تُؤكد المُعطيات والشواهد التاريخية والمُعاصرة
بأن الإدارة قد أصبحت تُمثل الصانع الحقيقي للتنمية الإنسانية (التنمية
الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية....)، فعلى عاتق الإدارة مسؤُولية إدارة ثروات
الأمة واقتصادها ورُؤُوس أموالها؛ سواءً كان ذلك رأس المال المادي أو رأس المال
الفكري أو رأس المال المُجتمعي، والتي تُمثل أهم عناصر التنمية العصرية. وتُسهم
الإدارة أيضًا في إدارة وتوظيف الموارد المحدُودة والمُتاحة بكفاءة وفاعلية، وبما
يُحقق الأهداف والغايات التنموية للمُجتمع.
وعندما نتأمل الإنجازات التي حققتها الكثيرُ من
حضارات العالم القديم والحديث، ونجاح الكثير من المُنظمات؛ سواءً كانت تلك
المُنظمات حُكُومية أو مُنظمات اقتصادية أو مُنظمات المُجتمع المدني، نجد أن هُناك
سببًا رئيسيا لهذا النجاح وهو وُجُود إدارة واعية وناجحة، عملت بجد ومُثابرة إلى
المزيد من الابتكار والإنتاج، والسير نحو تحقيق التقدم العلمي والمعرفي
والتكنُولُوجي؛ بما يُلبي خططها الإستراتيجية ورُؤيتها المُستقبلية، والتوجه
بالحياة اليومية نحو تحقيق الغايات والأهداف السامية للمُجتمع.
والإدارة اليوم عليها مسؤُولية اجتماعية عظيمة،
خاصة ونحن نعيش عصر المعرفة والتكنُولُوجيا، والتي أصبحت تتصف بالسرعة والتجدد
والتغيير المُستمر. لهذا؛ فقد أصبحت دُول العالم اليوم تتسابق على استقطاب الموارد
البشرية المُؤهلة والقادرة على إدارة استثماراتها ومواردها بكفاءة وفاعلية،
واستغلالها الاستغلال الأمثل، وُصُولا إلى تحقيق تنمية مُستدامة واستقرار اجتماعي
لكافة أفراد المُجتمع.
وتُؤكد المُعطيات والمُمارسات أن المُشكلات
والعوائق التي تُواجهها التنمية الإنسانية في العالم لا تنحصرُ في توافُر الموارد
المادية فحسب، وإنما هُناك أزمةٌ حقيقيةٌ في إدارة تلك الموارد بطريقة علمية،
ولهذا فقد أصبحت الإدارة تُشكل عامل نجاح أو تخلف لأي دولة أو مُنظمة. فكم من دولة
لا تمتلك الثروات المادية، ولكن بسبب نظامها الإداري العصري والقوي بفكره وبصيرته
تجاه المُستقبل والمُتوافق مع مبادئ وقيم المُجتمع وتطلعاته المُستقبلية أصبحت من
الدول التي يُشار إليها بالبنان لما حققته من تقدم وتطور شمل كافة مجالات الحياة.
وفي نفس الوقت تجد الكثير من الدول الغنية
بثرواتها الطبيعية تعيش في ظلام دامس من التخلف والتأخر الحضاري نتيجة لضعف وترهل
نظامها الإداري، وعدم إدارة تلك الثروات بطريقة علمية وتتواءم مع واقعها وظرُوف
البيئة وتطلعات ومُتطلبات المُجتمع المتغيرة، ولهذا أصبحت من الدول المتخلفة
والفقيرة في تنميتها الإنسانية على الرغم من امتلاكها لثروات عظيمة.
ونستطيع أن نستنتج مما سبق أن الإدارة هي صانعة
للتنمية الإنسانية طالما عملت على إدارة الموارد المتاحة بطريقة تلبي احتياجات
المُجتمع، وتتفق مع قيمه الثابتة ومُتطلبات عصره، وركزت على الاستثمار في تنمية
الموارد البشرية (رأس المال الفكري)، وعملت على تحفيزه نحو تقديم أفضل ما لديه من
طاقات كامنة وخلاقة ومُتجددة، ولهذا فإن الموارد البشرية تُمثل اليوم واحدة من أهم
الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الإنسانية واستدامتها في العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.