحد الحكام المعتمدين على مستوى السلطنة لتحكيم مباريات كرة اليد، فقد أتيحت له فرص صقل مواهبه وقدراته ومهاراته في مجال التدريب والتحكيم، من خلال التحاقه بالعديد من الدورات التدريبية، سواء كان ذلك داخل السلطنة أو في خارجها، وهو يحمل الإشارة القارية الشاطئية لكرة اليد على مستوى قارة آسيا، وله في مجال التحكيم وإدارة مباريات كرة اليد إنجازات مقدرة، كما شارك في تنظيم وتحكيم بطولات رياضية عديدة لكرة اليد، من بينها: البطولة الأسيوية للألعاب الشاطئية في العام 2010م، وبطولة التصفيات الأسيوية لكرة اليد الشاطئية المؤهلة لكأس العالم في العام 2011م، وبطولة كأس العالم لكرة اليد الشاطئية المقامة في المصنعة في العام 2012م، وشارك أيضا بكفاءة وفاعلية في دورة الألعاب الشاطئية الخليجية الثانية المقامة في دولة قطر في العام 2015م.
في التسعينيات تم استقطابه ضمن فريق مجلس إدارة نادي قريات كرئيس للجنة الرياضية، بمشاركة صديق المشوار في العمل الرياضي محمد الجهضمي، فشكلا ثنائيا مبهرا في إدارة دفة اللجنة الرياضية، فكان عملهما يقوم على رؤية واضحة وأهداف طموحة، وفي فترة توليهما قيادة اللجنة الرياضية، شهد النادي -ولأول مرة في تاريخه- وجود خطة سنوية مكتوبة لبرامجه الرياضية، مقرونة بتواريح ومدد زمنية محددة، تم صياغتها باحترافية بمشاركة واسعة.
وما يميز عبدالله الفارسي عمله الاحترافي في كل شيء، بعيدا عن الارتجال، وإذا ما رأى ما يعكر هذا التوجه، ترك المجال لغيره بصمت وهدوء، وهذا ما حدث للأسف في تلك الفترة.
تحية محبة وتقدير لهذه الشخصية الرياضية، المخلصة للرياضة والنادي، مع تمنياتي له بحياة مفعمة بالصحة والعافية.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.