شهدت الإدارة تطورا نوعيا في المُمارسة والأداء
عبر المراحل التاريخية التي مرت بها الإنسانية، وهي بمثابة حالة فطرية في الإنسان
لكونه يمتلك من الطاقات والملكات ما تُؤهله للخلافة في الأرض خلافة إصلاحية
وتعميرية، كما لها ارتباط وثيق بحياته مُنذ وُلادته وحتى وفاته، وتُشكل المُمارسات
اليومية للإنسان والقرارات التي يتخذها لتنظيم شُؤون حياته والمُواصلة لتحقيق
أهدافه في الحياة، وتحل له مشاكله سُلوكًا إداريا وفق مفهُومها الحديث.
وتُؤكد الدراسات التاريخية أن الإدارة قامت مُنذ
تواجد الإنسان على هذه الأرض، وشهدت تطورا مُتواصلا عبر مسيرة تطور الفكر
الإنساني، والتحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مرت بها
الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. والإدارة هي نشاط مُستمر يرتبطُ بالسلوك البشري،
ويشتركُ فيه أفرادٌ يتميزون بمهارات فكرية وفنية وإنسانية وقُدرات معرفية، ضمن
جُهُود مُشتركة تُمكنهم من تحقيق غاياتهم وأهدافهم بكفاءة وفاعلية وبأمانة والتزام.
ويرى الكثيرُ من المُفكرين أن الإدارة هي مقياس مُهم
لتقدم أي مُجتمع من المُجتمعات، وهي إحدى أهم الأنشطة الإنسانية وأكثرها شمولًا
وأهمية وحيوية، وعليها مسؤُولية كبيرة تجاه تطور التنمية الإنسانية وتقدم المُجتمع
ورُقي الفكر الإنساني عبر التاريخ.
والمُتمعن والمتأمل في الإنجازات التي حققتها
الحضارات الإنسانية مُنذ قديم الزمان فإنها تؤكد أن تلك الإنجازات ما كان لها أن
تتحقق لولا وُجُود إدارة واعية تعمل وفق أُسُس موضُوعية ومبادئ سامية تتناسب مع
واقعية وظرُوف تلك المراحل التاريخية وتطور الفكر الإنساني ومعارفه المُختلفة.
وإذا أردنا أن نتأكد من ذلك ننظُر إلى الشواهد
التاريخية (المادية والفكرية) لحضارة الفراعنة بمصر وبلاد ما بين النهرين وحضارة
اليمن... وغيرها من الحضارات الإنسانية القديمة، وكذلك ما خلفته الحضارة العُمانية
من مُنجزات حضارية وإنسانية، وخير شاهد على ذلك الأفلاج ونظام الري وزراعة المُدرجات
الجبلية والقلاع والحُصُون والاتصال والتواصُل مع الحضارات القديمة عبر البحار
والمُحيطات، وغيرها من مُنجزاتهم العلمية والمعرفية. وتلك المُنجزات لم تتحقق لولا
وُجُود إدارة واعية تُخطط وترسُم المُستقبل لها رُؤية وأهداف وغايات إنسانية
نبيلة، وتضافُرت معها الجُهُود من أجل صُنع ما نعيشُه اليوم.
هذا.. وقد أصبحت الإدارة اليوم تلعب دورًا محوريا
في تطور التنمية الإنسانية، وهي مُؤشر رئيسي على تقدم أو تخلف المُجتمعات
الإنسانية، وهي في نفس الوقت سببٌ رئيسي في صُنع الحضارات البشرية؛ لما تُمثله
الإدارة من أهمية في توجيه المشاعر والأفكار والإمكانات والقُدرات نحو تحقيق
الأهداف والغايات، وتحويل الموارد المحدودة إلى إنجازات مُفيدة وفعالة لها إسهامٌ
مُباشر في تطور ورُقي التنمية الإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.