الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

من كتاب "قريات.. المكان وآثار الإنسان"

استمرَّ‭ ‬احتلال‭ ‬البرتغاليون‭ ‬لسواحل‭ ‬ولاية‭ ‬قريَّات‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1507م‭ ‬وحتى‭ ‬العام‭ ‬1648م؛‭ ‬بهدف‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الميناء‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬إدارته،‭ ‬وتحجيم‭ ‬النشاط‭ ‬الملاحي‭ ‬للسفن‭ ‬العُمانية‭ ‬والعربية‭ ‬المتَّجهة‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬ومختلف‭ ‬موانئ‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬تخلو‭ ‬توجهاتهم‭ ‬الاستعمارية‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬ذهنية‭ ‬دينية‭ ‬وتبشيرية،‭ ‬امتدادًا‭ ‬لحملات‭ ‬أو‭ ‬حروب‭ ‬صليبية‭ ‬شنَّها‭ ‬الغرب‭ ‬الأوروبي‭ ‬بدوافع‭ ‬دينية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭. ‬
كانت‭ ‬بداية‭ ‬دخول‭ ‬الأسطول‭ ‬البرتغالي‭ ‬إلى‭ ‬سواحل‭ ‬الولاية‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الموافق‭ ‬22‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬لعام‭ ‬1507م،‭ ‬بقيادة‭ ‬ألفونسو‭ ‬دي‭ ‬ألبوكيرك‭ -‬أو‮ ‬أفونسو‭ ‬دو‭ ‬ألبوكيرك‭- ‬نائب‭ ‬الحاكم‭ ‬البرتغالي‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬قادمًا‭ ‬من‭ ‬قلهات‭ ‬وطيوي،‭ ‬ويُشير‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬السجل‭ ‬الكامل‭ ‬لأعمال‭ ‬ألفونسو‭ ‬دي‭ ‬ألبوكيرك‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أنَّه‭ ‬وبعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬قلهات‭ ‬وعيناه‭ ‬لا‭ ‬تفارقان‭ ‬البر،‭ ‬سأل‭ ‬المرشدين‭ ‬المرافقين‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يدلُّوه‭ ‬على‭ ‬موضع‭ ‬أو‭ ‬ميناء‭ ‬يقال‭ ‬له‭ ‬‮«‬إكَّة‮»‬،‭ ‬يبعد‭ ‬عن‭ ‬قلهات‭ ‬بخمسة‭ ‬فراسخ‭ ‬نحو‭ ‬الشمال،‭ ‬موضحا‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الموضع‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحديده‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬كان‭ ‬يحملها‭ ‬معه‭ ‬أعدها‭ ‬بحَّار‭ ‬عربي،‭ ‬مُعتقدا‭ ‬أنه‭ ‬ميناء‭ ‬واسع،‭ ‬وعندما‭ ‬وصل‭ ‬هذا‭ ‬الموضع‭ ‬وأشار‭ ‬له‭ ‬المرشدون‭ ‬عليه،‭ ‬وجده‭ ‬واديًا‭ ‬يجري‭ ‬ومياهه‭ ‬عذبة،‭ ‬وكانت‭ ‬السفن‭ ‬العابرة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬هرمز‭ ‬تتزود‭ ‬منه‭ ‬بمياه‭ ‬الشرب،‭ ‬وقيل‭ ‬إنَّ‭ ‬هذا‭ ‬الموضع‭ ‬هو‭ ‬قرية‭ ‬ضباب،‭ ‬فهي‭ ‬مصب‭ ‬لوادي‭ ‬العربيين،‭ ‬المعروف‭ ‬بسيوله‭ ‬الغزيرة‭ ‬والدائمة،‭ ‬وعلى‭ ‬ضفاف‭ ‬وادي‭ ‬ضباب‭ ‬طوي‭ ‬قديمة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬شاطئ‭ ‬البحر،‭ ‬مياهها‭ ‬عذبة‭ ‬تسمَّى‭ ‬‮«‬طوي‭ ‬قمّاص‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬تُستخدم‭ ‬للورد؛‭ ‬فمرَّ‭ ‬الأسطول‭ ‬البرتغالي‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬الوادي‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬قريَّات‭.
وكان‭ ‬دخوله‭ ‬سواحل‭ ‬الولاية‭ ‬ليلا،‭ ‬ومع‭ ‬صبيحة‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لم‭ ‬يشعر‭ ‬القائد‭ ‬البرتغالي‭ ‬بأي‭ ‬اهتمام‭ ‬أو‭ ‬استقبال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬سكان‭ ‬الولاية‭ ‬كما‭ ‬وجده‭ ‬في‭ ‬قلهات،‭ ‬فأيقَن‭ ‬حينها‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬الولاية‭ ‬يعدون‭ ‬له‭ ‬العدة‭ ‬للمواجهة،‭ ‬فاجتمع‭ ‬بقادته‭ ‬ومجلس‭ ‬حربه‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬سفينة‭ ‬القيادة‭ ‬‮«‬سيون‮»‬‭ ‬المدجَّجة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬والمدافع؛‭ ‬وذلك‭ ‬للتحرِّي‭ ‬ووضع‭ ‬الخطط‭ ‬الحربية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬ميناء‭ ‬الولاية‭ ‬وثرواتها،‭ ‬وبعد‭ ‬تحرِّيهم‭ ‬تبين‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬أبناء‭ ‬قريَّات‭ ‬لم‭ ‬يتقبلوا‭ ‬كافة‭ ‬أشكال‭ ‬الوصاية‭ ‬والهيمنة‭ ‬للعدو‭ ‬وسياسته‭ ‬الاستعمارية‭ ‬البغيضة،‭ ‬ورفضوا‭ ‬أن‭ ‬تطأ‭ ‬قدم‭ ‬عدو‭ ‬مغتصب‭ ‬لتدنس‭ ‬أرضهم‭ ‬الطاهرة،‭ ‬فكانوا‭ ‬مُتأهِّبين‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أرضهم‭ ‬وشرفهم‭ ‬ببسالة‭ ‬وعزم‭ ‬وصبر،‭ ‬فإما‭ ‬النصر‭ ‬بشموخ‭ ‬وكرامة‭ ‬أو‭ ‬الشهادة‭ ‬بعزة‭ ‬وشرف‭.
*تفاصيل أكثر حول ما‭ ‬ورد‭ ‬عن‭ ‬قريَّات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوثائق‭ ‬البرتغالية في الجزء الثالث من كتاب: قريات.. المكان وآثار الإنسان" 2025م*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.