الأستاذة بركة البكرية.. بركة حب وسلام على الأطفال ذوي الإعاقة في قريات...
هذه المرأة الكريمة المعطاءة لا أعرف أين هي اليوم، ولكن أتذكر جيدا جهودها المخلصة في خدمة المجتمع، وما قدمته لأبناء قريات، لا يمكن أن ينسى.. فهي لا تمت بصلة إلى ولاية قريات، ولكن عُمانيتها وحبها لخدمة أبناء بلدها، جعل منها أيقونة مضيئة في حب العمل التطوعي لخدمة الوطن.
في بداية التسعينيات من القرن المنصرم أو قبل ذلك، أخذت هذه المرأة على عاتقها خدمة الأطفال المعاقين في قريات؛ فكانت تقطع المسافات لدراسة أحوالهم ومساعدتهم، وتجلب لهم الأطباء لإمكانية التغلب على إعاقتهم.
هذه المرأة الصامتة استضافت يوما طفلة معاقة يتيمة لمدة إحدى عشرة سنة في بيتها ومع أسرتها، ودرستها وأشرفت على تربيتها، حتى إكمال تعليمها، والفرحة بزواجها، وقد أصبحت أمًّا لديها من الأطفال الأصحاء، ما تسعد بهم، بفضل تلك الرعاية والحنية من أم وأخت أصيلة.
كانت بركة البكرية -تلك المرأة العصامية- تقطع المسافات من مسقط إلى قريات للإشراف على مركز رعاية الأطفال المعاقين، مع نخبة من بنات الولاية، اللاتي تطوعن لخدمة المجتمع بلا مقابل، وعلى رأسهم الأم الفاضلة مريم الفورية.
بدأت بركة وضع أول بصمات المركز من خلال غرفة في مدرسة للبنات بالجنين، ثم اختارت منزل الوالي القديم الواقع بجوار الحصن بدعم ومساندة من مكتب الوالي، لتكمل فيه مشوار العطاء، فأشرفت على صيانته وتأثيثه، وتدريب المتطوعات للعمل فيه، فكبر المركز ونمت خدماته، حتى تبنى المرحوم الشيخ سعود بهوان -رحمه الله- فتكرم وتبرع ببناء المركز الحالي في حي الظاهر، والذي تشرف عليه الآن جمعية رعاية الأطفال المعاقين.
من بين الأطفال المعاقين في هذا المركز ممن أكمل تعليمه، وتخرج في الجامعة، والصورة المرفقة هي لذلك الطفل الذي قرأ القرآن يوم افتتاح المركز، وهو اليوم في وظيفة محترمة بالدولة، بعدما أكمل تعليمه الجامعي، وقد شرفت بتصويرها في ذلك الوقت، والكتابة عن تاريخ المركز وخدماته في الإعلام، وتوثيق نشاطه ضمن محتويات كتاب أصدرته في التسعينيات بعنوان: «قريات ماض عريق وحاضر مشرق».
فشكرا لبركة البكرية أينما تكون، وقد سمعتها قبل سنوات في لقاء إذاعي، وحديثها -كعادتها- مفعم بحب فعل الخير، والشكر أجزله كذلك لتلك الفتيات الماجدات اللاتي رابطن بجد ووفاء وإخلاص على رعاية وتدريس الأطفال المعاقين في هذا المركز، منذ افتتاحه مع بداية التسعينيات من القرن المنصرم، ورحم الله الشيخ سعود بهوان، الذي تبرَّع بسخاء وكرم لبناء المبنى الحالي لهذا المركز، بعدما بذلت الأخت بركة ورفيقاتها السعي من مكان إلى آخر، لتوفير المكان المناسب لاحتضان الأطفال المعاقين وتدريسهم.
هذا.. وقد تداولت على إدارة جمعية رعاية الأطفال المعوقين شخصيات وفية، وكان مركز الأطفال المعوقين في قريات يؤدي دوره الإنساني والاجتماعي على أحسن ما يرام.
قبل سنوات قامت الجمعية ضمن توجهاتها الجديدة، بطرح مركز رعاية الأطفال المعوقين في قريات للاستثمار، فأصبح مركزا تديره شركة استثمارية، يقدم خدماته للمعوقين بمبالغ بعد ما كانت خدماته مجانية، كما تم الاستغناء عن تلك النساء الفاضلات، المؤسسات لهذا المركز، الأمر الذي نرجوه من جهات الاختصاص بأن تعيد فيه النظر، فرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة قد ضمنها وكفلها النظام الأساسي للدولة، وهي من صميم مهام وأعمال وزارة التنمية الاجتماعية والجهات الأخرى في الدولة، فلا ينبغي لهكذا مشاريع مجتمعية وإنسانية أن تطرح للاستثمار.
كتبه/ صالح بن سليمان الفارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.